التأنيثُ

٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٠بقلم عبد الدائم السلامي

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ظلّ التأنيثُ، عبر عصور الإنسان، مُثيرًا لكَمٍّ من المسائل الفكريّة سواء في النحوِ أو في الاعتقادِ أو في كيفيات الاجتماعِ البشريّ. ولئن تنوّعت المقاربات الساعيةُ إلى توطين هذا المفهومِ في بيئاتِه الإيديولوجيّة والفلسفيّة والعقائديّة إلاّ أنّ وقائعَ الحياةِ ما تزال تُنبئُ عن أنّ التأنيثَ مفهومٌ شائكٌ ماسكٌ برقابِ الفكرِ العربيِّ يكادُ يخنُقُه ويمنعُه الهَواءَ. فلا أحد يستطيع أن يجزم بأنّ ثمّة ظاهرةً مّا أو موقفًا سياسيًّا مّا أو سلوكًا حضاريًّا أو حركةً في صُلب النصوصِ الإبداعيّةِ غيرُ خاضعةٍ في أحكامِ اشتغالِها لمقولةِ التأنيثِ. ولعلَّ ما يشي باعتياصِ التأنيثِ عن الحَدِّ الأفهوميِّ، الاختلافُ الذي مهرَ آراءَ المفكِّرين والفلاسفةِ بشأنه، فإذا كان ابن عربي يرى أنّ "كلّ ما لا يؤنّث لا يُعوّل عليه" يقولُ أغلبُ النحويين إنّ "الأصل في الأسماء التذكيرُ والتأنيث فرع منه". *** والذي في رأينا أنّ مقولةَ التأنيث طاحونةُ تصوّراتٍ فكريّةٍ لإعادة إنتاجِ الصراعِ المجّاني بين تذكير التاريخِ وتأنيثه بَدْءًا بقابيلَ وقَتيلِه هابيل وليس انتهاءً بهما. ويظهر أنّ زعمًا بأفضليّةِ المُذكَّرِ على المؤنّثِ دفعت أكثريّةً من مفسِّري النصوص القرآنية إلى القول بأنّ في بعضِ الآياتِ دليلٌ على أنّ الأنثى أرضُ الرجل ومسكنُه، وهي لا تَبرحُ المفعوليّةَ أبدًا بل إنّ صفةَ التأنيثِ فيها غيرُ حقيقيّةٍ لأنّ تأنيثها يُقبّحُ معقولاتِ هذا الكون على حدِّ ما قال الأخفش "كلُّ مؤنَّثٍ فرَّقتَ بينه وبين فعله حَسُن أن تُذَكِّر فعلَه، إن ذلك [التأنيث] يَقْبُحُ فيما يُعْقَلُ؛ لأن الذي يُعْقَل أشدُّ استحقاقًا للفعل" ودلّلوا على ذلك "بتذكير" الفعلِ في الآية "لا يَحِلُّ لك النساءُ- الأحزاب 52" والآية "لا يُقْبَلُ منها شفاعةٌ" البقرة 48". وعلى غرار هذا، ظلّت طاحونةُ هذا الصراعِ تطحنُ أفكارَ الناسِ في ثقافتنا العربيّة صانعةً منها خلافاتٍ جمّةً لا يحتملُها الواقعُ، وأحيانًا تُطفئُ نارَ فتنةِ مخلوقاتهم الإبداعيّة.
والغالبُ في أمرِ التأنيث أنّ الذين خاضوا في مفاهيمه ذكورٌ، لكأنّ ثمّة تأكيدًا منهم على أنّ الحديثَ عن الأنثى لا يتأتّى إلاّ للرِّجالِ "ربّما ساعدهم على هذا رُجحانُ كِفّةِ الرجل على كفّة المرأة في النصّ القرآني، ومثالُه أنّ الرجال المتّقين وَعدهم الله بنساءٍ في الجنّة من صنفِ الحور العين، ولكنّ النصّ يسكت عمّا إذا كان نصيبُ المرأة التقيّة في الجنّة رجالاً". فغابتْ بذلك كثيرٌ من أفكار الإناثِ ولم يصلنا منها إلاّ نزرٌ لا يُمكّننا من رسمِ صورةٍ واضحةٍ عن تفكيرِ الإناثِ في أمرِ تذكيرِ العالَمِ. غير أنّ ملاحظةً دقيقةً في الشأن الواقعيِّ العربيّ تكشفُ عن سعيٍ كبيرٍ من رجالِنا إلى الاحتفاءِ بالتأنيثِ معنًى ومبنًى، بدليل أنّ الرجل لم يعد يتزوّج المرأة بل هي التي تتزوّجه على سُنّة الله ورسوله حينًا وغالِبًا على غيرِ سُنّةٍ.

المصدر
http://www.diwanalarab.com/spip.php?article24839