حول مقاومة حماس والحق الفلسطيني
سوسن البرغوتي

أياً كانت الجهة التي قامت بالفعل المقاوم في عملية الخليل البطولية، ورغم التضييق ومحاصرة وملاحقة المقاومين، واستبدال المقاومة السلمية كإستراتيجية ثابتة لأصحاب التسوية العمياء، فقد استطاع المقاومون في الضفة الغربية، على الرغم من وجود أجهزة استخبارية عربية عليلة وغربية من خلال تلك المنظمات الغربية، التي تدّعي حقوق الإنسان، وتنفي عنه حقه في الدفاع عن أرضه، بأي وسيلة، وأجهزة التنسيق الأمني التابعة للحاكم الفعلي في الضفة، تحت أي اسم أو منصب، ورأس ضلع الشر، الاحتلال الصهيوني وأعوانه وذيوله المتسخة بقاذورات المال السياسي. على الرغم من كل ذلك استطاع أبطال العملية في الخليل، تخطي كل تلك المعوقات، وإنجاز مهمتهم.

تبنى العملية جناح في كتائب شهداء الأقصى وتسرعت للإعلان عنها، لكن كتائب القسام كعادتها ولدوافع أمنية، تتأخر عن إعلان مسؤوليتها عن بعض العمليات، وتجدر الإشارة إلى عمليات الجرافات في القدس وعملية الشهيد علاء أبو دهيم وغيرها، حتى اللحظة لم تعلن أي جهة مقاومة عنها. إلا أن ثمة أخبار وتقارير، تشير إلى البصمات الواضحة للقسام، فعندما ترى سقف باص مبعثر في الهواء، اعلم أن العملية لحماس، وكما قال الشهيد د. عبد العزيز الرنتيسي: (عندما يُقلع سقف الباص، فهي لحماس). بمعنى ليس كل ما يقوم به القساميون، يعلنون عنه للتو، للأسباب السابقة. كذلك نذكر بعملية ديمونة في 4/ 2/ 2008، التي سارعت بعض الفصائل ومنها (كتائب الأقصى وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى وسرايا المقاومة الموحدة) حسب مصدر الجزيرة نت آنذاك، إلى تبني العملية على الفور، وإصدار بيان بهذا الخصوص، اتضح فيما بعد أن العملية للقسام، وبصرف النظر من هي الجهة المنفذة للعملية الاستشهادية، فقد أوجعت العدو، وأرقت مضاجع المغتصبين في فلسطين المحتلة، إلا أن اللافت أن القسام وهو الجناح العسكري لحركة المقاومة الاسلامية، كما يعلم الجميع، لم تنبذ المقاومة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، ولن تفعل، طالما بقيت حماس ملتزمة بميثاقها كما هو، لا يطاله التحريف أو التغيير لصالح ما يُسمى السلام المزعوم أو التعايش المعلول، إحدى شعارات أساطير الصهاينة، لتخدير الشعب وتدجينه بأوبئة سياسية تقضي عليه وعلى إرادة النضال. والأمر الآخر، أن استشهادي عملية ديمونة وعملية الخليل، ولن تكون الأخيرة بالضفة الغربية، المكبلة بأصفاد التزامات وتعهدات من جانب من لا قوة له، اللهم إلا استجداء اللجنة الرباعية والمسماة الشرعية الدولية.
الأمر الثالث والجدير بلفت الأنظار، أن المنفذين من الجيل الجديد الفلسطيني الأصيل، لا (الفلسطيني الجديد)، الذي لم تطل فكره التشوهات، ولم تدجنه وعود الازدهار الاقتصادي.


أخيراً، كشف العدو عن منفذي العملية البطولية، والتي حملت رسالة واضحة، فالحصار المفروض على المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام، لن يمنعها من ممارسة فعل مشروع ضد الاحتلال.
لقد باتت الاستعراضات الإعلامية مكشوفة، ومن أهلها يدينونها، فالرافضون (للعنف) الفلسطيني، يستحيل أن يتحولوا بين ليلة وضحاها إلى مقاومين، وإن فعلوا، فلتمرير ورقة هشة يغطون خيباتهم بها، ومسرحية مفضوحة، سرعان ما تذوي بعد انتهاء فصولها. أما الفصائل التي "احترمت" رغبة الشعب واستمرت عضواً في منظمة الاعتراف بـ(إسرائيل)، وانكفأت تحت جناح سلطة محمية رام الله، فالقفز على كل الخطوط المتوازية، وتناقض الأقوال مع الأفعال، ستحصد نتائج طيور طارت وارتفعت ثم وقعت في مصيدة الاتفاقيات والمفاوضات ووهم الدولة.

لمصلحة أعدل وأقدس قضية ومن أجل شهدائنا وأسرانا القابضين على ثوابتهم بجمر من نار، ما ينبغي أن تفكر به حماس جدياً، العودة لمربعها المشرّف لها ولكل الأحرار والشرفاء من شعب فلسطين من المحيط إلى الخليج العربي وفي المهاجر والملاجئ، فالمشاركة مع أصابع الاحتلال الضاربة، قبول بالاحتلال نفسه، وهذا ما ترفضه حماس وكل فصائل الممانعة والمقاومة، وليشكلوا جميعهم جبهة مقاومة موحدة على قاعدة الثبات والتصدي. وبما أن غزة الصمود، أضحت قاعدة تحرير لا منصة مساومة ولا مقايضة، والحصار لم تأتِ نتائجه كما اشتهت سفنهم، وغزة أساس صلب لبناء مجتمع إبداعي مقاوم في شتى المجالات، فلتنطلق قاطرة جامعة تمثل الشعب الفلسطيني كله، ولتكن المرجعية الشرعية الوحيدة، بهدف التحرير الشامل (خطوة – خطوة)، ليست بالتأكيد كسياسة السادات، التي أصابت مصر بخنجر التطبيع المسموم، ولا سياسة (المرحلية) التنازلية، حتى خلعوا أقنعة العفة الأخلاقية والوطنية الزائفة، واستبدلوها بالعبودية المطلقة للمحتل، إنما على قاعدة مشروع إستراتيجية المقاومة، فلا التفاوض سيأتي بحقوقنا، ولا دويلة الجيوب المبعثرة المهشمة، ستجلب لنا غير المزيد من دق المسامير في نعش وجودنا وحقنا باسترداد أرضنا محررة، ولا دهاليز أروقة التطبيع والتصهين العربي والدولي، ستأتي بخير لنا.

ففي الحالة الفلسطينية، الشعب ومقاومته في حالة حرب دائمة، حتى يتحقق شرط التحرير الشامل، لأننا نواجه احتلالاً إلغائياً، ومشروعاً استعمارياً، وليس احتلال دولة لدولة أخرى، والتفاوض الجاد، هو لإخراج المحتل وليس لنتقاسم معه أرضنا ومقدساتنا المكانية ومحرماتنا المبدئية.




--