المفكر الإسلامي الممنوع.. وسليل أسرة حكمت مصر مرتين

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
من اليمين عبدالصبور شاهين وأحمد ماهر

دبي - فراج إسماعيل
فقدت مصر في أقل من 24 ساعة علمين بارزين في الدين واللغة العربية، والسياسة وهما المفكر الإسلامي البارز والمثير للجدل الدكتور عبدالصبور شاهين ووزير الخارجية الأسبق أحمد ماهر.

الاثنان تربطهما علاقة وثيقة بمجال تخصص الآخر، فإذا كان شاهين طوال مسيرته الفكرية والدعوية قد أثار جدلاً سياسياً مستمراً طوال حقب السبعينات والثمانينات والتسعينات بداية من خطبه في جامع عمرو بن العاص إلى أن تم منعه بقرار سياسي، ثم تقريره الشهير ضد الدكتور نصر حامد أبوزيد الذي أدى في النهاية إلى خروجه من مصر، فإن ماهر كان موهوباً في آداب اللغة العربية مغرماً بها، فهو سليل أسرة عريقة اعتلت رئاسة الحكومة المصرية ببلاغتها الكلامية في الحقبتين الملكية والجمهورية.

الدكتور عبدالصبور شاهين الذي توفي أمس الأحد عن 82 عاماً، أستاذ متفرغ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، ويعد من أبرز علماء اللسانيات في اللغة العربية وأشهر الدعاة الإسلاميين، فبالإضافة إلى كتبه التي تربو على السبعين كتاباً وأثار بعضها نقاشات صاخبة مثل "أبي آدم".. كان خطيب جمعة لامعاً في جامع عمرو بن العاص، أقدم مساجد مصر، مثيراً لأكثر القضايا السياسية والدينية حساسية، كما كان دائم الظهور على شاشة التلفزيون المصري في الثمانينات والتسعينات عبر برنامج كان يتولى تقديمه، إلى أن تم منعه من الخطابة في المسجد ومن التلفزيون بقرار سياسي.

وشغل شاهين عدة مناصب منها عضوية مجلس الشورى (الغرفة الثانية من البرلمان المصري) وعمل أستاذاً بقسم الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وكان يجيد اللغة الفرنسية وترجم عدة مؤلفات منها إلى اللغة العربية مثل بعض كتب المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي التي اشتهر بسببها في مصر، وبنى بها مالك صلة بالرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، فخصصت له الرئاسة المصرية راتباً شهرياً ليتفرغ للكتابة والمحاضرات سبع سنين إلى أن قامت الثورة الجزائرية التي عاد بعدها إلى الجزائر عام 1963.

هذه المساهمة غير المباشرة من عبدالصبور شاهين في ثورة الجزائر من خلال قلم مالك بن نبي كانت مباشرة في الأحداث السياسية والدينية التي مرت بها مصر. يقول عن نفسه "أنا من المجاهرين والمجاهدين في الحق". لم تكرمه الدولة فزهد في جوائزها.

قال عن نصر أبوزيد بعد وفاته في يوليو (حزيران) 2010 بعد معركته الفكرية الشهيرة في حياته التي انتهت بحكم قضائي بتفريقه عن زوجته وهجرته إلى هولندا: "أسأل الله أن يغفر لنصر أبوزيد.. أفضى إلى الله وليس علينا حسابه".

ومن أجرأ مواقفه التي تنم عن اعتداله في التعامل مع الآخر مقولته: "أؤيد البابا شنودة في حقه بتطبيق أحكام شريعته" بعد حكم المحكمة الذي منح الأقباط حق الطلاق رغم منع الكنيسة لذلك إلا لعلة الزنى مبررة ذلك بالنص المقدس.

ويضيف "أنا أتفق مع موقف البابا شنودة الرافض لأي أحكام قضائية مخالفة للإنجيل وأقول لكل من يدعي أن هذه دعوة لفصل وحدة المصريين العكس هو الصحيح فالدولة التي تحترم رعاياها بغض النظر عن ديانتهم، هي التي تجبر أبناء وطنها على الالتحام معاً في بوتقة واحدة، وليس إجبارهم على تطبيق ما يخالف شريعتهم سواء أحكام قضائية صادرة عن المحكمة الدستورية أم غيرها".

واستطرد في هذه القضية خلافاً لكل من رأى في رفض البابا للحكم استقواء على القانون "البابا شنودة هو من بيده إقرار ما يجوز وما لا يجوز للأقباط وليس لغيره هذا الحق، ومن يشعر أنه ظلم فهذا عائد إليه فهو شخص مسيحي ولد مسيحياً وعاش مسيحياً لم يرغمه أحد على اتباع الديانة المسيحية، وكلنا مسلمين وأقباطاً نعرف أن الزواج عند "النصارى" لا تنفصم عراه إلا لعلة الزنى، صحيح نحن دولة أغلب سكانها يدينون بالإسلام لكن القانون عندنا قانون وضعي مدني وليس قانوناً إسلامياً ولا مسيحياً".

وقال عن عدم تكريم الدولة له "مثلي لا يُكرم ولا تطرق الجوائز بابه لأن باب التكريم معروف وله ثمن ورفضت أن أدفعه ففارقتني الجوائز إلى غيري ممن قبلوا دفع ثمن جوائزهم خنوعاً وموالاة للحكام

أما وزير الخارجية السابق أحمد ماهر الذي توفي اليوم الاثنين عن 75 عاما إثر أزمة صحية مفاجئة فقد تدرج في وظائف السلك الدبلوماسي، بادئاً حياته المهنية على درجة "ملحق دبلوماسي" عام 1957 ثم رقي بعدها إلى درجة سفير وتنقل بين السفارات المصرية في الخارج، حيث عمل سفيراً لمصر بموسكو وواشنطن، ولشبونة وبروكسل ثم عمل أيضاً بمكتب مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي عام 1971 حتى عام 1974، ومديراً لمكتب وزير الخارجية من عام 1978 حتى عام 1980. وتولى زمام الخارجية المصرية خلفاً لعمرو موسى عام 2001 حتى 2004.

وهو سليل أسرة سياسية تبوأت أرفع المناصب في مصر، فهو ابن أخت الدكتور أحمد ماهر الذي تولى رئاسة الحكومة المصرية من بين عامي 1944 و1945 حيث تم اغتياله في البرلمان عقب انتزاعه الموافقة على إعلان الحرب على ألمانيا في وقت كان يسود مصر عداء كبير لبريطانيا، ومحمد ماهر باشا الذي كان وكيل وزارة الحربية في العهد الملكي ومحافظاً للقاهرة. وشقيقه الأصغر علي ماهر كان سفيراً لمصر في واشنطن.

وهو أيضاً ابن أخت علي ماهر الذي تولى رئاسة الحكومة بعد ثورة 1952، وأطلقت والدته عليه اسم (أحمد) تيمناً باسم شقيقها الأول، بينما أطلقت اسم شقيقها الثاني على ابنها (علي). ويرتبط أحمد ماهر بصلة مصاهرة مع الكاتب الشهير محمد حسنين هيكل، ومن أصدقائه المقربين.

من المحطات المهمة في حياته مشاركته في مباحثات كامب ديفيد عام 1978 وقد وصفه وزير الخارجية في ذلك الوقت محمد ابراهيم كامل، بالشاب الذكي اللماح الذي لعب دوراً كبيراً خلال مراحل المفاوضات المعقدة.