إسرائيل قنوهل: من كتاب "الشفرة الوراثية للعهد القديم"
ترجمة: عمرو زكريا

"ديانة الآباء" والاسم "إسرائيـل"

تعكس الروايات عن الآباء إبرهيم ويعقوب، فى رأيى، وجود لاجئى الحرب من "حاران" الذين استوطنوا منطقة الجبل المركزى فى العقود الأخيرة من القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وكان الكيان الإلهى المسمى "إيل" "אל"، وفقاً للصورة التى تتضح من العهد القديم، مركز العقيدة الدينية للآباء، كما أطلقت عليه أسماء مركبة تضم العنصر "אל""إيل" مثل "אל שדי" (الإله القادر على كل شىء، الإله القدير) و"אל עליון" (إيل العَلِى) (التكوين 14: 22) و"אל עולם" (الإله السرمدى) (التكوين 21: 33) و "אל אלוהי ישראל" (إيل إله إسرائيل) (التكوين 33: 20)"אל בית אל" (إله بيت إيل) (التكوين 31: 13؛ 35: 7). وإن ما ورد فى سفر الخروج 6: 3 عام ويقول "وَأَنَا ظَهَرْتُ لإبرهيم وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِأَنِّي الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا بِاسْمِي «يَهْوَهْ» فَلَمْ أُعْرَفْ عِنْدَهُمْ" ونجد فعلاً أن الله يتجلى للآباء باسم "الإله القدير" (التكوين 17: 1؛ 35: 11؛ 48: 3).
يستنتج من ذلك أن الكيان الإلهى "إيل" كان مركز عقيدة أوائل الإسرائيليين الذين جاءوا من "حاران"واستوطنوا أرض "كنعان".
إن اسم "إيل" نعرفه من المعبد الكنعانى؛ فإيل الكنعانى هو أبو جماعة الآلهة ويعتبر أيضاً خالق الأرض، غير أن العهد القديم يربط "إيل" بـ"يهوه" ويعتبر لقب "إيل" لقباً شرعياً لإله إسرائيل.
يتضح من العهد القديم أن عائلة إبرهيم فى "حاران" فى منطقة نهر الفرات عبدت آلهة أخرى، هكذا يقول يشوع لبنى إسرائيل: "آبَاؤُكُمْ سَكَنُوا فِي عَبْرِ النَّهْرِ مُنْذُ الدَّهْرِ. تَارَحُ أَبُو إبرهيم وَأَبُو نَاحُورَ، وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى" (يشوع 24: 2) ولو طبقنا هذه الكلمات على الواقع التاريخى لكان لزاماً علينا استنتاج أن الكيان الإلهى المسمى "إيل" لم يعبد فى منطقة "حاران" فى عصر الآباء، وأنه سادت عبادة آلهة أخرى فى المنطقة. ولقد اتضح بالفعل من الحفريات الأثرية التى أجريت فى مدينة "إيمار" الواقعة على شاطى نهر الفرات -ليس بعيداً عن حاران- أنه لم تجر فى هذا المكان أية طقوس دينية لـ"إيل" فى القرن الثالث عشر قبل الميلاد. ولقد احتل الإله "دجان" مكانة الإله إيل كأب للآلهة فى هذه المنطقة المرتبطة بنمو المحاصيل، لذلك فإن المنطقة التى تقع فيها "حاران" تسمى فى منطقة بلاد النهرين القديمة "بلاد دجان". وفى المقابل لم تجر فى كنعان أى طقوس دينية للإله دجان. بل إن مدينة حاران نفسها قد عرفت فى العصر القديم كمركز لعبادة إله القمر. ونظراً للشبه بين صور القمر فى بداية الشهر وبين قرنى الثور كان من المتبع ربط إله القمر بالثور أو العجل ذى القرنين. وفى الأسطورة السومرية يعتبر إله القمر ابن "إنليل" إله الهواء والرياح؛ ولذا يسمى "عجل إنليل".
عندما وصل اللاجئون من "حاران" إلى "كنعان" اتصلوا بالجماعة الكنعانية المحلية التى انضمت إليهم واختلطت بهم. هكذا وجد المهاجرون من شمال سوريا أن الإله الرئيسى الذى عبدوه فى بلادهم غير معروف ولا يعبد فى "كنعان". فكيف يتعامل المهاجرون مع هذا الوضع؟ رأينا فى الفصول السابقة أن الكنعانيين الذين هاجروا إلى مصر فى عصر الهكسوس ربطوا الإله المحبب إليهم "بعل" بالإله المصرى "ست". وكان أساس هذا الربط هو الشبه الوظيفى بين الإلهين: ارتبط كلاهما برياح الأمطار. على ضوء هذا نعتقد أن اللاجئين الذين جاءوا من "حاران" إلى "كنعان" تصرفوا بطريقة مشابهة؛ فقد ربطوا الإله "دجان" -أبا الآلهة فى منطقة "حاران"- بـ"إيل" أبو الآلهة الكنعانية. كما ارتبط "إيل" الكنعانى بالثور وسمى "ثور إيل". يأتى هذا اللقب ليرمز إلى عظمة "إيل" وقوته؛ لذلك كان من الممكن أن يصبح "إيل" بديلاً لإله القمر فى "حاران" الذى اعتادوا تمثيله -كما ذكرنا- على هيئة الثور.
أعتقد أن هذا التحول الدينى وقبول "إيل" الكنعانى إلهاً رئيسياً للاجئى "حاران" ينعكس فى اسم ישראל "إسرائيل" الذى أصبح مسمى لهذه الجماعة من المهاجرين. يرتكز التفسير الذى يقدمه العهد القديم لهذا الاسم على رواية عن الصراع الذى دار بين يعقوب وملاك الرب: "כי שרית עם אלוהים ועם אנשים ותוכל" "لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ" (التكوين 32: 29؛ انظر أيضاً “هوشع” 12: 4-5). غير أنه كما قال "سمحا قوجوط" باحث لغة العهد القديم أن تفسير الاسم إسرائيل اعتماداً على صورة الصراع مع الرب أمر صعب من ناحيتين: صعوبة البناء والصرف والصعوبة اللاهوتية. إن الأسماء التى تنتهى بالعنصر "إيل" هى مبنية بشكل عام على هيئة جملة تكون كلمة "إيل" فيها الفاعل (المسند إليه) وقبلها فعل يعتبر المسند أو الخبر. فعلى سبيل المثال "ישמעאל" "إسماعيل" معناه "سيسمع الرب" و "ירחמאל" يرحمإيل " معناه "سيرحم الرب" و"יחזקאל" "حزقيال" معناه "سيقوى الرب". وفى المقابل وفقاً تفسير العهد القديم لاسم "ישראל" "إسرائيل" فإن "إيل" ليس المسند إليه لكنه المسند! ومن هنا أيضاً تأتى المشكلة اللاهوتية؛ فإنه وفقاً لهذا التفسير فإن "إسرائيل" يخلد فشل الإله "إيل" فى صراعه مع الإنسان!.
يبدو إذاً أن المعنى الأصلى لاسم "إسرائيل" لا يرتبط بالصراع لكن بالحكم والسلطة "שררה".
يصف سفر القضاة حكم "أبيمالك" لإسرائيل بالكلمات التالية: "וישר אבימלך על ישראל שלש שנים" فَتَرَأَّسَ أَبِيمَالِكُ عَلَى إِسْرَائِيلَ ثَلاَثَ سِنِينَ" (القضاة 9: 22). ونرى هنا من الاسم "שר" الذى معناه الحاكم أو القائد قد اشتق من الفعل "שרר" الذى يعبر عن الحكم والسيادة. ويظهر هذا الفعل أيضاً فى صورة الجمع فى المستقبل -"ישורו" اى سيحكمون؛ فيقول النبى “إشعياء”: "הן לצדק ימלך מלך ולשרים למשפט ישרו"، "هُوَذَا بِالْعَدْلِ يَمْلِكُ مَلِكٌ، وَرُؤَسَاءُ بِالْحَقِّ يَتَرَأَّسُونَ" (“إشعياء” 32: 1)، ومثل ذلك تقول الحكمة فى سفر الأمثال: "בי מלכים ימלכו...בי שרים ישרו" "بِي تَمْلِكُ الْمُلُوكُ...بِي تَتَرَأَّسُ الرُّؤَسَاءُ" (الأمثال 8: 15-16). تبرز المقارنة بين أفعال الملك والحكم أيضاً فى المكتوب فى سفر “هوشع”: "הם המליכו ולא ממני, השירו ולא ידעתי" "هُمْ أَقَامُوا مُلُوكًا وَلَيْسَ مِنِّي. أَقَامُوا رُؤَسَاءَ وَأَنَا لَمْ أَعْرِفْ." (“هوشع” 8: 4).
يتضح على ضوء ما ذكرنا أن تركيب الاسم "ישראל" "إٍسرائيل" يشبه تركيب الأسماء "ישמעאל" "إسماعيل", "ירחמאל" "يرحمإيل", "יחזקאל" "حزقيال". وعلى غرار هذه الأسماء فإن كلمة "إيل" مسند إليه يسبقه الفعل كمسند. إن المعنى الأصلى لكلمة "ישראל" "إسرائيل" هو إذا "ישור-אל" "ياسور إيل" أى أن "إيل" سيكون حاكماً وملكاً ورئيساً. وإذا كان الأمر كذلك فإن الجملة الكامنة فى اسم "ישראל" "إسرائيل" توازى مقولة "الرب يملك" (الخروج 15: 18). يبدو أن الاستخدام هنا للفعل "ישור" بمعنى "يملك" يناسب أسلوب اللغة الحورية فى وصف ملكوت الآلهة بواسطة استخدام كلمة "שר". كانت منطقة "حاران" -كما ذكرنا- جزءاًً من مملكة "ميتانى" التى كان فيها وجود حورى كبير؛ لذلك فمن المفهوم لماذا استخدم اللاجئون من "حاران" الفعل "ישור" للإشارة إلى ملك "إيل"؟.
يعبِّر اختيار جماعة اللاجئين من "حاران" بعد توطنها فى كنعان لاسم "إسرائيل" عن التحول الدينى الذى مرت به؛ فقد كان الإله "دجان" فى المنطقة التى جاءوا منها فى شمال سوريا أبا الآلهة وملكهم، وعند مجيئهم إلى أرض "كنعان" واتصالهم بالسكان المحليين استبدلوا سلطان دجان بسلطان "إيل" أبى الآلهة الكنعانية، والنداء "يسور إيل" "ישור אל" هو إعلان دينى يعبر عن قبول سيادة وملكوت "إيل". الآن يمكننا - وبشكل أعمق - فهم الاسم الذى أعطاه يعقوب للمذبح الذى أقامه فى مدينة "شكيم" فور وصوله إلى حاران: " وَأَقَامَ هُنَاكَ مَذْبَحًا وَدَعَاهُ «إِيلَ إِلهَ إِسْرَائِيلَ» " (التكوين 33: 20). هكذا أصبح "إيل" الكنعانى " إِيلَ إِلهَ إٍسرائيل".


E. Fleming, Time at Emar, Winona Lake, IN: 2000, p. 207
. على ضوء هذا علينا أن نشكك فى أصالة الأسماء "קמואל", "בתואל" كأسماء لأبناء ناحور (التكوين 22: 21-22). يبدو أن هذه الأسماء التى تحتوى على العنصر "إيل"، تعكس عادات العبادة لدى الآراميين فى العصر الذى كتبت فيه هذه القرات وليس واقع منطقة حاران فى القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وحول " קמואל" وحول عبادة "إيل" فى الديانة الآرامية انظر:

E. Lipinski, The Aramean, Louvain: 2000, pp. 602, 614-617.

هكذا فى عنوان سرجون من أكار (القرن الرابع والعشرون قبل الميلاد). انظر ANET, p.268 وكذلك عند D. E. Fleming, The Installation of Baal’s High Priestess at Emar, Atlanta, GA: 1992, pp. 240-252.
الإسم الأكدى لهذا الإله كان سينن، وسمى فى السومرية ننه. والاسم السورى لاله القمر كان شجر. حول عبادة إله القمر فى حاران
انظر T.M. Green, The City of the Moon God, Leiden: 1992; E. Lipinski, Studies in Aramaic Inscriptions and Onomastics, Leuven: 1975, pp. 171-192.

انظر الحوار والتوجيهات عند D. E. Fleming, “If El is a Bull, Who is a Calf?”, Erls 26 (1999) p. 26 n. 11. عن إله القمر فى حاران وتصويره فى شكب ثور انظر: O. Keel and M. Bernett, Mond, Stier und Kult am Stadttor, Freiburg: 1988.

انظر فلمنج، نفس المرجع، ص 24.

انظر فلمنج، نفس المرجع.

שמחה קוגוט, "מדרש השם ל'יעקוב' ול'ישראל' ותפיסת המרת השם בפרשנות היהודית המסורתית: בחינות סמנטיות ותחביריות", בתוך: אליהו דב אייכלר, יעקב חיים טיגאי ומרדכי כוגן (עורכים), תהלה למשה, מחקרים במקרא ובמדעי היהדות מוגשים למשה גרינברג, וינונה לייק, אינדיאנה: תש"ז, עמ' 219-234.

انظروا المراجع التى يناقشها قوجوط، نفس المرجع، ص 228.

تظهر فى سفر أخبار الأيام الأول 15: 22، قائمة اللاويين أصحاب المناصب ومن بينهم "وَكَنَنْيَا رَئِيسُ اللاَّوِيِّينَ" الذى قيل عنه " مُرْشِدًا فِي الْحَمْلِ لأَنَّهُ كَانَ خَبِيرًا". ويبدو أن الفعل "יסר" هو فى الواقع "ישר". انظر F. Brown, S. R. Driver and C. A. Briges, Hebrew and English Lexicon of the Old Testament, Oxford: 1953 "שרר" (ص 979). يعتقد بعض الباحثين أن الكلمة "ملاك" فى سفر يشوع 12: 5 هى إضافة تحريرية. وفقا لهذا الرأى يجب تفسير الكلمات

"וישר אל" فى هذه الفقرة من لغة السيادة وليس الصراع. انظر R. S. Chalmers, “Who is the Real El? Reconstruction of the Prophet’s Polemic in Hosea 12: 5a”, CBQ 68 (2006), pp. 626-628.

H. L. Ginsberg and B. Maisler, “Semitised Hurrians in Syria and Palestine”, JPOS 14 (1950), pp. 250-251.
__________________