2 – الخاطرة الثانية :
كنا قد انتهينا في الحديث السابق عند مجموعة أسئلة تفرض نفسها علينا عند الحديث عن النفس وخروجها ودخوله واستخدامها (استخدامنا) للجسد أو المطية وكان أهمها :
أين تذهب النفس حين تغادر الجسد ... ؟؟
وكيف تغادره ... وكيف تعود إليه ... ؟؟
ولماذا وكيف تكون على إتصال بهذا الجسد ... ؟؟
وما حقيقة ما تراه النفس خارج الجسد ... ؟؟
وما علاقته بحقيقة الأمور سواء على الدنيا أو في الحقيقة المطلقة ... ؟؟
أولا : إلى أين تذهب النفس عند تركها للجسد ؟
يجيبنا من لا يغفل ولا ينام وصاحب الصنعة والخالق الحكيم بقوله تعالى في سورة الزمر :
( الله يتوفي الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ... فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ... ) .
ولكن لأين التوفي وما معناه ....
التوفي هنا بمعنى استقبال وأخذ واستكمال حقوق وهي في النوم سماح للنفس بالتواجد والتجوال في أكوان لا تستطيع النفس بلوغها وهي مقيدة في الجسد أثناء التواجد فيه ، فتنطلق النفس سابحة ومتجولة في ملكوت الله ...
وقد تظل هائمة تحوم حول ما يؤرقها أو يشغلها من أمور الحياة على الأرض فلا تتجاوز التجوال في حدود الأرض وربما تكون قد يئست من وجود حلول أو إجابات لها على الأرض فتحاول البحث عنها في الملأ الأعلي مرتبة بمحاولة الدخول للسماوات الأعلى فإذا كانت غير مستوفية للشروط فلا يسمح لها بتجاوز السماء الدنيا فتحوم حول الحواجز بين السماء الأولى والسماء الدنيا .
النوع الأول من الرؤى والأحلام :
ربما يسعد النفس حظها بقدر مكتوب أن ترى حدثا يجيب عن تساؤلاتها أو ربما حدثا لا علاقة لها به فتراه كاملا بتفاصيله وهو في طريق نزوله وقبل حدوثه على الأرض ..... وهو ما يوضحه رب العزة في سورة السجدة بقوله تعالى ...
(يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون .)
أي أن الله يدبر الأمر (كل أمر ) قبل حدوثه على الأرض بخمسمائة سنة مما نعد ثم تبلغه الملائكة صورة وصوتا ومجسما نزولا لما يليها من ملائكة حتى يصل السماء الدنيا فيكون قد بقى على حدوثه على الأرض أياما معدودة...
حتى إذا تم الحدوث تبدأ الملائكة (الحفظة) في إبلاغ تمام حدوثه لمن يليها صعودا حتى يبلغ تمام حدوث الأمر لسدرة المنتهى للوح المحفوظ وذلك بعد خمسمائة سنة مما نعد لتكون دورة الأمور المقدرة ألف سنة كاملة ....
وهو أمر يجرنا لسؤال خطير ....
ولما كان الله قد كتب علينا كل فعل كقدر مكتوب ومن قبل حدوثه بخمسمائة سنة فلما يحاسبنا على الفعل إذا .... وليس السؤال كفرا أو إلحادا ولكن عدم الإجابة عليه جهل قد يؤدي للشرك وربما الكفر أو الفسق لا قدر الله ......
والإجابة بسيطة وميسورة والكل يعلمها ولكنه لا يفهمها ,,,, ألا وإنها أن الله لا يحاسبنا على الفعل ولا القول في حد ذاته ولكن الحساب على النية ساعة حدوث الفعل ( إنما الأعمال بالنيات ولكل امريء ما نوى والحمد لله أنها ليس ما عمل ....) وقوله تعالى (كل نفس بما كسبت رهين) وليس للنفس اكتساب الفعل ولكن النفس تكسب النية وهي فقط ما تملكه النفوس ... أن تريد ... أن تنتوي ... تتمنى ... تأمل ....
ولكن أبدا لا تفعل النفس أمرا لم يقدر .... ولنا في ذلك من حياتنا أدلة كثيرة على أفعال حدثت ولكن النوايا كانت شيء مختلف تماما ..... وتلك قضية أخرى لها الكثير من التداخلات والملاحظات ....
وكثيرا ما يرى النائم مسلما أو كافرا أو يهوديا أو مسيحيا أحداثا ثم يفاجأ بها تحدث بعدها بوقت ربما طويل بكامل تفاصيلها وربما يكون مشتركا فيها بالفعل أو القول ولكنه أبدا لا يستطيع تغيير شيء منها .... بل وربما لا يذكر في حينها شيئا أو يتذكر فقط أنه قد عاش أو مر به تلك الأحداث من قبل ولكنه لا يدري أين ومتى ....
وتكون تلك هي الرؤيا الصادقة ... والتي لا تكون جزءا من ست وأربعون من النبوة إلا إذا كانت عادة لصاحبها وليست حدثا يندر تكراره وبالتالي فهي رحمة من الله لعباده مسلمهم وكافرهم ... فكلهم عباده ...
والنوع الآخر من الرؤى في النوم
أن تكون النفس متعلقة بأمر يهمها معرفة تطوره المستقبلي فتحوم حول مصادره لتعرف ما قد يحدث مستقبلا ...
فتستقبل رسالات رمزية لا أحداثا حقيقية وتلك كثيرة ومتاحة لكل خلق الله وتلك ما تحتاج لمن يعبرها أو يفسرها له وتتوقف تلك الرسالات الرمزية ومعانيها الحقيقية على عوامل كثيرة أهمها :
أولا : المعاني المطلقة للرموز والتي لا تختلف أبدا ... لأن الكون خلقه واحد قادر متفرد بمعاني الأشياء المطلقة مثل رؤية الحيوان والجماد وسائر المخلوقات وكذا الانفعالات مثل البكاء والضحك وحدود الأحداث مثل الموت والميلاد والنكاح ...
وثانيا : معتقدات صاحب الرؤيا وانتماءته الفكرية ومعاني الأفعال والكلمات في مجتمعه كبشر مثل الآذان وجرس الكنيسة ومعنى الحب والحسد أو القتل في نفسه ...
وثالثا : الخطوط العريضة لشخصية الرائي وجنسه ... ذكرا أو أنثى ... طيبا أو حادا ... كريما أو بخيلا ... أمينا أو خوانا ...
ولابد للمفسر أو المعبر عن الرؤيا أن يكون حكيما وأمينا وعالما بتلك الأمور جيدا والأهم أن يجيد استخدام قدرته النفسية ليفهم ما بين كلمات من يقص عليه الرؤيا فغالبا ما يخفي الرائي بعضا من أحاسيسه ومشاعره الشخصية أو كلها عند سرده لحلمه أو رؤيته ...
والنوع الأخير من الرؤى في اعتقادي
هو النوع الذي ربما لا يعني الكثير لصاحبه أو من حوله وهو نتيجته لتجواله الغير هادف في عوالم لا تخصه في حياته أو بحثه عن متعة معينة لم يستطع نيلها في الدنيا وهو مستيقظ وغالبا ما تلهو به المخلوقات الأخرى مثل الجن والشياطين ويخرج منها ربما بكوابس أو رؤى لا قيمة لها .... ولكنها حق وليست أضغاث أحلام كما قالت حاشية ملك يوسف في سورة يوسف...
أما السؤال الثاني : كبف تغادر النفس الجسد وتخرج وكيف تدخله ؟؟؟
فهذا ما استأذنكم في تأجيله للحديث القادم وكما ترون إن كان من الأهمية أن أكمل هذه الخواطر ؟؟؟؟؟؟
وللحديث بقية
جمال عمر