رواية «بريدا» لباولو كويلو تحليق في الأعماق يطيح بالشكل التقليدي لصيرورة الحياة نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي الأربعاء, 17 شباط 2010 23:05 نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيقبل الدخول في فضاء الرواية، ثمة قراءة تعريفية يحتاجها القارئ عن الروائي باولو كويلو، المولود في ريو دي جانيرو بالبرازيل في آب 1947، حيث بدأ الكتابة الغزيرة حوالي عام 1987 بروايتي (الحج) ومن ثم (الخيميائي) اللتين حققتا انتشارا واسعا. وتبعهما بروايات (الفاكيريز) و(عند نهر بييدرا جلست وبكيت) و(الجبل الخامس) و(كتيب محارب الضوء) و(فيرونيكا تقرر أن تموت) و(إحدى عشرة دقيقة) و( الزاهر) و(الشيطان والآنسة بريم ) و(كالنهر المتدفق) وأخيرا الرواية التي ترجمت في بيروت عام 2010 ( الرابح يبقى وحيدا ) والرواية، والتي هي مثار حديثنا هنا، ( بريدا ) الصادرة مؤخرا بدمشق عن دار نينوى ترجمة د. علي عبد الأمير صالح من العراق.نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

وبسبب براعته المتأخرة قليلا، حيث زادته غنى ماليا وشهرة، واتساعا معنويا في العالم، ينضم كويلو لنخبة كتّاب العالم السحري والواقعي، الأشبه بالعجائبي والغرائبي، والمألوف معا، في أمريكا اللاتينية كالأرجنتيني خورخي بورخيس والتشيلية إيزابيل آليندي والمكسيكي كارولوس فوانتيس والبرازيلي جورج أمادو والكولومبي غبرييل غارثيا ماركيز والكوبي كاربانتيير وآخرين... وكل من هؤلاء سجل انبهاراً بالعالم العربي وتخرج من خيال أساطير حكايات ألف ليلة وليلة، ومن تنويعات أدب المهجر، وخاصة أعمال جبران خليل جبران وغيره، وكذلك الأدب الصوفي والفكر الديني، وهنا اعترف كويلو بأن: الشرق هو الشرق ولن ينتهي ثقافيا لحدوث متغيرات كثيرا، ما كان الغرب المتسبب فيها «أصبحت مبهوراً بالوطن العربي»... ورأى أن المتغيرات الحاصلة في العالم اليوم، وفي الشرق خصوصا، لا يمكن أن تحجب نور الثقافة العربية. وبالعودة إلى رواية «بريدا» فنجد أن البحث الروحي يستلهم من عوالم السحر ممارسة جدية لمتابعة الحياة بجدارة، من خلال بث الشعائر الطقسية التي توحي بفعالية تجريبية للعيش البديل لا يعيقه أمل الاهتداء للمعرفة العميقة والمحفوف بالمخاطر، التي قد تطيح بالشكل التقليدي لسياق صيرورة حياة عادية. فبريدا هي الشخصية الرئيسة المتحركة على مدى النص: فتاة إيرلندية في الحادية والعشرين من عمرها، جميلة وتعيش في دبلن، وتحب لورينز بود، الذي تهمله ثم تعود إليه في آخر الرواية. وتعمل في مكتب بنجاح وتتلقى مديحا من رئيسها، ولم تفقد أيا من دروسها الجامعية، واهتمت بكل شيء مطبوع في كل المجلات المتوفرة، من محل مجاور في ظروف حياة رتيبة وطبيعية بعيدة عن التفكير. ولكنها انتفضت على هذا النمط من الممارسة الحياتية تحت تأثير هوسها الطفلي، والذي يحرضها على المجازفة في الرحلة العشوائية التي لن تتنبأ بمصائرها.

كأن كويلو يحدد لأحداث الرحلة مدى زمنيا، يقارب السنة، من خلال تقسيمه للرواية بفصلين الصيف والخريف، ومن ثم الشتاء والربيع. ومدعيا في مقدمته بأنه أخذ الإذن من بريدا شخصيا ليدوّن الرواية، والتي جعلتها أحداثها تمشي طريق الحج من إيرلندا إلى روما، بعد أن تم لديها إيقاظ مواهبها نتيجة الاكتشافات التي أسفرت عنا تحولات أحداث مغامرتها.وبعواطفها الروحية الجامحة كالخيول، اتجهت بريدا إلى الساحر المقيم في غابة في الجبال (قالت الفتاة : أريد أن أتعلم السحر، نظر الساحر: سروال من الجينز حائل اللون، قميص قطني تي شيرت، الهيئة المتحدية التي تبناها كل أولئك الناس الخجولين تحديدا: لابد أن عمري ضعف عمرها، فكّر الساحر، وعلى الرغم من ذلك عرف أنه التقى خليلته) وبدأت الدخول في المحظور السري، والتوغل في المجاهل السحيقة لتعاليم القمر وتعاليم الشمس، حيث تتنقل بريدا بين الساحر في الجبال والعرافة ويكا في بناء قديم بمركز المدينة، وهنا تنفعل الأحداث بالتعاليم الجديدة، وتتكرر التجارب، وتتعدد وجوه الحيوات السابقة، وتنفتح أبواب الماضي. وتتقدم بريدا لخوض الإبحار، الذي سيفضي إلى أفكار وحكم تجعل منها بالنهاية عرافة وساحرة معا. تكتشف الحب العذب مع الساحر، وتكتشف أن ويكا سبب ابتعاده، لكونه خان حب معلمه لها، وتصبح كأنها وسيط عن مهارات تنافسية بين هذا الساحر والعرافة ويكا. استفادت من عمق تعلقهما بها فنضجت مغامرتها، نتيجة تجولها بينهما، وبين الفرص الخصبة لممارستهما السحرية عليها (أنا عرافة، أنا حرة بجسدي لأنه تجلّ للباري في العالم المرئي، إنني أدخل في حالة نشوة). عرفت بريدا الكثير من الخفايا التي كانت محجوبة عنها (كيف أن شعوب العالم القديم المتمدنة تتحدث إلى عالمنا من خلال الرموز، حتى إذا لم يكن ثمة من يصغي، حتى إذا كانت لغة الرموز قد نسيها الجميع تقريبا..) وراحت بريدا تقابل وتلتقي، وهي في حالات من الإغماء والغيبوبة التامة، أولئك الأبطال والقديسين، وتدخل أمكنة كأنها الطريق المنسي إلى أرض الحقيقة البعيدة عن الحضور، وحتى وهي تعيش رقصتها الجماعية، تستحضر الصورة الواضحة للأسطورة، من خلال غبطة التلاشي في طقس الهواء الطلق، في مناخات تغذي - بتنوع - ولعها الروحي. هي فعلا تصبح عرافة متفوقة على معلميها، ولا يهم أن تكون خليلة أو أن تفهم معنى ذلك، ولكنها تفهم البعد البسيط للحب الجسدي الذي لم يعد يجعلها ملكا لأحد. بريدا تمتلك موهبة العرافة، وتفهم كذلك كيف تردد كلمات القديس بول، وهو في طريقه إلى روما، وتعرف إلى أين ذاهبة (لقد تم قبولك ، عسى أن يكون طريقك طريق سلم في أزمنة السلم وطريق قتال في أزمنة القتال فلا تخلطي أحدهما بالآخر).

أخيراً، يخرج القارئ بعد إتمامه للرواية وكأنه هو الآخر ساحر وعراف، ومحتار نتيجة لذة، ذائقية تسببها توترات متلاحقة لأحداث الرواية.




أمير سماوي