السلام عليكم
جائني بالايميل فنقلته للاطلاع:
الاعزاء: من فاته المقالات السابقة يستطيع مطالعتها على

من اسرار الحياة....14
ترجمة د خالد السيفي

بعد ان انتهى اوشو من الاجابة على الاسئلة الموجهة، يستأنف شرح الاشعار الملكية بهذه المقدمة الرائعة:

كل شيء يتغيّر... كان هيراقليطس[1] محقا حين قال:" لا تستطيع قطع النهر نفسه مرتين". النهر متغيّر. كل شيء متحرك, الوجود فيض سيّال وجار, وكل شيء زائل ومؤقت. يكون الشيء موجودا للحظة فقط، وبعد ذلك يختفي... ولن تصادفه مرة ثانية. ولا توجد طريقة لاسترجاعه,و إذا اختفى فلن يعود أبدا.

لا شيئا يتغيّر... كان بارامندس[2] محقا ايضا عندما قال: " لا شيئا جديدا تحت الشمس". لا شي يتغير على الإطلاق. كل شيء يبقى كما هو سرمدي، وكيف يكون هناك جديدا؟ فالشمس أقدم ما يكون؟ وهي ما زالت هي كما هي، كانت وستبقى. وكذلك الأشياء كلها،لم تتغير ولن تتغير، لأنها تحت الشمس.

تستطيع أن تقطع أي نهر تريد...ولكنك ستقطع النهر نفسه بغض النظر إن كان التايمز او النيل، فلا فرق. الماء هو نفسه، وكله H2O. ولا فرق، ولا يهم إن قطعته اليوم او غدا او بعد مليون سنة، سيبقى النهر نفسه النهر.

هذا عن الثابت والمتغيّر في الطبيعة.

أما الآن، فماذا بالنسبة لك؟، هل تغيّرت؟!!.
لا بد انك تتغير باستمرار، لكن فيك شيء لا يتغيّر. لقد كنت طفلا وتتذكّر ذلك، ثم أصبحت شابا وتتذكر هذا أيضا. ومن ثم رجلا، وستصبح عجوزا وما زلت تتذكر ذلك كله.

والسؤال: من هو الذي يتذكّر؟! من الذي يقوم بعملية التذكّر؟؟؟!
تأتي الطفولة وتذهب، يأتي الشباب وينقضي، والهرم كذلك...أنت تتغير كل الوقت.. لكن شيئا خالدا يبقى فيك لا يتغيّر. هذا الذي لا يتغيّر هو الذي يتذكّر، انه ثابت، ومطلق الثبات.

الآن، دعني اقول لك، هيراقليطس وبارامندس كلاهما على حق إذا اخذتهما معا، وهما على خطأ إن فرّقت بينهما. لو كان هيراقليطس محقا، لكان رأيه نصف الحقيقة فقط. وإذا كان بارامندس محقا، فهو يمثل نصف الحقيقة أيضا. لكن نصف الحقيقة ليست الحقيقة كلها. كل واحد منهم يقول نصف الحقيقة.

العجلة تدور حول محورها الثابت.
يتكلم بارامندس عن مركز (محور) العجلة الثابت دائما، ويركّز هيراقليطس على محيط العجلة المتحركِ ابداً حول المركز. والعجلة كالدائرة لا توجد بدون مركزها، وما فائدة محور بلا عجلة. تأمل عيْن الإعصار الساكنة.

إذاً، ما يبدو تناقضا في قولهما ، ليس الا حقيقة كاملة. يكمل كل منهما الاخر وان ظهر انهما مختلفان. هم اصدقاء وان يبدوا انهم أعداء.لا يصح قول احدهما الا بحضور قول الآخر، وإلا فلا.

أي تصريح، ومهما يكن صحيحا، فانه لا يمكن أن يحتوي كل الحقيقة. لا يوجد أي قول يغطي ويشمل الحقيقة كلها. لان أي خطاب يحاول أن يشمل الحقيقة يجب، بالضرورة، أن يكون متناقضا، وبذلك يكون غير منطقيا. هنا سيبدو الخطاب جنونيا.

مهافيرا احد الحكماء الذين حاولوا قول الحقيقة، ولن يقول شيءً غير الحقيقة الكاملة. لذلك بدا انه أجنّ الناس قاطبة. بحديثه يمكن أن يقودك إلى الجنون، لأنه كان يُتْبِع كل جملة يقولها بجملة أخرى تخالف وتنقض ما قبلها.

لقد طور تقريرا يتكون من سبع جمل. كل جملة فيه تنقض سابقتها...فيبدأ بجملة وينقضها في الثانية، وينقض الثانية بالثالثة...، ويستمر في نقض ما يقوله سبع مرات إلى أن ينتهي قائلا "الآن قيلت الحقيقة كاملة". طبعا سيؤول الأمر بك إلى أن لا تفهم شيئا مما قاله.

فمثلا، عندما تسأله "هل الله موجود"، يجيب "نعم" ثم يقول "لا" ويتبعها لاحقا بقوله " نعم ولا" ثم يقول " كلهم نعم" ومن ثم "كلهم لا" وهكذا دواليك. في النهاية انت لا تحصل على نتيجة، لا تستطيع الجزم. ولا يعطيك هو أي فرصة لتجزم. يتركك معلّق في الهواء.

المثال الثاني، بوذا الذي اختار أن يصمت. لأنه كان يعتقد انك مهما قلت، فلن تقول إلا نصف الحقيقة. ونصف الحقيقة خَطِر. كان يمتنع عن التعليق على الأسئلة التي تخص الحقائق المطلقة. لا يقول أن العالم متغيّر (فيض)، ولا يقول انه ثابت. لا يجزم انك موجود، ولا ينفي وجودك. وفي اللحظة التي تسأله عن النواميس والحقائق المتعالية، كان يصمت.

كان يقول " رجاء لا تسأل، لانك تسبب لي حرجا بسؤالك هذا. لأنني اذا اجبت، فإما أناقض نفسي، وهذا حمق، وإما سأقول نصف الحقيقة وهذا غير صحيح وخطِر، او عليََّ أن أبقى صامتا". هذه هي الاحتمالات الثلاثة الممكنة للإجابة على السؤال. واختار بوذا أن يكون صامتا.

وهذا ما يجب فهمه اليوم، وبهذه الافكار نكمل شرح الأشعار الملكية لسراها:

[1] هيراقليطس:فيلسوف يوناني، من مدينة افسوس، ازدهر في نهاية القرن السادس ق.م، من عائلة ارستقراطية. لُقِّب ب"الغامض"، عاش في عزلة ناذرا نفسه للتأمل وللنظر في التغير الكبير، وأفكاره يمكن إرجاعها الى الأيونيين وفيثاغورس. في أقواله نغمة الكلمات التنبؤية التي جاءت على شكل شذرات مقتضبة رشيقة. منها " الزمن طفل يلعب بالنرد"، و " من يبحثون عن الذهب يحفرون من التراب الكثير" و " أن الحمير يفضلون التبن على التبر"، و " ان الإنسان أمام الله وليد رضيع"، و " الأعين والآذان شهود مضللون للناس إن كانت لهم نفوس لا تفهم لغتها"، و " إن قوام العالم الحقيقي هو التآلف المتوازن بين الأضداد"، و " التناغم الخفي أفضل من الواضح"، " أننا ننزل في النهر نفسه ولا ننزل فيه ،أننا نكون ولا نكون"، و " الطريق الصاعد هو نفسه الطريق الهابط"، " الخير والشر واحد". {المترجم}.



[2] بارامندس: فيلسوف يوناني عاش في إيليا جنوب ايطاليا، أسس مدرسة سميت ب" الايلية"، نضج في النصف الأول من القرن الخامس ق.م، قابل سقراط هو وتلميذه زينون في أثينا سنة 450 ق.م . كان مشترع إيليا، وكان القضاة يحثون العامة أن يحفظوا القوانين التي استنها لهم بارامندس. قدّره افلاطون عالي التقدير "لعمق فكره النبيل والجليل"، وأهداه واحدة من اروع محاوراته وجعلها باسمه وسماه "الموقَّر". عرض نظرياته بصورة شعرية بعنوان " في الطبيعة" وقسمها لقسمين " طريق الحق" و "طريق الظن"، أفكاره فيثاغورية، إلا انه تخلى عنها ونقدها لاحقا. من نظرياته " التعقل والوجود شيء واحد، والوجود ساكن"، و " ولا يستطيع المرء ان يفكر في لا شيء، وان الذي لا يمكن التفكير فيه لا يوجد"، و " أن هذا الموجود غير مخلوق وهو أزلي"، و " العالم كرة مادية مصمتة، متناهية، متجانسة، بلا زمان ولا حركة ولا تغيير"، وأخيرا كان يعلّم أن الأرض كروية الشكل وأنها تدور حول الشمس، عندما قال إن نجمتي المساء والصباح واحدة، أي قبل كوبرنكوس بألفي عام. {المترجم}.ٍ