يا سميرة الحلايقة،
د. فايز أبو شمالة
رأيتك ملءَ ملحِ البحرِ، والرملِ، وكنتِ جميلةً كالأرضِ، كالأطفالِ، كالفلِّ،
وأُقسم: من رموشِ العينِ سوف أُخيطُ منديلاً، وأنقشُ فوقهُ شعراً لعينيكِ،
واسماً حين أُسقيهِ فؤاداً ذابَ ترتيلاً، يمدُّ عرائشَ الأيكِ، سأكتبُ جملة أغلى من الشُهَدَاء والقُبَلِ: "فلسطينيةً" كانتِ. ولم تزلِ!"
وأنا الفلسطيني المقيم في قطاع غزة أقسم: أن الشاعر محمود درويش كان يقصد سميرة الحلايقة النائب من محافظة الخليل، وأمثالها من الأمهات اللائي سهرن على تربية أبنائهن على حب الوطن، وامتشاق الكرامة، والتضحية بلا تردد، وأقسم: أن الشاعر كان يقصد أمثالك من الأمهات اللائي ينتظرن عودة أبنائهن من السجون الإسرائيلية، أو من سجون السلطة الفلسطينية، فلا فرق، ما دام المطلوب للسجن هو كل فلسطيني يرفض الاعتراف بإسرائيل، ويرفض نبذ العنف، ويرفض التسليم بحقوق اليهود التاريخية في فلسطين، ليضيف محمود درويش لأمثالك من الأمهات اللائي تعلقت أرواحهن على سياج السجون: وأنت كنخلة في البال، ما انكسرتْ لعاصفةٍ وحطّابِ، وما جزَّت ضفائرَها، وحوشُ البيد والغابِ.
قرأت مقالك في صحيفة فلسطين، وهالني أنك تشكو اللواء "ماجد فرج" إلى الله، أنت أم فلسطينية تشكو لله فلسطيني يدوس على كرامته الاحتلال الإسرائيلي، فما السبب؟ قرأت، وقرأت، فهزّني، وأفزعني ما يجري في الضفة الغربية على أيدٍ فلسطينية، فلم أكن أعرف من قبل أن كل هذه الأفعال المشينة بحق المواطن تحدث بأيدٍ ـ يا للعار ـ أيدٍ فلسطينية.
لقد تذكرت حرب البسوس، وما كتبه "كليب" بدمه، وهو يوصي أخاه "الزير سالم":
أنا أوصيك "سالم" لا تصالح، وإن صالحت شكوتك للإله.
لقد أدركت خطورة المصالحة في ظل اختلال موازين القوى لصالح الأعداء، واستنتجت أن مصالحة الأعداء لها ثمن، قد يصل إلى حد الكشف عن عورة "اليمامة" مقابل بطاقة vip، أو مقابل سيارة بلا جمارك، أو مقابل تسهيلات حياتية!.
لقد صافحت السلطة الفلسطينية يد الغاصبين لفلسطين، وتصالحت معهم رغم احتلالهم الأرض، والتقت معهم، ونسّقت معهم، وتبادلت معهم المعلومات الأمنية، ونفذت التعليمات، واعتقلت أبناء "سميرة الحلايقة" النائب في المجلس التشريعي!. فإذا أضفت لما سبق ما يتعرض له "محمد أبو طير"، النائب عن مدينة القدس، وأمثاله من النواب، وتهديدهم بين السجن أو الرحيل عن المدينة المقدسة، قلت في نفسي: أيّ نوابٌ تشريعي أنتم؟ من الذي أوقعكم في ورطة المشاركة في الانتخابات التشريعية تحت حراب الغاصبين، لتكون النتيجة رفض إسرائيلي لنتائج انتخابات لم تأت وفق هوى المحتلين، ورفض أمريكي لنتائج انتخابات لم تفرز مجلساً تشريعياً يحمل أعضاؤه بطاقات خاصة؛ تؤهلهم عبور الحواجز الإسرائيلية، والتنقل بسهولة في الأماكن التي يصطف عليها المواطن الفلسطيني بالطابور!. أيّ مجلس تشريعي أنتم يا سميرة الحلايقة، لا تملكون لأبنائكم نفعاً ولا ضراً أمام ضابط شرطة فلسطيني يتلقى التعليمات بالهاتف من ضباط التنسيق والارتباط الإسرائيلي؟!.
لكل متشكك في كلامي، يمكنك الرجوع لأقوال قائد لواء الشمال العقيد الإسرائيلي "إتسك بار"، ويمكنك السؤال عن أسباب زيارة "يوفال ديسكن" لرام الله!.