منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 15
  1. #1

    الحل القويم لكتابة القصة القصيرة جدا

    الحل القويم لكتابة القصة القصيرة جدا


    الجزء 1/4


    إن القصة القصيرة جدا نص يحمل رسالة، وقد يهدف إلى قضية ما، كما يوصل إلى غاية ما... وأيضا يتميز بمتعة ذات منفعة...
    والقاص هو صاحب رسالة يرسمها في صورة تتجسد فيها ذاته في خلفية النص، وفوقها صورة الواقع الذي يجعل القارئ يتخيل ويتجاوز النص..
    والهدف من القصة القصيرة جدا ليس البراعة في تكثيف الكون في سطر برمزية عالية، بل تلك المفارقات والعلاقات التي تربط بين المجتمعات.

    لعل المصطلحات التي تتداول بين كتاب القصة القصيرة جدا تربك المبتدئين والهواة! فلا هم يفهمون معانيها، ولا يستطيعون فهمها من خلال قراءتهم للقصص، كما أن عدم التفريق بين المصطلحات التي يكون بينها وجه الشبه في بعض النقاط يجعل النص غامضا أكثر من حيث البناء... من هذه الزاوية طلبوا مني شرح تلك المصطلحات العصية، حتى تتضح معرفتها...

    ورأيت أن أقسم هذا الموضوع إلى قسمين: القسم الأول أشرح فيه المصطلحات، والقسم الثاني أبين فيه كيف يمكن كتابة قصة قصيرة جدا بالأمثلة وبمنهجية بسيطة وسهلة.
    * القسم الأول
    المصطلحات:
    1- المرجعية. 2- التناص. 3- الطابع الديداكتيكي. 4- الطابع التقطيعي. 5- الانزياح. 6- الإيجاز. 7- الإضمار. 8- الحذف. 9- الاختزال. 10- الترقيم. 11- التكثيف. 12- البنية. 13- السرد. 14- الشخصية. 15- المقابلة. 16- المقاربة. 17- المفارقة. 18- الإيماء. 19- الإيحاء. 20- التلميح. 21- الإيهام. 22- الرمزية. 23- الخيال. 24- السخرية. 25- الوصف.
    1- المرجعية
    هذا المصطلح رأيت أن أضيفه لأن الكثير يخلط بين المرجعية والتناص؛ إلا أن التناص قسم من أقسام المرجعية سأتطرق إلى شرحه بعد المرجعية.
    تسمى المرجعية أو "الإحالة" وهي نصوص من التراث -والتراث أنواع، منه: التراث التاريخي، التراث الحضاري، التراث العقائدي، التراث الشعبي، التراث الأسطوري...- أو الشخصيات، أو الخبرات؛ أو التناص.. حيث يستمد منه الكاتب ما يساعده على تشكيل النص باستخدامه رموزا؛ فيصبح هذا التوظيف فنا يفتح أمام القارئ فضاء تراثيا يساعده على فهم النص ورسالته، كما يؤثر في نفسيته، لأنه تربطه علاقة وجدانية بتراثه المقدس..

    2- التناص
    يرجع الكاتب إلى نصوص سواء تراثية، أو معاصرة.. أو يعتمد نصا واحدا ويربطهم، أو يربطه بنصه؛ فتصبح المعرفة ممتدة من الماضي إلى الحاضر.. وبالتالي نستطيع القول أن النص ما هو إلا بلورة لعدة نصوص تذوب بأسلوب الكاتب، ولكن تبقى المادة التي يستنبطها القارئ المتميز.. وتتجلى فيها براعة الكاتب وقدرته وكفاءته وثقافته...
    وينقسم التناص إلى ثلاثة أقسام: إما تبعي، أو ترميمي، أو استقلالي؛ كما هو نوعين داخلي وخارجي، والتناص الداخلي يتجلى في حوار النص وتناسله، والتناص الخارجي يتجلى في الحوار بين النص ونصوص أخرى مما يجعل باب التأويل تفتح في وجه القارئ..
    ويكون التناص مع القرآن الكريم، مع الحديث النبوي الشريف، مع السيرة النبوية الشريفة، مع الشعر، مع المقالات الصحفية، مع الأخبار، مع النصوص المعاصرة والحديثة، مع التراث بكل أصنافه، مع الحضارات...

    فإذا كان التناص على وعي من طرف الكاتب، فكذلك يمكن أن يكون على اللاوعي منه.. وقد يمكن كتابة نص قديم بطريقة جديدة [وهذا ما أسميته بـــ: الترميمي]؛ وهذا يندرج ضمن أنماط التناص...

    3- الطابع الديداكتيكي
    الديداكتيك هو تسهيل فهم النص من طرف الكاتب اتجاه القارئ من أجل بلوغ الهدف العقلي، أو الوجداني، أو الحسي...
    كما أن الديداكتيك هو العلاقة التي تربط بين الكاتب والقارئ من خلال النص.. وكل كاتب يهيمن على شخصيته طابعا ديداكتيكيا يُولد في نفسيته نزعة اكتسبها من نشأته، بيئته، محيطه، تعليمه، خبرته...

    4- الطابع التقطيعي
    إن التقطيع في ميدان القصة القصيرة جدا يلعب دور تخريب البنية السردية، وبهذه الخاصيات التي تجزئ لوحة وتبعثر قطعها وتطلب من القارئ إعادة تركيبها تجلي دلالات النص.. والتقطيع والتشطير والترقيم خاصيات تعكس نفسية السارد على مرآة السرد...
    والطابع التقطيعي ما هو إلا طريقة من طرق كتابة القصة القصيرة جدا. وهناك أنماط عديدة مثل التدوير الذي من شأنه توليد عنصر التشويق والمتابعة لأن المعنى لا تظهر في الجملة الأولى، بل حتى الجملة الثانية وهكذا.. وكذلك نجد المقطوعات التي تتخذ كل مقطوعة شكل قصة، والمقطوعات كلها تعتبر قصة.. وقد يعطي الكاتب لكل مقطوعة عنوانا، أو رقما ويكون العنوان الرئيسي.. وهناك أيضا المجموعة القصصية التي تتضمن إلى ما يزيد على مائة قصة، أو قليل...

    5- الانزياح
    الانزياح يعني الخروج من الكلام المألوف إلى كلام غير مألوف؛ ويُعتبر حدثا لغويا يقوم في تشكيل الكلام وصياغته.. وينقسم الانزياح إلى ثلاثة أنواع: 1- الانزياح الدلالي. 2- الانزياح التركيبي. 3- الانزياح الصوتي.
    - الانزياح الدلالي:
    الانزياح الدلالي يعني استعمال البلاغة مثل الاستعارة حين نعبّر عن حدث عبر زمنيين متعاقبين، ويشترط حذف المستعار منه...

    - الانزياح التركيبي.
    الانزياح التركيبي يعني تقديم الفاعل أو المفعول، وتأخير الفعل أو الفاعل، والاعتراض، والالتفات، والحذف، والتحول الأسلوبي؛ وهو بمعنى أدق تحويل اللفظ من مكان إلى مكان آخر.. ولا يكون التقديم والتأخير يلعب دور جمالية النص فحسب، ولكن التقديم يكون من باب الأهمية، أو القدسية، أو معا..

    - الانزياح الصوتي:
    الانزياح الصوتي يعني تكرار الكلمة، أو الجملة بسبب الأهمية، أو القدسية، أو معا...

    6- الإيجاز:
    الإيجاز هو تكثيف معاني كثيرة في ألفاظ قليلة؛ ويشترط فيها الإفصاح.. وقد يلتبس الأمر ويختلط المعنى بمفهوم "الاختصار".. والإيجاز ليس هو الاختصار بل هو تعبير عميق له دلالات ومعاني ومفاهيم كثيرة مكثفة بصورة بلاغية رائعة المبنى... وإذا كان ضد الاختصار هو الطول، فضد الإيجاز هو الإطناب... والقصة القصيرة جدا تدعو الكاتب إلى استخدام الإيجاز من أجل الاختصار وتحصيل معاني كثيرة بألفاظ يسيرة وإخفاء الأمر على السامع.. وكذلك حتى لا يضجر القارئ من إطناب الألفاظ... كما أن مساحة القصة تفرض هذا الإيجاز...
    ونجد في الإيجاز قسمين:
    - إيجاز القصر
    ويسمى هذا النوع "إيجاز البلاغة" وهي الجملة التي لا تتقيد بالحذف وإنما تتضمن معاني كثيرة في جملة قصيرة مثل قوله تعالى: [وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراماً]...

    - إيجاز الحذف
    ويعني حذف حروف أو كلمات من الجملة دون أن يُخل بالفهم ويلزم وجود قرينة؛ ويتحدد هذا النوع من الحذف في الحرف، المضاف، المضاف إليه، الموصوف، الصفة، الشرط، المسند، المسند إليه، المتعلق، الجملة.

    7- الإضمار


    يُقال إذا أضمرت الشيء يعني أخفيته؛ ويُشترط في الإضمار بقاء المقدر في اللفظ.. كما جاء في قوله تعالى:{يُدْخِلُ مَنيَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} أي وَيُعَذِّبَ الظالمين...كما أن الإضمار لا حذف فيه... واستنادا إلى كلام "ابن ميمون": إن الفاعل يُحذف في باب المصدر، قال: إنه يُضمر ولا يُحذف لأنه عمدة في الكلام.

    8- الحذف
    الحذف هو الإسقاط لغة، و إسقاط جزء الكلام أوكله لدليل اصطلاحا...ويكون الحذف في الحرف والاسم والفعل...
    يمكن حذف المبتدأ، والخبر، المضاف شرط إقامة المضاف إليه مقامه والمضاف متى عُلم يجوز حذفه مع الالتفاف إليه، المضاف والمضاف إليه كقوله تعالى:{وتجعلون رزقكم}، أي بدل شكر رزقكم...، الجار والمجرور، الموصوف إذا كانت الصفة خاصة بالموصوف فقط، وإذا أفادت المدح أو الذم، المعطوف، المعطوف عليه، المبدل منه، الموصول.

    9- الاختزال
    الاختزال في هذا المضمار يعني الاختصار الذي يهدف إلى معنى في جملة، أو كلمة دون أن يسبب الاختزال في فقدان المعنى... وقد ذهب البعض إلى أن الاختزال هو الحذف.. والحقيقة أن الاختزال له معاني كثيرة؛ منها اختزال الكلمات مثل كلمة ناس تصبح [نس]، إلى آخره تصبح [الخ]...
    وبمعنى أدق، الاختزال هو غربلة، أو تصفية جملة من كل حشو، ووصف زائد، وإطناب.. وقد نعوض الجملة بكلمة رمزية واحدة إن كانت تفي الغرض دون أن يُفقد المراد منه معناه...



    يُتبع


    بقلم: محمد معمري

  2. #2

    رد: الحل القويم لكتابة القصة القصيرة جدا

    الحل القويم لكتابة القصة القصيرة جدا


    الجزء 2/4



    10- الترقيم
    يلعب الترقيم في القصة القصيرة جدا دورا جد هام للغاية؛ وهو ثلاثة أقسام:
    * القسم الأول
    - الفاصلة (،) تدل على الوقف القصير، ويكون استعمالها في المواضع التالية:
    1- بين المعطوف، والمعطوف عليه. 2- بين الجمل القصيرة التامة المعنى، 3- بين جملتين مرتبطتين معنى، وإعرابا. 4- بين الشرط، وجوابه. 5- بين الكلمات المفردة المرتبطة بكلمات أخرى، والتي تشبه الجمل. 6- بين الأجزاء المتشابهة في الجملة كالأسماء، والأفعال شرط أن لا يكون بينها أحرف العطف. 7- بين القسم، وجوابه. 8- بعد المنادى. 9- قبل الكلمات التي يمكن حذفها دون أن يتغير معنى الجملة. 10- قبل الجملة الحالية، والوصفية.

    - الفاصلة المنقوطة، أو القاطعة (؛) تدل على وقف متوسط ونستعملها بين:
    1- بين جملتين إحداهما سبب الأخرى. 2- بين الجمل الطويلة التامة الفائدة. 3- بين الجملتين المرتبطتين في المعنى دون الإعراب.

    - النقطة (.) تدل على وقف تام، وتقع في نهاية الجملة التامة المعنى شرط أن لا تكون الجملة تعجبية، أو استفهامية.

    - النقطتان العموديتان ( تدلان على وقف متوسط، ومحلهما:
    1- بين المقول ومقوله. 2- قبل المنقول، أو المقتبس. 3- بين الشيء وأقسامه، أو أنواعه، أو قبل التعداد. 4- قبل التمثيل، نحو:«الحال المفردة هي التي ليست بجملة، ولا بشبه جملة، نحو: قرأنا الموضوع متلهفين». 5- قبل التفسير. 6- بعد فعل بمعنى قال نحو [صرخ...]، مثال:«صاح الغريق: أنقذوني».

    - النقطتان الأفقيتان (..) تدلان على كلام محذوف..

    - الثلاث نقط (...) 1- نضعها بعد جملة تحمل معاني أخرى لنترك مجال التأويل والتفكير للقارئ. للاختصار، وعدم التكرار بعد جملة، أو جمل. 3- للدلالة على حذف في الاقتباس الحرفي. 4- بدلا من عبارة: [إلى آخره].

    - علامة الاستفهام (؟) توضع في كل نهاية جملة استفهامية.
    - علامة التعجب (!) توضع في كل نهاية جملة تدل عن التعجب، الإغراء، التحذير، الفرح، الحزن، الدعاء، التأثر، الاستغاثة، الانفعال.

    - علامة الاستفاهم والتعجب معا (؟!) نستعملهما بعد الاستفهام الإنكاري؛ مثل: (ومن يحب الوطن أكثر من جنوده؟!).

    - الخط، أو الشرطة (-) نضعها في: 1- أول الجملة المعترضة، وآخرها. 2- بين العدد والمعدود. 3- لفصل كلام المتحاورين.

    - القوسان ( ) نضعهما لحصر: 1- الكلمات المفسرة، 2- ألفاظ الاحتراس. 3- العبارات، أو الكلمات التي يُراد منها لفت النظر.

    - المزدوجان، أو علامة التنصيص «» نضعها لنقل جملة بنصها.

    - القوسان المعقوفان [] نضعهما لحصر كلام الكاتب عندما يكون في معرض نقل كلام لغيره بنصه.

    * القسم الثاني
    هناك رموز تدل على عبارات، أو كلمات وهي اختصار بشكل عام في علوم الرياضيات.. وهي تربط بين دلالة الرمز ودلالة العبارة أو الكلمات...
    - / ، هذا الرمز يعني عارضة بين كلام لننتقل إلى كلام آخر، ويكون الكلام الذي يأتي بعد هذا الرمز بمثابة قسمة من التعبير كله، وقد يأتي في آخر الكلام للحصر...
    - l l ، الكلام الذي يقع بين خطين عموديين يعني أن له قيمة مطلقة... والقيمة المطلقة نفهمها من خلال الكلام الذي يكون قبل هذا الرمز؛ فإن كان على سبيل المثال النص يدور حول الحب، فنفهم الشخصية التي توضع بين العمودين أنها تتميز بحب مثالي، وإن كانت ثقة، فهي إذن ثقة تامة، إلى غير ذلك...
    - [...]، كلام كثير محصور يفتح أمام القارئ مجال التفكير.
    - [...، يعني الجزء الأخير من النص يؤول إلى ما لانهاية، ويعني كذلك أن أحداث القصة تسير على نفس المنوال، أي روتيني...
    - ]...[...، يعني هذا الرمز أن المجالين المتقابلين بينهما حدث، أو أحداث إما اتحادية، أو تقاطعية، أو ضمنية أو غير ضمنية... وإذا توسطتهما علامة الاستفاهم والتعجب معا، تعني أن المجالين يتوسطها، أو يربطهما حدث، أو أحداث استفهامية إنكارية...
    - ...]، لا تلتفت لهذا المجال لأنه محصور ولا يُراد من كلامه المقابلة؛ جاء فقط كمفتاح للنص...

    * القسم الثالث
    يلتجأ بعض الكتاب لترقيم قصصهم لثلاثة أسباب:
    - الأول
    يكتب الكاتب قصة، ثم يقطعها إلى مقطوعات فتصير كل مقطوعة عبارة عن قصة قصيرة جدا مستقلة رغم خط التيمات الذي يربط بينهم؛ فيلتجأ الكاتب إلى ترقيم كل مقطوعة عوض عنونة كل مقطوعة، لأن في هذا الحال كثرة العناوين تفقد القصة ككل نكهتها ورسالتها وفكرتها...
    - الثاني
    يكتب الكاتب قصصه القصيرة جدا تماما كأنه يكتب مسلسلا؛ وفي كل حلقة نشاهد أحداثا قد تكون متسلسلة، وقد تكون غير متسلسلة؛ وهنا تكمن براعة القارئ في جمع شتات الحلقات ليخرج في النهاية بقصة واحدة.. هذا ما يجعل الكاتب يميل إلى ترقيم كل قصة قصيرة جدا لأنه قد اكتفى بعنوان واحد وشامل...
    - الثالث
    هناك أرقام لها دلالات، وترمز إلى أشياء كثيرة؛ فيكتفي الكاتب بعنونة قصته برقم فقط؛ مثال ذلك رقم (19) فهو يعني عدد خزنة جهنم، ويعني في بعض الدول رقم هاتف الأمن الوطني المتاح للمواطنين لطلب النجدة، أو للإشعار... فيصبح هذا الرقم في حد ذاته رمزا مكثفا له دلالات عميقة؛ وقد يكون الرقم تاريخا، وقد يكون رمزا لشيء ما في أعراف الناس مثل الرقم (13) إذا صادف يوم جمعة فهو يوم شؤم عند النصارى...

    11- التكثيف
    التكثيف يعني لغة في مضمار القصة القصيرة جدا ضغط العبارات بأكثر ما يمكن من المعاني عن طريق الأفعال التي بدورها تسعى إلى تكثيف المعاني...
    والتكثيف هو العنصر الأساسي الذي يحدد بنية القصة القصيرة جدا، ويجعل وحدتها متماسكة بإيجاز الأحداث...
    وليس للتكثيف مفهوما واحدا، بل هو متعدد الجوانب؛ ونذكر من بينها ما هو أهم:
    - التكثيف البنائي
    هو العمل على الحذف، والإضمار، والإيجاز، والاختزال، والترقيم إلى أن يصبح كل حرف، وكل كلمة، وكل ترقيم في النص له دور أساسي في السرد...

    - التكثيف الدلالي
    هو العمل على الإيحاء، الإيماء، التلميح، الإيهام، الرمزية، الخيال، السخرية؛ بدلالات تشبه لغة الشعر حتى يلعب كل ركن دور مفهوم المصطلح في جمل تتألف من المسكوت عنه بشكل جلي...

    - التكثيف التجريدي
    التكثيف التجريدي هو العمل على الخيال، والرمزية، وأحيانا السخرية، وينقسم إلى ثلاثة أقسام:
    1- يصور الكاتب المعاملات، والصفات.. أشخاصا يتفاعلون بينهم مثل الصدق والكذب، الحب والكراهية، الحرية والاستعباد...
    2- العمل على شخصيات أسطورية مثل سيزيف... ويتناول الكاتب من هذه الشخصيات القيم والمبادئ ليقارنها مع مجتمعه، أو كل المجتمعات...
    3- يصور الكاتب الحيوانات، أو النباتات، أو أجرام السماء، أو أماكن من الأرض مثل البحار الأنهار الجبال.. كأنها اشخاص تتفاعل بينها...

    - التكثيف السيكولوجي
    التكثيف السيكولوجي ينقسم إلى قسمين:
    1- يعمل الكاتب على تفكيك الذات، التي تمثل المجتمع، فتصبح (الأنا، والأنا الأعلى، والهو) أشخاصا تتفاعل بينها، ورغم ما يبدو فبطل القصة واحد الذي يمثل بصفة عامة الإنسان.. وكل كاتب يستعمل تقنياته وأسلوبه وإبداعه في تصوير الأنا والأنا الأعلى والهو.. فهناك من يصور الأنا "الزوجة" والأنا الأعلى "الزوج" والهو "الصراع الداخلي"...
    وهنا يكون الكاتب خاضعا لما جاءت به الفلسفة في علم النفس حيث:
    * الأنا: يصورها الكاتب شخصية معتدلة، كما أنها تقبل بعض التصرفات من "الهو" و"الأنا الأعلى" ويربطها بقيم المجتمع وقواعده...
    * أنا الأعلى: يصورها الكاتب شخصية متحفظة وعاقلة ومتميزة بالقيم الأخلاقية..
    * الهو: يصوره الكاتب شخصية في صراع داخلي، ويجب أن يتحدث بضمير المتكلم، أو بضمير المخاطبة (ة). وقد يصوره الكاتب صراعا داخليا تنشأ عنه شخصيتين هما "الأنا" و"الأنا الأعلى"...
    وبالتالي التكثيف السيكولوجي يساهم في نقد المجتمع....

    2- التكثيف السيكولوجي الخاص بعالم الطفل؛ وهو أصعب الكاتابات لأن قصص الأطفال يجب أن تتضمن ما يخص الذكور، وما يخص الإيناث؛ بحيث أن الذكر يميل إلى المغامرات، والتحديات.. والإيناث يملن إلى كل ما هو عاطفي... كما يشترط هذا النوع تخصيص فئات الأعمار، أي لكل فئة نوع قصصي... وهذا بأسلوب ترفيهي ومسلي مع مراعاة السيكولوجية التي تحكم عملية التلقي عند الأطفال...

    - التكثيف الروحي
    يعمل فيه الكاتب على فرق الذات إلى مادة وروح، ويجعلهما فوق خشبة المسرح شخصيتان يتفاعلان، وقد يستخدم هنا السخرية لأنها شبه أساسية في مثل هذه المواضيع... وهذا الازدواج قد يصوره الكاتب شخصية واحدة مصابة بانفصام الشخصية، واحدة مادية تدعو إلى الماديات، والثانية روحانية تدعو إلى السمو وعلو الهمة...

    - التكثيف البنيوي
    يعمل فيه الكاتب على كل المستجدات من تيكنولوجيا وعلوم... التي يراها لا تخدم الإنسان، بل تدمره، أو تجعله يحتضر ببطء شديد، أو تضره أكثر من أن تنفعه... وبالتالي يصل بنا الكاتب إلى فهم الواقع الذي أدرنا ظهورنا له، أو لم نكن نفهمه إما بتاتا، أو على صورته الحقيقية... وتكون الانطلاقة منه دائما من الذات...



    يُتبع


    بقلم: محمد معمري

  3. #3

    رد: الحل القويم لكتابة القصة القصيرة جدا

    الحل القويم لكتابة القصة القصيرة جدا


    الجزء 3/4


    12- البنية
    لا يمكن لأي نص أن يكون من جنس القصة إلا إذا احتوى على العناصر الأساسية للقصة؛ فإن كانت القصة القصيرة قد حافظت على المتن القصصي فالقصة القصيرة جدا يجب كذلك أن تحتفظ على جوهر القص الذي هو الحكي المتمثل في التوتر، العقدة، الحل؛ ويستغني الكاتب عن المقدمة لأن في فن القص هناك من يدخل مباشرة في فضاء الأحداث.. وإذا سقطت إحدى عناصر القص الأساسية من الحكي فلا يمكن أن نسمي النص قصة مهما كان الأمر.. وقد سميت هذا الجنس الخالي من العناصر الأساسية للحكي، والبعيد عن الخاطرة "إكسير القصة"...
    وبما أن هذا النوع يفرض مساحة صغيرة فعلى الكاتب أن يكون بارعا في التكثيف، والإيجاز، والاختزال، والحذف، والإضمار، والرمزية، والترقيم..
    وقد كُتبتْ قصص قصيرة جدا لم تتجاوز الستة أسطر بعناصر القص الأساسية وكانت في مستوى عال جدا...

    ويختلف كل كاتب عن الآخر في طريقة السرد باختلاف البصمات؛ وما السرد إلا طريقة يروي بها الكاتب حكياته بتحويله أحداثها إلى نسيج سردي يُكوّن بنية النص...

    13- السرد
    إن السرد هو العمود الفقري للقصة؛ وهو طريقة عرض القصة وأحداثها باتباع أسلوب "المنولوج"، و"المنولوج" هو ذلك التفكير والتصور الباطني الذي يترجمه الكاتب إلى نص أدبي مكتوب... وإذا فقد النص الحبكة السردية فحتما لا نسميه قصة...

    وقد يختلط الأمر على المبتدئ إذ يُسوّي بين النبرة، والأسلوب السردي؛ وما يجعله لايفرق بينهما هو كما سبق الذكر أن أساليب السرد تتعدد بتعدد البصمات، والنبرة هي تلك الصورة التي تطغى على النص الساخر، أو النص الشاعري... فكل ما يطغى على النص هو نبرة وليس بأسلوب سردي؛ وتسمى كل نبرة باسمها، أي نبرة السخرية، نبرة اللغة الشاعرية...

    ونجد النقاد يقسمون السرد إلى السرد الموضوعي وهو الذي تكون فيه الشخصيات هي من تنقل أحداث القصة للقارئ.. والسرد الشخصي وهو الذي تكون فيه شخصية واحدة تروي أحداث القصة...

    14- الشخصية
    لكل شخصية سلوكيات وميزات وقيم ومبادئ وإعاقات وثقافة ومهارات وهوية وجاه ومنصب وذكريات وتاريخ... وكل شخصية هناك من هو أقوى منها في خط متزايد، كما لها من هو أدنى وأحقر منها في خط تنازلي...
    ولازال سائر الكتاب لا يضعون شخصيات قصصهم ورواياتهم كما يجب أن تكون تلك الشخصية على أرض الواقع! لماذا؟ لأن الكاتب قد يختار شخصية وهمية وهنا يقع في خطأ كبير حيث لا يصف تلك الشخصية كما لو أنها حقيقية؛ وقد يختار لقصته شخصية حقيقية إنما يخطأ في وصفها الباطني لأنه لم يعاشرها من جهة، ثم من جهة أخرى لا نجد في علم النفس ما هو متفق عليه علميا؛ ولكن هناك ما هو متعارف اجتماعيا...

    وهناك أنماط كثيرة أشهرها الشخصية السوية التي تستطيع أن تخلق توازنا مع نفسها والبيئة التي تعيش فيها، وتقابلها الشخصية المضطربة التي تتميز بالعناد ولا تستطيع أن تتكيف مع محيطها... والشخصية الانبساطية التي تستطيع أن تتعايش مع جميع شرائح المجتمعات بسهولة ويسر... الشخصية الهستيرية وهي شخصية شبه كوميدية حيث تجيد لعب الأدوار، تميل إلى حب ملذات الحياة، وتبالغ في كل شيء؛ وتقابلها الشخصية الهستيرية المضطربة... كما أن هناك الشخصية الوسواسية وهي الشخصية المبالغة في كل أعمالها وتصرفاتها.. وكذلك الشخصية القهرية وهي الشخصية المترددة والمتشككة في كل ما يجري حولها وحتى في نفسها.. والشخصية الانفعالية الذي يبدو في أغلب الأحيان متوثرا، وقد يكون متقلب المزاج، ويغضب بسرعة... والشخصية الزاهدة التي لا تغريها الدنيا ولا تتصف بالطمع...

    وإن كنا لا نستطيع تحديد الأنماط فالمطلوب من الكاتب عندما يختار شخصية لقصته يجب أن يصفها بما تتميز ويجعل الأحداث طبقا لنمط الشخصية؛ إذ لا يعقل أن تكون شخصية انبساطية ويصف لنا الكاتب سلوكياتها بالهستيرية على سبيل المثال...

    15- المقابلة
    المقابلة هي التعبير الذي يقابل على الترتيب التعابير، أو المعاني المتوافقة؛ وقد نستعمل "الطباق"، وقد تكون المعاني متكافئة، حينها التعبير أو المعاني التي تضاد، أو تكافئ هي المقابلة؛ مثل قوله تعالى: {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا}، فالضحك ضد البكاء، والقليل ضد الكثير، فجاءت هنا المقابلة اثنين باثنين في جملة جد قصيرة.
    وتنقسم المقابلة في القصة إلى ثلاثة أقسام وهي: 1- منظمة، 2- غير منظمة، 3- شبه منظمة. والمنظمة هي التي تأتي على الترتيب وواضحة بالأضداد، وغير منظمة تأتي على غير ترتيب وتكون واضحة بالأضداد، والشبه منظمة تكون فيها المعنى هي ضد المعنى المقابل وليس المفردات أو الأفعال...
    والغير، والشبه منظمة يتفنن الكاتب في صناعتهما من أجل جمالية التعبير والبناء والسرد، وكذلك لحث القارئ على البحث والتدقيق في التعابير...
    وللمقابلة أنواع كثيرة منها المقابلة من أجل معرفة، من أجل تحقيق، مقابلة الشخصيات، مقابلة تقاليد وأعراف المجتمعات.. مقابلة الظواهر، مقابلة الأوهام بالحقائق، مقابلة الوالدين بالأبناء، مقابلة الديانات مع التعليم...

    16- المقاربة
    وهي لغة تعني تقريب المعنى للحقيقة بدليل قاطع...
    المقاربة هي طريقة لمعالجة وضع فكري بين مسألتين متضاربتين تجعل القارئ يقترب من الحقيقة في عرض سردي يحددها مفهوم ما بعد البنيوية للمعنى، والتأويل...
    فعلى سبيل المثال إن كانت المقاربة لشخصية وسيرته يجب الإشارة إلى المصادر المعروفة واستشهاد بدليل قاطع...
    ومثال آخر عن المقاربة؛ هناك قوانين تنظم حياة وعلاقات المواطنين، وهناك أعراف وتقاليد وعادات لدى المجتمعات، وهناك أخلاق ومبادئ وسلوكيات لكل فرد؛ هنا نستطيع أن نتناول الموضوع بثنائية، أو ثلاثية لمجتمع واحد، كما يمكن أن نتناول كل حالة على حدة ونقاربها مع حالة مماثلة لمجتمع آخر.. في هذه الحالة تقتضي المقاربة تساؤلات حول القواعد التي تنظم الحياة.. وفي القصة القصيرة جدا نترك هذه التساؤلات للقارئ...

    17- المفارقة
    المفارقة هي تصوير لتناقض ظاهري؛ والحقيقة أن المفارقة هي الخاتمة المحيرة التي تبدو في الوهلة الأولى غير مقبولة..
    والمفارقات تظهر في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية..، إلا أنها تناقض بشكل أو آخر الحقيقة...
    والمفارقة هي أسلوب بلاغي يُخفي المعنى الحقيقي في تضاد، أو سخرية مع المعنى الظاهري، أي أنها تقوم بشكل أساسي على التضاد بين المفاهيم الظاهرية والمعاني الباطنية. وهي عمل فكري يخلق ذبذبات التوتر في القصة مما يجعلها تضحك بمأساتها، وقد تبكي بسخريتها...
    وتعتبر المفارقة جوهرة في بنية القصة القصيرة جدا لأنها تعكس وظيفة القصة النهائية حيث نصل إلى صورة النص الحقيقية عن طريق اللذة والدهشة..
    والمفارقة ليست تنميقا ولعبا بالمصطلحات.. بل هي رؤية جوهرية يجسدها الكاتب لغة بأسلوب المفارقة عن طريق التفاعل مع الأحداث...
    وتنقسم المفارقة إلى ثلاثة أقسام:
    1- المفارقة اللفظية
    وهي التي يكون فيها المعنى واضحا لا يشوبه الغموض، كما يجب أن يتميز بالدلالات المؤثرة، ويكون المعنى الظاهري والباطني في مواجهة مباشرة.

    2- المفارقة التركيبية
    تعتمد هذه المفارقة على الانزياح الدلالي باستعمال الفنتازيا الساخرة في الحوار، أو السخرية، والاستفهام البلاغي، والتعجب الحمال لنفيه، والاستعارة التنافرية، والمبالغة المعكوسة...

    3- مفارقة الحدث
    إذا كان في المفارقة اللفظية المعنى الظاهري والباطني في مواجهة مباشرة فإن مفارقة الحدث تخفي طرفي المفارقة داخل بنية القصة؛ مما يجعل القارئ يلتجأ إلى التأويل أو الاستنباط عن طريق دراسة وتحليل القصة، أو ربطها بالتناص...


    وتنقسم مفارقة الحدث إلى ثلاثة أقسام:
    1- مفارقة الحدث
    وهي أسلوب يعتمده الكاتب لإيهام القارئ بعدم وجود حدث تبنى عليه القصة.


    2- مفارقة الشخصية
    وهي أسلوب يعتمده الكاتب لإيهام القارئ بعدم وجود شخصية يُبنى عليها الحدث.

    3- مفارقة الزمكان
    وهي أسلوب يعتمده الكاتب لإيهام القارئ بعدم وجود زمكنة تدور فيهما الأحداث.


    هذه المفارقات الثلاث يعتمدها الكاتب بأسلوب المراوغة من أجل التعدد الدلالي، والتناص، وتوظيف انشراخات علائقية بين الشخصية والزمكنة عن طريق التضاد المتميز بالسخرية.

    18- الإيماء
    الإيماء هو حركات يقوم بها الإنسان أثناء حديثه مع الناس، أو حواره، أو خطبته، أو استقباله للناس، أو أثناء جلوسه...
    وينقسم الإيماء إلى أربعة أقسام:
    1- الإيماء الواضح
    وهو الإيماء المفهوم بسهولة ويُسر، حيث إذا أشار الإنسان برأسه من الأعلى إلى الأسفل مع ابتسامة فإن الإيماء يدل عن الرضا والقبول؛ وإذا أشار برأسه يمينا وشمالا مع عبوس فإن الإيماء يدل عن عدم الرضا وعدم القبول...

    2- الإيماء الغير واضح
    وهو الإيماء الذي لا نستطيع فهم صاحبه، ومثال ذلك عندما نسأل شخصا عن إبداء رأيه فيرفع كتفيه مع انعراج في شفتيه؛ فلا نحن نفهم أن رأيه من رأينا، ولا أن رأيه رأي آخر، ولا أنه حتى راضي على استفساره...

    3- إيماء الاحتمالين
    وهو الإيماء الذي يحتمل وجهين؛ ومثال ذلك إذا كان شخصان يتحاوران وبدأ أحدهما يلامس طرف أنفه؛ يعني الإيماء هنا إما الذي يلامس أنفه كاذبا، أو الآخر هو الكاذب..

    4- إيماء الترائي
    وهو الحركات التي يقوم بها بعض الأشخاص عند جلوسهم، أو أثناء حديثهم، أو طريقة لباسهم وتحليق رؤوسهم وطريقة مشطه، ومشيهم... وهذه الحركات تدل عن الكبرياء، العجرفة، الكراهية، الحب، القوة، السلطة، الغنى، التقليد...
    والإيماء ليس علما أو دراسة بل هو ظواهر عند الناس.. والغريب في الأمر أن كثيرا من الحركات عامة عند كل البشر! فمثلا عند شعور الإنسان بالتوتر الجسدي نجد الذكر يقضم أظافره، والأنثى تداعب شعرها، كما عند البعض نراهم يهزون أحد ساقيهما...
    من هذه الزاوية فالقاص يحتاج إلى البحث عن الإيماءات والتعمق فيها وإدراجها بأسلوب يثير به انتباه المتلقي...


    يتبع


    بقلم: محمد معمري

  4. #4

    رد: الحل القويم لكتابة القصة القصيرة جدا

    الحل القويم لكتابة القصة القصيرة جدا


    الجزء 4/4


    19- الإيحاء
    من شأن الإيحاء تجسيد النص إلى أرضية الواقع، حيث يلج المتلقي النص ويغوص فيه بأفكاره وتجاربه وثقافته.. عن طريق التناص أو الخيال...
    ونستطيع القول بأن الإيحاء علم يرتكز بالأساس على الصوت اللغوي بأسلوب بلاغي ساحر.. وإذا كان علم الأصوات مستنبط من كتاب الله العزيز، فلا يسعنا سوى أن نقول كذلك الإيحاء.. إلا أننا نجد الباحثين والدارسين يتوجهون صوب ترجمات من اللغات الأعجمية! وعندنا في اللغة العربية من الإيحاء اللفظي ما لا تستطيع أية لغة أخرى أن تنافسها... وإذا كانت اللغة وسيلة التفكير، فللإيحاء أثر كبير على الفكر...
    وعن طريق الإيحاء تنتقل القيم الإيجابية، أو السلبية من شخص إلى آخر لأن قوة الإيحاء تكمن في الكاتب الذي يستطيع أن يجعل المتلقي ينقاد بسهولة ويسر عندما يجسد له النص حتى يصبح الإيحاء شيئا واقعيا...

    20- التلميح
    التلميح ضد التصريح؛ واصطلاحا يعني الإشارة إلى –اسم مشهور، عنوان قصيدة، قصة، مثل، حكمة، نكتة، تاريخ...- ويُشترط أن يكون ما يشار إليه متواترا، وبأسلوب بليغ...
    وإن كان التلميح ضد التصريح إلا أن الكاتب المتمكن يكون تلميحه أبلغ من التصريح لأنه يحقق الغاية المقصودة من التلميح؛ ونجده عند الكاتب العتيق في بعض الأحيان أبلغ من التصريح لكنه يؤلم النفس...
    ويساهم التلميح في تعدد المعاني، مما يجعل للقصة عدة تأويلات...
    21- الإيهام
    الإيهام هو كلمة مترجمة من اللاتينية إلى الانجليزية إلى الفرنسية… وفي اللاتينية تعني: "السخرية والبسط"؛ إلا أن الترجمة موهت المعنى الحقيقي للكلمة فأصبحت تعني الوهم في إدراك الشيء الذي يجعل المتلقي يعتبر الظاهر حقيقة...
    ونجد من فسر هذه الكلمة من فعل "توهّم"، الذي يعني: "تخيل، تصور، تمثل.." إلا أننا نجد هناك فارقا بين المعنيين؛ حيث الإيهام في القصة هو عملية متكاملة تعتمد بالأساس على الإيحاء من خلال محاكاة الواقع بأسلوب بليغ يصور ويجسد الخيال حتى يلج المتلقي النص عبر الشخصية تصديقا لما يقرأه...
    ويُعدّ الإيهام ركنا ركينا في صناعة النص القصصي حيث يفتح فضاء بين الحقيقة والخيال. وبطبيعة الحال لا يتحقق هذا إلا ببراعة الكاتب الذي ينتقي أجمل الأدوات ليعبر عن الواقع بمهارة وفن تطويع اللغة والارتقاء بمكنوناتها الإبداعية والدلالية...
    22- الرمزية
    الرمزية هي إشارات وتعبير تستعمل لتمثيل الأشياء؛ وتساهم في التكثيف والترقيم والاختزال بشكل أكثر وجلي..
    والرمزية اصطلاحا هي التعبير بواسطة الرموز، الإشارات، التلميح، التلويح...
    كما أننا نستطيع القول بأن الرمزية في حد ذاتها هي "الإيحاء" لأنها تعبر عن الأشياء بطريقة غير مباشرة...

    ويتنوع الرمز إلى ثلاثة أنواع:
    1- الرمزية العالمية
    وهي الرموز التي استخدمها كبار الأدباء، وكذلك الموجودة في الطقوس الدينية، والمتداولة في المجتمعات...

    2- الرمزية التانصية
    وهي الرموز التي يشير بها الكاتب من خلال نصوص قديمة أو معاصرة...

    3- الرمزية الإبداعية
    وهي الرموز التي يبتكرها الكاتب ويستخدمها؛ وكثيرا ما نجدها غامضة، أو لا تفي الغرض في النص؛ وقد تفوق في كثير من الأحيان ما هو أبعد من المبهم...

    وقد يُحوّل الكاتب المتمكن الرمزية إلى "تراصف"، حيث يكون الرمز يعني شيئا، ويجعله في صورة أخرى فيتحول المعنى الحقيقي للرمز إلى تراصف؛ مثال ذلك: لو جعل الكاتب رمز السلم في النار يعني هذا تراصفا، أي المعنى أصبح حربا قائمة باسم السلم ولو أن رمز السلم ضد الحرب وخال من أي مضمون الحرب...

    وتستند الرمزية بالأساس على الابتعاد عن الواقع، إلا أنها تصوره عالما خياليا تكون فيه الرموز هي المعبرة عن المعاني...
    كما تعمد الرمزية كذلك إلى تقريب الصفات المتباعدة عن طريق الإيحاء، وإلى التعبير عن مكنونات الكاتب...
    وتنقسم الرمزية إلى أربعة أقسام:
    1- الرمزية الأدبية
    وهي الرموز التي يستخدمها الأدباء...

    2- الرمزية الفلسفية
    وهي الرموز التي تستخدمها المدرسة الرمزية... وقد يبتكرها أديب كبير...

    3- الرمزية الفكرية، أو الصوفية
    وهي الرموز التي يستخدمها الصوفية من تلميح وتلويح وإشارات في كتاباتهم...

    4- الرموز الشعبية
    وهي رموز تستخدمها الشعوب في حياتهم اليومية سواء في طقوسهم الدينية، أو أعرافهم... ولكل مجتمع رموز شعبية، وبالأحرى كل قبيلة لها رموزها الشعبية...
    كما أنها تتفرع بين ما هو خاص، وما هو عام؛ والرموز الخاصة تعبر عن انفعالات ومواقف الشخص، بينما العامة تعبر عن التواصل بين أفراد المجتمع...
    وإذا كانت الرمزية في القصة لا تؤثر في المتلقي جملا وفنا وإبداعا ودلالة.. فالقصة تعتبر طلسما أكثر مما نسميها قصة.. أما إذا تحول الرمز إلى لغز فحينها القصة تتحول إلى لوحة وسريالية غارقة في المعالم ومثخنة الغموض..

    23- الخيال
    الخيال هو قوة إبداع الكاتب في تصوير الأشياء ظاهريا، وتصويرها باطنيا، ثم يجعل الباطن مخفيا في الظاهر... ويستمد الكاتب الخيال من المحسوسات ويركبها تركيبا جديدا ذا قيمة رمزية... ولا يجب أن نخلط بين الوهم والخيال؛ فالوهم يكون بمعنى الظن... والخيال أحد قوى العقل الذي كلما تطور إلا وولّد الابتكار لدى الفنان...
    فعندما يلتجأ الكاتب إلى الشخصيات الخرافية، والأساطير، والأفكار، والتصورات، والخيال الشعبي، والاكتشافات... حينها تتحرك في عقله قوى الخيال وتكون نتيجة عمله ما يُسمى "الإبداع"...
    والخيال يتفاعل مع القلب والعقل وينتج على إثر هذه الانفعالات "فكرا" ؛ لأن الخيال يرتبط بالعالم الخارجي الذي يمثل الحقيقة، كما يرتبط بالعالم الداخلي الذي يمثل الفكر والنفس معا؛ في مرآة تعكس العالم الحسي على مخيلة الكاتب فيصور ما هو خارجي إلى عالم داخلي تتجسد فيه الانفعالات مع العقل دون أن ينحرف عن الحقيقة...
    ويُعد جمال التخييل من أبرز وأقوى أركان القصة؛ لأن الكاتب عندما يتميز بقوة المخيلة تتكون لديه قوة أخرى تتحرك بين الحس والعقل؛ مما يجعله يجمع الصور المنطبعة في الحس، والمختزنة في الخيال، ثم يُعيد تصويرها من جديد صورا مبتدعة...
    ومن أصعب الكتابات هي أدب الطفل؛ إلا أن الخيال الذي يخص الطفل هو أصعب مما يتصوره الإنسان.. فدون بحث ميداني لا يستطيع أي كاتب أن يغوص في أعماق الطفل؛ ولو أراد أن ينطلق من نفسه ليجسد طفولته لن تجدي فتيلا لأن زمان طفولته ليس هو زمان كتابته...

    24- السخرية
    لعل السخرية هي من تقوم بالتضاد في المفارقات؛ ومن مميزات السخرية: المفارقة والالتباس وازدواجية المعنى.. ولا نعني بالتضاد في المفارقات نقيض ما يفكر به الإنسان! وإنما ما يتجلى في سياق النص، أو ما هو فوق النص.. كما يجب أن لا نخلط بين الفكاهة، والنكتة، والتهكم، والهجاء... كما يجب أن لا نأخذ مفهوم السخرية كقاعدة أساسية نظرا لمفهومها الغامض والمتعدد المفاهيم حسب نظرية كل شخص وجنس.. فعلى سبيل المثال لو أعطينا نصا ساخرا لمجموعة من النقاد والأدباء لكانت النتيجة كما يلي: نص هزلي، نص فكاهي، نص ساخر، نص مفارق... إذا لا نستطيع أن نحكم على نص أهو سخري أو غير ذلك باتفاق أو بإجماع! لهذا نحاول فقط فهم المعنى بالتقريب فقط...
    وقد نجد السخرية بطرق كثيرة؛ فهناك مثلا من يبدل المدح بالذم، أو العكس.. وهناك من يعتبرها مجازا يستند إلى تعارض دلالي.. وهناك من يراها إخفاء المعنى الحقيقي والقول بعكسه...
    ولنا في الأمثال الشعبية نماذج لهذه السخرية إلا أنها لم تجد من يحيط بها ويوظفها أحسن توظيف وعلى سبيل المثال:
    - قال: ما ينقصك أيها العاري؟ قال: الخواتم يا مولاي!
    - الجمال في "الدفلة" وتنام في الخلاء!
    - للا زينة وزادها نور الحمام!
    وأرى أن عن طريق نماذج هذه الأمثلة الشعبية نصل إلى مفهوم السخرية؛ كما نستطيع أن نصنف أقسام السخرية.. وهذا يلزم بحثا يكلف وقتا طويلا لبلوغ المرام...

    25- الوصف
    الوصف، والتصوير عنصران يستخدمها الكاتب لتشخيص الأحداث الدرامية المتوثرة...
    وهناك أنواع الوصف كثيرة نذكر من بينها:
    * الوصف الشاعري
    الوصف الشاعري هو الوصف البلاغي بتعبير يحمل معاني جميلة... مثال: انطلق القمر من جنته يعدو بخيلاء من نهره...
    * الوصف الدقيق
    الوصف الدقيق هو الوصف الذي تراه العين فتصفه كما هو دون بلاغة... مثال: رأيت امرأة عجوزا تتوكأ على عصا عرجاء مقوسة الظهر...
    * الوصف المكثف
    الوصف المكثف هو الوصف الذي لا يزيد عن كلمة لها معاني قوية ودلالات عميقة؛ وأروعها الاستعارات... مثال: الإنسان العتيق، غابت شمسه...
    والوصف المكثف يخدم القصة القصيرة جدا في مسار حبكة الأحداث في الحكي؛ لأن إذا سقط الوصف من الحكي كسيارة بلا بنزين....



    يُتبع بالقسم الثاني


    بقلم: محمد معمري

  5. #5

    رد: الحل القويم لكتابة القصة القصيرة جدا

    السلام عليكم
    تسجيل حضور وموضوع هام جدا خاصة للأدباء الكرام.
    شكرا لجهدك الرائع
    تحيتي
    فراس

  6. #6

    رد: الحل القويم لكتابة القصة القصيرة جدا

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فراس الحكيم مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم
    تسجيل حضور وموضوع هام جدا خاصة للأدباء الكرام.
    شكرا لجهدك الرائع
    تحيتي
    فراس
    بسم الله الرحمن الرحيم
    والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    أخي الكريم فراس الحكيم أشكرك جزيل الشكر على اهتمامك ومشاعرك الطيبة وتعليقك القيم...
    مودتي وتقديري

  7. #7

    رد: الحل القويم لكتابة القصة القصيرة جدا

    فإذا كان التناص على وعي من طرف الكاتب، فكذلك يمكن أن يكون على اللاوعي منه.. وقد يمكن كتابة نص قديم بطريقة جديدة [وهذا ما أسميته بـــ: الترميمي]؛ وهذا يندرج ضمن أنماط التناص...


    -
    [...]، كلام كثير محصور يفتح أمام القارئ مجال التفكير.
    - [...، يعني الجزء الأخير من النص يؤول إلى ما لانهاية، ويعني كذلك أن أحداث القصة تسير على نفس المنوال، أي روتيني...
    - ]...[...، يعني هذا الرمز أن المجالين المتقابلين بينهما حدث، أو أحداث إما اتحادية، أو تقاطعية، أو ضمنية أو غير ضمنية... وإذا توسطتهما علامة الاستفاهم والتعجب معا، تعني أن المجالين يتوسطها، أو يربطهما حدث، أو أحداث استفهامية إنكارية...
    - ...]، لا تلتفت
    ***********
    السلام عليكم
    حقيقة لم اجد نصا يقيم القصة ويفصل عنها بهذا الشكل الأكاديمي الغني كما قدمته اديبنا العزيز
    يثبت ويطبع ويرسل بريديا من جديد
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  8. #8

    رد: الحل القويم لكتابة القصة القصيرة جدا

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    الاخ الاديب
    محمد معمري
    باختصار هذا النص
    ثروة ادبية
    لك كل الشكر والتقدير
    ***
    الشاعر اللبناني
    ابو شوقي

  9. #9

    رد: الحل القويم لكتابة القصة القصيرة جدا

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة

    -

    ***********
    السلام عليكم
    حقيقة لم اجد نصا يقيم القصة ويفصل عنها بهذا الشكل الأكاديمي الغني كما قدمته اديبنا العزيز
    يثبت ويطبع ويرسل بريديا من جديد
    بسم الله الرحمن الرحيم
    والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    أختي الكريمة ريمه الخاني أشكرك جزيل الشكر على اهتمامك ومشاعرك الطيبة وتعليقك القيم...
    كما أشكرك جزيل الشكر على التثبيت.
    مودتي وتقديري

  10. #10

    رد: الحل القويم لكتابة القصة القصيرة جدا

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عقاب اسماعيل المغربي مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    الاخ الاديب
    محمد معمري
    باختصار هذا النص
    ثروة ادبية
    لك كل الشكر والتقدير
    ***
    الشاعر اللبناني
    ابو شوقي
    بسم الله الرحمن الرحيم
    والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    أخي الكريم عقاب إسماعيل المغربي أشكرك جزيل الشكر على اهتمامك ومشاعرك الطيبة وتعليقك القيم...
    مودتي وتقديري

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. القصة القصيرة
    بواسطة فتحي العابد في المنتدى شؤون القصة
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 05-21-2010, 06:47 PM
  2. القصة القصيرة جدا/ق ق ج
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى شؤون القصة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-25-2008, 09:01 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •