تجمعهما المفردة اللغوية: الأدب العربي من الاتجاهات النقدية إلى البرمجة العصبية
الرياض ـ سالم الحسن
16/09/2006

يهتم كثير من الناس بالبرمجة اللغوية العصبية ويزداد عدد ممارسيها يوماً بعد يوم وخصوصاً في السعودية والخليج العربي، وقد انتشرت البرمجة اللغوية العصبية في أنحاء كثيرة من العالم وكثرت مؤسسات التدريب عليها وأصبحت لها مراكز واتحادات وجمعيات ومجلات وغيرها ولا شك أن للبرمجة اللغوية العصبية جاذبية خاصة وإثارة مميزة لأنها تتعلق بفهم النفس الإنسانية وكيفية التأثير فيها.
ونظراً لاعتماد البرمجة اللغوية العصبية على تأثيرات اللغة على السلوك الإنساني والعمل على تحييد السلوك غير المرغوب فيه من خلال الاعتماد على مفردات لفظية ذات دلالة إيجابية في الحوار فإن اللغة مرتكز لالتقاء ذلك العلم بفن الكتابة الإبداعية في الأدب العربي .
كما أن الإنسان كائن يتطور بشكل دائم تبعا لاستجاباته وخبراته وردود أفعاله , بشكل أمكن معه التحكم في المهارات والاتصال والتحكم في الذات والاتجاه بها نحو النجاح اتجاها مقصودا , وقد انتشر هذا العلم على نطاق واسع في العالم وانتشرت مراكزه وتوسعت معاهده التدريبية في أمريكا وبريطانيا واستراليا وغيرها من بلدان العالم بما في ذلك الدول العربية والخليجية.
ورغبة من مجلة المجلة في إلقاء الضوء على هذا العلم الفعال وتحديدا فيما يتعلق بمساندته الفعالة على تعزيز جانب الإبداع الأدبي لدى الشعراء والقاصين والروائيين وغيرهم وعلى مدى إمكانية أن يفيد علم البرمجة اللغوية العصبية في الإبداع العربي في القصة والرواية والشعر وذلك من خلال تطبيقاته في تلك المجالات الإبداعية ليكون مؤثراً ويأخذ بالأدب الإبداعي إلى أفاق من التأثير مثلما هو الحال مع تلك النظريات النقدية الأدبية الحديثة ( البنيوية والتشريحية والتفكيكية وغيرها ) والتي كان له دور بارز في إثراء الحركة الأدبية في الوطن العربي سعينا إلى استشراف أراء عدد من المختصين في مجال البرمجة ا للغوية العصبية.

اللغة والبرمجة:
بداية يتحدث رجاء العتيبي مدرب البرمجة اللغوية العصبية وأحد كتاب جريدة الجزيرة عن مدى إفادة تقنيات البرمجة اللغوية العصبية في تعزيز الإنتاج الأدبي بقوله : اللغة هي إحدى الجوانب الرئيسة التي أولتها البرمجة اللغوية العصبية عناية خاصة بوصفها قناة مؤثرة جدا في عملية الاتصال سواء بين الفرد
والآخرين أو بين الفرد ونفسه, وهي المفردة الثانية التي تشكل عنوان هذا العلم الذي بدأ يأخذ مكانة تليق به باعتباره العلم الذي يبحث في بناء الشخصية بمختلف جوانبها.
ويرى أن البرمجة اللغوية العصبية حينما تبحث في التراكيب الداخلية للشخصية وتضع يدها على المحفزات المثيرة للسلوك والعواطف والمشاعر ويؤكد أنها تقدم خطوة عملية نحو إنتاج أدبي صادق نابع من الأعماق وذلك حينما نعرف أن ما يدركه الإنسان في ذهنه يشكل الطريقة التي يعيش بها .. وبذلك يمكن أن يفيدنا هذا المفهوم في صناعة مدركات متخيلة مقصودة في الذهن ومن ثم صياغتها على شكل لغة أدبية تشكل العمل الأدبي ذاته.
ويعتبر أن الإنسان لا يمكن أن يكتب من فراغ وإنما كتاباته هي انعكاس لمخزون ضخم من التجارب والثقافة والقيم تزخر به ذاكرته .. وهذا ربما يعطينا جانبا من التحكم في شكل العمل الأدبي عندما نصوغه أولا في الذهن بالشكل الذي نريده بعد أن نتحد معه ونشعر به ونرى أحداثه ونسمع أصواته.
ويضيف: الصورة الشعرية مثلا هي في الأصل صورة ذهنية, فيما يأتي لاحقا التركيب اللغوي الذي يصف تلك الصورة الذهنية خارجيا على شكل قصة أو قصيدة أو مقالة ليراها الكل ويتفاعل معها الجميع , وهذا ما يجعل الأعمال الأدبية تتباين فيما بينها.
ويعتقد العتيبي أن البرمجة اللغوية العصبية يمكنها أن تبرمج الخيال كيفما تريد ومن ثم تصوغه على شكل مادة لغوية مؤثرة .. فالخيال عند البرمجة اللغوية العصبية لم يعد أمرا محتكرا لأحد من الناس وإنما هو مهارة يمكن أن يكتسبها الفرد من خلال تقنيات البرمجة اللغوية العصبية التي تشتغل كثيرا على هذا الجانب.

الاتحاد والانفصال:
ويشير إلى أن أهم التقنيات التي تساعد الأديب على الإبداع الخيالي / اللغوي هي تقنية ( الاتحاد والانفصال ) أي الاتحاد شعوريا مع الذات أو الانفصال شعوريا عن الذات ومن خلال هذين الموقفين يمكن للأديب أن يعطي مادته الأدبية بعدا آخر أكثر تأثيرا سواء فيما يتعلق بتكثيف الشعور أو بوصف الحالة من الخارج.
ويشارك محمد إدريس وهو متخصص في الأدب العربي كما أنه مدرب متعمد في البرمجة اللغوية العصبية وعضو الاتحاد العالمي لمدربي البرمجة اللغوية العصبية بقوله : تتقاطع البرمجة اللغوية العصبية مع الأدب في عنصرين أساسيين هما من الأهمية بمكان بحيث لا يمكن التخلي عن أحدهما لا في البرمجة ولا في الأدب. هذان العنصران هما اللغة والتأثير على العقل الباطن (اللاواعي).
فاللغة أولا هي وسيلة الأدب كما أنها وسيلة البرمجة اللغوية العصبية وان اتسع مفهوم اللغة عند أهل البرمجة عن المفهوم المعروف عند الأدباء. والتأثير على العقل الباطن هو على حد كبير الهدف من كلا الفنيين ?إن صح التعبير- وإن اختلفت نوعية هذا التأثير.

القصص في البرمجة :
ويرى أن استخدام القصص والتي هي شكل من أشكال الأدب والمجاز بشكل عام في البرمجة اللغوية العصبية من أبرز سماتها، مع ما يتميز به هذا الاستخدام من تقنيين قد لا نجده بشكل واضح عند الأدباء. فالمبرمج يستخدم القصة بأسلوب محدد للوصول إلى هدف بعينه وقد يستثير حالات شعورية وفكرية معينة وينتقل بين تلك الحالات للوصول إلى الهدف النهائي. في المقابل نجد أن الروائي أو القاص يستخدم نفس الأسلوب من خلال البناء القصصي (الحبكة) في الشخصيات
والأحداث وصولا إلى ما يعرف بالعقدة ويبدأ بعد ذلك الاتجاه بالقارئ نحو الحل فيسمح للقارئ بذلك أن يعايش الأحداث ويتأثر بها تأثيرا قد يصل عند البعض إلى الحياة الواقعية.

دراسات علمية :
وحول كيف يمكن للبرمجة اللغوية العصبية أن تفيد الإبداع العربي في القصة والرواية والشعر وذلك من خلال تطبيقات البرمجة في هذه المجالات الإبداعية ليكون الأدب مؤثرا ويرتقي إلى آفاق من التأثير ؟؟
يعتقد إدريس أن البرمجة اللغوية العصبية وإن أصبح لها هذا الانتشار الواسع الذي نراه اليوم إلا أننا ما نزال بحاجة إلى دراسات عملية مركزة في هذا الجانب كما حصل مع الجوانب الأخرى التي دخلتها البرمجة كالإدارة والسياسة والرياضة وغيرها، وهذا يستدعي أن يقوم بهذا الأمر من لهم باع في المجالين مجال الأدب ومجال البرمجة اللغوية العصبية، ومعتبراً أن هذا لا يمنع من محاولة استشراف طبيعة هذه العلاقة بين البرمجة والأدب والمجالات التي يمكن للبرمجة والأدب أن يلتقيا فيها كثيراً، ويضيف فعلى سبيل المثال نجد بين الأدباء من يجيد التصوير فتجد أنك لا تملك وأنت تقرأ له إلا أن تتصور كل المشاهد التي يتحدث عنها وكأنها ماثلة أمامك، بينما نجد أدباء آخرين يملكون حسا مرهفا في الكلمات فتجد لكلماته عذوبة وموسيقى داخلية تطرب القارئ والسامع وفئة ثالثة تجيد وصف المشاعر فتجد نفسك تبكي أو تضحك وتفرح أو تحزن وكأنك جزء من القصة أو القصيدة التي تقرأها.
ويشير إلى أن البرمجة اللغوية العصبية وبالتحديد الأنظمة التمثيلية أو ما يعرف بالإنسان البصري والسمعي والحسي قد أثبتت أن لكل منا نظامه المفضل وهذا يفسر إعجاب كل واحد منا بأديب مختلف، ولو استطاع الأدباء أن يصلوا إلى درجة من التوازن في هذه الأنظمة فقد نصل إلى إنتاج يناسب جميع الأذواق.
مشيراً إلى ما يوصلنا للجانب النفسي في الأدب من بناء الشخصيات الفنية والتي هي في الواقع تصوير لشخصيات موجودة في حياتنا اليومية شخصيات نحبها وشخصيات نكرهها، شخصيات قريبة منا وشخصيات بعيدة عنا وهذا الموضوع يدخل ضمن أصناف الناس وهو باب واسع في البرمجة ويمكن أن يساهم في بناء شخصيات أقوى في العمل الأدبي لو تمت الاستفادة منه بطريقة أو بأخرى.
ويضيف إدريس هذه الاستشرافات قد تثير العديد من الأسئلة حول إمكانية الاستفادة والتلاقح بين البرمجة اللغوية العصبية والأدب العربي أكثر من إجابتها عليها وأجدني أميل إلى أن هذه الاستفادة والتلاقح عملية متبادلة أكثر من كونها عملية إفادة للأدب من البرمجة.

الإعجاب بالأديب :
من جهة أخرى يتحدث فهد عبد الرحمن الفيفي وهو مدرب من الاتحاد العالمي لمدربي البرمجة اللغوية العصبية inlpta .بقوله : كثير ما تختلف آراؤنا حول كاتب معين، بعضنا معجب والآخر ناقد بعضنا راض وبعضنا ساخط، وقد لا يكون لاختلاف وجهات نظرنا أي سبب واضح يبرر ذلك، أنا أحيانا أجدني معجبا بكاتب أو شاعر معين دون أن أدرك السبب أو أفهم وأحيانا أجد نفسي منقبضا من كاتب معين دون سبب الحقيقة أن البرمجة اللغوية العصبية ساهمت كثيرا في تبيين سبب ذلك .
ويضيف الفيفي بقوله المثل يقول : الناس أجناس !! إن لكل إنسان طبيعة تفكير خاصة به، تجعله كائنا فريدا وحيدا، أحب أن أسمي هذه الطبيعة ببصمة التفكير إن لكل منا بصمته الخاصة في التفكير والإدراك، وقل أن يتطابق فيها اثنان تماما، حتى لو كانا أخوين ( توأمين ) لكل منهما بصمته الخاصة في التفكير فإن الأديب سيجد قبولا من شريحة من الناس وعدم تقبل من شرائح أخرى.
ويرى أن الأديب يكتب بلغته الخاصة، التي تماثل بصمة تفكيره وإدراكه الخاصة، وسيتقبله الناس الذين يشابهونه في التفكير والإدراك وسيختلف معه الكثير ممن يفكرون ويدركون بطرق أخرى مختلفة ما الذي سيحدث لو أن الأديب استطاع أن ينسج فنه بطريقة تعجب الجميع وتبهر الجميع وتناسب كل بصمات التفكير للناس؟
مؤكداً أن البرمجة اللغوية العصبية علم وفن اهتم بدراسة النفس الإنسانية .. من جوانب متعددة منها جوانب التفكير والإدراك.
ويشير إلى أنه في البرمجة اللغوية العصبية : يقسم الناس إلى ثلاثة أنماط

النمط الصوري:
وهذا الصنف من الناس يركز كثيرا على عينيه في جمع المعلومات من المحيط الخارجي، فهو تلفته الصور وتشده الأضواء ويعجب بتناسق الألوان وتبهره المشاهدات من حوله.
فهو يركز على عينيه في التقاط المعلومات، ومن ثم فإنه يخزن الكثير من
المعلومات في ذهنه على هيئة صور، وعندما يعبر عن هذه المعلومات يعبر بلغة صورية تكثر فيها كلمات مثل : شاهدت ورأيت ولاحظت وأنا أرى وأتخيل كذا واللون والشكل والحجم والصورة والإضاءة والجمال والتألق .

النمط السمعي:
وهذا النمط من الناس يركز كثيرا على سمعه في التقاط المعلومات من العالم الخارجي تشده الأصوات المختلفة وينبهر بالأصوات المنغمة، ثم إنه يخزن
المعلومات في ذهنه على هيئة أصوات .. وعندما يتحدث عنها يتحدث بلغة سمعية تكثر فيها كلمات مثل : سمعت .. وقالوا .. وتحدثنا .. وأخبروني ..

النمط الحسي:
أما النمط الثالث من الناس فهو الحسي، وهو إنسان يركز على حواسه الثلاث الباقية في جمع المعلومات المختلفة من المحيط الخارجي ويخرن المعلومات المختلفة في ذهنه على هيئة مشاعر وأحاسيس تكثر عليه كلمات مثل : أحس وأشعر .. وأرغب .. حرارة وبرودة ودفء ومشاعر وضغط وسريان وغيرها كثير.
ويمثل الفيفي لتلك الأنماط بالأمثلة التالية:
لو تأملنا هذا البيت من الشعر لوجدنا أن الشاعر يحاول أن يعبر عن شعور لكنه عبر عنه بطريقة صورية رائعة .. ستعجب الصوريين من الناس لكنها قد لا تلفت السمعيين أو الحسيين ..يقول :
أرى شمسي يراودها الكسوف
ويلفح وجه أزهاري الخريف
وفي عيني تزدحم المآسي
وفي قلبي من الشكوى وجيف
أما هذا فهو شاعر سمعي .. يتحدث بطريقة سمعية .... ويصف حوارا دار بينه وبين نجم ..يقول :
فقلت دع ذا وقلي هل تود هنا
لو كنت واحدنا في الخلق والنسب
فقال يضحك لا بل أنتم زعمت
أشعاركم أنكم في المجد كالشهب
فقلت نحن ألو مجد ومنزلة
وسادة الأرض كانوا من بني العرب
فقال قد كان إني من شهودكم
أيام معدنكم أغلى من الذهب
أما هذا الشاعر فهو حسي .. ويتكلم بطريقة حسية تكثر فيها الحديث عن المشاعر والأحاسيس الفياضة يقول:
متفائل واليأس بالمرصاد
متفائل بالسبق دون جياد
متفائل رغم القنوط يذيقنا
جمر السياط وزجرة الجلاد
متفائل يا قوم رغم دموعكم
إن السماء تبكي فيحيا الوادي
ويرى الفيفي أن القصيدة الأولى سيعجب بها الصنف الأول من الناس وهم الصوريون أما القصيدة الثانية فسيعجب بها السمعيون .. أما الثالثة فسيعجب بها الحسيون، إن كل إنسان فينا يغلب عليه جانب من هذه الجوانب .. ويذوق ما يكتب فيه دون غيره، ماذا لو تعلم الكاتب أن يكتب باللغة الصورية والسمعية والحسية معا ... فيعبر بطريقة تشد وترضي كل الأذواق؟
ويعتقد الفيفي أن كل هذه التصانيف تجعل للإنسان بصمة مستقلة في تفكيره وإدراكه، والبرمجة اللغوية العصبية علم وفن يقوم ببرمجة الذهن والأعصاب بواسطة اللغة، فأنا بلغتي يمكن لي أن أؤثر في من حولي وأبرمجهم على المعاني والمقاصد التي أريدها.
ويرى أن ندرس الكثير من الأساليب اللغوية وندرس تأثيرها على فهم المتلقي وإدراكه وعلى حالته الشعورية وطبيعة إحساسه.
معتقداً في الوقت نفسه أن الأدباء من أكثر المستفيدين من هذا العلم وأكثر المعنيين بتطبيقاته لفائدتها للأديب كاتبا وشاعرا.

مجلة العرب الدولية