قذف المحصنات الغافلات المؤمنات


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم
مُّسْلِمُونَ }آل عمران102.


{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً
وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ
بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيباً } النساء1

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ
فَوْزاً عَظِيماً }[الأحزاب71،70 ]

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير
الهدي هدي نبينا محمد ،عليه
الصلاة والسلام
وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة
بدعة،
وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في
النار.

اخوتي في الله ......
السبع الموبقات التي حذر منها
النبي صلى الله عليه وسلم
في الحديث الذي رواه البخاري
ومسلم وأبو داود والنسائي من
حديث أبي هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم

قال:
(( اجتنبوا السبع الموبقات )) .
قالوا : يا رسول الله وما هُنَّ ؟
قال ((الشرك بالله، والسحرُ وقتلُ
النفس التي حرم الله إلا بالحق،
وأكلُ مال اليتيم، وأكلُ الربا،
والتولي يوم الزحف
وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ
المؤمنات)

قذف المحصنات الغافلات
المؤمنات
وحتى لا ينسحب بساط الوقت من
تحت أقدامنا فسوف ينتظم حديثي
مع حضراتكم في العناصر التالية.
أولاً : المعنى اللغوي.
ثانياً : شروط القذف وبما يثبت؟
ثالثاً : حكم القذف وعقوبته في
الدنيا والآخرة.
رابعاً : نموذج من القذف البشع.
وأخيراً : صور مشرقة.

فأعيروني القلوب والأسماع، فإن
هذا اللقاء من الأهمية بمكان .
أولاً : المعنى اللغوي.
جاء في لسان العرب لابن منظور :
القذف هو : الرمي والسَّب
ومعناه هنا : رمي المرأة بالزنا أو
ما كان في معناه .
والمحصنات : جمع محصنة وهي
المرأة المتزوجة .والُمحْنَةُ
، والُحْصِنةُ كذلك : هي المرأة
العفيفة البعيدة عن الريبة والشك
.
والغافلات : من الغفلة ، وهي
الترك والسهو .
والغافلات: هن البريئات الطوايا
المطمئنات النفس لأنهن لم يفعلن
شيئا يحذرونه، ويخفن منه.

ثانياً : شروط القذف وبما يثبت .
إن القذف لا يصبح جريمة تستحق
الجلد إلا بشروط منها ما يجب
توفره في القاذف ومنها ما يجب
توفره في المقذوف ، ومنها ما
يجب توفره في الشيء المقذوف
به.

الشروط التي يجب توفرها في
القاذف وهي :
*: العقل والبلوغ والاختيار .
وهذه الشروط هي أصل التكليف
فإذا كان القاذف مجنوناً أو صغيراً
أو مُكْرها فلا حد عليه . لقول النبي
صلى الله عليه وسلم
في الحديث الذي رواه أحمد ، وأبو
داود ، والترمذي ، والحاكم وغيرهم
من حديث عليّ وصحح الحديث
شيخنا الألباني في صحيح الجامع

أنه قال : (( رُفِعَ القلمُ عن ثلاث ،
عن النائم حتى يستيقظ ، وعن
الصبي حتى يحتلم ، وعن
المجنون حتى يفيق ))
وفي لفظ
((عن المعتوه حتى يعقل))
ولقوله صلى الله عليه وسلم في
الحديث الذي رواه الطبري عن
ثوبان وصححه شيخنا الألباني في
صحيح الجامع أنه قال : ((رُفِعَ)) ،
وفي لفظ ((وضع عن أمتي الخطأ
والنسيان وما استكرهوا عليه .))

الشروط التي يجب توفرها في
المقذوف وهي :
· العقل
· البلوغ (أيضاً) فلا يحد من قذف
الصغير أو الصغيرة ، ولكن الإمام
مالك رحمه الله يقول : إذا قذف بنتا
قبل البلوغ ولكنها من الممكن أن
يزنى بها والعياذ بها ، فإنه يستحق
الحد لأنه قد يفسد عليها
مستقبلها ويؤذي أهلها .
ولكن جمهور العلماء قالوا يَزر ،
ولا حد عليه

· الإسلام : أي أن يكون المقذوف
مسلماً
· العفة : أي يكون المقذوف عفيفاً
بريئاً من فعل الفاحشة التي رمي
بها .
· الحرية : أي أن يكون المقذوف
حراً وإن كان قذف الحر للعبد
محرماً .

لما رواه مسلم من حديث سعد بن
أبي وقاص أنه صلى الله عليه
وسلم قال :
((من قذف مملوكه بالزنا أقيم
عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون
كما قاتل ))

ولما رواه البخاري ومسلم من
حديث أبي هريرة ، وهذا لفظ
البخاري في كتاب الحدود أنه
صلى الله عليه وسلم قال :
(( من قذف مملوكه وهو بريء مما
قال جُلِدَ يوم القيامة إلا أن يكون
كما قال ))

الشروط التي يجب توفرها في
المقذوف به وهي :
التصريح بالزنا أو التعريض الظاهر
الذي يفهم منه القذف ويستوي
في ذلك القول والكتابة.
ويثبت حد القذف بأحد أمرين
* إما بإقرار القاذف نفسه .
* أو بشهادة الشهود عليه .

ثالثاً : حكم القذف وعقوبته في
الدنيا والآخرة .
أخوتي في الله :
إن الإسلام منهج حياة متكامل لا
يقوم أساسا على العقوبة ، إنما
يقوم على توفير أسباب الحياة
النظيفة ، وتحقيق الضمانات
والوقاية .

ثم يعاقب بعد ذلك من يدع الأخذ
بهذه الأسباب الميسرة والضمانات
الأمنية ليتمرغ في أحوال
المعصية طائعاً مختاراً أو غير
مضطر
ومن ثم يشدد الإسلام في عقوبة
القذف جزافا هذا التشديد ويتوعد
عليها بأشد الوعيد ، لأن ترك
الألسنة تلقي التهم جزافا بدون
بينة أو دليل بترك المجال فسيحاً
لكل من شاء أن يقذف بتلك التهمة
النكراء ،

ثم يمضي آمنا مطمئنا فتصبح
الجماعة وتمسي ، وإذا أعراضها
مجرحة وسمعتها ملوثة
وإذا كل فرد فيها متهم ومهدد
بالاتهام !!
وإذا كل زوج فيها يشك في
زوجه !!

وكل رجل فيها يشك في أصله !!
وكل بيت فيها مهدد بالانهيار !!
وهي حالة من الشك ، والقلق
والريبة لا تطاق !!
ومن هنا ..... صيانة للأعراض
وحماية للمجتمع ، شدد الإسلام
في عقوبة القذف .

وأوجب عل القاذف إذا لم يقم
البنية ثلاثة أحكام وهي :
الأول : أن يجلد ثمانين جلدة .
الثاني : أن ترد شهادته أبدا .
الثالث : أن يصبح فاسقاً ليس
بعدل لا عند الله ولا عن الناس
وهذا كلام متفق عليه بين العلماء
، ما لم يتب القاذف إلى الله جل
وعلا .


وهذه الأحكام الثلاثة نصت عليها
آية محكمة واحدة من سورة النور
قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ
شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا
تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ{4} إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن
بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ} [النور 5،4] .

أخرج أحمد وعبد الرزاق وأبو داود ،
وابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي
حاتم، وابن مردوية عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال:
لما نزلت هذه الآية قال سعد بن
عبادة سيد الأنصار رضي الله عنه
أهكذا أنزلت
يا رسول الله ؟!
فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
((يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما
يقوله سيدكم ؟))

فقالوا : يا رسول الله لا تلمه فإنه
رجل غيور ، والله ما تزوج امرأة قط
إلا لكرا ، وما طلق امرأة قط فاجترأ
رجل منَّا على أن يتزوجها من
شدة غيرته .

فقال سعد بن عبادة رضي الله
عنه : بأبي أنت وأمي يا رسول
الله إني لأعلم أنها الحق، وأنها من
الله ، ولكني تعجبت أني لو وجدت
(لُكاعّا) – أي امرأة – قد تفخذها
رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا
أحركه حتى يأتي بأربعة شهداء
فوالله لا آتي بهم إلا وقد قضى
حاجته ))

وفي رواية البخاري ومسلم من
حديث المغيرة بن شعبة رضي الله
عنه أن سعد بن عبادة رضي الله
عنه قال :
(( لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته
بالسيف غير مصفح ، فبلغ ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: أتعجبون من غيرة سعد ؟
والله لأنا أغير منه والله أغير مني ،
ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش
ما ظهر منها وما بطن ))

وبالفعل لم يلبثوا إلا يسيرا ، وقد
وقع ما ذكره سعد بن عبادة رضي
الله عنه .
ففي الحديث الذي رواه البخاري
ومسلم ، وأحمد من غيرهم من
حديث ابن عباس رضي الله عنها
قال :
فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال
بن أمية من أرضه عشاءً فوجد عند
امرأته رجلا يزني بها يقال له
شريك بن سحماء فرأى هلال بن
أمية بعينيه ، وسمع بإذنيه فلم
يهيجه،

حتى أصبح فغدا على رسول الله
فقال
: يا رسول الله ،
إني جئت على أهلي عشاء
فوجدت عندها رجلا فرأيت بعيني
وسمعت بأذني !!
فكره رسول الله ما جاء واشتد
عليه واجتمعت عليه الأنصار ،
وقالوا : قد ابتلينا بما قال سعد بن
عبادة .
وهكذا أخوتي في الله قذف هلال
بن أمية زوجته عند النبي
صلى الله عليه وسلم بشريك بن
سمحاء .
فقال النبي :
(( البينة أو حد ظهرك )).

فقال هلال : يا رسول الله إذا رأى
أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق
يلتمس البينة ؟
فجعل النبي يقول :
(( البينة ، أو حد ظهرك ))
فقال هلال : والذي بعثك بالحق
إني لصادق ولينزلن الله ما يبريء
ظهري من الحدِّ! يقول ابن عباس :
فوالله إن رسول الله يريد أن يأمر
بضربه إذ أنزل الله على رسوله
الوحي، وكان إذا نزل الوحي
عرفوا ذلك فأمسكوا حتى فرغ من
الوحي .

فنزل قول الله تعالى(*) :
{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن
لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ
أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ
الصَّادِقِينَ{6} وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ
اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
وَيَدْرَأُ{7} عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ
أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ
الْكَاذِبِينَ{8} وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ
اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ
{9} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ }
[النور: 6-10].

فَسُرِّيَ عن رسول الله وقال :
((أبشر يا هلال فلقد جعل الله لك
فرجا ومخرجا))
فقال هلال : قد كنت أرجو ذلك من
ربي عز وجل
فقال رسول الله :
((أرسلوا إليها )) فجاءت .
فتلا النبي صلى الله عليه وسلم
عليهما الآيات فذكرهما وأخبرهما
أن عذاب الآخرة أشد من عذاب
الدنيا .
فقال هلال : والله يا رسول الله
لقد صدقت .
فقالت زوجته : كذب
فقال رسول الله :
(( لاعنوا بينهما ))

فقيل لهلال : اشهد فشهد أربع
شهادات بالله إنه لمن الصادقين .
فلما كانت الخامسة :
قيل يا هلال اتق الله فإن عذاب
الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن
هذه الموجبة عليك العذاب .
فقال هلال : والله لا يعذبني الله
عليها كما لم يجلدني عليها .
فشهد في الخامسة : أن لعنة الله
عليه إن كان من الكاذبين .
ثم قيل للمرأة إشهدي أربع
شهادات بالله إنه لمن الكاذبين .
وقيل لها عند الخامسة : اتق الله
فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب
الآخرة وإن هذه الموجبة عليك
العذابك .

فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف .
ثم قالت : والله لا أفضح قومي .
فشهدت في الخامسة أن غضب
الله عليها إن كان من الصادقين !! .
فَفَرَّق رسول الله صلى الله عليه
وسلم بينهما وقضى بأن الولد لها
ولا يدعى لأب ولا يرمى ولدها .
ثم قال رسول الله:
((إن جاءت به (أي ولدها) أكحلُ
العينين سابغ الألْيَتَيْن خَدَلَّج
الساقين فهو لشريك بن سحماء))
فجاءت به كذلك .
***********
منقول