هل يصبح الأسبوع أربعة أيام؟
*رمزي الغزوي
تنبأ معهد (هدسون) الأمريكي أن يصل عدد سكان الأرض إلى 15 مليار نسمة في عام 2176 ، وأن هذا العالم لن يواجه مشاكل اقتصادية تذكر: فالخير ، كل الخير ، سيكون كثيراً وعميماً ، وكل المشاكل التي نعرفها اليوم ستحل بشكل يسير وسلس. لكن عالم ذلك الزمن سيواجه نوعاً خطيراً من المشاكل الاجتماعية ، وسيكون أبرزها وقت الفراغ. ووقت الفراغ مشكلة حديثة وطارئة على المجتمع البشري: ففي عصر العبودية ، ثم في عصر الإقطاع ، كان الإنسان ووقته مملوكين للسيد أو الإقطاعي أو صاحب الولاية ، لكنْ ـ مع قيام الثورة الصناعية وتفرعاتها ومخرجاتها واستحقاقاتها ، ومن ثم قيام الثورة التكنولوجية الرقمية الهائلة ـ صار السؤال المطروح هو: كم عدد ساعات الراحة وأيام العطل المتاحة والمرجوة من زبدة كل هذا التقدم ، وهذا النتاج الحضاري؟.

وتبعاً لنبوءة معهد هدسون ظهر العديد من السيناريوهات المقترحة لقتل الفراغ وخنقه ومحاصرته: فالإنسان عليه أن يخلق مشاغل ، ويجد متعاً جديدة بعدما رتع في وقت وفير بلا عمل. هكذا ، ستُنظَّم رحلات سياحية إلى كل بقاع العالم الأرضي المتاحة ، بل ستصبح السياحة الفضائية رائجة وشائعة ومتاحة لشريحة واسعة من الناس ، وسيكون الإنسان رياضياً بدرجة أكبر ، وقد يحل العلم مشكلة ندرة المياه ، فيعود الإنسان إلى التمتع وقضاء الوقت بهواية الزراعة،. العلماء الذين توقعوا أن يواجه الإنسان مشكلة وقت الفراغ بعد خمسين عاماً ستهولهم ، وبشكل مفزع ، الأرقام التي باتت تصدمنا وتحبط كل أحلامنا في التنعم بالرفاهية. وكل ذلك سيكون بعد أقل من عقود عدة على توقعات معهد هدسون: فالأرقام الدولية الصادرة عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة للتنمية البشرية تشير إلى أن عدد العاطلين عن العمل ناف عن المليار والربع وأكثر ، وهذا يعد أكثر من ثلث القوى الفاعلة في كرتنا الأرضية.

ربما ستواجه بعض الدول مشكلة الفراغ بعد أن يرتفع دخل الفرد القومي فيها ، لكن الكثير من الدول ستواجه مشكلة البطالة الإجبارية ، وبؤسها: أي سيصبح الإنسان على الأرض مقسوماً إلى قسمين: قسم يرتع في النعيم ويعاني وضع برنامج لقضاء وقت فراغه الكبير ، وقسم يواجه الفقر والبؤس ، ويواجه فراغاً كبيراً لن يقدر على ملئه بساعة عمل لأن البطالة والعطالة هما المستفيدتان المسيطرتان، فهل يأتي ، حقاً ، على الإنسان حينّ من الدهر يكون فيه الإسبوع أربعة أيام؟.

لكنْ ، مع زيادة الرقي العلمي لحضارة بين الإنسان ، وتسارع عجلة التقدم ، كان للعلماء والمفكرين نبوءة مختلفة بعض الشيء عن هذا التصور ، وهي أن الإنسان ، وفي ظل كل هذا الكم الهائل من النجاحات التكنولوجية والتقنية والنانوتكنلوجية ، سينتقل من فراغ البؤس والبطالة والعطالة ، إلى فراغ الوفرة والرفاهية ، حيث يكفيه حينذاك يوم عمل أو إثنان ، أو ثلاثة أيام في الاسبوع ، ليعيش بدخلهما بقية الأيام راتعاً بالفراغ. وعليه ، يقدًّر هؤلاء المفكرون أن الإنسان العصري لن يواجه مشاكل اقتصادية أو صحية ، ولكنه سيواجه مشكلة كبيرة وهي وقت الفراغ: كيف سيقضي وقت فراغه الكبير؟.

ومع ذلك ، فإنّ الأحلام والسيناريوهات قد تختلف ، وقد نمضي في تصور أن الإنسان سوف يملك من وقت الفراغ أكثر بكثير من وقته المخصص للعمل ، بل إن عمله الأساسي سيصبح إعداد برنامج إدارة وقت الفراغ الفضفاض لديه،.


ramzi972@hotmail.com
التاريخ : 09-04-2010

ملحق الدستور الثقافي