الحل القويم لكتابة القصة القصيرة جدا


الجزء 1/4


إن القصة القصيرة جدا نص يحمل رسالة، وقد يهدف إلى قضية ما، كما يوصل إلى غاية ما... وأيضا يتميز بمتعة ذات منفعة...
والقاص هو صاحب رسالة يرسمها في صورة تتجسد فيها ذاته في خلفية النص، وفوقها صورة الواقع الذي يجعل القارئ يتخيل ويتجاوز النص..
والهدف من القصة القصيرة جدا ليس البراعة في تكثيف الكون في سطر برمزية عالية، بل تلك المفارقات والعلاقات التي تربط بين المجتمعات.

لعل المصطلحات التي تتداول بين كتاب القصة القصيرة جدا تربك المبتدئين والهواة! فلا هم يفهمون معانيها، ولا يستطيعون فهمها من خلال قراءتهم للقصص، كما أن عدم التفريق بين المصطلحات التي يكون بينها وجه الشبه في بعض النقاط يجعل النص غامضا أكثر من حيث البناء... من هذه الزاوية طلبوا مني شرح تلك المصطلحات العصية، حتى تتضح معرفتها...

ورأيت أن أقسم هذا الموضوع إلى قسمين: القسم الأول أشرح فيه المصطلحات، والقسم الثاني أبين فيه كيف يمكن كتابة قصة قصيرة جدا بالأمثلة وبمنهجية بسيطة وسهلة.
* القسم الأول
المصطلحات:
1- المرجعية. 2- التناص. 3- الطابع الديداكتيكي. 4- الطابع التقطيعي. 5- الانزياح. 6- الإيجاز. 7- الإضمار. 8- الحذف. 9- الاختزال. 10- الترقيم. 11- التكثيف. 12- البنية. 13- السرد. 14- الشخصية. 15- المقابلة. 16- المقاربة. 17- المفارقة. 18- الإيماء. 19- الإيحاء. 20- التلميح. 21- الإيهام. 22- الرمزية. 23- الخيال. 24- السخرية. 25- الوصف.
1- المرجعية
هذا المصطلح رأيت أن أضيفه لأن الكثير يخلط بين المرجعية والتناص؛ إلا أن التناص قسم من أقسام المرجعية سأتطرق إلى شرحه بعد المرجعية.
تسمى المرجعية أو "الإحالة" وهي نصوص من التراث -والتراث أنواع، منه: التراث التاريخي، التراث الحضاري، التراث العقائدي، التراث الشعبي، التراث الأسطوري...- أو الشخصيات، أو الخبرات؛ أو التناص.. حيث يستمد منه الكاتب ما يساعده على تشكيل النص باستخدامه رموزا؛ فيصبح هذا التوظيف فنا يفتح أمام القارئ فضاء تراثيا يساعده على فهم النص ورسالته، كما يؤثر في نفسيته، لأنه تربطه علاقة وجدانية بتراثه المقدس..

2- التناص
يرجع الكاتب إلى نصوص سواء تراثية، أو معاصرة.. أو يعتمد نصا واحدا ويربطهم، أو يربطه بنصه؛ فتصبح المعرفة ممتدة من الماضي إلى الحاضر.. وبالتالي نستطيع القول أن النص ما هو إلا بلورة لعدة نصوص تذوب بأسلوب الكاتب، ولكن تبقى المادة التي يستنبطها القارئ المتميز.. وتتجلى فيها براعة الكاتب وقدرته وكفاءته وثقافته...
وينقسم التناص إلى ثلاثة أقسام: إما تبعي، أو ترميمي، أو استقلالي؛ كما هو نوعين داخلي وخارجي، والتناص الداخلي يتجلى في حوار النص وتناسله، والتناص الخارجي يتجلى في الحوار بين النص ونصوص أخرى مما يجعل باب التأويل تفتح في وجه القارئ..
ويكون التناص مع القرآن الكريم، مع الحديث النبوي الشريف، مع السيرة النبوية الشريفة، مع الشعر، مع المقالات الصحفية، مع الأخبار، مع النصوص المعاصرة والحديثة، مع التراث بكل أصنافه، مع الحضارات...

فإذا كان التناص على وعي من طرف الكاتب، فكذلك يمكن أن يكون على اللاوعي منه.. وقد يمكن كتابة نص قديم بطريقة جديدة [وهذا ما أسميته بـــ: الترميمي]؛ وهذا يندرج ضمن أنماط التناص...

3- الطابع الديداكتيكي
الديداكتيك هو تسهيل فهم النص من طرف الكاتب اتجاه القارئ من أجل بلوغ الهدف العقلي، أو الوجداني، أو الحسي...
كما أن الديداكتيك هو العلاقة التي تربط بين الكاتب والقارئ من خلال النص.. وكل كاتب يهيمن على شخصيته طابعا ديداكتيكيا يُولد في نفسيته نزعة اكتسبها من نشأته، بيئته، محيطه، تعليمه، خبرته...

4- الطابع التقطيعي
إن التقطيع في ميدان القصة القصيرة جدا يلعب دور تخريب البنية السردية، وبهذه الخاصيات التي تجزئ لوحة وتبعثر قطعها وتطلب من القارئ إعادة تركيبها تجلي دلالات النص.. والتقطيع والتشطير والترقيم خاصيات تعكس نفسية السارد على مرآة السرد...
والطابع التقطيعي ما هو إلا طريقة من طرق كتابة القصة القصيرة جدا. وهناك أنماط عديدة مثل التدوير الذي من شأنه توليد عنصر التشويق والمتابعة لأن المعنى لا تظهر في الجملة الأولى، بل حتى الجملة الثانية وهكذا.. وكذلك نجد المقطوعات التي تتخذ كل مقطوعة شكل قصة، والمقطوعات كلها تعتبر قصة.. وقد يعطي الكاتب لكل مقطوعة عنوانا، أو رقما ويكون العنوان الرئيسي.. وهناك أيضا المجموعة القصصية التي تتضمن إلى ما يزيد على مائة قصة، أو قليل...

5- الانزياح
الانزياح يعني الخروج من الكلام المألوف إلى كلام غير مألوف؛ ويُعتبر حدثا لغويا يقوم في تشكيل الكلام وصياغته.. وينقسم الانزياح إلى ثلاثة أنواع: 1- الانزياح الدلالي. 2- الانزياح التركيبي. 3- الانزياح الصوتي.
- الانزياح الدلالي:
الانزياح الدلالي يعني استعمال البلاغة مثل الاستعارة حين نعبّر عن حدث عبر زمنيين متعاقبين، ويشترط حذف المستعار منه...

- الانزياح التركيبي.
الانزياح التركيبي يعني تقديم الفاعل أو المفعول، وتأخير الفعل أو الفاعل، والاعتراض، والالتفات، والحذف، والتحول الأسلوبي؛ وهو بمعنى أدق تحويل اللفظ من مكان إلى مكان آخر.. ولا يكون التقديم والتأخير يلعب دور جمالية النص فحسب، ولكن التقديم يكون من باب الأهمية، أو القدسية، أو معا..

- الانزياح الصوتي:
الانزياح الصوتي يعني تكرار الكلمة، أو الجملة بسبب الأهمية، أو القدسية، أو معا...

6- الإيجاز:
الإيجاز هو تكثيف معاني كثيرة في ألفاظ قليلة؛ ويشترط فيها الإفصاح.. وقد يلتبس الأمر ويختلط المعنى بمفهوم "الاختصار".. والإيجاز ليس هو الاختصار بل هو تعبير عميق له دلالات ومعاني ومفاهيم كثيرة مكثفة بصورة بلاغية رائعة المبنى... وإذا كان ضد الاختصار هو الطول، فضد الإيجاز هو الإطناب... والقصة القصيرة جدا تدعو الكاتب إلى استخدام الإيجاز من أجل الاختصار وتحصيل معاني كثيرة بألفاظ يسيرة وإخفاء الأمر على السامع.. وكذلك حتى لا يضجر القارئ من إطناب الألفاظ... كما أن مساحة القصة تفرض هذا الإيجاز...
ونجد في الإيجاز قسمين:
- إيجاز القصر
ويسمى هذا النوع "إيجاز البلاغة" وهي الجملة التي لا تتقيد بالحذف وإنما تتضمن معاني كثيرة في جملة قصيرة مثل قوله تعالى: [وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراماً]...

- إيجاز الحذف
ويعني حذف حروف أو كلمات من الجملة دون أن يُخل بالفهم ويلزم وجود قرينة؛ ويتحدد هذا النوع من الحذف في الحرف، المضاف، المضاف إليه، الموصوف، الصفة، الشرط، المسند، المسند إليه، المتعلق، الجملة.

7- الإضمار


يُقال إذا أضمرت الشيء يعني أخفيته؛ ويُشترط في الإضمار بقاء المقدر في اللفظ.. كما جاء في قوله تعالى:{يُدْخِلُ مَنيَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} أي وَيُعَذِّبَ الظالمين...كما أن الإضمار لا حذف فيه... واستنادا إلى كلام "ابن ميمون": إن الفاعل يُحذف في باب المصدر، قال: إنه يُضمر ولا يُحذف لأنه عمدة في الكلام.

8- الحذف
الحذف هو الإسقاط لغة، و إسقاط جزء الكلام أوكله لدليل اصطلاحا...ويكون الحذف في الحرف والاسم والفعل...
يمكن حذف المبتدأ، والخبر، المضاف شرط إقامة المضاف إليه مقامه والمضاف متى عُلم يجوز حذفه مع الالتفاف إليه، المضاف والمضاف إليه كقوله تعالى:{وتجعلون رزقكم}، أي بدل شكر رزقكم...، الجار والمجرور، الموصوف إذا كانت الصفة خاصة بالموصوف فقط، وإذا أفادت المدح أو الذم، المعطوف، المعطوف عليه، المبدل منه، الموصول.

9- الاختزال
الاختزال في هذا المضمار يعني الاختصار الذي يهدف إلى معنى في جملة، أو كلمة دون أن يسبب الاختزال في فقدان المعنى... وقد ذهب البعض إلى أن الاختزال هو الحذف.. والحقيقة أن الاختزال له معاني كثيرة؛ منها اختزال الكلمات مثل كلمة ناس تصبح [نس]، إلى آخره تصبح [الخ]...
وبمعنى أدق، الاختزال هو غربلة، أو تصفية جملة من كل حشو، ووصف زائد، وإطناب.. وقد نعوض الجملة بكلمة رمزية واحدة إن كانت تفي الغرض دون أن يُفقد المراد منه معناه...



يُتبع


بقلم: محمد معمري