منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1

    دموع جافة لريمة الخاني ترجمة فتحية حيزم

    السلام عليكم
    اخترت لكم مو موقع الداعية الذي يهمني ان اقرا له هذا الموضوع



    العالم الإسلامي

    بين الغزو العسكري والغزو الفكري

    بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي

    يتعرَّض العالم الإسلامي إلى غزو واسع من العالم الغربي منذ زمن غير قليل ، إلا أنه في هذه المرحلة أخذ صورةً جديدةً فيها جرأةٌ على الإسلام والمسلمين ، واستخفاف بهم وتحدٍّ لهم . وجمعت هذه الصورة الجديدة قسْوة الغزو العسكري ووحشيّته وامتداد الغزو الفكري واتساع أثره وفتنته .

    إنَّ وحشيّة الغزو العسكريّ في فلسطين وأفغانستان والعراق ومناطق أخرى ظاهرة للعيان . والعالم الإسلامي يقف أمامها مشلول القوى خائر العزائم غير قادر على صدِّها ، بين ضجيج الشعارات واضطراب الخطوات وتمزُّق المحاولات، فنزل بالمسلمين من الهزائم ما لم يشهده تاريخ المسلمين أبداً .

    ولا نقول إنَّ هذا الغزو جاء مفاجئاً ، إلا للغافلين النائمين ، يستيقظون على هوله وسرعته . لقد جاء هذا الغزو على سنن لله ماضية عادلة حقٍّ لأن الله لا يظلم أحداً ولا يظلم شيئاً . وفي الوقت نفسه جاء على خطّة مدروسة ونهج معدٍّ لدى الغرب . ونعتقد أن ملامح هذه الخطة بدأت تظهر مع أوائل القرن السادس عشر في هجمة على جنوب شرق آسيا ، حين انطلقت البرتغال إلى " مالاقا " ، وحين قال قائد الحملة يخاطب جنوده : " .... وأؤكد لكم إذا استطعنا تخليص مالاقا فستنهار القاهرة ... وبعدها مكة نهائيّاً ..." ! وعندما سقطت " مالاقا " أقامت روما قدَّاس شكر ! وخطب أحدهم أمام ليو العاشر فقال : " إنَّ هذا النصر سيسهِّل استعادة القدس " ! وامتدَّ الغزو مع القرون إلى شمال أفريقيا وإلى عدن ومصر والسودان والبحرين ومسقط والكويت ، والقوقاز وطشقند وسمرقند وبخارى وأوزبكستان . وتقسم العالم الإسلامي إلى قطع متناثرة في تاريخ يحمل من المآسي الشيء الكثير .

    وفي هذه المرحلة الطويلة ، صادف أن انطلق هذا الغزو العسكري والمسلمون في بداية وهن وضعف آخذ بالازدياد ، لا يستيقظون من مأساة إلا على مآسي جديدة متلاحقة .

    ورافق هذا الغزو كذلك غزو فكريّ مدروس ، تتسلل معه الفتنة في ديار المسلمين ، تكتسب كلَّ يوم جنوداً لها من المنتسبين إلى الإسلام . وكما فشل المسلمون في صدِّ الغزو العسكري ، فشلوا كذلك في صدّ الغزو الفكري ، حتى عمَّ العالم الإسلامي حركاتٌ منظمة تجاهر بحرب الإسلام ، وحركات تتخفَّى وراء زخارف لتنفث سمومها ، وحركات هجمت على نصوص الكتاب والسنَّة تفسد تأويلها وتنشر فتاويها وتلبّس على الناس دينهم ، وتلقي بينهم قضايا تشغلهم عن مجابهة الخطر الحقيقي الذي يُهدِّد الأمة كلِّها .

    وتعاون الغزوان العسكري والفكري في إضعاف الأمة وتمزيقها وشلِّ قواها، ونشر الفتنة بعد الفتنة .

    إنك تجد اليوم من يعلن أنه لا يرضى بتدخل الدول الأجنبية في شؤون دولهم ، دون أن ينتبه إلى أن هذه الدول الأجنبية قد اخترقت الأمة بفكرها وزخارفها ، وأصبح لها موالون ودعاة مؤيدون ، ودون أن ينتبه إلى أنه هو من الداعين للفكر الغربي والحياة الغربية ولو تحت شعار الإسلام .

    يُفترض أنَّ من يدعو إلى الإسلام ، ويعلن عن نفسه أنه داعية مسلم أن يلتزم هو بالإسلام ديناً وفكراً ومنهج حياة ، وأن تتناسق مصطلحاته مع نصوص دين الله وشرعه. لقد اختلطت مصطلحات الوطنية والإقليمية والقومية مع مصطلحات الإسلام ، دون أن تبيّن حدود كل مصطلح ومفهومه وتطبيقه .

    فالإسلام يصوغ جميع هذه المصطلحات صياغة جديدة لترتبط كلها من خلال تشريعه : العائلية والرحم ، الوطنية والإقليمية ، والقومية مع قواعد الإسلام، ومن خلال تشريع ربَّانيّ يجمع البشريّة كلَّها في ظلاله وتتناسق الروابط كلها من خلاله كذلك ، لتأخذ كل واحدة من هذه الروابط مـعنى وحدوداً من شرع الله ، حتى لا تتحوّل أيٌّ منها إلى عصبيّة جاهليّة حرَّمها الإسلام ، ودون أن يدَّعي أحد أن أيَّاً منها يمثّل شرعاً جديداً أو منهج حياة جديداً ، ويظل في الإسلام بين جميع هؤلاء أخوّة واحدة هي أخوّة الإيمان التي شرعها الله:

    ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)

    [ الحجرات : 10]

    وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن الرسول r قال : ( المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمَّى والسهر )

    [ رواه أحمد ومسلم ، صحيح الجامع الصغير وزيادته : رقم 6667]

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول r قال :

    ( المسلم أخو المسلم ، لا يخونه ، ولا يكذبه ، ولا يخذله ، كلّ المسلم على المسلم حرام : عرضه وماله ودمه . التقوى هاهنا ـ وأشار إلى القلب ـ بحسب امرئ من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم )

    [رواه الترمذي . صحيح الجامع الصغير وزيادته رقم : 6706 ]

    وأحاديث أخرى كثيرة تحدّد حقوق الأخوة الإيمانية وواجباتها ، وتنظم علاقاتها في منهج متماسك ، لتكون هي الرابطة الربَّانيَّة الوحيدة التي تجمع الناس كلّهم على الحقِّ .

    ولقد حرص الغرب على إثارة العصبيات الجاهلية بين المسلمين ، واستجاب كثيرون من الناس عامة ومن الدعاة وغيرهم ، حتى تمزَّقت أخوة الإيمان بين المسلمين ، وحتى سهُل على المسلم أن يتقارب مع غير المسلم وينأى عن أخيه المسلم ، وتوالت الدعوات إلى الاعتراف بالآخر والتقرُّب إلى الآخر وإقامة الحوار والسلم مع الآخر ، وتناسوا المسلم وحقوقه ، ووجوب الحوار بين المسلمين أولاً لإعادة الرابطة الربَّانيَّة بينهم أُخوَّة الإيمان .

    ويرى بعضهم مع دعوة الإصلاح الحالية أنَّها مطلب وطنيّ وقومي وإسلاميّ . ولكن خلط هذه المصطلحات على هذه الصورة يُغيّب الطريق والهدف والوسيلة إلى الإصلاح . فالإسلام وحده يقدم منهجاً كاملاً مترابطاً للإصلاح ، منهجاً لا نجده مع الشعارات المختلطة . والإسلام يقدم الوسيلة والهدف ويحدّد الرابطة ، وبغير ذلك يصبح الإسلام شعاراً وتصبح الممارسة العمليّة أهواءَ ومصالحَ وعواطفَ ، فتتمزَّق الأمّة ، ويصبح لكلّ بلد إسلام خاص به لينحرف به إلى مصالح دنيوية مخالفة لشرع الله ، ويصبح هنا أخوّة جديدة وهناك أخوّة ثانية وأخوة ثالثة ، وأخوّة وطنية على غير ما شرع الله ، وأخوّة مع النصارى أو اليهود أو غيرهم ، حسب الحاجة وتحت شعار الإسلام .

    وقد ينادي بعض الدعاة المسلمين بأنَّ الإصلاح يجب أن يبدأ بالإصلاح السياسي ! فإذا بدأ بذلك فإلى أين ينتهي . ولقد قامت دعوات ومحاولات لبدء الإصلاح بالإصلاح السياسي ، وقامت انقلابات وثورات ، فإلى أين انتهت وماذا حققت من إصلاح ؟!

    وقد تجد الداعية المسلم يدعو إلى المصالحة الوطنية كأساس لعمليّة الإصلاح الشامل ، وأساس لتحديد العلاقات والحقوق والواجبات ، طارحاً عرض الحائط بكل نصوص الكتاب والسنَّة ، منطلقاً من الدعوة الغربيّة العلمانيّة الديمقراطيّة ، حتى جعل من الإسلام مجرَّد شعار لا رصيد له في الواقع . والأسوأ من ذلك أن يفتري بعضهم على الإسلام فيخفي أخوّة الإسلام ويدَّعي أن الإسلام يدعو إلى الأخوّة الوطنيّة والأخوّة القومية والأخوة الإنسانيّة ، فجمع الماسونية والعلمانية وغيرها في خليط غير متماسك . وكان أحرى بالمسلمين أن يعلنوا أنَّ الإسلام صاغ جميع هذه العلاقات صياغة إيمانيّة ، ونظّم لكلّ حدودها ودورها في منهاج ربَّاني متكامل .

    ونشير هنا إلى أنَّ محمداً r حين بُعِثَ نبيّاً ورسولاً كان يحيط به من أعداء الداخل والخارج ما هو أشدّ مما نلاقي نحن اليوم . فلم يكن منهج الإصلاح الذي دعا إليه منهج وحدة مع قريش أو أيّ فئة في الأرض ، ولم يكن منهجاً وطنياً ولا قومياً ، وإنما كان منهجاً ربَّانيّاً ودعوة ربَّانيّة يدعو إليها قومه قريشاً دون مساومات على دين ودعوة ، ويدعو أهل المدينة وأهل الجزيرة العربيّة ، ويدعو إليها الناس كافَّة ، ليصلح بها حال قومه وحال العرب كلهم وحال البشريّـة جمعاء . هذه هي دعوة الإسلام ، ولا نرى أنه يحلّ لأحد من الناس إذا انتسب إلى الإسلام داعية أن يخالف نهج الإسلام ، أو يبدّل فيه ويحرَّف ، ويجعل مخالفته وانحرافه كلّه تحت شعار الإسلام !

  2. #2

    رائحة الوجع لريمه الخاني ترجمة مرتضى العبيدي

    إنَّ موقف المسلم الداعية لا يتحدّد بطلب التعاون مع غير المسلم فحسب ، ولكنه يتحدّد ـ وهو داعية ـ بأن يبلّغ رسالة الله إلى الناس كافّة ويتعهّدهم عليها كما أمره الله سبحانه وتعالى في الكتاب والسنَّة ، ويبني علاقاته وهو داعية على أساس الدعوة والبلاغ والتعهّد ، ليوفي بالعهد والأمانة والعبادة التي خَلَقه الله للوفاء بها . ومن خلال ذلك ينشأ التعاون على أساس من شرع الله الذي فصّل ذلك .

    كيف يمكن للداعية المسلم أن يدعو إلى الإصلاح على أساس الإسلام ، ثم يدعو الفئات التي تحارب الإسلام أو لا تؤمن به لتتعاون معه على نصرة الإسلام ومنهاجه في الإصلاح ؟! لماذا هذا التناقض الواضح ؟!

    لقد مضى على العمل الإسلامي زمن غير قصير ، ولاقى من الفشل الشيء الكثير ، حتى توافرت لديه تجارب كثيرة ، لو وقف عندها ودرسها ودرس الأخطاء التي وقع فيها ، ووضع منهجاً عملياً لمعالجة هذه الأخطاء ، لو فعل ذلك لاستقام له الدرب ، وخلص من التناقضات ، وكان أقرب للتقوى .

    هذا ينادي إلى الإصلاح الإنساني المصري ، وذلك ينادي إلى الإصلاح الأردني وآخر في بلد آخر ، على مناهج تحمل التناقض فيما بينها ، فلماذا لا تكون الدعوة كما يريدها الإسلام دعوة إلى إصلاح الإنسان على منهج يصلح لكل إنسان ، لكل وطنيّة وقوميّة . فالمشكلات واحدةٌ والحلول متضاربة .

    ونحار بين اضطراب المصطلحات وتناقضها فيما بينها من ناحية ، وفيما بينها وبين الإسلام من ناحية أخرى . فإذا كان كل داعية يؤكِّد تمسّكه بدستور بلاده ، وبالنظام الجمهوري والديمقراطي والبرلماني ، فأين النظام الإسلامي ؟! أليس للإسلام نظام للإصلاح والحكم ؟! فما هو أيها الدعاة ؟!

    كلما طلع مصطلح أو فكر من الغرب هَرعْنا إليه واحتضنَّاه لنثبت أنه من الإسلام والإسلام منه براء . ألم نجعل الاشتراكية من الإسلام ، ولما جاءت الديمقراطية بدَّلنا وجعلناها من الإسلام ، وانتشر الدعاة المسلمون في الأرض يدعون إلى الديمقراطية ، ولما ظهرت الحداثة تسابقت الأقلام لنثبت أن الحداثة عربيّة أو إسلاميّة ، ولما جاءت العلمانية وامتدت في ديار المسلمين لم يتردّد بعض الدعاة المسلمين في مؤتمر إسلامي عام أن يعلنوا أنَّ العلمانية مساوية للإسلام في مقصودها ، وأن يقول داعية : لا نملك إلا أن نندمج مع النسيج الثقافي والديني في ذلك المجتمع الغربي !

    عجباً كل العجب ! أليس هذا نوعاً من إعلان الإفلاس والهوان ؟!

    نسرع ونهرول لتقليد الغرب في اللباس والطعام والشراب ، وفي الفكر والأدب والشعر ، وفي حفلات الرقص ، وإطلاق حريّة المرأة على أسس علمانيّة ديمقراطيّة فاقعة في لونها ، ولم ننشط مثل هذا النشاط في بناء العلوم التطبيقية والصناعة والسلاح وسائر أسباب القوّة ! نقلّد الغرب في كلِّ شيء إلا في النافع من ميادين الحياة ، حتى كأنَّ الإبداع عندنا هو التقليد ثم التقليد !

    فلا عجب بعد ذلك أن نجد من يقول : " إنَّ الإصلاح الشامل لا يتحقّق إلا من خلال الديمقراطية التي نؤمن بها ونلتزم بأصولها ، وندعو الأحزاب والقوى السياسية الأخرى إلى تأييدها كميثاق وطني " ! فلا بدّ أن نسأل الداعية المسلم أين الإسلام ؟! ولا بدَّ أن نذكّر الداعية المسلم بأنَّ أصول الديمقراطية التي يلتزمها هي الوثنيّة اليونانيّة ، ولا بدَّ أن نتساءل أليس هذا الصوت وهذه التعبيرات هي التي يدعو إليها بوش ؟! ولا بدّ أن نذكّر الداعية المسلم بأنَّ الديمقراطية التي يتحدَّث عنها هي بنت العلمانيّة أو هي العلمانيّة !

    وإذا كان ادعاء بعض المسلمين أنهم يريدون الديمقراطية لأن فيها حريةً وعدالةً ومساواةً ، فنسألهم حينئذٍ : أوليس في الإسلام حريّة وعدالة ومساواة ؟! ولا شك أنَّ في الإسلام ذلك كلّه وأكثر منه ، ولكنكم فشلتم في تطبيق حريّة الإسلام وعدالته ومساواته ، فستفشلون في تطبيقها في ظلِّ الديمقراطية كما فشل أصحابها في تحقيق هذه الزخارف . إنَّ هذه الشعارات هي زخارف مخدَّرة في الديمقراطية ، ولكنّها حقائق وأسس في الإسلام !

    ويتبع هذه الشعارات قول بعضهم: " يجب الإقرار التام بأنَّ الشعب هو مصدر السلطات جميعها " ! أين الإسلام الذي يحدّد السلطات بشرع من عند الله؟! إنَّ هذا المبدأ هو مبدأ ديمقراطي وثني نادت به الوثنية اليونانية وامتدَّ منها إلى العلمانية الغربيّة وإلى الديمقراطيّة . ومن هذا المبدأ أجاز الشعب ، وهو مصدر السلطات ، الزنا واللواط والخمر وأنواع الفاحشة كلها وكثيراً من أنواع الفتنة والفساد والظلم الظاهر والمخفي . وكيف ينادي داعية مسلم وهو يعلم أن الشعب في معظمه يجهل الإسلام ، وأن فئات كثيرة فيه تحارب الإسلام ، فأي شعب وأيّ سلطات ؟!

    ولقد نادى كثيرون بحريّة الاعتقاد للناس . إنَّ هذا المطلب لا يمثل مشكلة المسلم أو قضيته . ذلك لأن حريّة الاعتقاد فطريّة ، ولأن الله سبحانه وتعالى يقول:

    (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً) [ الكهف :29]

    إنَّ قضيَّة المسلم أن يدعو إلى الإسلام دعوة جليّة واضحة : ( وقل الحق من ربكم .....) ! فالقضيّة إذن إبلاغ الحق ، دين الله ، الإسلام . وبعد ذلك فمن آمن فله جزاء ومن كفر فله جزاء آخر . فليست القضيّة كما هي في الديمقراطية أن نترك الناس يعتقدون كما يشاؤون ، يؤمنون أو يكفرون ، دون أن يجدوا من يدعوهم إلى الحقِّ ، إلى النجاة من فتنة الدنيا وعذاب الآخرة ، ودون أن يذكرهم بأن لكل موقف جزاء عادل .

    فهذه فتنة كبيرة ، فالناس كلهم مصيرهم إلى جنّة أو إلى نار ، والداعية المسلم مسؤول أن يدعو ليخرج الناسَ من الظلمات إلى النور ، وينقذهم من عذاب الآخرة الذي هو حق أكيد في شرع الله لمن لم يؤمن ، ولكنّها قضيّة متروكة في الديمقراطية والعلمانيّة ! ولقد بعث الله الأمة المسلمة لتكون خير أمة أخرجت للناس ، لأنها تدعو وتبلِّغ رسالة الله وتتعهّدهم وتنقذ الناس !

    ويتكرر بين الناس مصطلح : " الأديان السماوية التوحيدية " ! وهذا مصطلح متناقض بعيد التناقض ، فالله سبحانه وتعالى لا إله إلا هو ، ما كان ليرسل لعباده أدياناً مختلفة يتصارعون عليها ، ثم يحاسبهم يوم القيامة ! إن وحدانية الله سبحانه وتعالى وعدالته ورحمته بعباده تأبى ذلك . فالله أرسل لعباده رسلاً يبلّغون ديناً واحداً ، ديناً سماوياً توحيدياً واحداً هو الإسلام : إنه دين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسائر الأنبياء والمرسلين عليهم السلام جميعاً ، كما نصَّ على ذلك كتاب الله ، وخُتِموا بمحمد r :

    ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [ آل عمران : 19 ]

    وعندما ينتقل هذا المصطلح إلى بعض الدعاة المسلمين لينضم إلى سائر المصطلحات التي سبق ذكرها والتي أخذ يتبنّاها هؤلاء الدعاة ، ندرك عندئذ شدَّة أثر الغزو الفكري وامتداده في العالم الإسلامي .

    ولقد حرتُ في قول داعية مسلم : " .... الذي ينبثق من إسلامنا كدين ونظام حياة شامل وكامل ..." ، وفي الوقت نفسه يدعو إلى المفاهيم التي سبق أن ذكرناها ! فإذا كان الإسلام ديناً ونظامَ حياة شاملاً ، فلماذا مفاهيم العلمانية والمفاهيم الغربية ؟! لماذا هذا التناقض ، ولماذا التمسك حيناً بالاشتراكية وحيناً بالعلمانية وحيناً بالديمقراطية ، كأننا نتسوّل الأفكار ومن هنا وهناك ؟!

    ويضع بعضهم قاعدة جديدة ينسبها إلى الإسلام للتعاون بين المسلمين وغير المسلمين ، فيقول : " لهم ما لنا وعليهم ما علينا " ! أيّ أنَّ لغير المسلمين ما للمسلمين وعليهم ما عليهم . إنه مبدأ ديمقراطي علماني يرفعونه شعاراً ولا يطبقونه عملياً ، وليس للإسلام علاقة به . إنَّ الإسلام نظّم العلاقات بين المسلمين وجميع الفئات على أسس ربَّانيّة ، سعِد بها الناسُ جميعاً في ظل حكم الإسلام وشريعته . ووجد فيها أهل الكتاب من العدل ما لم يجدوه في ظل أي حكم آخر في تاريخهم كلّه . هذه كتب التاريخ تروي وتشهد بذلك وتُقدّم أروع الأمثلة . وكيف يكون في دين الله مثل هذا المبدأ غير العمليّ . فالمسلم عليه الزكاة فرضاً وغير المسلم ليس عليه هذا الفرض . والمسلم عليه الجهاد في سبيل الله ، وغير المسلم ليس عليه ذلك ، حيث إنَّ الجهاد في سبيل الله يقوم به من يؤمن بالله والإسلام ويجاهد لنصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله وشرعه . وقس على ذلك أموراً أخرى .

    والذين يدعون إلى الوحدة الوطنية بدلاً من الوحدة الإسلاميّة ، يحتجون بأنَّ غير المسلمين جزء من النسيج الوطني، ولكنهم جهلوا أو تناسوا أنَّ الإسلام وحده هو الذي ينصفهم بعدله وشرعه ، نسوا أو تناسوا أن هؤلاء كانوا جزءاً من نسيج المجتمع في المدينة ، ولكنهم لم يكن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ، ولم تقم بينهم وبين المسلمين أخوّة وطنيّة ، وشعارات مخدّرة وإنما كان لهم حقوق أوفى المسلمون لهم بها . وعدلوا معهم وأنصفوهم فسعدوا بها .

    والإسلام يأمر بالقسط والعدل مع الناس كافّة ، وعلى ذلك قام شرعه ، ولكن القسط والعدل كما فصّله الإسلام لا يشمل الموالاة والخضوع والتبعية .

    الداعية المسلم يجب عليه أن يدعو إلى وحدة المسلمين وإلى أخوة الإسلام وإلى تطبيق شرع الله ، وإلى الإيمان بالله وبرسوله محمد r وبسائر الأنبياء كما جاء في الكتاب والسنَّة . وغير المسلم يدعو إلى وحدة عائلية أو وطنية أو قومية أو حزبية من خلال عصبيات جاهلية ، تمزّق الأمة والناس فِرَقاً وشيعاً يُصارع بعضها بعضاً .؟

    وأخيراً نشدُّ الانتباه إلى أنّ ممالأة أعداء الله والتنازل لهم ، وتغيير شرع الله إرضاءً لهم ، كلُّ ذلك لن يجعلهم يغيرون من خُطّتهم المقرّرة في حرب الإسلام، ولكننا نخسر شيئين : نخسر نصر الله وتأييده ، ونخسر احترام أولئك وهيبتنا في عيونهم . وكلّما تنازلنا أمعنوا في الإيذاء والجرأة به . وحسبك تدنيس القرآن الكريم بعد أن تنازل المسلمون حتى عن بعض ديارهم وأعراضهم وبعض ثرواتهم .

    لم نُقِمْ نحنُ المسلمين في واقعنا اليوم للقرآن الكريم منزلته الأمينة . الملايين من المسلمين يجهلون القرآن الكريم ، والملايين يجهلون العربيّة ، والملايين لا يتدبّرون القرآن الكريم ولا يمارسونه عملياً في حياتهم . ورأى الغرب ذلك فينا ، فتجرَّأ على تدنيس القرآن الكريم . لم يعد لنا في ميزان الواقع الدولي أيّ وزن حقيقي لكثرة ما تهاونا وتنازلنا ، وقلَّدنا وخضعنا :

    أمّـةُ الحقِّ ما دهاكِ فأصْبَحْـ
    ـتِ شظـايا تناثرتْ في النِّجـادِ

    كلُّما رُمْتِ ملتقى كُنْتِ في السا

    حة أوهْى من حفنةٍ من رمـادِ (1)






    --------------------------------------------------------------------------------

    (1) ملحمة أرض الرسالات : د. عدنان علي رضا النحوي ، ( ص : 134) .

  3. #3
    مثقف عربي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2006
    الدولة
    الخبر - السعوديه
    المشاركات
    2,007

    IconCool GIF Animator v5.74.70320 لعمل البنرات والصور المتحركة

    لادلي بدلوي في هذا الموضوع

    و قد استعمرت دولنا العربيه كثيرا من الدول

    و قد كان الغزو البريطاني غزوا عمليا بحيث يسبغ

    بالانطباع الحديث على الدول كاليمن التي لم يستعمرها مستعمر

    و عدن سابقا و دول الحليج

    في حين ان الصبغه الفكريه تتمثل في الغزو الفرنسي

    كما حدث لدول المغرب العربي من حيث اللغه الفرنسيه هي الطابع

    على اللغه العربيه

    و بعد تلك الغزوات بدأت سرطان التحكم الدولي في خيرات الشعوب

    وابتزازها بالقوه من وراء ستار نشؤ العداوات بين حكام المنطقه

    واستغلال فجوات باهته اضرت بالوطن العربي


    لي عوده

    سلمتي ودمتي

    ذيبان

  4. #4

    أسجل مروري

    السلام عليكم
    الف شكر ياغاليتي
    ومازلنا مستعرين بطريقة اخرى
    بانتظارك دوما

  5. #5
    الاستعمار عرف كيف يقيد افكارنا ويجندها حسب رغباته ويكيفها حسب مراده حتى نكون منقادين له صاغرين


    حبذا لو نعود الى ما كان عليه السلف الصالح

المواضيع المتشابهه

  1. القدس الفتح الإسلامي الغزو الصليبي الهجمة الصهيونية
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-23-2015, 04:36 AM
  2. مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 12-10-2014, 11:06 AM
  3. الغزو الفكري في المناهج الدراسية أولاً في العقيدة
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-24-2014, 10:59 AM
  4. الغزو الفكري بين الحظر والسماوات المفتوحة
    بواسطة إسماعيل إبراهيم في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 12-24-2009, 05:45 PM
  5. الغزو الفكري وأثره في العالم الإسلامي
    بواسطة العربى في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-12-2007, 06:55 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •