هل القرن الواحد والعشرين هو قرن الصين
أحمد كرفاح
صحيفة الجزائرنيوز
رغم أنني لم أقم بزيارة الصين للتعرف على عاصمتها لكن حسب ما قرأته ورأيته في الفضائيات فإنني معجب بناطحات السحاب العملاقة المنتشرة في كل مكان في العاصمة بكين فهي تنافس مثيلاتها في المدن الأمريكية، والأسئلة المحيرة اليوم التي تطرحها كثير من الشعوب ومنها الشعب الجزائري هي: كيف حققت الصين هذا التفوق الاقتصادي وأصبحت سادس قوة اقتصادية في العالم؟ وكيف تجاوزت فجوة التخلف وخرجت من قوقعتها وملكت زمام التفوق النووي واقتحمت الفضاء؟ وكيف أصبحت عالميا رابع دولة في مجال السياحة يزورها الملايين من السواح سنويا؟ وهذا مع انتشار المنتجات الصينية التي أغرقت دول العالم وأصبحت تنافس المنتجات الغربية بأسعارها الرخيصة ··
لقد بدأت هذه الحكاية منذ الثمانينات عندما قرر الحزب الشيوعي الصيني الخروج من العزلة التي فرضتها النظرية الشيوعية التقليدية وفتح أبواب الصين للآخر· واقتنع قادة الحزب بالنظرية التي تقول ''عالم واحد ذو اقتصاد عالمي''، وبدأت الصين خطوات للتحديث مع تطبيق خطة التنمية الخمسية ''1982 ـ''1990 وتم تقسيم الصين إلى ثلاثة مناطق:
المنطقة الأولى: وهي الساحل الشرقي وهو مركز الانفتاح· المنطقة الثانية: وهي المنطقة الوسطى التي تمتلك مخزن الطاقة في الصين ''الكهرباء ـ الفحم ـ البترول ـ المعادن ـ مواد البناء''·
المنطقة الثالثة: وقد اعتمدت على الزراعة والغابات والانتاج الحيواني·
على الساحل الشرقي أقامت الصين خمسة مناطق إقتصادية خاصة وافتتحت أربعة عشر مدينة جديدة للإستثمارات الأجنبية، وبدأ الساحل الشرقي للصين يتغير وأطلق عليه وصف ''الساحل الاقتصادي المفتوح'' حيث أصبح يخضع للإقتصاد الرأسمالي الحر، أما في باقي أنحاء الصين فيطبق الاقتصاد الاشتراكي· كان دور الساحل تصدير السلع المصنعة إلى الخارج مقابل نقل التكنولوجيا والمهارات إلى باقي أجزاء الصين ·· وتتمتع المشروعات الإستثمارية في هذا الساحل بحرية أكثر مما تتمتع به مناطق أخرى كمنطقة كونغ مثلا لأنها منطقة مفتوحة بصورة أكبر جذبا للمستثميرين والمصنعين ومنحت الصين هذا الساحل إعفاء من الضرائب أو تخفيضا لعدة سنوات حتى تبدأ المصانع في تحقيق الأرباح، كذلك منحت الصين المستثمرين الأراضي بأسعار معقولة وأعفت صادراتها ووارداتها من الجمارك بحيث يمكن أن تباع منتجات هذه المناطق الخمس في السوق الصينية ولكن تحت ظروف خاصة·
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن الصين اقتنعت بأن نجاح سياسة الانفتاح يعتمد على التعلم من الآخرين، ووجدت أن نجاح الغرب الاقتصادي يعتمد على الأسلوب العلمي وتطبيق تكنولوجيا البحث العلمي في الانتاج واستخدام أسلوب الإدارة الحديثة للمؤسسات وقلة عدد الإداريين ونشر الخدمات الاجتماعية للمواطنين العاديين· وتحولت الصين من سياسة الحرب الباردة بين المعسكرين إلى سياسة الحوار مع الغرب حيث أصبح السلام والتنمية جناحي التطور في العالم، وخرجت الصين من موقعة الثقافة التقليدية المتوارثة إلى ثقافة الانفتاح على الآخر لاستيعاب التفوق الذي تحقق في الحضارة الغربية، وتفاعلت الثقافة الصينية من خلال حوارها مع الغرب رغم حفاظها على جذورها ·· وفي أثناء هذا الحوار انطلق قطار التنمية في الصين وانطلق معه الاقتصاد الصيني وبدأت كثير من الدول تخاف من هذا الاندفاع وطلبت الولايات المتحدة الأمريكية من الصين الشعبية صراحة تحرير عملتها وربطها بالسوق العالمية وتدخل الصندوق الدولي بالتالي محاولا إيقاف هذا التدفق الصيني، وبل طلب من الصين التركيز على دعم الاستهلاك بدلا من الاستثمار ويعتقد الصندوق أن التركيز على النمو وكبح حركة الاستثمار سيزيد من الاستهلاك في الداخل، ويؤدي إلى تحسين حال الفقراء حيث تتم تنمية المدن الصغيرة في الريف من خلال مشروعات تحسين البنية التحتية والرعاية الصحية، وفرض على بكين رفع قيمة عملتها وإعادة رفعها حيث توقع الصندوق أن هذه الخطوات سيكون لها وقع إيجابي على الاقتصاد العالمي لأن الاقتصاد الصيني يزداد قوة كل عام والنمو في الصين يصل إلى نسب سنوية عالية حيث حققت بكين إحتياطيا بالعملة الصعبة عاليا جدا، وهو ما جعل الصندوق يطلب منها رفع أسعار البضائع الصينية ·· كما لا ننسى المشكلة التي نشأت بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بسبب تصدير منتجات الملابس والنسيج إلى السوق الأمريكي حيث قفزت الصادرات إلى مستوى عال جدا وطلبت الصين من الولايات المتحدة الأمريكية السماح لها بزيادة التصدير وقد أبدت الصين مرونة حول الاتفاق حتى لا تخسر السوق الأمريكية التي غزتها مثل باقي أسواق العالم، والمعروف أن العلاقة الاقتصادية بين واشنطن وبكين تزداد عاما بعد عام، وهذا مما جعل استثمارات الولايات المتحدة الأمريكية تزداد بنسب عالية كل سنة، وصاحب هذا إرتفاع العائدات الأمريكية من الصين، لكن صاحب هذا التقدم الاقتصادي الصاعد أيضا وجود أزمة حول من يدير هذا التقدم، فالصين تواجه نقصا في عدد المديرين الذين يشرفون على المشروعات الحديثة من ذوي المهارات العالية والأزمة في هذه الوظائف تعود إلى عدة عوامل منها الثورة الثقافية التي حرمت جيلا بأكمله من التعليم الجامعي وكثير من المديرين الحاليين لم يحصلوا على تعليم عال من أي نوع· وهناك مديريون يحاولون العودة للدراسة مرة أخرى لاستكمال تعليمهم العالي، خاصة في علوم الإدارة، ومعظم الشركات الأجنبية الوافدة إلى الصين تستعين بالخبرات المحلية من أجل تسهيل أعمالها وهذا يعني هجرة الكفاءات الصينية من الشركات الوطنية إلى نظيرتها الأجنبية في وقت يتحدث فيه الكثير عن أن إذا كان القرن العشرون هو قرن الولايات المتحدة الأمريكية فإن القرن الواحد والعشرين هو القرن الصيني والشواهد كثيرة ووصلت إلى حد أن الإهتمام بتعلم اللغة الصينية انتشر في العواصم الغربية مع تزايد الدور الإقتصادي والتجاري للصين على الخريطة العالمية، بينما تقوم القوى الرئيسية في العالم بمناورات لاستعاب القوى العظمى الجديدة الناشئة ومحاولة جعلها تتواءم مع متطلبات قواعد اللعب في النظام الدولي السائد حتى أن الدول الغربية تنتقد الصين في طريقة إبرام اتفاقياتها الاقتصادية والتجارية مع الدول الافريقية باعتبار أن اتفاقياتها ومساعدتها غير مشروطة على عكس الغربيين والمؤسسات الدولة بما يجعل الدول المتلقية لا تملك عوامل ضغط من أجل تطبيق إصلاحات اقتصادية أو سياسية· بالنسبة للصين اللاعب الجديد على الساحة الدولية الذي يتمتع باحتياطات نقد أجنبي كبيرة جدا وفائضا تجاريا عاليا جدا، فإنها بجانب احتياجها إلى إيجاد أسواق لاستثمار احتياطاتها الضخمة تسعى إلى توسيع نفوذها السياسي بما يتناسب مع ازدياد أهميتها وثقلها كقوة اقتصادية وعسكرية عالمية ·· ومع أن معظم التحليلات تشير إلى أنه خلال عقدين أو أكثر يمكن أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة من حيث حجم القوى الاقتصادية، وإن دورها السياسي والعسكري لا يزال محط تساؤلات، فخروجها إلى العالم لا يزال خجولا ومدفوعا بالمصالح الاقتصادية أكثر من أية رغبة أخرى في الهيمنة، ويشك بعض المحللين حتى في ما يحذر منه البعض في الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص تنامي قوة بكين العسكرية ومن أنها قد تكون مصدر تهديد لهم، فالصين طوال تاريخها الطويل كانت منشغلة أكثر بالدفاع عن حدودها من الأطماع الخارجية وسور الصين العظيم شاهد على هذا الهاجس ولم يعرف عنها في هذا التاريخ الممتد لآلاف السنوات أنها كانت إمبراطورية توسعية أو سعت لغزو الآخرين، بل على العكس، فإنها هي التي كانت تتعرض إلى الغزو وحتى في قضية هونغ كونغ التي ظلت أكثر من قرن مفصولة عن الوطن الأم، لم تلجأ بكين حتى في ذروة ازدهارها ولم تفكر في الحل العسكري رغم أنه يصعب تصور أحدا كان سيحاول مواجهتها عسكريا إذا لجأت إلى ذلك الطريق، وفضلت بكين الصبر والتفاوض وقبلت بوضعية خاصة للإقليم وإعادته في النهاية إليها بخيراته الاقتصادية ·· وفي إطار رضا دولي رسخ وضعها كدولة رشيدة يبدو أنها تتبع نفس الأسلوب فيما يتعلق بمطالبتها باستعادة تايوان ·· هل يتغير أسلوبها عندما تصبح قوة عظمى على الساحة العالمية، لكن المؤشرات تقول أنها ستكون قوة استقرار أكثر منها قوة اظطراب، وحتى عالم المستقبل ليس شرطا أن يكون أحاديا، والأرجح أن يكون متعدد الأقطاب، لكن في كل الأحوال هناك الكثير مما يمكن تعلمه من الصين، وهناك الكثير مما يمكن الاستفادة منه تجاريا واستثماريا وسياسيا· وعسكريا·