السلام عليكم
ان تكون مؤثرا اكثر مماتكون متاثرا خاصية لايتقنها الا من اتقن هندسة ذاته
لنبرح معا
عبر كتابات الدكتور علي الحمادي





(وصية العظماء)

د.علي الحمادي

على الحمادي
في سلسلة كتاب الأمة (1) يقول أكرم ضياء العمري في كتابه "قيم المجتمع الإسلامي من منظور تاريخي": خُصَّت الأمة المسلمة بالشهادة على الناس والقيادة لهم، لا بسبب اللون أو القوم أو الجنس أو الإقليم أو سائر الفوارق القسرية الأخرى، التي لا يد للإنسان في إيجادها أو نفيها، وإنما بسبب ما تؤمن به وما تمتلكه من القيم المعيارية المعصومة في الكتاب والسنة، والتي تشكل لها أدوات التصويب والتجديد، وتمنحها الإمكان الحضاري، وتحتفظ لها بخميرة النهوض، وتكسبها القدرة على معايرة الواقع، واكتشاف مواطن الخلل، وتحديد مواقع القصور، وتبين أسباب التقصير، بسبب ما تمتلك من رصيد تجربة تاريخية حضارية، وخاصة منها مرحلة النبوة ومجتمع خير القرون الذي تجسده السيرة النبوية، التي تشكل الأنموذج والقدوة للفرد والأمة في تحويل النظرية إلى ممارسة، والفكر إلى فعل، والقيم إلى برامج، وتقدم المعيار العملي لتنزيل قيم الإسلام على الواقع، وتقويم سلوك المجتمع الإسلامي بها، وتحقيق مقاصد الدين.
نعم.. إنها القيم التي كانت وما زالت قبلة الرجال ومنتهى العقلاء ووصية العظماء.. تأمل معي الوصية التي أوصى بها عبدالقيس بن خفاف ولده جبيلاً في قصيدة طويلة مليئة بالمبادئ والقيم، فكان مما قال فيها:
أجبيل إن أباك كارب يومه
فإذا دعيت إلى العظائم فاعجل
أوصيك إيصاء امرئ لك ناصح
طبنٌ بريب الدهر غير مغفل
الله فاتقه وأوف بنذره
وإذا حلفت ممارياً فتحلل
والضيف أكرمْه فإن مبيته
حق ولا تك لعنة للنزَّل
واعلم بأن الضيف مُخبرُ أهله
بمبيت ليلته وإن لم يُسأل
واترك محل السوء لا تحلل به
وإذا نبا بك منزل فتحول
وإذا هممت بأمر شر فاتئدْ
وإذا هممت بأمر خير فافعل
ولقد عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته على بني شيبان، فقال سيدهم المثنى بن حارثة (قبل أن يسلم): إنما نزلنا (في العراق) على عهد أخذه كسرى علينا: ألا نحدث حدثاً ولا نؤوي محدثاً، وإني أرى هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرُهه الملوك، فإن أحببت أن نؤيدك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أسأتم بالرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه" (رواه الحاكم والبيهقي وأبونعيم بإسناد حسن).
انظر إلى منزلة القيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث لم يفاصل فيها أو يتنازل عنها أو عن بعضها، لذا رفض صلى الله عليه وسلم أن تُمس قيمة "الولاء" لله ولرسوله وللمؤمنين، رغم حاجته إلى كل دعم، إذ علم أن القيم باقية والعاقبة لها بإذن الله تعالى، أما المواقف وأحداث الحياة فهي متبدلة متغيرة.
ومما لا شك فيه أن تراجع قيم أمة من الأمم يكون سبباً رئيساً في انهيارها وضياع معالمها. ولو تتبعنا سير الحضارات وانهيارها لوجدنا أن العامل المشترك بين كل ذلك كان تراجع قيمها والخضوع لمفسديها الذين ابتكروا وسائل الانحراف المختلفة ومارسوا الفساد وحاربوا المبادئ والقيم، وليس ببعيد عنا خبر قوم لوط، ولا قوم شعيب، ولا حضارة الرومان والإغريق، ولا غيرهم ممن انحطت أخلاقهم وسفلت قيمهم.