تكية سيدنا إبراهيم تنافس بين المقتدرين على تقديم الطعام
وملاذ للمحتاجين في رمضان

الخليل - المركز الفلسطيني للإعلام

الحصار الاقتصادي الذي يمر به المواطنون الفلسطينيون بسبب أزمة الرواتب والحصار المفروض على الشعب الفلسطيني من قبل الصهاينة والأمريكان ومعاونيهم ، جعل المقتدرين من أهل الخير والمؤسسات في مدينة الخليل يتنافسون على تقديم المساعدات والمعونات من طعام وغيرها لتكية سيدنا إبراهيم التي تشهد ازدحاما شديد على أبوابها من المعوذين والفقراء لم تعهدها منذ أول أيام شهر رمضان الفضيل ، في حالة تظهر التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع .



تنافس وإقبال شديد

ويؤكد الشيخ تيسير أبو اسنينه ، مدير عام أوقاف الخليل ، على وجود تنافس شديد بين المقتدرين وأهل الخير من المدينة على تقديم الطعام والتبرعات مما تجود به أنفسهم ،مشيرا ان التبرعات هي لنهاية شهر رمضان المبارك ، موضحا ان إدارة التكية تقوم عادة بكتابة اسم المتبرع في كل يوم .

وأوضح أبو اسنينه ان تكية إبراهيم تشهد هذا العام من ايام رمضان ازدحام شديد من المعوذين والفقراء ، مشيرا ان هناك حالات جديدة تأتي للتكية لتأخذ حصتها من الطعام وخاصة من البلدات والقرى المحيطة ، منها ولأول مرة من ضمنهم موظفين وضباط في الأجهزة الأمنية ، وبشكل بارز وواضح نتيجة الحصار وأزمة الرواتب .

وقال الشيخ عمار الخطيب ، أحد المشرفين على التكية ، أن تكية سيدنا إبراهيم تشهد خلال شهر رمضان إقبالا منقطع النظير عن الأعوام السابقة ، مشيرا أن هذا الإقبال يلامس ما يعيشه ابنا الشعب الفلسطيني من ظروف اقتصادية سيئة .

وأوضح ان الزيادة عن الأعوام السابقة بلغت حوالي 20 % ، حيث يتوافد على التكية يوميا ما يقارب 3000 شخص ، مشيرا انه في عدة أيام حصل نقص في المواد وزيادة عدد الوافدين ، مما دفع المشرفين على التكية بزيادة الطعام لأقصى حد ممكن عمله ، موضحا انه من الملاحظ هذا العام هو حضور مواطنين من غير أهل الخليل وتعدى ذلك إلى مدينة بيت لحم .

وأشار الخطيب انه يوزع يوميا ما يقارب 400-500 لحوم بالإضافة إلى الخضار الطازجة والبقوليات ، حيث يتم استهلاك حوالي 250 كيلو فاصوليا و 210 كيلو بندوره ، و 300 كيلو من البازيلا المفرزه ، بالإضافة إلى توزيع لبن جميد وأرز بدون طهي.

وأضاف أن المتبرعين من أهل الخير قاموا بحجز طيلة ايام شهر رمضان المبارك قبل دخول الشهر ، مؤكدا على التنافس بين المتبرعين لتقديم الطعام للوافدين للتكية .

وأشار الشيخ الخطيب ان توزيع الطعام يبدأ من بعد صلاة الظهر حتى نفاد الطعام في حوالي الساعة الثانية .



مساعدة دائمة

ليس فقط أهل الخير من أبناء المدينة من قدم للتكية، وإنما أيضا المؤسسات المحلية والأجنبية كبعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل، حيث قدم وجبه يوم واحد، مكونة من 600 كيلو من اللحم، و150كيلوغرام من البرغل، و100 كيلوغرام من لبن الجميد و 80 كيلوغرام من رب البندورة،حيث تم طهيها وتقديمها للمواطنين المحتاجين، حيث تواجد أعضاء البعثة هنالك لمدةثلاثة ساعات متتالية، ليساعدوا الموظفين العاملين في التكية أثناء قيامهم بخدمةالمواطنين، الذين حضروا إلى المكان ليحصلوا على وجباتهم المجانية، والتي تساعد فيالتخفف عنهم من شدة المعاناة التي يعيشونها بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.

وقال اليساندرو مابا، نائب رئيس بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل، الذي كانيساعد الموظفين ان ما قدمته بعثة التواجد الدولي هذه هي هدية للمواطنين الفلسطينيين في مدينة الخليلبمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، وإننا لسعداء جداً لتمكننا من مساعدتهم، خاصة فيظل هذه الظروف الصعبة التي يعيشونها ".

يشار الى أنه ليست هذه هي المرة الأولى التي تقوم بها بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل بدعم ورعاية تكية سيدناإبراهيم، ففي السنة الماضية كانت البعثة سباقة في تقديم الدعم لهذه التكية التيتخدم الكثير من المواطنين المقيمين في المدينة .

وساهمت بعثة التواجد الدولي المؤقت بالمدينة في إعادة بعضاً من مشاهد الحياة إلى طبيعتها في البلدة القديمة،حيث قامت بحملة ترويجية لتشجع المواطنين على زيارة بلدتهم القديمة والتسوق منها خلال شهر رمضان المبارك، عبر دعم محال الحلويات والمخابز في البلدة القديمة بالطحينوالسميد، مما ينعكس على أسعار الخبز والقطايف والحلويات، بحيث تباع بنصف السعر .



التكية ملاذي

لم أكن لأتي إليها ولو الظروف الصعبة التي أمر بها وجميع الموظفين وأبناء الشعب الفلسطيني ، هكذا قال ابو صلاح الذي يحضر الى التكية ولاول مرة ، مشيرا انه لم يشتري مستلزمات شهر رمضان بسبب الضائقة الاقتصادية وعدم استلامه راتبه .

وأضاف ان التكية أصبحت ملاذي الوحيد في هذا الشهر الفضيل وترحمنا وتخفف الدين ذل السؤال وتوفر لنا طعام الإفطار اليومي ، مؤكدا ان ما يتم توزيعه يكفي لعائلته .



موروث تاريخي

ويعود عمر تكية سيدنا إبراهيم ، التي تقع بالقرب من الحرم الإبراهيمي الشريف ، للقرن التاسع الميلادي عندما أنشئت لتقديم الطعام إلى فقراء المدينة وأهل العلم فيها وضيوفها، إكراما لأبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي كان معروفا بكرمه، ويوجد قبره في المغارة أسفل الحرم الإبراهيمي الشريف.

و يقول محمد أبو صالح الذي عمل مدرسا بالحرم الإبراهيمي الشريف، ومؤلف كتاب "الخليل..عربية إسلامية" بأن الدولة الإسلامية في مختلف العصور اهتمت بالتكية؛ حيث اعتنى الأيوبيون بها وزادوا في خيراتها والاهتمام بها، وعندما جاء صلاح الدين الأيوبي أوقف الوقفيات الكبيرة على المسجد الإبراهيمي والتكية الإبراهيمية التي كانت تطعم الوافدين إليها ويصرف لخيولهم الشعير حتى يبقوا في رباط دائم إلى يوم القيامة.

وأضاف عندما كانت التكية الإبراهيمية بجوار المسجد الجاولي من الجهة الجنوبية للحرم الإبراهيمي كان يوضع بها الدشيشة "الحساء" للوافدين على المدينة، ولأهلها، وتوزع 3 مرات في الصباح وبعد الظهر وبعد العصر، ويدق الطبل عند التوزيع في المرة الثالثة بعد العصر في كل يوم. وكان يصنع خبز السماط من الأفران والطواحين في مكان متسع يشتمل على 3 أفران، و 9 أحجار للطحن، وكان يعلو هذا المكان الحواصل (المخازن) التي يوضع بها القمح والشعير، فلا يدخل القمح في الحواصل إلا وقد خرج خبزا.

وتابع مقدار ما كان يعمل فيه من الخبز كل يوم 14 ألف رغيف، وكان يبلغ 15 ألف رغيف في بعض الأحيان.



العهد الفاطمي

أما في عهد الفاطميين ، كما يشرح أبو صالح، فقد رصدت الأموال والمخصصات السنوية اللازمة لاستمرار عمل التكية، فوقف الملوك والسلاطين وقادة الجيش القرى والعقارات الكثيرة على المسجد الإبراهيمي الشريف والتكية الإبراهيمية، وقد حررت هذه الوقوف وحفظت في صندوق العمل المحفوظ حتى الآن في مقام سيدنا يوسف عليه السلام، وكان ريع هذا الوقف يصل من مصادره المتعددة من مصر والشام وشرق الأردن ومن جميع أنحاء فلسطين؛ كمرج ابن عامر في الشمال ومدن وقرى نابلس والقدس وبئر السبع، ووقف خليل الرحمن في مدينة الخليل، وكذلك ضريبة الأراضي العشرية، وضريبة الحكر من الأراضي التي تعود لوقف خليل الرحمن، بالإضافة إلى ما يرد التكية من صدقات ونذور وهدايا من الأهالي على فترات متقطعة.

ويشير أبو صالح إلى أن التكية الإبراهيمية ذكرها الرحالة والسياح الذين زاروا الخليل منذ أقدم العصور، ومنهم السائح الفارسي ناصر خسرو الذي زار الخليل قبل الحروب الصليبية وتحدث عن التكية. وكذلك ابن الفضل العمري الذي زار الخليل سنة 745هـ، وابن بطوطة الذي زارها سنة 725 هـ.

ويضيف أن ابن بطوطة قال عن التكية: "كان سماط الخليل يقدم فيه يوم الجمعة الأرز المفلفل، وحب الرمان، والعدس في كل يوم، وفي الأعياد تقدم الأطعمة الفاخرة".


التكية عامي 48 و67

أما عن دور التكية في حربي عام 1948م، وعام 1967م فيقول كان للتكية دور فعال في مدينة الخليل التي احتضنت الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني الذين تدفقوا إليها بعد النكبة عام 1948، فكانت خير معين لهؤلاء المهجرين، حيث كان يطبخ يوميا ما يزيد عن 24 قدرا من المواد الغذائية، وتوزع جميعها على المستحقين.

وعن دور التكية في العصر الحديث أوضح أبو صالح أنه أُزيل بناء التكية القديم وملحقاته عام 1964، وذلك ضمن مشروع إزالة ما حول المسجد الشريف، ونقل البناء إلى مكان مؤقت بجانب بركة السلطان في المدينة، وذلك بحجة تنظيم وتجميل المسجد الإبراهيمي الشريف.

وأضاف في عام 1983 قامت الأوقاف بإنشاء مبنى جديد من الجهة الشمالية القريبة للمسجد الإبراهيمي، وتم تجهيز هذا المكان بكل ما يلزم التكية ويريح الوافدين .
__________________