نظام بسيط لتنقية المياه بالطاقة الشمسية

المياه تساوي الحياة لكل إنسان.. والقضاء على ملوثاتها واحدة من أهم القضايا التي تشغل بال ساكني كوكب الأرض والفقراء منهم على وجه الخصوص؛ فبدون تنقية المياه من تلك الملوثات ستصبح المياه مصدرا للعديد من الأمراض التي تختلف مدى خطورتها باختلاف مصدر تلوث المياه سواء كان نوويا أو ميكروبيا أو كيميائيا، بل إن بعض المواد المستخدمة لتنقية المياه قد تصبح خطرا قاتلا في حد ذاتها كمادة الكلور؛ لذا كان لا بد من التفكير في أساليب آمنة ورخيصة لتنقية المياه لتصبح صالحة للاستهلاك الآدمي.

وإذا كان خطر التلوث النووي للمياه غير موجود بمصر ومعظم الدول العربية لعدم وجود منشآت نووية فإن المصدرين الآخرين يشكلان خطورة كبيرة على صلاحية المياه؛ ولذلك كانا محور لأبحاث عديدة أجراها علماء المركز القومي للبحوث بالقاهرة؛ لتطبيق أسلوب فعال وآمن يسمح باستخدام الطاقة الشمسية للقضاء عليهما ويشكل بديلا للكلور. وقد أسفرت هذه الأبحاث عن تصميم أنظمة لمعالجة التلوث الميكروبي للمياه ويجرى –حاليا- وضع بعض التعديلات على هذه الأنظمة حتى تقضي على التلوث الكيميائي أيضا.

في البداية يقول د. حمدي الغيطاني الباحث بقسم بحوث الطاقة الشمسية بالمركز: إن الاتجاه الجديد الذي تحاول كل دول العالم تطبيقه هو الابتعاد قدر الإمكان عن استخدام الإضافات الكيميائية في المنتجات ذات الصلة بالإنسان؛ ولذلك بدأت تجري بعض الأبحاث –مثلا- في مجال الأغذية تهدف إلى تصنيع ألوان طبيعية من بعض المصادر الطبيعية لتكون بديلا عن الألوان الصناعية، وفي مجال مياه الشرب بدأت كل دول العالم تتجه نحو التسخين الحراري للمياه حتى درجة حرارة 75°م والتي ثبت أنها كافية لقتل الميكروبات كبديل عن استخدام الإضافات الكيميائية كالكلور الذي ثبت أيضا ضرره على صحة الإنسان.

الشمس معقم طبيعي

ولكن إذا كانت نعمة الشمس الساطعة طوال ساعات النهار التي وهبها الله تعالى للدول العربية يمكن أن تصل بدرجة

حرارة المياه لهذا المستوى، فلماذا لا يتم استخدام الطاقة الشمسية في التعقيم؟ كان هذا هو السؤال الرئيسي الذي وضعه الفريق البحثي المشترك بين قسمي بحوث الطاقة الشمسية وتلوث المياه أمامه والتي كانت إجابته التي تم التوصل إليها بعد دراسة استمرت نحو سنتين هي بعض أنظمة نجحوا في تصميمها لتعقيم المياه ضد التلوث البيولوجي شمسيا برفع درجة حرارتها، ويجرى –حاليا- إجراء بعض التعديلات على هذه الأنظمة لتسمح باستخدام أكسيد الزنك أو ثاني أكسيد التيتانيوم أثناء عملها للاستفادة من كونها "محفزات ضوئية"، أي لا تعمل إلا في وجود ضوء وهي خاصية ملائمة جدا لطبيعة الأنظمة القائمة على ضوء الشمس، حيث تقوم هذه المواد بالتفاعل مع المواد الكيميائية التي قد تكون موجودة بالمياه لتنتج مركبا آخر غير سام، ولأنها مركبات تتميز بأنها لا تذوب في الماء فيمكن استخلاصها عن طريق فلاتر يتم تركيبها بالأنظمة لتكون المياه المستخلصة نقية.

3 أنظمة.. وفاعلية محفزة

الدكتور حسين سليمان الباحث بقسم بحوث الطاقة الشمسية حدد 3 أنظمة تم اختبارها وأثبتت فاعلية في التنقية، بعضها بسيط والآخر معقد.. فعن النظام البسيط يقول د. حسين: إنه نظام التعقيم باستخدام الصندوق الشمسي الساخن وهو عبارة عن صندوق ساخن معزول يصنع من الخشب أو الكرتون أو الزجاج أو ورق الألومنيوم وبداخل هذا الصندوق توضع عينة المياه الملوثة داخل إناء زجاجي ويترك الإناء حتى ترتفع درجة حرارة المياه فتصل لدرجة حرارة التعقيم التي تقتل الميكروبات.

أما عن الأنظمة المعقدة فهي نظام المجمع الشمسي الساخن، والمجمع الشمسي ذو القطع المكافئ المركب، حيث يعتمد النظام الأول على وضع الماء في خزان ليمر خلال مصفاة أو فلتر عبر المجمع الشمسي -الذي تتجمع عليه أشعة الشمس- فترتفع درجة حرارة الماء، وعند مخرج المجمع يوجد صمام حراري يتم ضبط حرارته على 70°م، وبالتالي لا يسمح الصمام بمرور الماء إلا إذا كانت درجة حرارته 70°م فأكثر، وهي درجة حرارة التعقيم، بعدها يمر الماء المعقم الساخن إلى خزان تخزن فيه المياه لتصبح صالحة للشرب.

أما عن النظام الثاني –وهو أكثر تعقيدا- فيعتمد على المزج بين نظامي التعقيم بالتسخين الحراري وبالمجمع الشمسي، حيث يعتمد على وجود حامل يعلوه خزان للمياه، ثم تمر المياه بعد ذلك عبر ماسورة زجاجية حرارية في وسط النظام.. هذه الماسورة ترفع من درجة حرارة المياه مرة أخرى بفعل أشعة الشمس المنعكسة عليها من المجمع فترتفع درجة حرارة المياه، وبالتالي نكون قد ضمنا تعقيما أفضل للمياه.

تطوير.. يستكمل التعقيم



نظام لتعقيم المياه بالطاقة الشمسية حراريا و ضوئيا

نظام لتعقيم المياه بالطاقة الشمسية حراريا و ضوئيا وإذا كانت هذه الأنظمة بتصميمها الحالي تحقق ميزة تعقيم المياه بيولوجيا ضد الميكروبات فإن الأبحاث التي تجرى –حاليا- هي تعديل هذه الأنظمة لتحقيق فائدة مزدوجة بتنقية المياه ضد التلوث الميكروبي والكيميائي أيضا.

يتحقق ذلك –كما يقول د. حمدي الغيطاني- من خلال وسيلتين: الأولى هي تصنيع أكسيد التيتانيوم أو أكسيد الزنك على هيئة بودرة يتم وضعها بالماء، أما الثاني فهو الذي يتم بالتعاون مع د. حسين عفيفي بقسم البوليمر بالمركز، حيث يتم تصنيع المركب على هيئة غشاء رقيق بجدار ماسورة زجاجية تمر عليها المياه، وبفعل الضوء المتساقط عليها يقوم المركب بالتفاعل مع الملوثات الكيميائية فينتج مركب ثالث غير سام يسهل استخلاصه بفلتر لينتج ماء نقيا.

ولهذه الأنظمة عدة مزايا يؤكد عليها د. حسين سليمان ويعتبرها كفيلة لاعتمادها كوسيلة لتنقية المياه؛ فهي من ناحية تتميز بأن تكلفة تصميمها منخفضة جدا إذا ما وضعت في مقارنة مع المواد الأخرى المستخدمة في التنقية، كما أنها لا تخلف أي آثار جانبية كالمواد الأخرى، هذا فضلا عن أنها أنظمة تصلح لتنقية مياه الشرب والصرف الصحي لتكون ملائمة للزراعة، بينما لا تصلح المواد التقليدية المستخدمة إلا مع مياه الشرب.

وعلى هذا يرى الباحث أنها قد تكون ملائمة جدا للقرى السياحية ومناطق استصلاح الأراضي بالصحراء، حيث يمكن استخدام مياه الصرف المعقمة من خلال الأنظمة الشمسية في الزراعة لتوفير الموارد المائية.

وعن الاختلاف بين هذه الأنظمة يقول الباحث: إن نظام المجمع الشمسي ذا القطع المكافئ المركب هو أفضل هذه الأنظمة، خاصة إذا كان الغرض هو تعقيم مياه الصرف الصحي فهي تعطي درجة تعقيم أفضل؛ لأن المياه تمر عبر مجمع شمسي وماسورة زجاجية حرارية ويكون ذلك خلال وقت أقل وبكمية مياه أكبر.

ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه حاليا هو: كيف تم التأكد من فعالية الأنظمة الشمسية في تنقية المياه؟ يجيب على هذا التساؤل د. أحمد محمود شعبان بقسم بحوث تلوث المياه الذي أشار إلى أن هذا التأكد جاء من خلال اختبارين: الأول كان معمليا وتم تطبيقه بقسم الطاقة الشمسية بالمركز، حيث تم تلويث كمية من المياه وإخضاعها لأنظمة التعقيم الشمسي، والثاني تم تطبيقه بالواقع على نطاق ضيق في مساحة تصل إلى 3 أمتار بإحدى الترع بقرى الجيزة، وفي كلا الاختبارين تم عمل فحص بكتيريولوجي يهدف إلى الكشف عن احتواء المياه على مجموعة القولون البرازية وهي البكتيريا التي تصل للمياه من مصدر برازي والمجموعة السبحية البرازية التي تصل للماء من براز الحيوانات والجراثيم البكتيرية كالسيدوموناس والإيروموناس.

وكانت النتيجة في كلا الاختبارين تشير إلى أن المياه تخلو تماما من هذه البكتيريا عند وصول درجة حرارة المياه عند 75°م، بينما لم تكن درجة حرارة المياه عند 65°م كافية للقضاء على كافة أشكال البكتيريا.

وعن إمكانية تطبيق هذا النظام على نطاق واسع لخدمة منشأة معينة أو قرية سياحية يختم د. شعبان كلامه بالتأكيد على أن المركز يمكن أن يقدم الخبرة الفنية لأي منشأة تود تطبيق هذه الأنظمة من خلال الاتفاق مع مكتب المستثمرين التابع للمركز القومي للبحوث بالقاهرة والمسئول عن ترويج ابتكارات باحثي المركز