التابوهـــات في الروايـــة العربيــة والبحــــــث عن مــكان تحـــت الشــمس
الأربعاء, 29 كانون الأول 2010 00:31
هل المطلوب من الروائي العربي كسر التابوهات واختراق المحظورات ليكون له مكان تحت الشمس؟ وهل الروائي العربي معاق لا يستطيع الكتابة، وربما التفكير أيضا قبل الكتابة؟.

يرى الكثير من النقاد والروائيين أن المحظورات والمحذورات ليست ثلاثة بل أكثر وأكثر، ولا تقوم الكتابة الحقيقية ولا سيما الروائية منها إلا على تجاوز المحظور والمحرم والمنهي عنه.

ولأن سطوة المحظورات متعددة وليست واحدة في عالمنا العربي، وتختلف وتتباين باختلاف الثقافات والمشارب والأمكنة، كانت أعمال مهرجان العجيلي للرواية العربية في الرقة تحت عنوان "المحظورات في الكتابة الروائية العربية".

وإذا كانت أمنية تلك التي تصورها صحافي عربي في أن ينتقل المشهد من «جامعة سابينزا sapienza» في روما إلى القاهرة أو غيرها من العواصم العربية حيث انعقدت أعمال مؤتمر "الرغبة، اللذة، وخرق المحظورات: الأصوات الجديدة وحرية التعبير في الأدب العربي المعاصر". وإذا كانت قدرته قاصرة عن تخيل مجيء هذا اليوم، فقد جاء هذا اليوم وبأسرع مما تصور وتخيل.

وقد التقت «البعث» على هامش المؤتمر عدداً من الروائيين والنقاد العرب للسؤال عما إذا كان المطلوب من الروائي العربي كسر التابوهات ليكون له مكان تحت الشمس، علماً أن الانترنت أضعف سطوة الحظر وحطم كل المحرمات، سواء منها السياسية أم الدينية أم الاجتماعية؟!.. يرى الدكتور فؤاد مرعي من سورية أن المحظورات ليس لها وجود عند المبدع الحقيقي الحر، وإنما المحظورات موجودة في البيئة الاجتماعية الحاضنة التي تنتج المبدعين والمتلقين، عند المبدع توجد محظورات هو نفسه يفترضها وهو يقبل بكذا أو لا يقبل بكذا، يناسب قيمه الأخلاقية، هذا الأمر، أو يخالف قيمه الأخلاقية، وللمتلقي أيضاً موقفه من المحظورات، وبعضهم يرى أن الحب عيب، فهل هذا محظور في الرواية مثلا؟ بالتأكيد لا.. وهذه القضية ليست في العمل الفني بل في التوظيف الفني للموضوعات التي يعالجها الروائي.

وتعتقد الروائية المصرية هالة البدري أنه ليس المطلوب أن يكسر الروائي العربي التابوهات والمحظورات دون داع، وإذا كان العمل يحتاج إلى هذا فليفعل، لابد أن يكون الكاتب حراً، وهذا ليس معناه أن يقحم الكتابة في الجنس والسياسة والدين دون احتياج النص فنيا إلى هذا المسألة متوقفة على الفن نفسه.

وتقول عن نفسها إنها من هواة اللعب في منطقة المسكوت عنه كموضوع لكشف الضعف الإنساني، ولمعرفة الإنسان أكثر، وفي أخصّ خصوصياته أمام أي سلطة، سواء سلطة المجتمع أو الدولة أو الدين.

وتؤكد البدري أن الانترنت أضعفَ سطوة الحظر وحطم كل المحرمات بلا استثناء، ولكن يظل الكتاب المطبوع له نفوذ وتأثير أقوى على القارئ، ولهذا تحارب السلطات حرية الكاتب في الكتاب تحديداً.

ويرى الروائي المصري خليل الجيزاوي أن كسر التابو ليس من تخطيط الروائي، ويعتبر الجيزاوي أنه دخل المحظور من عنوان روايته « يوميات مدرس البنات» حين وجد نفسه وهو ابن البيئة شديدة المحافظة، حيث تربى على منهاج جده الأكبر محمد أبو الفضل الجيزاوي أحد شيوخ الأزهر السابقين، مدرساً في ثانوية للبنات في أرقى أحياء القاهرة.

ووجد نفسه قد انتقل من الجنة إلى النار، فالبيئة مختلفة والمجتمع بل وروابط الأسر مفككة، وفي ظل هذه الظروف تعيش الطالبات.

ويضيف الجيزاوي: إن هذا المجتمع يسمع همساً بالعلاقة بين الشاب والبنت، وهذا الأمر يفوق خيالي، فأنا مدرس اللغة العربية والتربية الدينية، وقد نصحني أحد الزملاء أن أساير ما أرى فهذا طبيعي، وهنا صرخ الكاتب بداخلي فكانت يوميات مدرس البنات، ولأنني لست قادراً على البوح أمام أولي الأمر قررت كسر تابو الجنس، فالموضوع إذاً هو الذي فرض نفسه عليَّ.

فيما يرى الروائي السوداني آدم كمندان جوتمان حسب النبي أن الرواية فن يدلق فيه الكاتب تجربة ما أرّقت مضجعه، وجعلت منه مستودعاً للقلق، فالبوح البديع.. وهذا البوح لابد أن يكون مدعاة للدهشة والعجب، وهذا يحتاج لأدوات مهارية تستقي جمالها من إبداع الكلمة الناضجة الموازية لضجة الحدث، مع التقنية السردية الجاذبة، والفكرة التي تحتوي النص ذا المفردة المناسبة. فليس مهماً أن تكون الدهشة وليدة وصف جنس مكشوف معرّى، ولا طعناً في عقيدة ما أو آيديولوجية ما، ولا خروجاً من مألوف اجتماعي آخر، فالعاجزون عن صناعة الإبداع يتشبثون بالمحظور ليخرجهم من سذاجتهم وعجزهم.

ويضيف حسب النبي أن الروائي الممتاز، هو الذي يتمكن من تخطي المحاذير بدرجة تميز روايته، واستنطاق شخوصه بدرجة عالية من التوظيف والواقعية والصدق الفني، مع قيمة جمالية أصيلة تأتي بالمتعة والتمايز.

ويطالب حسب النبي الروائي بترك المحظور الساذج للانترنت والقنوات الفجة التي تخصصت في التلوث الأخلاقي، ولقد وفرت للرواية ما يكفي من المسخ الذي طعمه مثل طعم العفن، فالرواية لا تحتاج لذلك، لأن الروائي صاحب رسالة وفكرة نبيلة يريدها أن تكون في جدار الحقيقة وفي قاع الوعي.

وتعتقد الروائية الأردنية سحر ملص أن وسائل الإعلام الحديثة بما فيها الانترنت قد أطاحت بكل أشكال التابو والمحرم الأول والذي هو الجنس، ولا يوجد أي روائي يعتقد أن هناك ضرورة لاختراق هذه المحرمات من أجل النجومية والشهرة، فالأديب أو الكاتب هو الضمير الإنساني المحرك للشعوب. وثمة فرق كبير ما بين من يخترق هذه المحرمات من أجل القفز إلى النجومية، وما بين كاتب آخر يبحث في جوانبها لتصحيح المسار أو تسليط الضوء على أمراض اجتماعية، أو تتعلق بهذه المحرمات موجودة في المجتمع.

ويجيب الروائي الأردني جمال ناجي بأننا لا نستطيع أن نقول إن المطلوب كسر المحظور، لأن هذا قائم على فرضية المشاكسة.. ويضيف ناجي: ما أراه في هذه المسألة هو الوضع الطبيعي الذي يفترض أن يكون قائماً، وهو أن يكتب الكاتب بحرية ودون أية محظورات، وإذا كان ثمة ما هو مطلوب فهو تخلي الجهات القائمة على تلك المحظورات عن التمسك بها.

يأتي خطاب الكاتب بشكل طبيعي وبعيد عن الإقحام أو التعمد، وإذا ما تطرق إلى أي من هذه المحظورات فإن مقتضيات عمله الفني تطلبت ذلك وليس رغبته في كسر تلك المحظورات.

وترى الدكتورة شهلا العجيلي من سورية أن مسألة كسر المحظورات لم تعد مؤرقاً بالنسبة للكاتب العربي، رجلا كان أم امرأة، لأن من سبق تمكن من سلب المحظور هالته، كما أن وعي المتلقي وخبرته أخرجاه من فخ التابو، الذي فقد قدرته على الإدهاش في كثير من الأحيان،

وتعتقد العجيلي أن رهان المبدعين اليوم هو على مدى فنية النص في تناول موضوعات الواقع وظواهره، والمؤرقات اليومية للمواطن العربي، والتي يشكل ثالوث الجنس والدين والسياسة بعض موضوعاتها وليس كلها، إن المواقع الالكترونية وعالم الانترنت المفتوح كسر سطوة المنابر، وصار يمرر الأخبار والمعلومات بطريقة عطلت عمل الرقيب وقضت على سطوته، وتبدو هنا أهمية القول المأثور: لا رقابة على الفكر سوى رقابة الضمير.

وفي سؤال آخر عن كيفية الكتابة عن السياسة والدين والجنس في ظل مجتمعات تحكمها أنظمة وتقاليد تتعملق فيها السلطة الذكورية، وتسيطر عليها مؤسسات دينية متعددة يجيب الدكتور فؤاد مرعي أنه عندما كتب دويستوفسكي "ذكريات من بيت الموتى" كان في المنفى السيبيري، وعندما كتب مكسيم غوركي "حياة كليم سامغين" كان في زنزانة منفردة، المهم كيف ينظر المبدع إلى رسالته في المجتمع الذي يعيش فيه؟.

ويضيف مرعي: عندنا كتّاب عرب مثل حنا مينا مثلاً سجنوا وتعرضوا للنفي، وفروا إلى بلدان أخرى ومع ذلك كتبوا ما يريدون كتابته فعلاً، وهناك من لا يرغب في المواجهة، ولا يمكن أن ألزمه في ذلك.

ويؤكد مرعي أن الأعمال الفنية الإبداعية المؤثرة فعلاً هي من نتاج كتاب يؤمنون بأهمية الحرية في التعبير، سواء كانت حرية تواجه السلطة أو تلتقي معها.

وتعتقد البدري أنه كلما ازدادت السلطات قمعاً لجأ الكاتب للرمز، ولكن في ظل اتساع العالم وسهولة حرية الكاتب وأعماله وظهورها في مكان آخر، لم يعد الكاتب في حاجة للاختباء خلف الرمز، ولهذا ظهرت أعمال شديدة الجرأة، حتى ولو صودر بعضها، ولكن تظل سمة هذا العصر ازدياد كسر المحظور.

ويؤكد الجيزاوي أنه قرر مواجهة المجتمع والمحظور فيه برواية جريئة وصريحة، وتقدم للنشر وظل يعاني خمس سنوات، ولم يستطع أيضاً أن ينشرها مع أنها حازت المرتبة الأولى في مسابقة نادي القصة بالقاهرة الذي أسسه طه حسين ويوسف السباعي.

كان يجب على الجيزاوي حذف الكثير لتنشر روايته، ولكنه قال للروائي يوسف الشاروني حين طلب منه حذف الكثير من السطور: لن أحذف سطراً واحداً، فأجابه الشاروني: وأنا لن أنشر روايتك. وتعطلت الرواية عشر سنوات بسبب الحظر ورقابة القمع.

فيما يرى آدم حسب النبي أنه في ظل المجتمعات الدينية والذكورية، تتعثر الرواية ولا تجد لها طريقاً إلا الكناية والتورية والرمز، ولكن إلى حين، لأن المفاهيم العامة بدأت في التخلص من الفكر المتخلف، وقد تُجبر على إفساح المجال للرواية بأن تعمل بشكل جيد من خلال المنتج الإنساني القيمي، والتحرك بعيداً عن المحظور، وهذه سنّة الحياة التي تتصارع فيها الثقافات والرؤى..

ويعتقد أنه بقدر ما تحاول تلك المجتمعات قمع كل ما هو جميل؛ تمضي الرواية متخطية الحواجز إلى مضمار أوسع، فالمجتمعات تلك عاجلاً أم آجلاً ستهزم أمام السيول الجارفة التي احتلت عالم البشر، وبفعل التدفق المعرفي المدهش والخلاق فلن تقوى تلك الرقابات أمام عالم القنوات والشبكة العنكبوتية، فأصبح كل شيء خارج الإرادة.. خارج السيطرة.. فالرقيب الأول هو الضمير، وكل يوم جديد ترى العجب، فلا سر موجوداً في الصدور ولا دفاتر الأحوال ولا خزانات البعثات الدبلوماسية، والحقيقة لم تعد محبوسة في جدران وفي بيوت الأشباح، حتى المرأة أصبحت اليوم في وضع أفضل بكثير، فهي الآن على مقربة من احتلال العالم.

وتؤكد سحر ملص أن هدف الكتابة بالأساس هو تحرير الإنسان من أدوات القمع أيا كانت، وأجزم أن القارئ ذكي، فثمة معالجات في الكتابة أو الرواية تكون ذكية تصل إلى القارئ دون أن تثير ضجة أو تحطم هيكل المرسوم والممنوع اختراقه، وأعتقد أن الروائي بحاجة إلى إيصال الفكرة بطريقة ذكية.

إما أن تكون ثورة على مستوى المجتمع ككل، أو أنه في ظل طغيان عصر الصورة والإعلام يبقى دور الكلمة أقل، فالصورة تصل إلى جميع شرائح المجتمع، فيما الكلمة تبقى للخاص نوعاً ما.

وتضيف ملص: أستشهد بعصر الكلمة عند الفيلسوف جان جاك روسو، في تلك الفترة ما قبل الثورة الفرنسية، كان للكلمة الأثر بحيث جعلت كتاباً مثل "إميل" أو "التربية" يكون ركناً من أركان التغيير في الثورة الفرنسية، أما في العصر الحالي فهناك انقسامات وتشظيات ما بين فكر وفكر، وطغيان التيارات المتصادمة وتقزيم وتشييء الإنسان نفسه، بحيث لم تعد الكلمة تصمد أمام قنبلة عنقودية أو صاروخ أرعن مدمر للحضارات.

فيما يعتقد جمال ناجي أن الأمر يحتاج إلى الذكاء والجرأة، ومن دونهما لا يستطيع الكاتب أن يكون صادقاً مع ما يكتب، لابد للكاتب أن يتحلى بقدر من الذكاء الذي يتيح له فرص الالتفاف على الظواهر، فعلى سبيل المثال، الجانب الديني لا أجد مبررا في الوقت الحاضر للتصادم مع النصوص الثابتة، ولكن بوسع الكاتب أن يتحدث عن السلوكيات الخاطئة للقائمين على شؤون الدين، وهنا يجب أن يتحلى بجرأة كافية لكي يتحمل تبعات نقده لتلك الجهات.

وفيما يتعلق بالسياسة، فالأمر كما يرى ناجي يتعلق إلى حد قريب من هذا الفهم الذي سقناه سابقاً، مع ملاحظة أن الكاتب الذي يستطيع وضع نفسه في موضع المسؤولية يكون شريكاً للسياسي ومصوباً له.. ويستطيع أن يقول بأنه أكثر حرصا من السياسي على مصلحة الوطن والهويات العامة والتطور، بمعنى أنه شريك في هذه المسؤولية، وهذا الفهم يمنحه قوة تختلف عن تلك التي تمنحه إياها الرغبة في المشاكسة أو الكسر.

وترى الدكتورة شهلا العجيلي أن ثورة الكتابة الروائية ثورة فنية جمالية، وأي إخفاق جمالي هو إخفاق معرفي، أما مواجهة المجتمعات العميقة فأعتقد أن الكُتَّاب العرب باتوا يتمتعون بوعي تنويري كاف، وإدارة لمقدرات طريقتهم الذهنية تمكنهم من قول ما يريدون بأبسط الطرق وأعمقها في آن معاً.



عبد الغفور الخطيب -البعث ميديا