مسلسل ذاكرة الجسد هل حصد النجاح كما فعلت الرواية؟
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

حين أعلن عن تحويل رواية الكاتبة أحلام مستغانمي «ذاكرة الجسد» إلى مسلسل تلفزيوني تباينت الآراء حول هذا الأمر، وكنت ممن قرروا عدم متابعة هذا المسلسل احتراماً لذاكرةٍ مازالت تحتفظ بالكثير من رواية أجمعَ النقاد على أهميتها وعلوّ شأنها، وسبب قراري كان الخوف من المقارنة والتشويه لذاكرة الرواية، وهذا عادة ما يحصل حين نسمع أغنية لأحد المبدعين كأم كلثوم أو عبد الحليم ثم نعود ونسمعها من مؤدٍّ آخر فنلاحظ ونحسّ بالتشويه الذي اعتراها، أما من استمع من هذا الجيل للأغنية ولأول مرة من المؤدي فلن ينتابه نفس الشعور وسيرى الأداء مقنعاً وجميلاً.
حين بدأ عرض المسلسل تابعته خلافاً لقراري السابق، وشاهدت ما فعلته السيناريست ريم حنا، فقد حاولت نقل صلب الرواية مضيفة شخصيات وأحداثاً وخيوطاً غير موجودة في الرواية، وهذا من حقها، بل هو من صلب عملها طالما تصدت لهذه المهمة العسيرة بقدر شهرة الرواية، فأخذ رواية مشهورة وتحويلها لعمل يعتبر مغامرة ليست مضمونة النتائج، وكما يقال فأخذ زهرة ومحاولة زراعتها سيؤدي لذبولها ولكن أخذ بذرة ذات أصل جيد وزراعتها سينبت نباتاً يعطي أزهاراً جيدة وجديدة.. ولكن رغم كل ما تم لإنجاح هذه التجربة كان لابد من بعض العثرات التي حالت دون الوصول إلى قلوب وعقول المشاهدين المنتظرين، فطول الحوار والاسترسال به أضجر المشاهد، ولم تستطع العبارات المنتقاة من الرواية بعناية، أو المضافة إلى النص، أن تحافظ على انتباه المشاهد طيلة حوار يدوم طويلاً، ولا يمكن أن يجري بمثل هذه الدقة واقعياً كما بدا العمل بالحوار الدائر بين أغلب الشخصيات، وكأنه موجه لشريحة واحدة من المشاهدين هم حتماً من يملكون ثقافة جيدة، وليس لعامة المتابعين.. ونحن نعلم أن أكثر المتابعين للشاشة الصغيرة هم ربات البيوت والشباب والمراهقين غير المهتمين أساساً بالثقافة الروائية، وهذا العامل أضعف المتابعة وخصوصاً مع ارتباطه باختفاء المتعة والترفيه والانغماس المقصود في الجدّية المنفّرة. ورغم أنني من المنادين بضرورة استخدام العربية الفصحى في كل الأوقات إلا أن استخدام الفصحى ولأسباب تسويقية أضعف كثيراً من عدد المتابعين للمسلسل، بعكس الهدف الذي استخدمت اللغة لأجله وهو الانتشار والفهم من أغلبية الأقطار العربية، وأعتقد جازماً أن استخدام اللهجة المحكية في الدراما أمر أساسي لمتابعتها، فهذه اللهجة أضحت مفهومة من أغلب متابعيها، وليس أدلّ على ذلك من نجاح وانتشار المسلسلات التركية والمدبلجة بلهجة سورية، وهذا باعتقادي أحد أهم أسباب متابعتها عربياً كون المشاهد أحسَّ بها قريبة منه. ومن أكثر الأمور المؤلمة تصوير العمل إعلامياً وكأنه تجسيد للثورة الجزائرية، وفي هذا ظلم كبير لهذه الثورة وتقزيم لصورتها وتضحيات أبناء الجزائر، فالعمل يغوص في تفاصيل جزئية لعلاقات شخوصه الحياتية والعاطفية، وتمر بعض الإشارات الخجلة عن العنوان الكبير، وهذا أمر لا يعد معيباً لولا الدعاية التي سبقت العرض وأخذت نصيباً مما قيل أصلاً عن الرواية الأم بأنها تتحدث عن الثورة الجزائرية.
أعتقد أن هذا العمل لو عرض دون أن نحمّله نجاحات الرواية، وكأنه مسلسل عادي وبلهجة محلية وحوارات منطقية مع اعتماد الكثافة لنال مكاناً أفضل بكثير مما هو الآن.

جلال صالح

http://www.albaath.news.sy/user/?id=966&a=86297