إن كنت حبيبي!
د. فايز أبو شمالة
إن كنتَ حبيبي ساعدني كي أرحلَ عنك، أو كنتَ حبيبي ساعدني كي أشفى منك، اشتقتُ إليكَ فعلّمني ألا أشتاق، علّمني كيفَ أقصُّ جذورَ هواكَ من الأعماقْ، علّمني كيفّ تموتُ الدمعةُ في الإحداقْ، علّمني كيفَ يذوبُ القلبُ وتنتحبُ الأشواقْ.
لم أقصد أن أغني مع المطرب عبد الحليم حافظ، ولم يستخف بي الطرب في شهر رمضان، ولكنني وجدت في كلمات الشاعر نزار قباني بديلاً للشعار الذي تتوجه فيه مجموعة جنيف للإسرائيليين، كي تبرهن لهم على نضوج الشعب الفلسطيني للسلام، كما يشتهون. وتقول لهم بصيغة استفهام تقريري: "أنا شريكك، هل أنت شريكي؟"
لقد وجدت في كلمات الشاعر نزار قباني ما يناسب المرحلة، وعليه، يا حبذا لو قالت مجموعة جنيف للإسرائيليين: إن كنت شريكي ساعدني كي أشفى منك!! ولاسيما أن الدلائل واستطلاعات الرأي تشير إلى أن المجتمع الإسرائيلي يميل إلى التطرف أكثر، بعد أن كفر بأحزاب اليسار، وأسقطها من حسابه، وأن أحزاباً مثل "حزب العمل" و حزب ميرتس" اللذين شكلا حكومة إسرائيل بأغلبية تفوق ستين مقعداً قبل سبعة عشر عاماً، لا يحظيان كلاهما بأكثر من ستة عشر مقعداً في الكنيست الراهنة، والاستطلاعات تشير إلى مزيد من التدهور لليسار، والارتقاء لليمين المتطرف، فعن أي شريك تفتشون؟
أم هل حسبتم أن التذلل، والترقق، والتودد لليهود سيشجعهم للتوجه إلى السلام؟ وكأنكم لم تتعلموا من التجربة، ولم تدرسوا جيداً مزاج اليهود، وكيف يدفعهم الانتصار إلى تحقيق مزيد من الانتصار، وكيف يحركهم الضعف العربي إلى مزيد من التشدد، وأن الخيار الوحيد الذي يجبر اليهودي في إسرائيل لأن يفوق من سكرته، ويعدل من مواقفه هي المقاومة!.
ألا تذكرون إعلاناتكم بالصحف العبرية للترويج لمبادرة السلام العربية، حين نشرتم إعلاناتكم مدفوعة الأجر. فماذا كانت النتائج؟ هل احترم اليهودي توددكم إليه وانتخب معسكر السلام كما تحسبون؟ أم أن الشارع الإسرائيلي ازداد تطرفاً، وأعطى لأحزاب اليمين الأغلبية، وبصق في وجه مبادرة السلام العربية، وترككم مع أحزاب اليسار تقلبون كفاً بكف.
قبل أيام سمعت شريككم في السلام "يوسي سريد" في لقاء مع الإذاعة العبرية يتحدى "نتانياهو" أن يحقق بتشدده ما تم تحقيقه في مبادرة جنيف، ويقول: في اتفاقيه جنيف حسمنا موضوع اللاجئين، فلا عوده للاجئين وفق مبادرة جنيف، وحسمنا موضوع القدس، واتفقنا على حلول وسط لا تعيد القدس إلى سابق عهدها قبل الاحتلال، وتحفظ المحيط الاستيطاني اليهودي الذي يلف المدينة المقدسة، وفي مبادرة جنيف اتفقنا على أن الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح لن تكون على حدود 67، واتفقنا أن تلتحق كل مستوطنات المقامة على أرض الضفة بدولة إسرائيل. فماذا سيحقق "نتانياهو" في تشدده أكثر من ذلك؟!
إذا كان هذا صحيحاً يا مجموعة جنيف، فلماذا تنشفون ريق الشعب الفلسطيني، ولماذا تشغلونه بهموم مفاوضات مباشرة وغير مباشرة، ما دمتم قد توصلت إلى اتفاق على كل قضايا الصراع، التي تعتبرونها قضايا نزاع؟
ألهذه الأسباب يسخف السيد ياسر عبد ربه صراعنا التاريخي مع إسرائيل، ويحوله إلى شراكة، ليربط مصير الفلسطينيين بمصير اليهود حين قال: "إذا مر الوقت وانعدم السلام، فالخطر يتصاعد ويهدد كلينا". فهل صار ياسر عبد ربه الشق الآخر للاحتلال.
إن شعار التحبب إلى اليهود لن يجدي نفعاً يا مجموعة جنيف، لذا أنصح عقلاءكم بالتوجه إلى فصائل المقاومة الفلسطينية، وأن ترفعوا أمامهم شعار:
إنْ كنتَ حبيبي أخرجني من هذا اليَمْ، فأنا لا أعرفُ فنَّ العوم، إنْ كنتُ أعزُّ عليكَ فَخذْ بيديّ، فأنا مرتبكٌ من رأسي حتى قدمي، إني أتنفسُ تحتَ الماء، إني أغرقْ، أغرقْ.