منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 8 من 8
  1. #1

    تخريج حديث ما يجتنبه من أراد الأضحية وبيان فقهه

    تخريج حديث ما يجتنبه من أراد الأضحية وبيان فقهه

    --------------------------------------------------------------------------------

    بسم الله الرحمن الرحيم



    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً – صلى الله عليه وسلم -عبده ورسوله.
    {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
    {ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1].
    {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70، 71].
    أما بعد:
    فإن أصدق الحديث كتاب الله , وأحسن الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم -,وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة,وكل بدعة ضلالة ,وكل ضلالة في النار .

    وبعد:
    فقد جرت عادة كثير من أئمة الحديث وصيارفته على جمع طرق أحاديث معينة ،وإفراد الحديث منها بجزء مفرد؛إما لكثرة طرقه،أو لأهميته في موضوعه،أو لدفع إشكال متوهم فيه..
    وقد أحببت أن أسلك سبيلهم -مع قلة البضاعة- تأسياً بهم وجرياً على مناهجهم.
    وهذا الجزء الذي بين يديك هو من هذا القبيل ،تناولت فيه حديث أم المؤمنين أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ في بيان ما يجتنبه من أراد أن يضحي رواية ودراية ،والله أسأل أن ينفع به وهو الموفق والمعين.

    وكتبه:
    راجي عفو ربه العلـــي
    خالد بن قاسم الــــردادي
    أبو ياسر
    المدينة النبوية
    21/10/1422هـ




    ((الحديث رواية))

    *متن الحديث وألفاظه:
    عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ –رضي الله عنها-أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
    ((إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا)).
    وفي لفظ عند مسلم (3/1566)وغيره:
    (( مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ)).
    وفي لفظ عند مسلم (3/1565)وغيره:
    (( إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَعِنْدَهُ أُضْحِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا وَلَا يَقْلِمَنَّ ظُفُرًا)).

    *تخريج الحديث:

    أخرجه مسلم (1977)وأبوداود(2791)،والترمذي(1523)،والنسائي في "الكبرى"(3/52)و"المجتبى"(7/211،212)،وابن ماجه(3149)و(3150)، والشافعي في "المسند"(1/160 ترتيب السندي)،والحميدي (293)،وأحمد(6/289،301،311)،وابن أبي شيبة في"مصنفه"(3/344)،وإسحاق بن راهويه في"مسنده"(4/55،57،58)، والدارمي(1953)،وأبويعلى(6910)،والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/181)،وفي"شرح مشكل الآثار"(5506)و(5510)و(5512)و(5513)،وابن حبان(5897)و(5916)،والطبراني في "الكبير"(23/رقم:563و565)،والدارقطني(4/278)،وأبوعوانة(5/59)،ومحمد بن مخلد المروزي في"ما رواه الأكابر عن مالك"(17)،والحاكم(4/220)،والبيهقي في "الكبرى"(9/266)و"فضائل الأوقات"(214)و"الشعب"(479)و(480)،وابن عبد البر في"الاستذكار"(4/84)،والبغوي في"شرح السنة"(1127)،والمزي في"تهذيب الكمال"(22/241)،وابن حجر في"الأمالي المطلقة"(ص12) جميعهم من طرق عن سعيد بن المسيب ،عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ به.

    قال الإمام ِبْن الْقَيِّم -رَحِمَهُ اللَّه- :
    ((وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذَا الْحَدِيث , وَفِي حُكْمه .
    فَقَالَتْ طَائِفَة : لَا يَصِحّ رَفْعه , وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف .
    قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَاب الْعِلَل : وَوَقَفَهُ عَبْد اللَّه بْن عَامِر الْأَسْلَمِيّ وَيَحْيَى الّقَطَّانُ وَأَبُو ضَمْرَة عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن حُمَيْدٍ عَنْ سَعِيد وَوَقَفَهُ عُقَيْل عَلَى سَعِيد قَوْله .
    وَوَقَفَهُ يَزِيد بْن عَبْد اللَّه بْن قُسَيْط عَنْ سَعِيد عَنْ أُمّ سَلَمَة : قَوْلهَا .
    وَوَقَفَهُ اِبْن أَبِي ذِئْب عَنْ الْحَرْث بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أُمّ سَلَمَة .
    قَوْلهَا : وَوَقَفَهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن حَرْمَلَة وَقَتَادَةُ وَصَالِح بْن حَسَّان عَنْ سَعِيد : قَوْله . وَالْمَحْفُوظ عَنْ مَالِك مَوْقُوف .
    قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : وَالصَّحِيح عِنْدِي قَوْل مَنْ وَقَفَهُ .
    وَنَازَعَهُ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ , فَصَحَّحُوا رَفْعه . مِنْهُمْ مُسْلِم بْن الْحَجَّاج , وَرَوَاهُ فِي صَحِيحه مَرْفُوعًا . وَمِنْهُمْ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ , قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَمِنْهُمْ اِبْن حِبَّان , خَرَّجَهُ فِي صَحِيحه . وَمِنْهُمْ أَبُو بَكْر الْبَيْهَقِيُّ , قَالَ : هَذَا حَدِيث قَدْ ثَبَتَ مَرْفُوعًا مِنْ أَوْجُه لَا يَكُون مِثْلهَا غَلَطًا , وَأَوْدَعَهُ مُسْلِم فِي كِتَابه . وَصَحَّحَهُ غَيْر هَؤُلَاءِ , وَقَدْ رَفَعَهُ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن حُمَيْدٍ عَنْ سَعِيد عَنْ أُمّ سَلَمَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَرَفَعَهُ شُعْبَة عَنْ مَالِك عَنْ عَمْرو بْن مُسْلِم عَنْ سَعِيد عَنْ أُمّ سَلَمَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
    وَلَيْسَ شُعْبَة وَسُفْيَان بِدُونِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَقَفُوهُ , وَلَا مِثْل هَذَا اللَّفْظ مِنْ أَلْفَاظ الصَّحَابَة , بَلْ هُوَ الْمُعْتَاد مِنْ خِطَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله " لَا يُؤْمِن أَحَدكُمْ " , " أَيَعْجِزُ أَحَدكُمْ " , " أَيُحِبُّ أَحَدكُمْ " , " إِذَا أَتَى أَحَدكُمْ الْغَائِط " , " إِذَا جَاءَ أَحَدكُمْ خَادِمه بِطَعَامِهِ " وَنَحْو ذَلِكَ ..)) (1).
    وقال العلامة المباركفوري بعد أن ذكر الطرق المرفوعة لحديث أم سلمة :
    ((وَهَذِهِ الطُّرُقُ الْمَرْفُوعَةُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ، فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَوْقُوفَ هُوَ أَصْلُ الْحَدِيثِ , بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ هُوَ الْمَرْفُوعُ ، وَقَدْ أَفْتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَلَى وَفْقِ حَدِيثِهَا الْمَرْفُوعِ , فَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْهَا مَوْقُوفًا عَلَيْهَا مِنْ قَوْلِهَا )) (2).



    ((الحديث دراية))

    ظاهر الحديث يفيد النهي عن أخذ شيء من الشعر أو الظفر أو البشرة ممن أراد أن يضحي من دخول شهر ذي الحجة حتى يضحي ،فإن دخل العشر وهو لا يريد الأضحية ثم أرادها في أثناء العشر أمسك عن أخذ ذلك منذ إرادته ولا يضره ما أخذ قبل إرادته.

    *فقه الحديث:
    اختلف العلماء فيمن أراد أن يضحي وأهلَّ عليه هلال ذي الحجة فما حكم الأخذ من شعره وأظفاره على ثلاثة أقوال :
    الأول : أنه يحرم عليه ذلك ، حكاه ابن المنذر عن سعيد بن المسيب وأحمد وإسحاق ، وذهب إليه داود وابن حزم الظاهريان، وهو قول بعض أصحاب الشافعي وأحمد ونصره ابن قدامة ،واستدلوا بهذا الحديث ،وقالوا : إن مقتضى هذا النهي هو التحريم(3) .

    القول الثاني : أنه مكروه كراهة تنزيه ، وهو قول الشافعي وهو المذهب عند الشافعية كما حكاه النووي ، ومالك في رواية ، وهو قول بعض أصحاب أحمد ( 4).
    قال النووي:" قَالَ أَصْحَابُنَا : مَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ كُرِهَ أَنْ يُقَلِّمَ شَيْئًا مِنْ أَظْفَارِهِ وَأَنْ يَحْلِقَ شَيْئًا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ أَوْ بَدَنِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ , لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا ، هُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ , وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ حَرَامٌ , حَكَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ فِي كِتَابِهِ الرَّقْمِ , وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ . وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالدَّارِمِيِّ وَالْعَبْدَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُمْ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ , وَلَمْ يَقُولُوا : إنَّهُ مَكْرُوهٌ فَشَاذٌّ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ هَذَا الْحَدِيثِ . وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ضَعِيفًا شَاذًّا أَنَّ الْحَلْقَ وَالْقَلْمَ لَا يُكْرَهَانِ إلَّا إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَاشْتَرَطَ أُضْحِيَّةً أَوْ عَيَّنَ شَاةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ مَوَاشِيهِ لِلتَّضْحِيَةِ . وَحَكَى قَوْلًا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْقَلْمُ , وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ كُلُّهَا شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ. وَالصَّحِيحُ كَرَاهَةُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ مِنْ حِينِ تَدْخُلُ الْعَشْرِ .
    فَالْحَاصِلُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَوْجُهٌ: الصَّحِيحُ كَرَاهَةُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ .
    وَالثَّانِي: كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ .
    وَالثَّالِثُ : الْمَكْرُوهُ الْحَلْقُ دُونَ الْقَلْمِ .
    وَالرَّابِعُ : لَا كَرَاهَةَ إنَّمَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى.
    الْخَامِسُ :لَا يُكْرَهُ إلَّا لِمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الْعَشْرُ وَعَيَّنَ أُضْحِيَّةً وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ . وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ الْمَنْعُ مِنْ إزَالَةِ الظُّفْرِ بِقَلْمٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ غَيْرِهِ , وَالْمَنْعُ مِنْ إزَالَةِ الشَّعْرِ بِحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ أَوْ نَتْفٍ أَوْ إحْرَاقٍ أَوْ بِنَوْرَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ شَعْرُ الْعَانَةِ وَالْإِبِطِ وَالشَّارِبِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ فِي كِتَابِهِ التَّعْلِيقِ : وَحُكْمُ سَائِرِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ حُكْمُ الشَّعْرِ وَالظُّفُرِ , وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ ...وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ))( 5).
    القول الثالث : أنه لا يكره ، وهو قول أبي حنيفة ومالك في رواية ونصره ابن عبد البر.
    قال الإمام أبو حنيفة :" لأنه لا يحرم عليه الوطء واللباس فلا يكره له حلق الشعر وتقليم الأظفار كما لو لم يرد أن يضحي"( 6).
    ونُقِلَ عن أبي حنيفة القول بالاستحباب ،وأن من يفعله يكره له ذلك كراهة تنزيه (7 ).
    قال ابن عبد البرنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي( وقد اختلف العلماء في القول بهذا الحديث –يعني حديث أم سلمة-فقال مالك لا بأس بحلق الرأس وقص الأظفار والشارب وحلق العانة في عشر ذي الحجة.وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري.
    واختلف في ذلك قول الشافعي فمرة قال :من أراد الضحية لم يمس في عشر ذي الحجة من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي،ومرة قال :أحب إلي أن لا يفعل ذلك فإن أخذ من شعره أو أظفاره شيئا فلا بأس لحديث عائشة :كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث.
    وقال الأوزاعي: إذا اشترى أضحيته بعد ما دخل العشر فإنه يكف عن قص شاربه وأظفاره ،وإن اشتراها قبل أن يدخل العشر فلا بأس.
    وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية بظاهر حديث أم سلمة.
    واختلف عن سعيد بن المسيب في ذلك وروي عنه أنه أفتى بما روي عن أم سلمة في ذلك،وروى مالك عن عمارة بن صياد عن سعيد بن المسيب قال :لا بأس بالاطلاء بالنورة في عشر ذي الحجة.
    وهو أترك لما رواه عن أم سلمة ،وقد أجمعوا على أنه لا بأس بالجماع في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي وأن ذلك مباح فحلق الشعر والأظفار أحرى أن يكون مباحا))(8 ).

    الأدلة:
    أدلة القول الأول : احتجوا بحديث أم سلمة السابق، وهو واضح الدلالة في النهي عن أخذ الشعر والأظفار ، ومقتضى النهي التحريم(9 ).
    وبحديث عَمْرُو بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَمَّارٍ اللَّيْثِيُّ قَالَ :
    كُنَّا فِي الْحَمَّامِ قُبَيْلَ الْأَضْحَى فَاطَّلَى فِيهِ نَاسٌ ،فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَمَّامِ :إِنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَكْرَهُ هَذَا أَوْ يَنْهَى عَنْهُ!
    فَلَقِيتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي هَذَا حَدِيثٌ قَدْ نُسِيَ وَتُرِك،َ حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ… الحديث(10 ).
    واحتجوا أيضاً: ((أن يحيى بن يعمر كان يفتي بخراسان في الرجل إذا اشترى أضحية وسماها ودخل العشر أن يكف عن شعره وأظفاره فلا يمس منها شيء.
    قال كثير :فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال :نعم قد أحسن.
    قلت: عن من يا أبا محمد؟ قال: عن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كانوا يقولون أو كانوا يفعلون ذلك ))(11 ).

    أدلة القول الثاني : قالوا :إن النهي الوارد في حديث أم سلمة -رضي الله عنها-، محمولٌ على كراهة التنزيه وليس ذلك بحرام .
    وأيدوا قولهم بحديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-قَالَت:
    (( لَقَدْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَبْعَثُ هَدْيَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِمَّا حَلَّ لِلرِّجَالِ مِنْ أَهْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ ))( 12).
    قال الإمام الشافعي: "البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية فدل أنه لا يحرم ذلك"( 13).
    وحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه.
    قال الماوردي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي(فكان هدي رسول الله  وضحاياه ، لأنه كان بالمدينة وأنفذها مع أبي بكر  سنة تسع ، وحكمها أغلظ لسوقها إلى الحرم ، فلما لم يحرم على نفسه شيئاً كان غيره أولى إذا ضحى في غير الحرم ))(14 ).
    وقال النووي: ((مَذْهَبُنَا أَنَّ إزَالَةَ الشَّعَرِ وَالظُّفْرِ فِي الْعَشْرِ لِمَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ حَتَّى يُضَحِّيَ , وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُكْرَهُ , وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد : يَحْرُمُ , وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ , وَحَكَى عَنْهُ الدَّارِمِيُّ : يَحْرُمُ فِي التَّطَوُّعِ وَلَا يَحْرُمُ فِي الْوَاجِبِ .
    وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالتَّحْرِيمِ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَيْهِمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ :" كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يُقَلِّدُهُ وَيَبْعَثُ بِهِ , وَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ , قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْبَعْثُ بِالْهَدْيِ أَكْثَرُ مِنْ إرَادَةِ التَّضْحِيَةِ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ))(15 ).

    أدلة القول الثالث: احتجوا بحديث أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها-السابق وحملوه على الإباحة وقدموه على حديث أم المؤمنين أم سلمة –رضي الله عنها-.
    قال الطحاوي بعد أن ذكر حديث أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها-:
    ((.. ففي ذلك دليل على إباحة ما قد حظره الحديث الأول – يعني حديث أم سلمة – ومجيء حديث عائشة رضي الله عنها أحسن من مجيء حديث أم سلمة رضي الله عنهما لأنه جاء مجيئاً متواتراً .
    وحديث أم سلمة فلم يجئ كذلك ، بل قد طعن في إسناد حديث مالك ، فقيل إنه موقوف على أم سلمة .
    ثم ذكر الطحاوي حديث أم سلمة برواية مالك وفيه :"عن أم سلمة رضي الله عنها ولم ترفعه قالت : من رأى هلال ذي الحجة … الخ" .
    وذكر رواية أخرى وفيها :" عن أم سلمة مثله ولم ترفعه …" .
    ثم قال الطحاوي :
    (( وأما النظر في ذلك فقد رأينا الإحرام ينحظر به أشياء مما قد كانت كلها قبله حلالاً ، منها الجماع والقبلة وقص الأظفار وحلق الشعر وقتل الصيد فكل هذه الأشياء تحرم بالإحرام وأحكام ذلك مختلفة .
    فأما الجماع فمن أصابه في إحرامه فسد حجه ، وما سوى ذلك لا يفسد إصابته الإحرام فكان الجماع أغلظ الأشياء التي يحرمها الإحرام .
    ثم رأينا من دخلت عليه أيام العشر وهو يريد أن يضحي أن ذلك لا يمنعه من الجماع ، فلما كان ذلك لا يمنعه من الجماع ، وهو أغلظ ما يحرم بالإحرام ، كان أحرى أن لا يمنع مما دون ذلك ))( 16).
    وقال ابن عبد البر: (( قد صح أنّ النبي عليه السلام إذ بعث بهديه لم يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم ،وصح أنه كان يضحي صلى الله عليه وسلم ويحض على الضحية، ولم يصح عندنا أنه صلى الله عليه وسلم في العام الذي بعث فيه بهديه ولم يبعث بهديه لينحر عنه بمكة إلا سنة تسع مع أبي بكر ولا يوجد أنه لم يضح في ذلك العام والله أعلم.
    والقياس على ما أجمعوا عليه من جواز الإجماع أن يجوز ما دونه من حلاق الشعر وقطع الظفر وبالله - عزّ وجلّ-التوفيق ))( 17).
    وقال أبو عبد الله الآبي المالكي: (( مذهبنا أنه لا يلزم العمل بهذه الأحاديث - روايات حديث أم سلمة – لحديث عائشة … وبعثُ الهدي آكدُ من إرادة الأضحية ))(18 ).

    المناقشة والترجيح:
    وقد أجاب أصحاب القول الأول عن الاستدلال بحديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قائلين :
    إن حديث أم سلمة في الأضحية ، وحديث عائشة في الهدي فلا تعارض بينهما ولاحتمال خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، لان عائشة تخبر عن فعله وأم سلمة تخبر عن قوله والقول مقدم على الفعل.
    ويمكن أن يقال :إن حديث عائشة عام ، وحديث أم سلمة خاص ، والخاص مقدم على العام(19 ).
    قال ابن قدامة : ((وَحَدِيثُهُمْ عَامٌّ , وَهَذَا خَاصٌّ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ , بِتَنْزِيلِ الْعَامِّ عَلَى مَا عَدَا مَا تَنَاوَلَهُ الْحَدِيثُ الْخَاصُّ ))( 20).
    وقال الشوكاني : ((ولا يخفى أن حديث الباب – أي حديث أم سلمة – أخص منه – أي من حديث عائشة - مطلقاً فيبنى العام على الخاص ويكون الظاهر مع من قال بالتحريم ولكن على من أراد التضحية ))(21 ).
    وأما القول الثالث فظاهر الضعف ، إذ هو مبني على قياس في مقابلة النص ، وهذا القياس فاسد الاعتبار ،وأما عن إعلال حديث أم سلمة بالوقف فقد تقدم الجواب عنه وأن روايته مرفوعاً قد ثبتت.
    قال ابن قدامة:
    ((وَلَنَا مَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ ..... وَلِأَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُ حَدِيثِهِمْ عَلَى غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ لِوُجُوهٍ : مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ مَا نَهَى عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ شُعَيْبٍ : { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْه}[هود: من الآية88].
    وَلِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِ النَّهْيِ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا , وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَفْعَلَهُ , فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا فَعَلَهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عَلَى غَيْرِهِ ; وَلِأَنَّ عَائِشَةَ تَعْلَمُ ظَاهِرًا مَا يُبَاشِرُهَا بِهِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ , أَوْ مَا يَفْعَلُهُ دَائِمًا , كَاللِّبَاسِ وَالطِّيبِ , فَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ نَادِرًا , كَقَصِّ الشَّعْرِ , وَقَلْمِ الْأَظْفَارِ , مِمَّا لَا يَفْعَلُهُ فِي الْأَيَّامِ إلَّا مَرَّةً , فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَمْ تُرِدْهُ بِخَبَرِهَا , وَإِنْ احْتَمَلَ إرَادَتَهَا إيَّاهُ , فَهُوَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ , وَمَا كَانَ هَكَذَا , فَاحْتِمَالُ تَخْصِيصِهِ قَرِيبٌ , فَيَكْفِي فِيهِ أَدْنَى دَلِيلٍ , وَخَبَرُنَا دَلِيلٌ قَوِيٌّ , فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّخْصِيصِ ; وَلِأَنَّ عَائِشَةَ تُخْبِرُ عَنْ فِعْلِهِ وَأُمَّ سَلَمَةَ عَنْ قَوْلِهِ , وَالْقَوْلُ يُقَدَّمُ عَلَى الْفِعْلِ ; لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ خَاصًّا لَهُ ))( 22).
    وقال ابن القيم:
    ((وَأَسْعَد النَّاس بِهَذَا الْحَدِيث : مَنْ قَالَ بِظَاهِرِهِ لِصِحَّتِهِ , وَعَدَم مَا يُعَارِضهُ .
    وَأَمَّا حَدِيث عَائِشَة فَهُوَ إِنَّمَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَنْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ وَأَقَامَ فِي أَهْله فَإِنَّهُ يُقِيم حَلَالًا , وَلَا يَكُون مُحْرِمًا بِإِرْسَالِ الْهَدْي , رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَف : يَكُون بِذَلِكَ مُحْرِمًا , وَلِهَذَا رَوَتْ عَائِشَة لَمَّا حُكِيَ لَهَا هَذَا الْحَدِيث .
    وَحَدِيث أُمّ سَلَمَة يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّي أَمْسَكَ فِي الْعَشْر عَنْ أَخْذ شَعْره وَظُفْره خَاصَّة , فَأَيّ مُنَافَاة بَيْنهمَا ؟ وَلِهَذَا كَانَ أَحْمَد وَغَيْره يَعْمَل بِكِلَا الْحَدِيثَيْنِ : هَذَا فِي مَوْضِعه , وَهَذَا فِي مَوْضِعه .
    وَقَدْ سَأَلَ الْإِمَام أَحْمَد أَوْ غَيْره عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ ؟ فَقَالَ : هَذَا لَهُ وَجْه , وَهَذَا لَهُ وَجْه .
    وَلَوْ قُدِّرَ بِطَرِيقِ الْفَرْض تَعَارُضهمَا لَكَانَ حَدِيث أُمّ سَلَمَة خَاصًّا , وَحَدِيث عَائِشَة عَامًّا . وَيَجِب تَنْزِيل الْعَامّ عَلَى مَا عَدَا مَدْلُول الْخَاصّ , تَوْفِيقًا بَيْن الْأَدِلَّة .
    وَيَجِب حَمْل حَدِيث عَائِشَة عَلَى مَا عَدَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث أُمّ سَلَمَة , فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَل مَا نَهَى عَنْهُ , وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا .
    وَأَيْضًا : فَعَائِشَة إِنَّمَا تَعْلَم ظَاهِر مَا يُبَاشِرهَا بِهِ , أَوْ يَفْعَلهُ ظَاهِرًا مِنْ اللِّبَاس وَالطِّيب . وَأَمَّا مَا يَفْعَلهُ نَادِرًا , كَقَصِّ الشَّعْر وَتَقْلِيم الظُّفْر , مِمَّا لَا يُفْعَل فِي الْأَيَّام الْعَدِيدَة إِلَّا مَرَّة . فَهِيَ لَمْ تُخْبِر بِوُقُوعِهِ مِنْهُ فِي عَشْر ذِي الْحِجَّة , وَإِنَّمَا قَالَتْ : " لَمْ يَحْرُم عَلَيْهِ شَيْء " .
    وَهَذَا غَايَته : أَنْ يَكُون شَهَادَة عَلَى نَفْي , فَلَا يُعَارِض حَدِيث أُمّ سَلَمَة .
    وَالظَّاهِر : أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ ذَلِكَ بِحَدِيثِهَا , وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَاحْتِمَال تَخْصِيصه قَرِيب , فَيَكْفِي فِيهِ أَدْنَى دَلِيل . وَخَبَر أُمّ سَلَمَة صَرِيح فِي النَّهْي , فَلَا يَجُوز تَعْطِيله أَيْضًا .
    فَأُمّ سَلَمَة تُخْبِر عَنْ قَوْله وَشَرْعه لِأُمَّتِهِ فَيَجِب اِمْتِثَاله . وَعَائِشَة تُخْبِر عَنْ نَفْي مُسْتَنِد إِلَى رُؤْيَتهَا وَهِيَ إِنَّمَا رَأَتْ أَنَّهُ لَا يَصِير بِذَلِكَ مُحْرِمًا , يَحْرُم عَلَيْهِ مَا يَحْرُم عَلَى الْمُحْرِم . وَلَمْ تُخْبِر عَنْ قَوْله : إِنَّهُ لَا يَحْرُم عَلَى أَحَدكُمْ بِذَلِكَ شَيْء . وَهَذَا لَا يُعَارِض صَرِيح لَفْظه . وَأَمَّا رَدّ الْحَدِيث بِالْقِيَاسِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ قِيَاس فَاسِد مُصَادِم لِلنَّصِّ لَكَفَى ذَلِكَ فِي رَدّ الْقِيَاس وَمَعْلُوم أَنَّ رَدّ الْقِيَاس بِصَرِيحِ السُّنَّة أَوْلَى مِنْ رَدّ السُّنَّة بِالْقِيَاسِ , وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق . كَيْف ؟ وَأَنَّ تَحْرِيم النِّسَاء وَالطِّيب وَاللِّبَاس أَمْر يَخْتَصّ بِالْإِحْرَامِ , لَا يَتَعَلَّق بِالضَّحِيَّةِ , وَأَمَّا تَقْلِيم الظُّفْر وَأَخْذ الشَّعْر فَإِنَّهُ مِنْ تَمَام التَّعَبُّد بِالْأُضْحِيَّةِ..))(23 ).
    قلت: وبذلك يكون القول الأول – وهو التحريم – هو القول الراجح لا سيما وصيغة النهي مؤكدة بالنون في رواية مسلم وغيرها كما تقدم بيانه.


    *المراد بالنهي عن الأخذ من الشعر والظفر الوارد في حديث أم سلمة

    قال النووي : ((قال أصحابنا : والمراد بالنهي عن أخذ الظفر والشعر النهي عن إزالة الظفر بقلْمٍ أو كَسْرٍ أو غيره .
    والمنع من إزالة الشعر ، بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذ بنورة أو غير ذلك .
    وسواء شعر الإبط والشارب والعانة والرأس ، وغير ذلك من شعور بدنه .
    قال إبراهيم المروزي وغيره من أصحابنا : حكم أجزاء البدن كلها حكم الشعر والظفر .
    ودليله الرواية السابقة "فلا يمس من شعره وبشره شيئاً " ))( 24).
    وقال في"عون المعبود":: (( وَقَالَ بَعْضهمْ : أَرَادَ بِالشَّعْرِ شَعْر الرَّأْس وَبِالْبَشَرِ بَشَر [ شَعْر ] الْبَدَن , فَعَلَى هَذَا لَا يَدْخُل فِيهِ قَلْم الْأَظْفَار وَلَا يُكْرَه ))( 25).
    والصواب القول الأول ، لأنه ورد في إحدى الروايات عند مسلم-كما تقدم- :
    ( فلا يأخذن شعراً ولا يقلمن ظفراً ) .

    * الحكمة من النهي المذكور في الحديث

    وأما الحكمة في النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار في حق من أراد الأضحية فهي :
    قال الإمام النووي -رحمه الله-:
    (( قال أصحابنا : والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار ))(26 ).
    وقال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ:
    ((والحكمة في هذا النهي ـ والله أعلم ـ أنه لما كان المضحي مشاركاً للمحرم في بعض أعمال النسك ،وهو التقرب إلى الله بذبح القربان كان من الحكمة أن يعطى بعض أحكامه ،وقد قال الله في المحرمين :{وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[ البقرة: من الآية196]
    وقيل:الحكمة أن يبقى المضحي كامل الأجزاء للعتق من النار،ولعل قائل ذلك استند إلى ما ورد :"أن الله يعتق من النار بكل عضو من الأضحية عضواً من المضحي "،لكن هذا الحديث قال ابن الصلاح: غير معروف ولم نجد له سنداً يثبت به(27 )،ثم هو منقوض بما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    "أيما رجل مسلم أعتق امرءاً مسلماً استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار "(28 ).
    ولم ينه من أراد العتق عن أخذ شيء من شعره وظفره وبشرته حتى يعتق.
    وقيل:الحكمة التشبه بالمحرم .وفيه نظر،فإن المضحي لايحرم عليه الطيب والنكاح والصيد واللباس المحرم على المحرم فهو مخالف للمحرم في أكثر الأحكام .
    ثم رأيت ابن القيم أشار إلى أن الحكمة: توفير الشعر والظفر ليأخذه مع الأضحية فيكون ذلك من تمام الأضحية عند الله وكمال التعبد بها. والله تعالى أعلم ))( 29).


    *حكم هذا النهي فيمن ضحي عنه أوضحى عن غيره

    ظاهر الحديث وكلام أهل العلم أن نهي المضحي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة يشمل ما إذا نوى الأضحية عن نفسه أو تبرع بها عن غيره وهو كذلك ،وأما من ضحى عن غيره بوكالة أو وصية فلا يشمله النهي بلا ريب( 30).
    أما من يضحى عنه ؛فظاهر الحديث وكلام كثير من أهل العلم أن النهي لا يشمله ،فيجوز له الأخذ من شعره وظفره وبشرته ،ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي عن آل محمد ولم ينقل أنه كان ينهاهم عن ذلك ،والله أعلم(31 ).


    تنبيهات:

    *يتوهم بعض العامة أن من أراد الأضحية ثم أخذ من شعره أو أظفره أو بشرته شيئاً في أيام العشر لم تقبل أضحيته ،وهذا خطأ بيّن فلا علاقة بين قبول الأضحية والأخذ مما ذكر، لكن من أخذ بدون عذر فقد خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإمساك ووقع فيما نهى عنه من الأخذ فعليه أن يستغفر الله ويتوب ولا يعود وأما أضحيته فلا يمنع قبولها أخذه من ذلك.
    * من احتاج إلى أخذ الشعر والظفر والبشرة فأخذها فلا حرج عليه ،مثل أن يكون به جرح فيحتاج إلى قص الشعر عنه ،أو ينكسر ظفره فتؤذيه فيقص ما يتأذى به ،أو يتدلى قشرة من جلده فتؤذيه فيقصها فلا حرج عليه في ذلك كله(32 ).
    *إذا لم يلتزم مريد الأضحية بهذا النهي فأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره فإنه يستغفر الله سبحانه وتعالى ولا فدية فيه إجماعاً سواء فعله عمداً أو نسياناً ( 33).



    وبعد:
    فهذا ما تيسر جمعه ودراسته حول هذا الحديث سائلا الله التوفيق والسداد ،وهو حسبنا ونعم الوكيل .


    .................................................. ..........................
    الهوامش:

    (1) "شرح ابن القيم على سنن أبي داود بهامش عون المعبود"( 7/346 ).
    (2)" تحفة الأحوذي"( 5/100 )،وانظر:"إرواء الغليل"للألباني(1163).
    (3) المغني مع الشرح الكبير"( 7/96 )،" شرح الزركشي على مختصر الخرقي"( 7/8-9 )، ،" المحلى" (6/3 )، "شرح النووي على صحيح مسلم"( 4/119 )، "شرح منتهى الإرادات"(2/623)،"كشاف القناع"(3/23)،"سبل السلام"(2/537)، "معجم فقه السلف"( 4/144 ).
    (4) "الذخيرة "(4/141)، "المجموع شرح المهذب" للنووي( 8/362 )،"المغني مع الشرح الكبير"( 7/96 )، "الحاوي "(15/74 )، "المغني"( 9/346 )، "شرح الآبي على صحيح مسلم"( 5/307 )، "بذل المجهود"( 13/12).
    (5)"المجموع شرح المهذب"(8/362-364).
    (6) "شرح معاني الآثار"( 2/182 )، "المجموع شرح المهذب" ( 8/399 )، "شرح النووي على صحيح مسلم"( 4/119 )،"المغني مع الشرح الكبير"( 7/96 ).
    (7)"إعلاء السنن"( 17/292 )، "بذل المجهود"( 13/12 ).
    (8)"الاستذكار"(4/85).
    (9) "المغني "(9/346 ).
    (10) أخرجه مسلم (5/121 –مع شرح النووي).
    وقوله في الحديث:" أطلى فيه ناس" : الإطلاء بالنورة هو: إزالة شعر العانة بالنورة وهي مادة تستعمل في إزالة الشعر،كما في "فتح الباري"(10/344)،"المصباح المنير " للفيومي(ص 241 ).
    (11)أخرجه ابن عبد البر في"الاستذكار"(4/87)،وابن حزم في "المحلى"( 6/28 ).
    (12) أخرجه البخاري ( 4/295 -مع الفتح)،ومسلم( 3/439 - مع شرح النووي).
    (13)"مختصر المزني"(ص586)،"المجموع شرح المهذب"(8/364).
    (14) "الحاوي" (15/74 ).
    (15)"المجموع شرح المهذب"(8/364).
    (16) "شرح معاني الآثار"( 4/182 ).
    (17)"الاستذكار"(4/85).
    (18) "شرح الآبي على صحيح مسلم"( 5/307 ).
    (19) "المغني مع الشرح الكبير"( 7/96 )،"شرح منتهى الإرادات"(2/623).
    (20) "المغني"( 9/346).
    (21) "نيل الأوطار"( 5/128 ).
    (22) "المغني"( 9/346).
    (23) "حاشية ابن القيم على سنن أبي داود بهامش عون المعبود"( 7/348 ).
    (24) "شرح النووي على صحيح مسلم"( 5/119-120 )، وانظر:" المحلى"( 6/28 )، "الحاوي"( 15/74 ).
    (25) "عون المعبود"( 7/349 )،وانظر:" الحاوي"( 15/ 74 ).
    (26) "شرح النووي على صحيح مسلم "(5/120 )، وانظر:" الذخيرة"( 4/142 ).
    (27) انظر:"التلخيص الحبير"لابن حجر(4/138).
    (28) أخرجه البخاري (2517)،ومسلم (1509).
    (29) "رسالة في أحكام الأضحية" لابن عثيمين(ص77)،وانظر "فيض القدير"للمناوي(1/339).
    (30) "رسالة في أحكام الأضحية"(ص78).
    (31) المصدر السابق (ص78).
    (32) "رسالة في أحكام الأضحية"(ص79)
    (33) "المغني"( 9/437) .
    __________________
    قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-:
    (( السيادة في الدنيا والسعادة في العُقبى لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب )). [تحفة المودود: ص146]

  2. #2

  3. #3
    جزاك الله خيرا اخي الدكتور واكثر من امثالك موضوع موثق وفي وقته واظن ان مكانه المناسب
    قسم الحديث
    شكرا لك

  4. #4
    مميز دوما بمواضيعك دكتور
    ومكانه المناسب اظنه القسم الاسلامي

  5. #5

  6. #6
    جزاك الله خيرا

  7. #7

  8. #8

المواضيع المتشابهه

  1. خطبة الجمعة : الأضحية
    بواسطة عبدالله المؤدب البدروشي في المنتدى فرسان التجارب الدعوية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 11-09-2010, 07:04 AM
  2. أوائل سورة مريم.. تناسق هرموني وبيان بديع
    بواسطة عرموش في المنتدى فرسان الطب البديل.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-09-2010, 03:28 PM
  3. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-15-2008, 03:36 PM
  4. توزيع الأضحية وإعطاء أهل الذمة منها
    بواسطة كرم المصرى في المنتدى فرسان المناسبات
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-20-2007, 03:22 PM
  5. من أحكام الأضحية وآداب عيد الأضحى المبارك
    بواسطة امير الليل في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 01-01-2007, 01:42 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •