إذا سُئلت: إن في مسجد رسول _صلى الله عليه وسلم_ قبراً.مــــــــــــــــــاذا تقول؟!


الشيخ ابن بــــــــــــــاز_ رحمه الله_ يجيب:

هل الصلاة في مسجد فيه قبر يختلف عن الذي فيه قبران أو ثلاثة ، وما الحكمة من وجود قبرالنبي _صلى الله عليه وسلم_ وصاحبيه في المسجد النبوي ؟


س : هناك من يقول : إن الصلاة يخـتلف حكمها في المسجد الذي فيه قبر عن المسجد الذي فيه قبران عن المسجد الذي فيه ثلاثة أو أكثر . نرجو التوضيح في هذا؟ ، وكيف الحكم والنبي _صلى الله عليه وسلم_ قال : (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) مع العلم بأن بعض الناس الذين يأتون من المدينة المنورة يحتجون بأن مسجد النبي_صلى الله عليه وسلم_ فيه قبره _عليه الصلاة والسلام_ وقبر صاحبيه _رضي الله عنهما_فهو كعامة المساجدتجوز الصلاة فيه ، أرجو التوضيح؟! .


ج : الرسول صلى الله عليه وسلم لعن من يتخذ المساجد على القبور ، وحذر من ذلك ، كما في الحديث السابق ، وقال : (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجدفإني أنهاكم عن ذلك) رواه مسلم في الصحيح ،

وروى الشيخان ، عن عائشة رضي الله عنها ،أن أم حبيبة وأم سلمة _رضي الله عنهما_ذكرتا للنبي _صلى الله عليه وسلم_ كنيسة رأتاهابأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله)

فبين _صلى الله عليه وسلم_ أن الذين يبنون المساجد على القبور هم شرار الخلق عند الله ، وحذر من فعلهم .




فدل ذلك على أن المسجد المقام على قبر أو أكثر لا يصلى فيه ، ولا فرق بين القبر الواحد أو أكثر ، فإن كان المسجد هو الذي بني أخيرا على القبور وجب هدمه ،وأن تـترك القبور بارزة ليس عليها بناء ، كما كانت القبور في عهده _صلى الله عليه وسلم_ ، في البقيع وغيره ، وهكذا إلى اليوم في المملكة العربية السعودية ، فالقبورفيها بارزة ليس عليها بناء ولا قباب ولا مساجد ، ولله الحمد والمنة .



أماإن كان المسجد قديما ولكن أحدث فيه قبر أو أكثر فإنه ينبش القبر وينقل صاحبه إلىالمقابر العامة التي ليس عليها قباب ولا مساجد ولا بناء ، ويبقى المسجد خاليا منهاحتى يصلى فيه .


أما احتجاج بعض الجهلة بوجود قبر النبي _صلى الله عليه وسلم_، وقبر صاحبيه في مسجده فلا حجة في ذلك؛ لأن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ دفن في بيته وليس في المسجد ، ودفن معه صاحباه أبو بكر وعمر _رضي الله عنهما_ ، ولكن لما وسع الوليد بن عبد الملك بن مروان المسجد أدخل البيت في المسجد؛ بسبب التوسعة ، وغلط في هذا ، وكان الواجب أن لا يدخله في المسجد؛ حتى لا يحتج الجهلة وأشباههم بذلك ، وقدأنكر عليه أهل العلم ذلك ، فلا يجوز أن يقتدى به في هذا ، ولا يظن ظان أن هذا من جنس البناء على القبور أو اتخاذها مساجد؛ لأن هذا بيت مستقل أدخل في المسجد؛ للحاجة للتوسعة ، وهذا من جنس المقبرة التي أمام المسجد مفصولة عن المسجد لا تضره ، وهكذاقبر النبي _صلى الله عليه وسلم_ مفصول بجدار وقضبان .




رد الإمام الألباني رحمه الله على شبهة وجود القبر النبوي في المسجد النبوي:كثرالكلام من بعض الأخوة عن وجود قبر النبي _صلى الله عليه وسلم_ في المسجد النبوي مع تحريم النبي _صلى الله عليه وسلم_ لهذا الفعل وهذه نفسها هي حجه القبوريينفوجدت كلاماً للشيخ العلامة المحدث / محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – في كتابه(تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ) [ص84] فأحببت نقله لتعم الفائدة والحق أحق أن يتبع :


قال الشيخ: (( وأما الشبهة الثانية : وهى أن قبر النبي _صلى الله عليه وسلم_ في مسجده كما هو مشاهد اليوم ولو كان حراماً لم يدفن فيه !

والجواب :أن هذا وإن كان هو المشاهد اليوم فأنه لم يكن كذلك في عهد الصحابة_رضي الله عنهم_ فإنهم لما مات الرسول _صلى الله عليه وسلم_ دفنوه في حجرته التي كانت بجانب مسجده وكان يفصل بينهماجدار فيه باب ، كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يخرج منه إلى المسجد وهذا أمر معروف مقطوع به عند العلماء ولا خلاف في ذلك بينهم والصحابة _رضي الله عنهم_ حينما دفنوه_ صلى الله عليه وسلم_ في الحجرة إنما فعلوا ذلك كي لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجداً كما سبق بيانه في حديث عائشة وغيره (ص11-12).

ولكن وقع بعدهم مالم يكن في حسبانهم ! ذلك أن الوليد بن عبد الملك أمر سنة ثمان وثمانين بهدم المسجد النبوي وإضافة حُجر أزواج رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ إليه فأدخل فيه الحجرة النبوية حجرة عائشة فصار القبر بذلك في المسجد ولم يكن في المدينة المنورة أحد من الصحابة حينذاك خلافاً من توهم بعضهم .




قال العلامة الحافظ محمد بن عبد الهادي في (( الصارم المنكي )) [ ص 136-137] :
وإنما أدخلت الحجرة النبوية في المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك بعد موت عامه الصحابة الذين كانوا بالمدينة وكان أخرهم جابر بن عبد الله وتوفي في خلافة عبد الملك فإنه توفي سنة ست وثمانين


والوليدتولى سنة ست وثمانين وتوفي سنة ست وتسعين فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيمابين ذلك ، وقد ذكر أبو زيد عمر بن أبي شبّة النميري في كتاب ( أخبار المدينة)مدينة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ عن أشياخه عمن حدثوا عنه أن عمر بن عبد العزيز لماكان نائباً للوليد في سنة إحدى وتسعين هدم المسجد وبناه بالحجارة المنقوشة وعملسقفه بالساج وماء الذهب وهدم حجرات أزواج النبي _صلى الله عليه وسلم_ فأدخلها في المسجد وأدخل القبر فيه .



يتبين لنا مما أوردناه أن القبر الشريف إنما دخل إلى المسجد النبوي حين لم يكن في المدينة أحد من الصحابة وأن ذلك كان على خلاف غرضهم الذي رموا إليه حين دفنوه في حجرته_صلى الله عليه وسلم_فلا يجوز لمسلم بعد أن يعرف هذه الحقيقة أن يحتج بما وقع بعد الصحابة لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة وما فهم الصحابة والأئمة منها كما سبق بيانه وهو مخالف لصنيع عمر وعثمان حين وسعا المسجدولم يدخلا القبر فيه ولهذا نقطع بخطأ ما فعله الوليد بن عبد الملك عفا الله عنه ولئن كان مضطراً إلى توسيع المسجد فإنه كان باستطاعته أن يوسعه من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة الشريفة وقد أشار عمر بن الخطاب إلى هذا النوع من الخطأ حين قام هو _رضي الله عنه_ بتوسيع المسجد من الجهات ولم يتعرض للحجرة بل قال: (( إنه لاسبيل إليها )) فأشار إلى المحذور الذي يترقب من جراء هدمها وضمها إلى المسجد .



ومع هذه المخالفة الصريحة للأحاديث المتقدمة وسنة الخلفاء الراشدين فإن المخالفين لما أدخلوا القبر النبوي في المسجد الشريف احتاطوا للأمر شيئاً مـــــافحاولوا تقليل المخالفة ما أمكنهم .

قال النووي في شرح مسلم (5 /14) : ( ولمااحتاجت الصحابة و التابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ، ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضيالله عنهما بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي العوام ويودي إلى المحذور ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر ).


ونقل الحافظ ابن رجب في الفتح نحوه عن القرطبي كما في الكواكب وذكر ابن تيمية في الجواب الباهر : ( أن الحجرة لما أدخلت إلى المسجد سُد بابها ، وبني عليها حائط آخر صيانة له صلى الله عليه وسلم أن يتخذبيته عبداً وقبره وثناً ).قلت : ومما يؤسف أن هذا البناء قد بني عليه منذ قرون – إن لم يكن أزيل – تلك القبة الخضراء العالية والسجف وغير ذلك مما لا يرضاه صاحب القبر نفسه صلى الله عليه وسلم ، بل لقد رأيت حين زرت المسجد النبوي الكريم وتشرفت بالسلام عليه صلى الله عليه وسلم سنة 1368هـ رأيت في أسفل حائط القبر الشمالي محراباً صغيراً ووراءه سدة مرتفعة عن أرض المسجد قليلاً ، إشارة إلى أن هذا مكان خاص للصلاة وراء القبر؟


فعجبت حينئذ كيف ظلت هذه الظاهرة الوثنية قائمه حتى في عهد دوله التوحيد ؟

أقول هذا مع الاعتراف بأنني لم أر أحداً يأتي ذلك المكان للصلاة فيه لشدة المراقبة من قبل الحراس الموكلين على منع الناس من أن يأتوا بما يخالف الشرع عند القبر الشريف فهذا مما تشكر عليه الدولة السعودية ولكن هذا لا يكفي ولا يشفي ، وقد كنت قلت منذ ثلاث سنوات في كتابي ( أحكام الجنائز وبدعها ) [ص 208]

(فالواجب الرجوع بالمسجد النبوي إلى عهده السابق وذلك بالفصل بينه وبين القبرالنبوي بحائط يمتد من الشمال إلى الجنوب بحيث أن الداخل إلى المسجد لا يرى فيه أي مخالفة ترضي مؤسسه صلى الله عليه وسلم ، اعتقد أن الواجب على الدولة السعودية إذاكانت تريد أن تكون حامية التوحيد حقاً ، وقد سمعنا أنها أمرت بتوسيع المسجد مجدداًفلعلها تـتبنى اقتراحنا هذا وتجعل الزيادة من الجهة الغربية وغيرها وتسد النقص الذي سيصيب سعه المسجد إذا نفذ الاقتراح أرجو أن يحقق الله ذلك على يدها ومن أولى بذلك منها) ؟.

ولكن المسجد وسع منذ سنتين تقريباً دون إرجاعه إلى ما كان عليه في عهدالصحابة ، والله المستعان .



وينبغي للمسلم أن يبين لإخوانه هذا؛ حتى لايغلطوا في هذه المسألة .


والله ولي التــــــــــــوفيق..


القناة الرسمية للشيخ صالح المغامسي حفظه الله
http://www.youtube.com/user/alrasekhooncom