التدوير في الشعر العمودي وشعر التفعيلة


التدوير في الشعر العمودي هو كسر كلمة بين تفعيلتين الأولى هي العروضة التي ينتهي بها صدر بيت الشعر والثانية هي التفعيلة الأولى في عجزه ويسمى حينها البيت ( البيت المدور ) :
ويعرَّفُ البيت المدور على أنه : البيت الذي اشترك شطراه بكلمة واحدة بأن يكون بعضها من الشطر الأول وبعضها من الشطر الثاني , كقول أبي العلاء المعري :
خفِّفِ الوطءَ ما أظنُّ أديمَ الـ ... أرضِ إلاّ منْ هذهِ الأجسادِ
فاعلاتن مستفعلن فعلاتن ... فاعلاتن مستفعلن مفعولن
( من البحر الخفيف )
أو :
وإذا همُ ذكَروا الإسا ... ءةَ أكثروا الحَسناتِ
متفاعلن متفاعلن ... متفاعلن فعلاتن
( من مجزوء بحر الكامل )

أما عملية التدوير في شعر التفعيلة فتقوم على أساس كسر تفعيلة بين سطري كل نفس من أنفاسها خضع للتدوير. وإذا كان النفس الموسيقي مكونا من أكثر من سطرين فإنه يكسر أكثر من تفعيلة لتدوير أسطره بينما يتم التدوير في الشعر العمودي على أساس كسر الكلمة وليس على أساس كسر التفعيلة بين شطري البيت المدور.

ويكون التدوير عادة عفويا لدى الشاعر الذي ينظم على الشعر العمودي عندما تكون هناك ضرورة لغوية أو وزنية فقط , بينما لا يكون كذلك في شعر التفعيلة وإنما يعتمد على رغبة الشاعر أينما أراد ذلك شرط المحافظة على النفس الموسيقي.
وكمثال قصيدة الشاعر سامي مهدي :

دبَّ القرادُ إليهِ ,
فاسترخى ونامْ
وتكاثرتْ زمرُ القرادِ ,ِ
فما أحسَّ ,
وظلَّ يحلمُ بالسلامْ
حتّى إذا ما مرَّ يومٌ واستفاقَ ,
تخلَّعتْ أطرافهُ من جانبيهِ ,
ولم يجدْ إلاّ العظامْ

و يمكن إعادة كتابة قصيدة سامي مهدي بحيث يكون كل نفس من أنفاسها الموسيقية مكتوبا على سطر واحد على النحو التالي :
-1-
دبَّ القرادُ إليهِ فاسترخى ونامْ
مستفعلن مستفعلن مستفعلان
-2-
وتكاثرتْ زمرُ القرادِ فما أحسَّ وظلَّ يحلمُ بالسلامْ
متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلان
-3-
حتّى إذا مرَّ يومٌ واستفاقَ تخلَّعتْ أطرافهُ منْ جانبيهِ ولم يجدْ إلاّ العظامْ
مستفعلن مستفعلن مستفعلن متفاعلن مستفعلن مستفعلن متفاعلن مستفعلان

فلو وضعت قصيدة سامي مهدي على ثلاثة أسطر لما قلل ذلك من قيمتها الفنية ولم يكن في حاجة إلى التدوير ولا إلى كسر التفعيلة من أجل ذلك.

والخلاصة التي نخرج بها من هذا التحليل هي :
أ ) يتمحور التحليل الآنف حول الخلية الموسيقية والقوافي العضوية لشعري العمودي والتفعيلة المنظومين على بحر الكامل وكذا النفس الموسيقي , هذه المسائل تمثل وتجسد أهم القواسم الموسيقية المشتركة بين موسيقى الشعر العمودي وشعر التفعيلة المنظومين على بحر الكامل.
ب ) على إن هذه الرؤية لا تنحصر على موسيقى الأشعار المنظومة على بحر الكامل وتنسحب على موسيقى أشعار بقية الأبحر العروضية التي نظم عليها كل من شعراء العمودي والتفعيلة. ( اعتمادا على نفس الأسس المتبعة في التدوير أو عدمه )
ج ) وبذلك يمكن القول بأن موسيقى شعر التفعيلة امتداد مبدع لموسيقى الشعر العمودي .
إن وجه الإختلاف بين موسيقى الشعرين يكمن في إن عدد التفاعيل في البيت الواحد أو ما سميناه بالنفس الموسيقي يكون منتظما في القصيدة العمودية حتى نهايتها بينما لا يكون كذلك في أنفاس قصيدة التفعيلة , لأنه قد يختلف عدد التفاعيل من نفس موسيقي إلى آخر في قصيدة التفعيلة الواحدة.
إضافة إلى ذلك إن النفس الموسيقي الواحد في شعر التفعيلة قد يكتب على سطر واحد أو سطرين أو أكثر بينما يكتب النفس الموسيقي في الشعر العمودي على سطر واحد ما لم يوضع الصدر في سطر والعجز في سطر آخر.

ومهما يكن فإن اختلاف عدد تفاعيل النفس الموسيقي في كل من شعري العمود والتفعيلة هو اختلاف في الكم وليس في النوع.

...................................
رأي :
ومن هذا نستنتج أن التدوير في شعر التفعيلة ليس ملزما , وإن اعتمد فالمهم هو المحافظة على قفلة النفس الموسيقي التي تقابل ( الضرب ) في الشعر العمودي , ويجب ألا تدور. أما ما تبقى من التفعيلات فللشاعر االحرية بتدوير أي عدد من التفاعيل أينما ارتأى ذلك ضروريا إن زاد في النفس الموسيقي عدد التفاعيل ,
ويمكن أيضا عدم التدوير وكتابة النفس الموسيقي على سطر واحد.

.................................

المصدر : الرؤية الجديدة لموسيقى الشعر العربي ( قديمه وحديثه , فصيحه وشعبيه )
- الدكتور صالح عبد ربه أبو نهار
ميزان الذهب في صناعة شعر العرب – السيد أحمد الهاشمي

المصدر
http://www.rabitat-alwaha.net/moltaq...ad.php?t=14842