الأحجية الأوروبية منذ روايتها الأولى Milagrosa، لم تنفك مرسيدس ديامبروزيس تستكشف عوامل النزاعات والعنف والحروب... حتماً، خلاف عائلي، لكن هنالك أيضاً، كشبحٍ يتسلط على مخيلتها، صراع الأخوة الاسبان، الذين لم يخبرها أهلها عنهم أبداً، بعد أن كانوا في معسكر المنتصرين.

هكذا نطلع على هذا الصمت العائلي، من خلال دماثة جدها العقيد في جيش فرانشيسكو فرانكو، إلى عنف زوجته، هذا الصمت الذي ولَّد على مدى السنين هذه الروايات والقصص القصيرة العنيفة، والناعمة بتوقيع ديامبروزيس.
فمنذ «نزهة الملذات» ديوان القصص القصيرة السابق، وهي تثير المواقف أعقاب حرب إسبانيا هذه ، من خلال ندالة البعض وعنف الآخرين، الضحايا والجلادين الذين لايُسَجّلون ضمن ثنائية المواجهة بين الأخيار والأشرار. فالحرب تدفع إلى الجنون، والحرب تستدعي العنف والجبن، وفي مشهد نهاية العالم هذا، فإن الشر المطلق يجد مكاناً له.
على هذه المحصلة المظلمة، تقوم رواية «من أجل اللذة فقط» وهي الأكثر طموحاً من سابقاتها، التي كانت تتبع حكايات خاصة، وخط حياة وموت ...الرواية تقدم لوحة جدارية واسعة تشمل أوروبا بين سنوات الثلاثينيات، ونهاية القرن العشرين ، يُجتاز فيها النزاع الإسباني واندحار الجمهورية والحرب العالمية الثانية. وفي قلب هذه القصة المتشظية، التي يتم اكتشافها عبر نتفٍ مؤرخةٍ ومحددةٍ جغرافياً (إسبانيا، جبهة آراغون 1938، ألمانيا سباندو 1987، فرصوفيا 1943، ...الخ) يُجتاز وجه الشر ، في رجل متغير الهوية، ذي ملامح قابلة للنسيان ، وصاحب التزامات متغيرة، يعبر الحدود مخلفاً وراءه آثاراً طويلة من الدماء، سكينه تلمع، ومعصمه ثابت، والويل لمن يحوّل انتباهه، إذ لا هدف له سوى البقاء على قيد الحياة، ولا محرك آخر إلا رغبته ولذته في القتل. وعلى جانب آخر من هذه اللوحة الجدارية، وكما في لوحات جيروم بوش، يتدفق شتى أنواع البشر، ويحمل رجل يُسمى لامبيير شعور الذنب معه كمفوض للشرطة إبان الاحتلال، وعند وصوله إلى سن التقاعد يذهب لامبيير منطلقاً وراء القاتل صاحب الهويات المتعددة.
لا مكان لأن نروي هذا الكتاب، المبني مثل لوحة ألغاز يعيد القارىء تركيبها في عجلةٍ من التشويق وتباطؤ أمور الحياة. «الشر المطلق موجود، - تقول ديامبروزيس- ولكن نظرة بسيطة لا تسمح بإظهاره، ذلك أن رودولف هيس الذي يقبع في سجنه منفرداً بعد محاكمة نورمبيرغ، هو رجل عادي في عين سجّانه الشاب، وكان الأمر ليكون سهلاً لو ارتسمت علامات الشيطان على وجه الشيطان. أما باقي شخصيات هذه الرواية فهم مثلي ومثلك، لا أبطال ولا أوغاد، مجرد كائنات في دوامة التاريخ، ضحايا يمكنهم، من جبن أو جشع، أن يتحولوا جلّادين، ومن خلال تعدد المقاربات ووجهات النظر والأزمنة والأمكنة».
ديامبروزيس تبحر بنا إلى عالم مضطرب بين التاريخ والوهم، الكتابة المكثفة الشهوانية المنحازة إلى شيء من فن التمويه، تعطي حيوية للنص، تؤجج القصة، وتثير الفضول، وهذا من ميزات الكتب الكبرى... إنها رواية لا تنتهي .

ترجمة وإعداد :
إبراهيم أحمد
عن اللوموند

http://www.albaath.news.sy/user/?id=796&a=72891