الحب الإلكتروني

--------------------------------------------------------------------------------

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقال كتبه الأستاذ/ عمرو خالد لمجلة اليقظة بتاريخ18/2/2004
الحب أسمى المشاعر وأرقاها ولكنه الحب المسئول الطاهر ولكن مع التقدم التكنولوجي الهائل وظهور " البلورة المسحورة " شبكة الإنترنت وما كشفته لنا من مسافات شاسعة ظهر بين زوار الإنترنت " ما يسمي بالحب الإلكتروني" عبر ما يسمي بالشات

ويكاد لا يخلو لقاء مع الشباب من طرح هذا السؤال : هل الشات من الأمور المخالفة في الدين ؟ أستاذي الحبيب : أجد في نفسي شيء والأمور تتطور وأنا في حيرة من أمري ماذا أفعل ؟ وتزداد المشكلة يوما بعد يوم مع الانتشار الهائل لخدمة الإنترنت وتدور معظم الأسئلة حول هذا الموضوع وتتشابه دائما البداية .
إنه الشات يبدأ بصورة جادة صداقة بريئة تطرح فيها الموضوعات عامة للحوار وبالتدريج تطول الحوارات وتمتد لساعات طويلة ينحى فيها الحديث منحى آخر يدغدغ العواطف ويتلاعب بها وبسبب ما للإنترنت من خصوصية وما يمنحه لمرتاديه من جراءة لا حد لها فلا حرج و لا رقيب وتكثر الأكاذيب والأوهام فكل طرف يرسم صورة رائعة مختلفة عن الآخر ، ثم تبدأ العلاقة في التطور .. الحديث عبر الهاتف ثم اللقاءات إن أمكن ..هكذا وكما اتفقنا أن الحب مسئولية ورقي فكيف تقوم علاقة راقية علي الخداع والكذب ؟
وكيف يتم التواصل والتفاهم عبر علاقة مزيفة بلا جذور ؟ ولما كان الإسلام أحرص ما يكون علي حماية قلب الشاب ومشاعره من الأوهام وحريص أيضا علي وقته أن يهدر فيما يفيد وكما قال الشاعر :
حياتك أنفاس تعد فكلما.............مضي نفس منها انتقصت بها جزءا

ولذا أقول لكل شاب : إنني لست ضد الإنترنت بل علي العكس أرى أنه من أعظم الاختراعات وأنفعها إذا أحسن استخدامه وكلنا لمسنا تأثيره القوي على الانتفاضة واستخدامه لنشر الدعوة والدفاع عن الإسلام وتقديم الصورة الحقيقية السمحة لديننا العظيم وأعلم أخي الشاب أن الله قد جعل الاستقامة علي القوانين الفطرة السوية الطبيعية وهي التي تلزم الإنسان أن يبني حياته علي الطهارة والعفة والفضيلة و التقوى وأن أي خروج علي هذه القوانين لا يأتي من وراءه إلا كل ظلم للنفس وحيرة وضياع وتعاسة . قال تعالي ( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) ( الطلاق الآية 1 ) فالله سبحانه وتعالي شأنه أودع في طبائع خلقة حب الخير والاستقامة ( ربنا الذي أعطي كل شيء خلقه ثم هدي ) ( طه الآية 50 ) لذا لم أعجب من شكوى الشباب وحيرتهم في أمر العلاقات عبر الإنترنت فهم دائما يشعرون بأن هناك شيئا خاطئا ففطرتهم السوية وقلوبهم الغضة تجعلهم يميزون الأمر ويحيك بصدورهم وتكون الشكوى دائما والحيرة ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فأستعذ بالله إنه سميع عليم ،إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفة من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) ( الأعراف الآيتان 200 -201 )
فالأمر يحتاج إلي عزيمة وجهد واستعانة بالله

فالشباب هو مرحلة الحيوية الدافقة والفتوة والجمال ودائما وسط الشيء يكون أقواه . الشمس أقوى ما تكون وسط النهار والشباب هو مرحلة القوة بين ضعفين ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة وقد ذكر الله سبحانه وتعالي في كتابه العزيز ( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا و شبية ) ( الروم 54 ) والإنسان يسأل يوم القيامة عن أربعة أشياء أساسية ..يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربعة عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن علمه ماذا عمل فيه وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه فقد خصص مرحلة الشباب من العمر لأهميتها فالله يمن علي الشباب بوفرة في الصحة والوقت والجهد .
ولكن مع وجود الفراغ وغياب التربية وضعف سلطة الأسرة والمثيرات الكثيرة ، يصبح الشباب عرضة للضياع والإهدار .
لذا أري أن المبادئ التي رسمها الإسلام لبناء الفرد السوي الذي يكون في مستوي خير أمة أخرجت للناس كفيله إذا تحققت أن تحفظ الشباب .

وأول هذه المبادئ :
الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله باعتباره مفتاح الخضوع و المحبة لله فإذا آمن الشباب بأن الكون كله مخلوق لله وأن الرزق مقر من الله ، وأن بعد الحياة الدنيا حياة أخري يحاسب فيها الإنسان علي أعماله في الدنيا ، وإذا امتلأت حياته كلها بمستلزمات ذلك الإيمان و انعكست آثار ذلك علي الحياة التي يحياها .
ترجمة القيم الروحية والسلوكية في واقع الحياة ، من البداية في الأسرة والمدرسة والمجتمع والمسجد والنادي فإن التربية علي قيم الوفاء والإخلاص والأمانة والصدق والطهارة والنقاء والشجاعة والمروءة وتحمل المسئولية وغيرها من القيم ، لا تتحقق في مجتمعات وأسر تقسم الكذب إلي أبيض وأسود ، و تعتبر العطف والشفقة من الضعف البشري وتعتبر الصدق والأمانة والإخلاص وغيرها من مخلفات المجتمعات القديمة .

هذه بعض المبادئ التي نسعى لتحقيقها ، حتى يدخل شبابنا فيمن يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ، وهم الشباب الذين نشئوا في طاعة الله .