احبتي
اليكم هذه القراءة النقدية
مع التقدير
كريم


الممنوع من الحب... كالحرب
كالموت كالحياة
قراءة في السيرة الشعرية لخلود المطلبي 1

كالحب... كالحرب
إِحتدمَ التمرد
وظلي يتشهى السقوط بين اصابعكَ العالقة
بالانتظار
لنساء لم ياتين بعد
لنساء قيد الصنع
وأُخريات مسكونات بالحكمة الأيروتيكية الصلعاء
ما جدوى ان تكسر اصيصنا في كؤوس اطرافكَ المبتورة
ثم تقولُ لا استطيع نسيانكِ
‘' I love you too much''

من خلال الاشتغال على نصوص شاعرة اللوعة والاغتراب خلود المطلبي– الرقم 6 ، والراهبة – لاحظنا ثمة مشتركات في هذين النصين المتباعدين شكلا ومضمونا قادتنا إلى ذات المحصلة التي اشرنا اليها في القراءتين السابقتين ، وهي سعي الشاعرة إلى تعطيل مفعول ابطالها الوهميين ، منقادة بهاجس النفي الدفين في بحث دؤوب عن لصيق وحيها المؤمل .
وقد ترسخت هذه القناعة اكثر يوم نوينا الاقدام ، حين طالعتنا بقصائد تمتلك قدرا اكبر من جرأة الافصاح والبوح ، كان اخرها ( كالحب... كالحرب ) فَحسبنا أن المناخ الملائم لدراسة المنجز الشعري تأسيسا على الفكرة التي تشكلت قد بلغت مبتغاها ، لذا ارتأينا أن نسلط الضوء على أهم المصادرالأساسية التي توافقت مع تكوينها النفسي والعقائدي ، لسبب تعداها فما نحن بصدد القاء الضوء عليه ، يعد خارطة طريق للكثير من الشعراء بمختلف تصنيفاتهم والذين بطريقة أو باخرى راحوا يحذون حذو المطلبي مأخوذين بدغدغة منظومات وسلوكيات فكرية وعقائدية تركت شروطها المباشرة على حصيلة النتاج الابداعي فتوزعت ذواتهم الابداعية بين ما هو شعري منفلت عن أي ضوابط يسير متطامنا مع نفسه ، وما هو شعوري مصيري يمسك بقواعد اللعبة الشعرية .
وسنرى كيف توزعت ذات الشاعرة بين الاتجاهين ، لكسب ود المشترك الضاغط تماشيا مع نزعتها الملتزمة بمنهح يناغي ايمانها الديني في مختلف المجالات وكذلك انفتاحها على الحياة في حِلّة من القصائد العاطفية الشفافية، يُشبع ويُغذي طراوة روحها في انتظار بعيدها الوجداني .

القصائد الدينية
لخلود المطلبي عدة قصائد في مناسبات دينية استطاعت أن تحاكي تداعيات المعادل الموضوعي لكونها شخصية ملتزمة دينيا ، كانت هذه القصائد توافق الوازع المترصد بها والذي يطالبها على الدوام بالمزيد لإثبات براءتها من دنس المباغت اللجوج الذي يحاول تذويب تدينها ، فتقوم منساقة بتغذيته بما تيسر وإن كان على حساب بعض التقنيات الفنية وسمو الخيال . لناخذ بعضا من تلك القصائد ونستدل به مقاربة بشعريتها في المجالات الانسانية الأخرى :

ببهاء مملكة خالدة
سيدي
أجج فيَّ
احتفالات عشقي
يدي بيضاء
و بيعتي خالصة
وروحي تهيم
بمحراب ادعية الأنتظار
ناسكة ترعى مواعيدها
كل يوم
بانتظار المؤمل

هذا مقتطع من قصيدة بإنتظار المؤمل يدلنا على الثابت الذي يعصف بوجدان المطلبي فقد مهدت لتأججها بهاء مملكة بيضاء ونادت مُخلصها على طريقة الجواري – سيدي – بعدما استسمحته أن يلبي فيها ما توافق مع استعداداتها ف – يدها بيضاء وبيعتها خالصة وروحها هائمة – تناغما مع الدعاء التي عرفتنا به والمعروف بدعاء الفرج ، حتى إنها انهت قصيدتها أنسجاما مع نص التوحد الكامن بابيات الدعاء نقلا مباشرا دون اضافات ، وكأنها قد اقفلت دواعي الشعور لديها فيما يشبه الغيبوبة الكلية في توسل عاشق ذاب حد الهيام :
توسلُ عاشقة
تناجي بمحرابها كل يوم
"اللهم*
كن لوليكَ
الحجة بن الحسن
صلواتك عليه وعلى ابائه
في هذه الساعة
وفي كل ساعة
ولياً وحافظا
وقائداً وناصرا
ودليلاً وعينا
حتى تسكنه ارضك
طوعا
وتمتعه فيها طويلا
برحمتك يارحم الراحمين
كذلك قصيدتها عن الامام الحسين عليه السلام ، قد اختارتها عنوانا يذهب فيما ذهبنا اليه بخصوص استدعاءات مؤملها بنصفيه الديني الانساني– على مذبح العشق – فنتسأل أيهما العاشق من المعشوق ؟
من كان اقرب إلى النحر، مظلومية الحسين في سجل التاريخ أو رؤيتها من خلال تناصها شديد القسوة بعد أن استبدلت نفسها بعاشقة السبط ؟ :
ايُّ عشق


هذا الذي مزَّق القلبْ
ايُّ سر تبوح به الروح
في وحشة الدربْ
أيُّ هيام يعانق اشجارَ
همس السماءْ
…......
…......
فيا مذبح العشق رفقا بها
...رفقا بعاشقة السبط


وأيضا سلكت ذات المسلك في قصيدة – أنبي غير المختار – وهي تخاطب عاشقا آخر نذرت نفسها لتحط برحاله في مناسبة لا مفك من انتظارها والاستعداد لها لتتوحد بكلمات وحي نبضها :
العشق بوديان الروح
اخضَرَّ حدائق غناء
حب الزهراء وأبيها
وعليٌ بعلها وبنيها

العناوين الرئيسية :
المعروف عن خلود المطلبي كونها شاعرة ومترجمة ، قد امضت مدة طويلة ومازالت في بريطانيا ، وقد ترجمت للعديد من الشعراء الناطقين باللغة الأنكليزية
خلق هذا التماس المبكر تأثرا ملحوظا سواء من جهة العناوين أو من جهة السياق العام لم يمنع ذلك من خلق تجربتها الخصبة المفرطة في اللوعة والآنين ، وعبر تجوالنا على المانشستات التي مهدت لبوحها وقد اسبغتها ببصمةالحيلولة دون وحدة التلاقي ، وبهذا توحد معناها كما في اختياراتها المنقولة عن ضحايا الوجد في نفائس الشعر الانكليزي عبر ترجماتها - سنورد ذلك لاحقا - . ومن عناوين بعض قصائدها نلاحظ شغفها بموسيقى اللحن الشفاف تمهيدا لخلق تدافع ما بين الحياة والموت البناء والهدم ، كان ينتهي غالبا لصالح اللون الرمادي :
( تكرار لشغف صامت، لحبنا كل هذا الجنون ، قبلة تيه وبعض محيطات ، حين يهرب الشاعر ، حب غائم جزئي ، اعتذار ، ملوك للمراوغة وملكات للموت ، الف ميل من الغابات ، بين خيالات التشرد وبوصلات الضياع ، كرات من الثلج واخرى من الصمت ...الخ ) .

شعرها المترجم
/ من الانكليزية إلى العربية
متابعة واستقصاء نظيراتها في التوغل حتى مستدق الالم حين يهبط مستقِّراً في قعر الخراب فما – نطق الفم وما عبَّرَ العقل – هي الروح المكبلة في روحها ، مرسال تضامن من الشاعر الانكليزي جيرالد مانلي هوبنكز إلى مارجريت في قصيدته الربيع والخريف :

ما نطق الفم وما عبَّرَ العقل
لكن الروح قد شعرت بماأحس به القلب
انه الخراب الذي ولد له الانسان
هو ما تحزنين له يا ما رجريت

وفي قصيدتها المترجمة (اذا ما متُّ الليلة) للشاعرة ارا بيلا يوجينيا سمث تحدثنا على لسان مُلتاع آخر اختارته بتصرف على طريقتها الكهنوتية لترثي حالها المتوحد بهاجس الخسران والفقد ولا غرابة أن يبدأ النشيد مغمسا بلحن الموت مكررا مرتين بقصد أو دون قصد مناصفة بينها وبين يوجينيا سمث :

اذا ما متُّ الليلة
اذا ما متُّ الليلة
سينظر اصدقائي الى وجهي الهاديء
قبل دفنه في مثواه الاخير
سوف يرون بان الموت قد تركه ابيض تقريبا
سيضعون زهورا بيضاء كالثلج قرب شعري
وسيملسونه بحنان دامع
ويطوون يدي بلطف لا متناهي
مسكينتان يداي..خاليتان جدا وباردتان جدا
ولا ندري ونحن في حضرة الاحتمالية – اذا – كيف تقمصت خلود المطلبي دور الشاعرة سمث وما هي الاجواء الموحية التي دفعتها لتشاركها نفس طقوسها الغرائبية لكننا لم نصب بالمفاجأة ونحن نقرأ خلود المطلبي في دور الراهبة وقد عاقبت نفسها في صومعة الدير في حضرة المقدس تمشي على المسامير راضية مرضية :
ارفعي فستانك عن الأقدام قليلاً
عقاب الراهبات أن يمشين
على المسامير
و لا يخدشن رقة أقدامهن
فهل عقوبة الراهبة هي الموت على طريقة الشاعرة سمث أم هي صلاتها في محراب نظيرتها المتناصة معها ؟؟

ايها الاصدقاء :انا اصلي الليلة
لا تحتفظوا بقبلاتكم لجبيني البارد الميت
دعوني اشعر بها الان فالطريق مُوحش
فكروا بي بلطف. فقد ارهقني السفر
اقدامي المتداعية اخترقتها العديد من الاشواك
اغفروا ايتها القلوب المبتعدة...اناشدكم
فعندما انعم براحة خالية من الاحلام، سوف لا احتاج
الى الحنان الذي اتوق له الليلة
..............................................

وكذالك في ترجمتها لقصيدة تذّكر للشاعرة كرستينا روزيتي ، إذ تتذاكرعلى لسان الشاعرة فتنشد بلسان وحيها عن رحيلها المقارب :

تذَكَّرني عند رحيلي
الرحيل بعيداً الى الأرض الصامتة
عندما لا تستطيع بعد الأمساك بيدي
ولا أستطيع أنا الرجوع بل لا بديل لي سوى البقاء
تذَكَّرني عندما لا يكون باستطاعتك كل يوم
ان تخبرني بمستقبلنا الذي خططت له
فقط تذَكَّرني
انك تفهمُ لن تكون آنذاك
جدوى من المشورة اوالدعاء
واذا ما نسيتني لفترةِِ
تتذَكَّرني بعدها, لا تحزن
فأذا لم يترك الظلام والفساد
آثاراً من الأفكارالتي حملتها ذات مرة
فمن الأفضل كثيرا لكَ ان تنسى وتبتسم
على أن تتذَكَّر وتحزن

لننظر الان إلى رحيل خلود المطلبي في قصيدتها الرقم 6 ونقارنه برحيل كرستينا روزتي الوارد أعلاه :
فيما الأولى ترحل إلى الأرض الصامتة ، ترحل خلود المطلبي في زاوية انعطاف حادة كثيرا نحو بلاد الصقيع والموت البطيء بريطانيا العظمى مخلفة وراءها ذكريات مراهقة تدغدغها :
أقدامي التي تجيد الترحال
إنحرفت كثيراً نحو الشمال
ولذلك اصطحب الحبيب امرأة أخرى تجيد الرقص
ولكنني برغم ذلك
سأتألق دون عناء الليلة

من هو الحبيب غيره الغياب ؟، ومن هي الحبيبة وقد حلت محلها ؟؟، وهل تجيد الرقص كما لو أنها في البلاد ؟؟؟ .
من العربية إلى الانكليزية /
ولا تتوقف ترجمانها عند الشعراء الاجانب بل تعدى لتقصي اثار الخراب والموت لعشرات من الشعراء والقاصين من الناطقين بلغة الضاد إلى اللغة الأنكليزية
امثال يحيى السماوي وعبد الخالق كيطان وأدباء اخرين
ناخذ عينتين لشاعرين لنكتشف الابعاد الخفية في تقصيها للسواد وهو البعد اللامع لمعنى الحرب والدمار :

البيتُ الأبيض ليحيى السماوي
ما يلوحُ في الأفق
ليس بيتاً أابيض
انه :
جبلٌ
من اكفان ضحاياه...
قبرٌ رُخامي هائلُ الحجم
ترقدُ فيه
جثاميتُ العدالة...

وفي اختيارها لقصيدة عائلة الخراب الجميل لكاتب هذه السطور
أين أبي ؟
ذهب في المُنعطف.... واختفى
أين امي ؟
لحقتْ به وإلى الان لا ندري
أين اخي ؟
جمجمةٌ تبحث عن وحدها في القبر
غير أن خيطٍ من الدماءِ قد استدل عليها
أين اخي ( سامح)؟
ذهب بعشر سنية فرأى
قبور الموتى تمسح نصف الكون
وتزحف نحو الإمام علي...
أين اخي ؟؟؟
والسابقون السابقون
اولئك المقربون
في جنات النعيم
أين أختي ؟
مُفعمة بالسواد تسترق النظر اليهم
خلف الشعار
أين أُختي ؟؟
وقد اجتزت شعرها
... بمقص النعِاج

من هنا نكون قد توقفنا عند المحطة الأولى في رحلة الشاعرة خلود المطلبي وقد تعرفنا على قدر لا يستهان به من المؤثرات الحقيقية التي استمدت منها عناوين تبعات غربتها سواء كان في نصوصها أو في النصوص المترجمة ، ومقدار شغفها على تقصي مسيرتها الشعرية ، ملبدة بغيوم سوداء تشبه تلك التي تظلل خيمتها منذ عقود عدة في سماء بلد الضباب والغربة لندن المحروسة .
هذا لا يعني اقفالها على نفسها أو تمسكها بلون دون غيره ، بل نجدها قد تغنت بمسيرة العشق الانسانية باسلوب يكشف خصوصيتها التهكمية في مجالات اكثر اثارة وجرأة فيضعنا امام شاعرة غير تقليدية تسعى لتؤكد وحدة المسارين في حضور الشعر في حاضرة الفكر الانساني المعاصر.
سيكون لنا وقفة أخرى لتناول البعد الصوفي في قصائدها العاطفية بإذن الله تعالى .
كريم الثوري