التربية الرياضية للطفل . نمو ممهد للنضج الاجتماعي
--------------------------------------------------------------------------------
يمكن أن نقول : إن من الشواهد على حرية الإنسان عن طريق التربية الرياضية " القدرة التي اكتسبها من خلال التمرينات البدنية وجهود المنافسة ليكون سيد جسده ويعرف كيف يستخدمه , فيمكن أن يشتغل في نشاط حر خلاق " وقد قال " جان جاك روسو " : كلما كان الجسم أضعف , كان أكثر طاعة , أي كلما استطاع الإنسان أن يسيطر على جسمه, استطاع أن يسيطر على الطبيعة بطريقة أفضل وأن يتكيف مع العلاقات الاجتماعية ....
إن البناء الضعيف للجسم يقول روسو : يكون دائما مصدرا للعقد النفسية والاجتماعية والثقافية أو عدم التكيف والاندماج لأنه يشكل عقبة أمام تفاعل الإنسان واستجابته مع البيئة (1)
ومن ناحية أخرى يكون من النادر أن يعلن طفل يلعب أنه أجهد وتعب , لكن مراعاة القاعدة تعلمه الخضوع للقانون ولا سيما النظام الصحي , وبناء على ذلك تتولى التربية الرياضية , إبعاده عن سائر ضروب العدوى والتسمم , بل متى أتقن رياضة من الرياضات بعثت فيه ضربا من النعيم العضوي وشعورا باكتساب الشخصية , كما يقول " لاتارجيه " في الموسوعة الفرنسية . ومثل هذا ما يؤكد أن قيمة التربية الرياضية جمالية , تتجلى في التلاؤم الكامل بين حركات الطفل وجهود الجماعات وبين الغاية المرجوة , واجتماعية تقوي الرغبة في النشاط المنزه عن الأنانية والذاتية , كما تقوي الرغبة في العمل المقصود لتقوية الذات وجمالها , وتخلق روح الجماعة وإرادة التضامن " فالمبدأ الأكبر في الرياضة , هو الطموح إلى السبق , ولكن الوصول إليه يقتضي تدريب الإرادة (2)
لكن تدريب الإرادة عبر مراحل نمو الطفل , يأتي بطء , إذ ليس هو بالأمر اليسير السهل المنال , ولننتقل رأسا إلى الفترة بين 6-12 من عمره حيث نراها على العموم تتميز بأن الطفل خلالها يشعر بالعداء نحو الكبار , لأنه أخذ يكون فكرته عن نفسه وبدأت تظهر رغبته في تأكيد ذاته , وبذلك يسارع إلى الحذر من الراشدين في تصرفهم والتكتم فيما بقومون به أو يفعلونه, أي بدأ يتميز أن طفل هذه السن يبدأ في الانطلاق والتحرر من المنزل , فيصبح إرضاء أصدقائه أهم من إرضاء الآباء لما يجده في زمرة الرفاق من زيادة النشاط لصرف الطاقة الزائدة خارج البيت في اللعب , إلى درجة يصعب انتزاعه من وسطها إلا إذا أحس الجوع , وهو عامل انتزاع بالإكراه لأنه يبعده عن الأصدقاء
وأمام هذا التعبير الذي تعتبر مرحلته هذه , حدا فاصلا بين المرحلة السابقة حين كان يعامل كطفل يمتثل سحريا وطوعيا , وهذه المرحلة لتأكيد الذات والتأثير الاجتماعي الأولي حيث تؤخذ الأمور بجدية تامة , ويتوقع الأطفال من الكبار الجدية في كل شيء , وبذلك يفرضون عليهم تغيير المعاملة في حقهم , حتى تصيح معاملة ثابتة خالية من التذبذب
ومزيدا من التفصيل المنهجي ومن أجل ألا يظل تحليلنا متسما بسيمة التعميم أو الشمولية , فإن مرحلة 6 – 8 تتميز بتغيرات جوهرية لخصها " ماينل " بأنه في هذه الفترة ترتبط درجة النمو الحركي بالنشاط الدائم , وهذا من أهم معاني السلوك الحركي الذي يتحسن بشكل واضح , لا سيما من الناحية الكيفية
والطفل يكون سريع التحول ولا يستقر على حال أو وضع ولا يلبث مدة طويلة في أداء عمل معين أو ممارسة نشاط واحد , وهي أمور لا بد من الأخذ بها عند وضع برنامج رياضي أو تربوي تعليمي خاص بهذه السن
وهذا ما يوضح من الناحية الفسيولوجية بأن مثيرات البيئة المختلفة , تحدث دائما أنواعا جديدة من الاستثارات في قشرة المخ التي تحرض وتلح على القيام بالاستجابات الحركية , ويساعد في ذلك أن العمليات التي تقوم بإعطاء الأوامر لبعض العضلات بالكف عن العمل أو الاستجابة والتي لا تكون قد وصلت إلى درجة كافية من النمو والتطور (3)
إذن في أول هذه المرحلة نلاحظ زيادة نشاط الطفل , وكثيرا من حركاته ترتبط ببعض الحركات الهامشية الزائدة , والتي نلاحظها عند محاولة تعلم الطفل لبعض المهارات الحركية كالرمي , أو مهارات الحركات المركبة , وعلى العكس عند نهاية المرحلة . أي سن – 8 – نرى الطفل يميل إلى الاقتصاد في حركاته ويركز انتباهه لفترة طويلة في أداء نشاط معين , فتبدأ معالم الدقة في الظهور لتحقيق هدف معين إلا أن الفتيات يملن لبعض الحركات التي تختلف عن حركات الذكور ولكن بغير أن يكون هذا الاختلاف مستمرا حيث نلاحظ فتيات يقمن بنفس حركات الذكور إذا كن يعشن وسط زمرة من الصبيان , كقذف الكرة أو التسلق ...الخ
وعلى العموم , فالطفل في هذه المرحلة – ذكرا كان أو أنثى – يستطيع ‘إتقان كثير من المهارات الحركية الأساسية كالمشي والجري والوثب أو القفز , إلا أنه يكون هناك اختلاف بين الأطفال في درجات ومستويات الإتقان كما هو الحال خاصة في الجري أو العدو المنظم نحو هدف معين , لكن العوامل البيئية تتدخل في هذا التفاوت ولا سيما بين أطفال البدو والحضر . وقد أثبتت بحوث " ديبلر "
و " شرايتر " بأن القدرة على الحركات الحركية كتصويب الكرة نحو السلة , تظهر في حوالي السن 7 (4) وتحديد الوقت لنشاط وحركة الطفل , والذي تمليه ضرورة عملية التعليم بالمدرسة , قد يؤثر بصورة سلبية على النمو الحركي للطفل . ولذلك يحسن خضوعه لألعاب رياضية تربوية تقوم على ضوء الخصائص المميزة لنمو الطفل الحركي في تلك الفترة
أما من الناحية الاجتماعية فيبدأ الطفل في تصحيح فكرته عن نفسه كما سبقت الإشارة إلى ذلك . ويبدأ إحساسه بآراء الغير وأحكامه , فيحاول أن يكتسب السلوك الاجتماعي الذي يساعده على الاندماج في الجماعة , مما يجعل أنانيته تقل , ويتأرجح في هذه السن بين الاستقلال عن المنزل . وإطاعة الوالدين أو الاعتماد عليهما . وتدعو الحاجة إلى تأكيد الذات إلى المفاخرة والمباهاة , فيحب التنافس ويحب الصراع لكنه يفتقد إلى الروح الرياضية لأنه لا يرضى بالهزيمة
بينما في الفترة من 9- 12 يزداد تطور النمو الحركي والجسمي الهادف لحركاته , والقدرة على التحكم فيها , والاقتصاد في بذل الجهد مع الإتقان والرشاقة والتوقع الذي غالبا ما يكون صادقا مع الحركة الذاتية أو حركات الآخرين
وأهم ما يتميز به طفل هذه المرحلة , هو قدرته على استيعاب الحركات الجديدة , وهذا ما يصفه الكثير
بأنه – تعلم لأول وهلة – أي دون حرق الوقت الطويل أو إنفاقه بسخاء في عملية التعلم والتدريب والمران
الرياضي . بل متى كلف بواجبات حركية أظهر الشجاعة والجرأة وسعى إلى المنافسة وقياس قوته بالآخرين , وهذه كلها دلائل تشير إلى أن نموه الحركي اجتماعيا . بل إن الكثيرين ينصحون بأنها السن المناسبة للتخصص الرياضي المبكر في معظم أنواع الأنشطة الرياضية . ذلك أنه كما يقول " ماينل " إن التعلم الحركي في هذه المرحلة لا يحدث عن طريق التحليل الإدراكي التفكيري للمهارة الحركية كما هو الحال – غالبا عند البالغين – إذ أن الأطفال لا يقومون بالتأمل والتفكير لفترة طويلة في جزئيات المهارة الحركية . بل يقومون باستيعاب مجراها وبتقليدها مباشرة
أما من الناحية الاجتماعية فيكفي التذكير بانخراط الطفل في جماعة الرفاق – سن العصابات – وهي خطوة نحو التحرر من الأسرة والمجاهرة بانتقاد الوالدين مع الحرص على عدم الخروج عن إرادتهما . بل قد يعمد إلى مجهود شاق لإرضائهما وإرضاء الكبار والاستحواذ على إعجابهم
وهذه كلها خطوات لتدريب الإرادة قصد تحقيق الطموحات الطفولية , وكلها علاقات بين نمو الطفل ونضجه . وبداية للنضج الاجتماعي
فالغاية من الألعاب الرياضية بوجه عام , هي مساعدة الطفل لأن يصل إلى أعلى مستوى ممكن في حدود القدرات الخاصة , حتى يتكيف من المجتمع على أحسن وجه عن طريق استعمال إمكانياته إلى أقصى حد
محمد التهامي بنيس
.................................................. .................................................. .............
(1) د . محمد مزالي . ترجمة عفاف خليفة – مستقبل التربية – العدد الرابع 1979 . مركز مطبوعات اليونسكو . القاهرة
(2) روبير جودون . علم نفس الطفل من الولادة حتى المراهقة . إشراف . موريس دوبيس . ترجمة . حافظ الجمالي . مطبعة جامعة دمشق 1965 . ص 159
(3) علم النفس التربوي والرياضي – مرجع سابق – ص : 137
(4) نفس المرجع ص : 141
محمد التهامي بنيس
*************
علاقة التربية الرياضية بنمو الطفل
--------------------------------------------------------------------------------
علاقة التربية الرياضية بنمو الطفل
محمد التهامي بنيس
إن تركيزنا على اللعب الجماعي يقربنا من الدخول في باب الألعاب الرياضية لما يغمرها من روح جماعية مهما كانت تتميز بالطابع الفردي في بعض أنواعها . إلا أنه يجب أن لا نغفل أن اللعب أشمل وأعم , وحتى نوضح أن الألعاب تتميز على اللعب أو الألعاب الرياضية العادية والتلقائية , لا بأس من الإشارة إلى الجانب الرياضي فيها , وهذا بدوره يقودنا إلى الإطلالة على مفهوم التربية الرياضية والبدنية , والذي سبق أن أشرنا إلى المقصود منه في المصطلحات المعتمدة .
فما الغاية من التربية الرياضية ؟ وهل لها علاقة بنمو الطفل ونضجه ؟ وما هو تأثيرها على صحته الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية ؟ وإلى أي حد يمكن للألعاب الرياضة أن تضطلع بهذه المسئولية ؟ حقيقة أن اللعب يفضل التربية الرياضية المنظمة في كثير من الوجوه . لكن ليست له نفس قيمتها التقويمية , فمعظم الألعاب تفوق أحسن الألعاب الرياضية وأوفاها دراسة من حيث النتائج الإيجابية لأنها تتطلب اشتغال جميع الحركات التي تمليها الطريقة الطبيعية والعفوية , وتجعل الطفل ينصرف إليها بكل ما يملك من تعطش ورغبة , وهذه أشياء لا نجدها دوما في درس الرياضة البدنية . إن الإنسان عندما يحيا في ظروف طبيعية يعمل جسده بشكل طبيعي دون حاجة إلى اتباع نظام حركاته لكي يحسن تنفسه أو جهازه العضلي أو أداء أعضاء جسمه لوظائفها , لكن الإنسان وهو كائن اجتماعي يفتقد هذه الطبيعة . أصبح في حاجة إلى التربية البدنية والتدريب البدني المنظم الذي هو نتاج وضرورة للحياة في ظروفها الاجتماعية " غير الطبيعية " ومن تم تظهر التربية البدنية كنظام تعليم يهدف بصفة خاصة إلى حفظ الصحة وتحقيق النمو المتوافق مع الجسم والعقل واكتساب اللياقة البدنية , وتبقى بذلك ذات طبيعة فردية ولن ترقى إلى السلم الاجتماعي , إلا أذا غذت تربية رياضية , حيث يبرز عنصر المنافسة والبطولة والصراع , وهي كلها عناصر اجتماعية لازمة .
محمد التهامي بنيس
***********
الأهمية الاجتماعية للألعاب الرياضية
--------------------------------------------------------------------------------
من بحوث . محمد التهامي بنيس
" الإنسان اجتماعي بطبعه " ويعيش في حياة معقدة , وهي في عمومها عملية تفاعل ديناميكية تتطلب سلوكا اجتماعيا , وعلاقات اجتماعية تتصف في غالبها بالتعاون والتنافس والصراع
والتعاون سلوك هادف يرمي إلى تحقيق هدف مخطط له , ويقوم كل فرد فيه بدوره وفق المصلحة العامة والهدف الجماعي , وهو بذلك سلوك اجتماعي , ويعتبر عملية أساسية للحياة الاجتماعية , والفرد بواسطة التعاون – حين يحقق الهدف الجماعي – يشبع حاجاته الفردية
والتنافس شكل من أشكال الكفاح الاجتماعي , ولكن المنافسة تظل فردية إذا ظا الانتباه مركزا على الأهداف الفردية مثل التنافس على البطولة الفردية الذي يرتكز على حرمان الآخرين من الحصول على ما يكون قد ابتغاه . وعن هذا التنافس قد يتولد الصراع أو التنافس العدواني , إلا أنه إذا وجه وأصبح الكفاح فيه من أجل الوصول إلى هدف لا يلحق منه الضرر , أصبح تنافسا شريفا ومقبولا
والتنافس والتعاون مظهران اجتماعيان , وهما ركائز الألعاب الرياضية , ومن ذلك يظهر مدى علاقة الألعاب الرياضية بالاندماج الاجتماعي وتظهر أهميتها في خلق المواطن الصالح علاوة على ما تحققه من نمو جسمي سليم له
وقد نحت التربية الحديثة منحى واضح المعالم في اتجاه العناية بصحة الفرد وصحة المجتمع , ونادت برعاية جسم الإنسان في كل مرحلة من مراحل نموه , بنفس العناية بتثقيف العقل وتحصيل العلم والمعرفة , وتهذيب السلوك والتحلي بالقيم الأخلاقية , وخاصة بعد أن تبين من الوجهتين – البيولوجية والاجتماعية – ما للعناية بالصحة وتنظيم الحياة من آثار على سعادة الإنسانية , وما ظهر من الناحية السيكولوجية والتنمية الاقتصادية من أثر قوة بناء الجسم في أداء العقل لوظائفه المختلفة بنشاط وانتظام ومردودية جيدة وليس غريبا أن تكون الألعاب الرياضية في هذا العصر الذي ضاقت بالإنسان بيئته الطبيعية , وأصبح يفتقر إلى النشاط الحركي الذي كانت حياته تعتمد عليه , أن تكون أساسا من أسس إعداد النشء للمجتمع وتهيئته للاندماج فيه بطريقة عملية يكون الدافع فيها ميله التلقائي للعب مع الأقران , فبواسطتها ينمي جسمه نموا متزنا , ويكسب التنافس والتوافق في حركاته ويكتسب صفات خلقية واجتماعية متعددة كالتعاون والنظام والتسامح والتغلب على الصعاب والعمل من أجل الجماعة
إن للألعاب الرياضية تأثيرا عميقا على الفرد والمجتمع لما تكسبه ممارستها من حيوية الجسم ويقظة في العقل وصحة في النفس , ليس بالخامل القليل الملاحظة , البطيء في التفاعل مع المؤثرات الخارجية , إنه يمكن أن يتغير كلية عن طريق ممارسة الألعاب فيصبح قادرا على التوقع وسرعة التلبية والتنبؤ . مثلا بقدوم الكرة إليه , ويسمع خطوات الأقدام خلفه , ويصبح بشتى الأساليب سريع التيقظ والانتباه
والألعاب الرياضية – إلى جانب ذلك – تساهم في النمو الاجتماعي للناشئين , وقد وقفت على حالات كثيرة لأطفال كانوا منزوين منطوين , ثم اكتسبوا قوى جديدة للتفاعل عن طريق الألعاب , فهي علمتهم تسلم الأدوار بين الأصدقاء وأبعدت عنهم الأنانية وأكسبتهم المهارة وتقبل الهزيمة دون تثبيط العزيمة , وتقبل النصر ولذة الانتصار دون غرور وزهو , فاستيقظت قدرات التعاون الاجتماعي فيهم وازدادت قوة التحمل لديهم , فابتكروا واكتسبوا الجرأة والتضحية والعزم , وصار اندماجهم الاجتماعي في طريقه إلى السلامة , مما يؤكد ضرورة الاهتمام بالألعاب الرياضية للناشئين في مدارسنا الابتدائية المغربية وإعادة النظر في برامجها حتى تكون هادفة تحقق الحاجات الفردية من جهة , وتضمن شبابا قويا في مقدوره القيام بمردود يساهم في تنمية المجتمع في كل مجالات التنمية