إثبات النسب...البصمة الوراثية في نظر القانون .. والشرع .. والمجتمع ?!

عيادة المجتمع
الاحد 19/11/2006
ميساء الجردي

( لمن النقود لمن... لتجهضني, لتخيط لي كفني.. هذا إذاً ثمني. ثمن الوفاء يابؤرة العفن. شكراً سأسقط ذلك الحمل, فأنا لا أريد له أباً نذلاً).

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



بإعتراف المحكمة ساهمت هذه الأبيات مع القضاء المصري في إثبات نسب الطفلة (لينا) إلى والدها أحمد الفيشاوي الذي كان قد رفض الخضوع لتحليل DNAووقفت والدة الطفلة مندهشة تردد بقوة داخل المحكمة (يحيا العدل) والقضية أخذت حقها بعد جدل طويل في أروقة المحاكم, لكن هناك عشرات النساء اللواتي يشقين لإثبات نسب أطفالهن ودعاوى النسب كثيرة قد تختلف في ظروفها وتفاصيلها.‏

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



لكن في النهاية لا بد من حماية المولود من الضياع واليتم.ومشكلة إثبات النسب نادراً ما يطفو النقاش بها على السطح.. أو يتم تناولها خارج ملفات القضاء ومن الحالات التي نظر فيها القضاء مؤخراً : فتاة متزوجة إلى بلد عربي وفي إحدى زياراتها إلى دمشق اجتمعت بالمصادفة مع شخص (س) أخبرها أنه هو أبوها الفعلي وعندما واجهت والدها الذي هي مسجلة على قيوده المدنية أقر بأنها فعلاً ليست ابنته وأن (س) هو الأب الفعلي. إلا أن المحكمة بالنتيجة ردت الدعوى لعدم الثبوت واستندت في ذلك إلى جملة من الأمور أهمها أن العلاقة التي كانت قائمة بين الأب (س) ووالدة الفتاة لم تكن علاقة زوجية‏‏

والفتاة هي ثمرة (زنى) واستناداً إلى اجتهادات عديدة منها (السفاح لا ينتج نسباً) واعتبر النسب لغواً.‏‏

إذاً كيف ينظر القانون السوري والمجتمع إلى موضوع إثبات النسب وما هو الحكم الشرعي لإثباته عن طريق DNA خاصة أن هناك الكثير من المشكلات التي تتعلق بالتبني والميراث والقيمة الاجتماعية لهؤلاء الأفراد?‏‏

الاستاذ المحامي أحمد سعيد رزق دبلوم دراسات عليا في القانون الخاص يقول :‏

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



قرر قانون الأحوال الشخصية السوري أن الحد الأدنى لمدة الحمل يمكن أن تكون ستة أشهر (180) يوماً وأن أقصاها سنة شمسية كاملة وهذه المدة نادرة الحدوث لكنها ممكنة الوقوع.‏‏

فإن ولدت المرأة قبل ستة أشهر على قيام العلاقة الزوجية فلا يثبت نسب الطفل من زوجها إلا إذا ادعاه هو.. وهنا يحق له أن يدعي على الزوجة بنفي نسب ذلك الطفل عنه. وأيضاً إذا ثبت أن الزوج كان مسافراً أو مسجوناً مثلاً لمدة سنة فأكثر, ثم ولدت زوجته طفلاً فإن من حقه عدم إثبات الطفل لعدم التلاقي بينهما طيلة هذه الفترة.‏‏

وتجدر الإشارة هنا إلى أن دعوى النسب لا تتوقف على إثبات الزواج فإذا ادعى شخص أنه أب لشخص آخر وكان هذا الطفل مجهول النسب فإن الاقرار هنا يؤخذ به وينسب الولد إليه شرط أن يكون العمر بينهما منطقياً ويأخذ ذلك من باب ( البنوة).‏‏

أما إذا كانت المدعية امرأة متزوجة أو مطلقة وهي في العدة أو متوفى عنها زوجها وهي في العدة أيضاً فلا تستطيع إثبات نسب الطفل إذا ادعته لزوجها إلا إذا أقامت البينة.‏‏

وعن الحالات التي يكون المولود فيها سفاحاً أو مولوداً في ظل الشبهة يجيبنا الاستاذ رزق: إذا تأكدت المحكمة أن الأم حملت بالولد سفاحاً فلا ينسب هذا الولد إلى الفاعل للحديث الشريف (الولد للفراش) بذلك اجتهدت محكمة النقض.‏‏

أما الحكم القانوني للموطوءة بشبهة وهو الزواج الذي يكون بقبول الطرفين لكن اختلت احدى شرائطه, كما لو كان بدون شهود مثلاً: فالمولود في ظل الشبهة وحسب المادة 133 أحوال شخصية أنه إذا جاءت المرأة الموطوءة بشبهة خلال المدد المحددة للحمل يثبت نسب الطفل.‏‏

ولكن قد ينكر الرجل الولد حتى مع قيام العلاقة الزوجية بينه وبين امرأته أو أن يكون نسب الولد محل نزاع بين رجلين,يدعي كل منهما أبوته.. هنا لا بد من الشهادة والأمر يرجع للقضاء.‏‏

ويرى الاستاذ رزق أن ما أحدثته الثورة العلمية فيما يتعلق بموضوع النسب وهو اجراء فحوص مخبرية معقدة على درجة عالية من الدقة للفحص النووي في الخلية البشرية DNA دليل يعتمد عليه في إثبات النسب لكنه يحتاج لأشخاص من ذوي الخبرة والكفاءة.‏‏

من القيافة إلى DNA‏‏

ماذا يقول الشرع في البصمة الوراثية.‏‏

الدكتور محمد حسان عوض استاذ الشريعة في جامعة دمشق: النسب أقوى دعائم الأسرة ويرتبط به أفرادها لذلك من الله على الانسان بالنسب فقال: (هو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً) لذلك منع الشرع الآباء من انكار النسب وحرم على النساء نسبة ولد إلى غير أبيه الحقيقي ومنع الشرع أيضاً الأبناء من انتسابهم إلى غير آبائهم وحرمت الشريعة نظام التبني وأبطلته ومن كفل لقيطاً أو مجهول النسب دون أن يدعي أنه ولده فلا مانع بل له الأجر والثواب إنقاذاً للنفس من الهلاك وإحياء لنفس بشرية, ومن أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً.‏‏

ولذلك نسب الطفل من أمه ثابت في كل حالات الولادة شرعية أو غير شرعية بحضور شاهدي عدل على ولادتها. أما نسبه من أبيه فيثبت من خلال الطرق التالية أن يكون الزواج صحيحاً أو فاسداً وهنا لا فرق بين الزواج الشرعي الرسمي والزواج العرفي. أن يمضي على عقد الزواج ستة أشهر وأن يثبت إمكانية التلاقي بين الزوجين وإمكانية حمل المرأة من زوجها.‏‏

وأيضاً عن طريق الإقرار بالنسب حتى ولو كان الطفل أو الولد لقيطاً أو مجهول النسب وألا يصرح المقر بأن هذا الولد ابنه من الزنا لأن الزنا لا يصلح سبباً لإثبات النسب.‏‏

وثالثاً عن طريق شهادة رجلين أو رجل وامرأتين.. ثم القيافة أي تتبع الأثر والتشابه بين الناس.. فمن خلال هذه الطرق يثبت النسب وإلا لا نسب له.. ولكن منذ عام 1985 ظهرت البصمة الوراثية التي انتشرت في أوروبا وأميركا وبعض الدول العربية. فهل يثبت النسب من خلال البصمة الوراثية خاصة إذا كان لقيطاً أو مجهول النسب أو عند التنازع في النسب?‏‏

عن هذا يقول الدكتور عوض: البصمة الوراثية تقي كل انسان يتفرد بنمط خاص في ترتيب جيناته ضمن كل خلية من خلايا جسده ولا يشاركه فيها أي انسان آخر في العالم.. وهي تطور عصري في مجال القيافة, ويأخذ بها أكثر الفقهاء في غير قضايا الحدود, فهي تتعلق بها مسائل مختلفة مثل:إثبات هوية المفقود حتى لا ينتحل شخصية آخر, التعرف على المتهم في جريمة في إثبات النسب وبخاصة المرأة التي لا تتمكن من الاستشهاد على ولادتها لسبب أو لآخر وتفيد في إقرار الغير وفي البحث عن الأهل المشتبه فيهم..‏‏

لكن لا يجوز الاعتماد عليها في نفي الولد الثابت نسبه شرعاً ولا عند التنازع بين زوجين لأنه يمكن لهما اللجوء إلى (اللعان).‏‏

وبالتالي هي منحة ينبغي الاستفادة منها بضوابطها لإنقاذ المتشردين من الأطفال وتقليل اللقطاء وتزوير الأنساب.. فهي ترقى إلى دليل القيافة لكنها لا تتقدم على الشهادة والإقرار..‏‏

عن جريدة الثورة