منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1

    رؤية نقدية للقصة القصيرة ق ق ج في الفرسان

    القصة القصيرة ق ق ج في الميزان:



    القصة الومضة كما يحلو لبعض الأدباء تسميتها, القصة ذات اللقطة الخاطفة السريعة.
    هي نمط قصصي جديد فرض نفسه على الساحة الأدبية بقوة وسلاسة ونجاح منقطع النظير.
    ربما نستطيع جوازا أن نقول هو وليد وابتكار الشابكة الالكترونية مسايرة لعصر السرعة ولرغبة القارئ بالوجبات السريعة المطلوبة حديثا وربما قبل ذلك ولكن الأرجح القول الأول.
    فهل هي وليدة شرعية للقصة القصيرة التي نعرف؟
    وقد حفلت بها المواقع العربية وبالأخص المنتديات الأدبية حيث قدمت نصوصا تملك من الجزالة وقوة التأثير ومقدرة على تصوير الواقع العصري المعاش باقتدار وجدارة,
    وسهولة في العبور لفكر المتلقي مما ينم عن نمط نترقب استمراريته وحضوره بقوة على الساحة الأدبية,وفقا للكيفية التي ظهر بها:

    يتميز نمط القص ق ق ج بالتالي:
    1-الفكرة :التي يحوم حولها القاص من البداية والتي يجب أن تكون قوية كفاية كي تجذبه فورا.
    2- اللغة :المدهشة الفريدة , والتي تستطيع أن تمسك بخطام السهل الممتنع .
    3- الأسلوب القوي :الذي يستطيع عبور أقصر الأسطر للوصول للفكرة.
    4-الهدف :والذي يقيم فكر القاص وعلوه ثقافيا وهو تقييم خطير لفكره أولا وأخيرا.
    5-الرمزية :فالوضوح عبر هذا النمط الصعب غير مطلوب غالبا إن لم نقل دوما.
    6-التكثيف :ويعد دعامة أساسية من دعائم القص القصير جدا حيث أن الاختزال المطلب الأول فيها.
    7-الشاعرية :وهو يبوب في الدرجة الثانية حيث يمكن للقصة أن تملك تدني في هذا العنصر إن كان الهدف والموضوع المعالج جديا ويحمل قصية حساسة وكبيرة,...ورغم هذا يبقى عنصر مهم للتواصل مع القارئ.
    8-القفلة الحادة :وهنا يكمن ويكشف مدى براعة الأديب في تخطي التكثيف ليصل بنا إلى العمق المطلوب في النص المختزل.

    لايمكننا التقييم وبقوة حاليا عبر المعطيات التي بين أيدينا, لأنه مازال قيد النمط التجريبي إن لم نقل أن هناك أسماء بدأت تظهر على الساحة الأدبية بقوة:
    من رواد القصص القصيرة جداً حاليا , والتي ظهرت من عدة سنوات خلت فقط:
    الأدباء: سمير الشريف -عبد الرحيم محمود--معاذ العمري- ياسمين شملاوي -حسن الشحرة -علي جاسم-سحر أبو حرب-حسن لشهب-محمود أبو اسعد-إيهاب هديب-الأديب الراحل الشربيني خطاب.
    تلك شرائح من شتى بقاع الوطن العربي الحبيب.
    ويضيق المقام عن ذكر الكثير من الأسماء,فروادها رغم كثرتهم عبر الشابكة إلا أن النجاحات التي حققتها حاليا لدى رصد دقيق تعتبر قاصرة عن التقييم الحاسم.
    فهي مازالت عبارة عن محاولات للوصول للشكل النهائي أو المرضي وقد تراوحت بين ترهل لافت واختزال غارق في الغموض ونجاح في توصيل الفكرة المرصودة وتكثيف يعمي مسار القصة.
    ومازلنا نتتبع تلك النصوص التي تزداد تبلورا واستيلاد لأسماء جديدة تأتي وبقوة لعالم القص المشوق هذا, والتي تلقى من المتلقي متابعة لافتة.
    وقبل أن نفرد لها قسما من النص لوضع شروطا لها او لنقل العناصر التي كانت واضحة فيها بجلاء,كان للأدباء قصب السبق في تحديد معالمها الواضحة التي نبحث بشكل عام, ولكي تكون خطوطا واضحة كان لهم الأسبقية في رسم خطوط ملامحها الجميلة,
    ليسير وفقها الأدباء الجدد,أو يقيموا ما كتبوا بنجاح.
    لنستعرض نصوصا منها نعتبرها مسار البحث في دراستنا تلك:

    ثعلبة وذئب/سحر أبو حربنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي الفائزة بجائزة القصة القصيرة في إذاعة البيبيسي)
    أحبت ثعلبة يوما ما ذئبا فأكلها..
    ***
    نص قوي صياغة , و مختزل دون غموض مزعج ,وواضح كمعالم عامة تظهر المكر الإنساني بسلاسة وقرب للمفاهيم العامة:
    بدأت القصة بثعلبة وهي رمز المكر والقوة والدهاء...
    أحبت: فعل وسلوك عاطفي يجسد الأنثى وفكرها النافذ..وهنا سير القصة.
    يوما ما: فهو فعل مؤقت مفاجئ جديد وطارئ...
    ذئبا: وهنا تكمن أول الدهشة أنها أحبت ذئبا وهو يفوقها مكرا ً دهاء...
    فأكلها: انتهت القصة بالعقدة وهنا سر نجاحها.ليتساءل القارئ لماذا؟
    ***
    "تعب"/سمير الشريف
    عاد من عمله يتأرجح تعبا،مشّط بعينيه كوكبة الناس الذين تجمهروا،سأل بحركة من رأسه، تبرع أحد الذين يملأ الغضون وجوههم صارخا.
    :- سارق النهار يوقع الحد على سارق الليل.

    ***
    عاد من عمله يتأرجح تعبا:تعبير قوي وبداية موفقة جدا..وصورة جديدة

    مشّط بعينيه كوكبة الناس الذين تجمهروا:مشط هنا تعبير صورة من بعيد لبطل القصة ونظره ثاقبة تملا المتلقي تفكيرا لأبعد منها

    دفعه فضول الاستكشاف :تعبير طبيعي من جراء الجملة السابقة

    سأل من يقف بجانبه بحركة من رأسه:وهذه تكملة لسابقتها...

    تبرع أحد الذين يملأ الغضون وجوههم صارخا:تتمة...

    :- سارق النهار يوقع الحد على سارق الليل:
    كانت هنا الجملة الغامضة التي تميز نصوص أديبنا الكبير سمير الشريف والتي تترك القارئ نهما لمعرفة التفاصيل
    فنية عالية ولقطة مميزة
    *********
    حياة /ياسمين شملاوي
    انسل من ثقب الباب مسرعًا ..
    استوقفه المِفتاح الحائر ..
    أين أجد بوابة الخلود ..؟؟
    أشار إلى المقبرة القريبة ..
    هناك يا صديقي .. حيث يرقد الشهداء ...
    ****
    الجملة الأولى :انسل من ثقب الباب مسرعًا ..
    تعبير قوي جدا عن مسيرة حياة ومشوار عمر ...وما يتلوه من تفاصيل وهنا تعبير غارق في الرمزية وبذات الوقت فيض من وضوح يحسب للكاتبة.
    استوقفه المفتاح الحائر..
    استمرار لتصوير حياتي متعب حائر ومفترق طرق للشرفاء...
    أين أجد بوابة الخلود ..؟؟
    هنا بوح من قلب الكاتبة على لسان بطلها وهنا تكمن العقدة القوية : أين أجد اسمي خالدا؟ وعملي مستمرا واعدا بالثمر؟
    أشار إلى المقبرة القريبة ..
    هناك يا صديقي .. حيث يرقد الشهداء ...
    تعبير قوي عن هؤلاء الذين يريدون أن يؤدوا رسالة مهمة في الحياة ويريدون أن تكون لهم بصمة إيجابية غن لم يكن الأمر أكثر من ذلك.
    نص قوي بكل ما تحمل الكلمة من معنى..
    *******

    استباق/الشربيني خطاب /كتبها قبل وفاته بأيام وقد توفي حديثا قبل أشهر.
    لمحته يرمقني بعين تطلق شرار ، غير عابئ أعطيته ظهري
    ، فلما استدار صعدنا سوياً إلي السماء
    **
    تكثيف عال ٍ جدا للحظة ترقب الموت عند الضعف الأخير الصحي..
    وربما تلقاها المتلقي بغير ما طرحها الأديب نص قوي جدا مجدول بخبرة وعناية.
    ***
    المزار/علي جاسم

    كان ينشر الرعب في نفوس الشعب، وبعد ألف سنة أصبح قبره مزارا ترنو إليه النفوس الباحثة عن الأمان .
    ***
    اختزال قوي وصارم لفكرة وحيدة واضحة غلفت ببعض غموض.
    ***
    طوفان الطُّهر/معاذ العمري

    فاضَ الماءُ
    وعَلتْ موجاتُ السيلِ
    ناداني هَلمَّ
    وقد مدَّ يداً إليِّ
    ألقيتُ نفسي
    قبلَ الصعودِ
    في لُججِ البحرِ

    أفتشُ في قعرِهِ
    عن قبرٍ لذنوبي
    ***
    رغم أننا نفضل هنا العنوان الأكثر اختزالا وغموضا إلا أن القاص نجح في إيصال الفكرة أن لاطهر كامل أبيض ,
    وإن فهمها على محمل آخر فلن يضر السياق العام, ويفهم النص للمتلقي رغم رمزيته بسلاسة وهدوء وتفوق....
    ****
    الكنز /عبد الرحيم محمود.......
    مصطفى رجل يريد الغنى بسرعة ، يعيش حلما متكررا ، تحت قرنة بيته الجنوبية كنز ، حفر وحفر وحفر ، وجد ذات صباح تحت جدار البيت مدفونا !!
    ****

    هنا فكرة لامعة ورغم هذا قدمت ببساطة حتى ليخيل إليك أنها خالية من الرمزية رغم أنها غارقة فيها وبقوة:
    رجل يريد الغنى ويحلم به دوما , وعندما واتته الفرصة أضاع الأغلى... ويمكن للقارئ أن يجد جوازات أفكار أخرى وهذا من إبداعات القص.
    ****
    النسخة الأولى/محمد الشقحاء
    ـــــــــــــــــــــ
    بوله أخذ يمزق المظروف وبرز الغلاف الموسوم بصورتها. هو النسخة الأولى من كتابه الجديد.
    ما إن فتح الغلاف حتى أحس بوخز في باطن كفه الأيمن. أعاد إطباق الغلاف كانت صورة عواطف تتموج غائمة بأطراف مدببة.
    وقع الكتاب على الأرض. أخذت الحروف تنسل متناثرة ومع اندهاشه انفتح باب الغرفة وارتفع صرير مزلاج النافذة لتنفتح على مصراعيها.
    فأمتد خط من الأحرف ومن أوراق الكتاب إلى عنان السماء.&

    نص مفعم بالرمزية اللطيفة , تشرح حالة عاطفية استثنائية , وتناثر ما لم يتوقع ضياعه, ورغم هذا ترك الباب مواربا لخيال وتوقع القارئ ببراعة وبجمل قوية معبرة.تمثلت :
    ما إن فتح الغلاف حتى أحس بوخز في باطن كفه الأيمن.
    فأمتد خط من الأحرف ومن أوراق الكتاب إلى عنان السماء.&
    ***
    جولة
    عبد الرزاق أبو عامر

    هرعوا يزخرفون عداءهم بكل طيف بائد ولون بارد
    وينسخون منه لكل خائن لوحة ووساما ..
    فطافت طيور خضر تتخطف أرواح الشهداء
    وعصفت ريح ابتهال تزلزل مسرح البهتان

    ***
    هنا نموذج للقص الإسلامي واقتباس من روح الحدث التراثي نسج لهدف قيم كما نعلم وحب الوطن والعقيدة, كان واضحا في كل جملة في النص.

    ************
    عتمة/ريمه الخاني.....

    قطع التيار الكهربائي..أغمضت عينيها ....
    أنار قلبها الطريق ..مضت بأمان...
    ***
    ربما الفكرة هنا بسيطة جدا,1-
    لكنها تداعب ضمير وقلب المتلقي بقوة لأننا اكبر من الشيء المحسوس الذي نعرف ولا ضير إن كانت الشاعرية هنا رغم جدية الطرح قد تكلمت..
    ( لا ضير من النقد الذاني)
    ****
    ما نلاحظه كقاسم مشترك في معظم القصص المطروحة للدراسة:
    1-العنوان البسيط جدا وغالبا لا يتعدى الكلمة.
    2- اللغة القوية والتي لا تتسع للعبارات بين قوسين غالبا,والتي لا يمكنها أن تفقد خاصية الجذب التي تتمتع بها تلك الفنية .
    3- القفلة المفاجئة والتي يمكن أن تتوضع في منتصف النص نادرا,أو آخره غالبا.
    نتوقع انتشارا أكبر لهذا النمط الجديد الممتع حقيقة .
    ونتمنى أن تكون الدراسة قد أوفت بالمطلوب, وربما قدمنا دراسة قريبة منها لمحنى آخر نبحثه.

    18-1-2010
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2
    كتاب هام حول القصة القصيرة:
    http://www.omferas.com/vb/newreply.p...4751&noquote=1
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    أنمــــاط التشذيـــر
    في القصة القصيرة جدا

    وجوه مشروخة لعبد الرحيم التدلاوي نموذجا
    ٢٤ آذار (مارس) ٢٠١٣بقلم جميل حمداوي


    تتكئ القصة القصيرة جدا على مجموعة من المقومات الفنية والجمالية والدلالية، مثل: رصد الذاتي والموضوعي والميتاسردي، وتوظيف الحكائية، وتشغيل الحجم القصير جدا، والتوسل بمجموعة من الأدوات التعبيرية، مثل: الإدهاش، والمفارقة، والإرباك، والسخرية، والتكثيف، والحذف، والإضمار، وانتقاء الأوصاف، وتنويع الصور السردية، وسميأة علامات الترقيم، والتفنن في تشكيل الفضاء المعماري للنص القصصي القصير جدا تنويعا وتنميطا وتجويدا.
    ومن جهة أخرى، يمكن الحديث عن أنواع من جنس القصة القصيرة جدا، كالقصة المجنسة ذات البناء الكلاسيكي، والقصة التجريبية التي تمتح آلياتها السردية من تقنيات القصة الغربية، والقصة التأصيلية أو التراثية التي تستفيد من الموروث السردي العربي القديم. بيد أن هناك نوعا آخر من الكتابة السردية داخل نسق القصة القصيرة جدا وهي القصة الشذرية. وتتسم بالتقطيع، والتجزيء، والتشذير، والتفصيل، والتركيز، والتوليد، مع استعمال الفواصل والمقاطع والفقرات البصرية المبأرة، والارتكان إلى الاختزال وتكثيف الوحدات القصصية بشكل من الأشكال.إذاً، ماهي خصائص الكتابة الشذرية في مجموعة (وجوه مشروخة) لعبد الرحيم التدلاوي موضوعا وبناء ومقصدية؟
    التشذيــــر البصــــري:
    تعتمد الكتابة الشذرية على تقطيع النص الكلي إلى وحدات أو فقرات أو مقاطع أو قصيصات مستقلة بفواصل بصرية وفضائية. بمعنى أن الشذرات لها استقلالية تامة على مستوى الكتابة والتموضع البصري. ومن ثم، فهناك كتابة قصصية يعقبها الفراغ، وكلام يخلفه الصمت، وسواد يليه البياض.
    ومن يتأمل – مثلا- قصة (أحلام منتصف النهار)، فهي تتكون من ست قصصيات مستقلة بصريا، يعتمد التقسيم فيها على ترقيم القصص تباعا ، وبشكل متسلسل، للدلالة على مدى اختزالها و انفصالها واستقلالها. ومن ثم، تعتمد الكتابة الشذرية في هذه القصة على آلية التقطيع البصري، وآلية الترقيم، وآلية التشذير ، وآلية التشظي. ويلاحظ على هذه القصة أنها متسقة ومنسجمة على مستوى الدلالة الموضوعاتية الكلية، حيث تحضر في هذه القصص المتناسلة، التي تتوالد عن النواة الكلية أو البؤرة الجوهرية، تيمات رئيسة ألا وهي: الطبيعة، والحب، والأفق، والتلوث. بمعنى أن القصص الشذرية القصيرة جدا قد تتوفر – من جهة- على وحدة دلالية كلية. ومن جهة أخرى، قد تعدمها في قصص أخرى، إذا اتخذت بعدا فلسفيا قائما على التخييل، والتجريد، وتعميق الأفكار، وخلق التصورات الذهنية الممكنة والمحتملة، كما يبدو ذلك بينا في القصة الشذرية (تهاو 1و2).
    علاوة على ذلك، يلاحظ أن الكتابة الشذرية في قصة (أحلام منتصف النهار) تقترب من الكتابة الشعرية أو من شعر التكسير أو من شعر المقاطع أو من القصيدة النثرية، وذلك على مستوى الكتابة والترصيف والتصفيف الأيقوني البصري والسيميائي. وهنا، تلغى الحدود والحواجز بين جنسي الكتابة الشذرية والشعر. بمعنى أن الشعر هو بمثابة آلية من آليات الكتابة الشذرية على مستوى التموضع الفضائي والانكتاب البصري:
    "أحلام منتصف النهار
    1-
    نظرا إلى الأفق..
    خضباه بخفق قلبيهما..
    وبريش العصافير رسماه..
    لما عادا..
    وجدا شاحنات وغبارا..
    2-
    رسما الأفق بريش العصافير المحلقة عند المساء
    وبحمرة اعتلت خديهما تخضب الأفق
    باعد صدره عنها
    كبح جماح تقدمهما غبار تركته الشاحنات المغادرة..
    3-
    أسلما قلبيهما لأجنحة العصافير
    تحلق بالخفقات إلى حدود الزرقة الأبدية
    وحين ارتخت الأجنحة لترتاح قليلا
    سقط ثوب الزرقة في بركة من رماد

    4-
    لمّا عاد بهما الشوق إلى مرج الذكريات: يومَ احتضن خطّ الأفق قلبيهما
    فخضباه بالحبّ والأمنيات ..
    وجداه.. وقد امتلأ بالغبار !
    5-
    تسطبغ السماء ببتلات قلبيهما.... هاما بالقمر والنجوم... أفاقا على
    ضجيج وعطاس مغبر.
    6-
    نظرا إلى أفق يصدح عند نار تشتد فلا تقحم.. خضباه بخفق قلبيهما ..
    تكور عند شمس الأصيل مطرا من شوق لا يرحم .."#
    وعليه، فقد تضم القصة الشذرية في بنيتها الفضائية والنصية نصين فقط، مثل: قصة (خريف)، أو نصوصا عدة، مثل: قصة (أحلام منتصف النهار) التي تتكون من ست قصيصات مختزلة ومضمرة. كما تتميز النصوص الشذرية باستعمال نقط الحذف الدالة على الصمت والفراغ والبياض من ناحية، والدالة على الإضمار والتكثيف من ناحية أخرى.
    التشذيـــر الموضوعاتي:
    تتنوع تيمات القصص الشذرية على المستوى الموضوعاتي في مجموعة (وجوه مشروخة) لعبد الرحيم التدلاوي، فهناك ما يتعلق بماهو ذاتي (انغماس الكاتب في عوالم حلمية وفانطاستيكية)، ومنها ماهو موضوعي وواقعي (جدلية السيد والعبد)، ومنها ما هو ميتاسردي يهتم بعوالم الكتابة والقص(جدلية الحياة والكتابة)، وفضح أسرارها المختلفة، واستكشاف لاوعيها الفني والإبداعي :
    1
    "سقطت
    رأيتني صاحب كرامات..
    جاءني عبدي يشتكي الضيق وسوء الحال، ويرجو مني حسن المآل..
    كان يكتب ليعيش..
    صيرته يعيش ليكتب..
    انتفخ
    رصيده
    قصصا..!

    2
    جاءتني أمتي، على استحياء، تشكو قبحها، ونفور العرسان منها..
    صيرتها فاتنة..
    انشغلت بتملي نفسها في المرآة.. عن طرق الباب..
    جاءتني أمتي الأخرى، ترجو عريسا، قبل أن تصبح عانسااااااا
    أعطيتها ريشة، وقلت لها: ارسميه..
    رسمت العينين، وبقيت حائرة في اختيار اللون..
    تركتها تقرر..

    3
    وأخرى
    حين رسمت الوجه، حار الناس في أمر تحديد جنسه: أذكر هو أم أنثى..؟!
    أطبقت الجوكندا فمها، وظل الجواب معلقا..
    جاءني عبدي، يشكو سوء معاملة سيده له..
    صيرته سيدا، والسيد عبدا..
    فما تحسنت المعاملة..
    تركت أمرهم موكولا بينهم..
    ....
    نهضت مفزوعا، تحسست أطرافي، حينها علمت أنني لم أكن إلا حالما..
    .... .................................................. "#
    هذا، ويتمثل الكاتب في هذه القصة الشذرية العوالم الفانطاستيكية تغريبا وتعجيبا، وينهل من معين التصوف والعرفان من ناحية، والتشديد على الميتاقص أو الميتاسرد من ناحية أخرى. علاوة على ذلك، يستوحي الكاتب جدلية السيد والعبد، والصراع الجدلي بين الأنا والآخر لدى الفيلسوف الألماني هيجل، ويلبسها سياقات صوفية وعرفانية وفلسفية وواقعية، وذلك في قالب السخرية والتناص والمفارقة والرمزية الموحية. كما يركز الكاتب على الاستبطان الذاتي في تصوير الذات الأنثوية التي تتقلب في صورها الواعية واللاواعية رغبة ونفورا.
    التشذير الفني والجمالي:
    تمتاز الكتابة الشذرية بخاصية الكلية الدلالية والذهنية والوحدة العضوية والموضوعية، علاوة على استقلالية كل مقطع أو فقرة بدلالة معينة تتوالد من بؤرة النص الكلي. كما تمتاز القصص الشذرية القصيرة جدا بآلية التخييل، والعمق الفكري، والانسياق وراء التجريد، وتوظيف التناص والإحالات المعرفية، بله عن استخدام الصور السردية من تشبيه، واستعارة، وتشخيص، وتجسيد، وكناية، ورمز...ونلاحظ في قصة (خريف) ثنائية الجوهر والعرض التي ناقشها الفلاسفة والمناطقة قديما وحديثا، لاسيما أرسطو الذي حصر الواقعي في الثابت والجوهر:
    "خريف
    1-
    كانت تعشق الطبيعة
    عندما آن الرحيل
    جلست تودع الحياة
    تحت الشجرة
    مرت عليها الفصول الأربعة
    في نضارة الربيع تعلقت بها قليلا
    في حر الصيف سرى فيها بعض الدفء
    في ذبول الخريف بدأت تتساقط
    في صقيع الشتاء نقلت إلى ثلاجة الموتى
    ------------------
    2-
    تحتضن الباقة كل صباح
    تبدو متزينة في أزهى حللها
    تسري نبضات الزهرعبر الماء إلى أحضانها
    تشعر بثبات فوق المنضدة
    حين امتلأت بزهور زائفة
    لم تلمس دفئا في أوصالها
    لا نبضات، لا ماء، لا أحضان
    ارتعشت"#
    هذا، وتتوفر القصص الشذرية على معظم الخصائص التي تمتاز بها القصة القصيرة جدا، مثل: الحكائية، والحجم القصصي القصير جدا، وتنويع الفضاء المعماري، وانتقاء الأوصاف، والتوسل بلغة التكثيف والإضمار والحذف، وتوظيف الجمل الفعلية، واستخدام التراكيب الحدثية الديناميكية، كما يبدو ذلك واضحا في قصة (تهاو):

    " تهاو 1و 2
    -1
    مجهدا، قام الجدار ليسند أخاه.. لم يستطع تحمل ثقله.. فتراقصا رقص
    الديك المذبوح..
    فرت الشمس بعيدا فرقا من صداع..
    تحت الترب رقد رجل نحيف، وفي مقلتيه صورة طفل لم يغادر ثدي أمه
    الضامر..
    -2
    خرجت من قلبي الحزين..
    دخلت فؤاد الحبيبة الأمين..
    فاخضر قلبي."
    ومن جهة أخرى، تمتاز الكتابة الشذرية بالتناص والتضمين، واستغلال العلامات الإحالية والمعرفة الخلفية لتبليغ المرامي المباشرة وغير المباشرة، وتوصيل المقاصد القريبة والبعيدة، كما يبدو ذلك جليا في قصة (الشاعر والمدينة في صورتين)، التي يقابل فيها الكاتب بين عالم الفلاسفة القائم على العقل والمنطق، وعالم الشعراء المبني على الحب والمودة:
    " النص الأول
    أسس الشعراء المنبوذون من المدينة الفاضلة مدينتهم الخاصة، وأسموها مدينة الحب. حج إليها بعض قومهم سرا، وعندما علم أفلاطون؛ احتجز زوجاتهم ومنعهم من ممارسة الحب..
    النص الثاني
    سمح أفلاطون لأحد الشعراء، بزيارة أمه المريضة، في المدينة الفاضلة. عندما دخلها التف حوله الغوغاء مهللين: الملعون.. المجنون . استاء أحد أقاربه، وخرج يناشدهم: أرجعوا السكينة، لأم مسكينة باتت حزينة، منذ ترك المدينة. اعتبروه شاعرا مثله، واقتادوهما خارج المدينة.."#
    هنا، تتحول القصص الشذرية القصيرة جدا إلى نصوص متداخلة ومتناسلة توليدا وانصهارا وانبثاقا لتشكل لحمة دلالية كلية، معلنة مدى المفارقة الموجودة بين عالم الفلاسفة وعالم الشعراء، أو من أجل تبيان طبيعة الهوة الفاصلة بين العقل والقلب.
    تركيب واستنتاج:
    وخلاصة القول: إن الكتابة الشذرية ظاهرة بارزة في مجموعة (وجوه مشروخة) لعبد الرحيم التدلاوي، ودلالة ذلك أن الكاتب يعبر عن واقع مشروخ، وذات ممزقة، وكتابة متشظية. ومن ثم، فالكتابة الشذرية خاصية فنية وجمالية حديثة لتشويه الواقع وتعييره وتقديمه في صور كاريكاتورية ساخرة ومفارقة ورمزية. وبالتالي، تعتمد الكتابة الشذرية عند الكاتب على مجموعة من الآليات، مثل: آلية التقطيع، وآلية الترقيم، وآلية التشذير، وآلية التشظي، وآلية التخييل، وآلية التوليد والتناسل...
    ومن ثم، فعبد الرحيم التدلاوي كاتب قصصي متميز في أضمومته (وجوه مشروخة)، يحسن التحكم في دفة الكتابة تجريبا وتفننا وتجويدا، ويمكن وضعه ضمن طبقة المبدعين المحترفين في مجال القصة القصيرة جدا بالمغرب، إلى جانب كل من: مصطفى لغتيري، وجمال الدين الخضيري، وميمون حرش، وعبد الله المتقي، والسعدية باحدة، والزهرة رميج، وحسن برطال، وعز الدين الماعزي، وإسماعيل البويحياوي، وحسن البقالي...
    http://www.diwanalarab.com/spip.php?article36667n linkedi

    http://www.diwanalarab.com/spip.php?article36667
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #4
    Senior Member
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    البصرة-العراق
    المشاركات
    1,840
    القصة القصيرة جدا متنفس سريع لمايجول في خاطر الكاتب وهي لوحة فنية متقنة تتغير صورتها وفق الزاوية التي ينظر اليها القاريء دمت بخير استاذة ريمه مودتي

المواضيع المتشابهه

  1. النقد التطبيقي للقصة القصيرة جدا(10)
    بواسطة د.يوسف حطيني في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-21-2013, 02:36 AM
  2. مسابقة بي بي سي للقصة القصيرة
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الأدبي العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-16-2012, 06:35 AM
  3. مسابقة القدس للقصة القصيرة
    بواسطة ملده شويكاني في المنتدى فرسان الأدبي العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 01-24-2010, 05:29 PM
  4. مفهوم سريع للقصة القصيرة جدا
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى شؤون القصة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-20-2009, 08:50 PM
  5. مسابقة للقصة القصيرة جدا
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى شؤون القصة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11-30-2008, 10:05 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •