رواية وجوه أخرى في ندوة اليوم السابع
القدس:1-1-2010
رواية(الوجوه الأخرى)للأديبة د.وداد البرغوثي الصادرة عام 2007عن دار الخيال في بيروت تقع في 175صفحة من الحجم المتوسط،كانت محور النقاش في ندوة اليوم السابع هذا المساء.
بدأ النقاش مشرف الندوة جميل السلحوت فقال:
بداية أقول أنه كلما قرأت عملا ابداعيا للمبدعة وداد البرغوثي،كلما تأكد لي من جديد أن المبدع في كتاباته يكتب شيئا من حياته،وأن أختنا وداد تبحث في خبايا ذاكرتها لتستخرج من مخزونها ما تصوغه لنا عملا ابداعيا،وفي روايتها هذه فان شخصية الكاتبة واضحة في الصحفية(اسماءناصر) التي هي الراوية،وهي محركة شخصيات الرواية،وعندما تسافر الى تونس لحضور مؤتمر اعلامي فانها تتذكر صديقتها وزميلتها اليمنية التي درست واياها في موسكو وتتساءل(هل يمكن ان التقي بصديقتي الصحفية اليمنية؟هل ستنتدبها صحيفة14اكتوبر لتشارك في هذا المؤتمر؟)ص6وتحدثنا شيئا عن طفولتها المبكرة، وكيف كادت تغرق في سيل مياه الأمطار الجارية،وعن انتعال الأحذية البلاستيكية،وعن عدم رضاها عن نفسها عندما جاء ترتيبها الأولى على الطالبات في الصف الابتدائي الأول لظنها الطفولي أن الأخريات أفضل منها،وعن سجن والدها،وهذه أمور ذكرتها جميعها في روايتها(تلّ الحكايا)غير أن سردها لها بشكل عابر في رواية(الوجوه الأخرى)له ما يبرره لخدمة النص الروائي،دون الاثقال على القارئ،لكنه في كل الأحوال يبقى دليلا على أن أديبتنا تكتب شيئا من سيرتها الذاتية في كتابتها معتمدة على ذاكرتها التي تنشط في الوقت المناسب،تماما مثلما هو شاهد عليها بأنها تكتب أدبا واقعيا عن حوادث ترهق ذاكرتها، وتنوء بحملها فتطرحها على الورق لأخذ العبر منها.
وفي(الوجوه الأخرى)طرحت لنا الكاتبة شخصيات ليست سوية ايجابا أو سلبا،شخصيات تعاني مشاكل لا دخل لها في مسبباتها،لكنها بشكل وآخر هي ضحايا لها.وأولى هذه الوجوه هي عصمت الندام الذي أخذ حيزا كبيرا في الرواية،وعصمت هذا وحيد أبويه،والده داود الندام عميل سقط في شَرَكِ المخابرات، أسقطوه ودفعوه ليتقرب الى الناشطين في المقاومة في قريته،فأوقع بهم مقابل شواقل قليلة،فاستشهد أحدهم وأصيب آخر واعتقل آخرون،وسجن معهم ليواصل تجسسه من داخل السجن،وليقبع في غرف العار، ومع ذلك حكموه خمسة عشر عاما،وليكسب عداوة رفاقه وأقاربه،وأبناء قريته ومعارفه،ولينبذ الجميع افراد أسرته،مع أنهم لا ذنب لهم اقترفوه،فعصمت الطفل الذي اعتقل والده،اكمل مدرسته وسافر الى تونس ليكمل دراسته في القانون ليدافع عن المظلومين،التقى بـ(أسماء)في تونس عن طريق شخص تونسي،وتعاطفت معه كونه ابن سجين سياسي،مثلما هي ابنة سجين سياسي،وكونه في مثل جيل ابنائها ايضا،وعن طريقه تعرفت على طالب الفنون التشكيلية حمدون العراقي اللاجئ السياسي في تونس،ويلاحظ ان عصمت الذي لم يكن يعرف شيئا عن حقيقة والده كان فخورا بهذا الوالد،ولما أفرج عن والده عاد وهو في شوق عظيم لهذا الوالد،لكنه عندما علم بالحقيقة شكلت له صدمة نفسية جعلته يتوارى عن الناس،وهنا فهم سرّ زواج حبيبته وزميلته منذ الطفولة هدى التي تعلق بها، ويبتعد عنهم لعدم قدرته على مواجهتهم نتيجة عار والده في العمالة،فما لبث ان ترك القرية بحجة مواصلة التعليم حيث سافر الى روسيا،ليتزوج هناك من فتاة روسية مسلمة"ناديجدا"-نادية-والذي علم لاحقا ان لها أكثر من عشيق،وليسقط بعدها على الرصيف من شرفة الطابق الثالث عشر في احدى البنايات،دون معرفة اذا كان ذلك انتحارا أو بدافع من آخر،أو تزحلقا عفويا.
ويلاحظ أن الكاتبة فضحت العمالة بأسلوب روائي سردت فيه ما يتعرض له الساقط في براثن العمالة من ضغوط نفسية، ومن اذلال على ايدي جلاديه،وعلى أيدي ضحاياه أيضا،وانه اذا لم يقتل على ايدي من خانهم من ابناء شعبه،فانه سيقتل على أيدي اسياده بعد ان انتهوا منه،لكن أثر العمالة لا يقتصر على العميل نفسه،بل يتعداه الى بقية أفراد أسرته،مع أنهم لم يشاركوه العمالة،وهذا ما لاحظناه على أم عصمت زوجة العميل داود الندام التي قاطعتها صديقاتها السابقات عندما علمن بعمالته،فصديقتها أم خالد زوجة وأم لشهيد وأمّ لأسير هم ضحايا لهذا العميل،وقريبه محمود الندام قضى سنوات طويلة في السجن نتيجة ابن عمه العميل،أما عصمت فقد كانت خيبته كبيرة بأبيه العميل،مما قاده الى الهجرة بعيدا عن وطنه حيث قضى نحبه،وما لم تقله الرواية لكنه يّقرأ بين السطور أن داود الندام مسؤول عن ضياع ابنه وقتله ايضا،وقد أحسنت الكاتبة وصفا عندما شبهت العميل بـ(مصيفة الغور اللي لا صيفه جابت ولا رجعت بشرفها)وهو مثل فلسطيني يضرب فيمن يفشل في عمل ما،ويخسر شرفه ايضا.
ويلاحظ ان الرواية لم تُدِن ابناء العملاء وزوجاتهم وأسرهم لأنهم لم يقترفوا ذنبا،وقد ظهروا في الرواية كضحايا لا حول لهم ولا قوة،وفي هذا رسالة لمن تسول له نفسه بالعمالة مفادها ،أنه عمله الجريمة لن تقتصر نتائجه التدميرية عليه فقط،بل تتعداه الى أقرب الناس اليه،الذين من المفترض أن يوفر لهم الحماية والعيش الكريم،كزوجته وأبنائه،وتتعداهم الى أبناء العائلة والأصدقاء.
ومن المفارقات الجميلة في الرواية وجود العراقي حمدون الفنان التشكيلي،فوطنه محتل هو ايضا،لكنه كان سعيدا في تونس وفي موسكو،وزوجته التي كانت معلمة مدرسة تركت عملها لتلتحق ومعها طفلاها دجلة وفرات بزوجها،على عكس عصمت ابن العميل فقد تركته صديقة الطفولة والتي كان يخطط للزواج منها والسبب هو أنه ابن عميل.
وقال الناقد ابراهيم جوهر:
وجوه الإنسان المهشّمة في رواية ( الوجوه الأخرى ) لوداد البرغوثي :
الاحتلال يشوّه الإنسان في الإنسان ........................................ ابراهيم جوهر / القدس

رواية ( الوجوه الأخرى ) للأديبة الإعلامية وداد البرغوثي هي رواية شخصيات إنسانية ، تنقل من خلالها الإنسان الفلسطيني والعربي المغترب عن واقعه ، المتنافر مع وطنه بناسه وذكرياته ، المحاول التكيف مع الواقع والعيش بهدوء إنساني تتوق إليه النفس البشرية فيبرز له الاحتلال ليشوّه هدوءه وحياته الداخلية فيخرجه من دائرة الفعل الإنساني إلى دائرة النفي الذاتي والاغتراب فيجد نفسه منهزما مقهورا لا حل أمامه سوى الانتحار . هذا ما حصل مع عصمت الندّام الفتى الطيب العاشق الذي ضاقت عليه أرض وطنه بما رحبت فلم يجد حلا سوى الانتحار في بلاد الثلج الباردة ، ليكتب بدمه هناك على الثلج الحقيقي ، و ( الثلج ) المجازي ؛ ثلج القلوب غير الرحيمة التي أخذته بجريمة لم يقترفها ، وعاقبته وحاصرت حبه وحياته وأخرجته من بلده ليموت بعيدا موتة باردة تطرح أسئلة تظل معلقة بلا إجابات .

في هذه الرواية تصوّر وداد البرغوثي وجوه شخصياتها الحاضرة المرئية الظاهرة للعيان ، والوجوه الأخرى الكامنة غير المرئية المخفية . وبين هذه الوجوه الظاهرة الباسمة ، وتلك الوجوه المخفية ، تنقل إلينا بوعي حالة الحيرة والضياع والندم .

وجوه شخصيات وداد البرغوثي هنا المتزاحمة المتفاعلة العاملة والمتأملة المتألمة ، يبرز خلفها وجه الاحتلال متعدد الوجوه في قبحه ولا إنسانيته وتدميره وبشاعته ، لأنه المسبب الرئيس لحالة الضياع والتشظي والندم هذه التي تعذّب الشخصيات النادمة .

إنه الندم إذن . ومنه جاء اسم أبي عصمت الندّام الذي أورث الاسم برمزه ونطقه ومضمونه لابنه عصمت الذي تعرّفت عليه الراوية أسماء ناصر في تونس حيث كان يدرس الحقوق ( القانون ، وهو اختيار هادف من الكاتبة الروائية ، إذ لا قانون سائد ) بينما هي كانت في زيارة لحضور مؤتمر حول الإعلام والعولمة ، فتتعرف على وجهه الأصلي البريء الطيب الودود الخدوم حامل قيم الشهامة والمساعدة ، بينما يخفي عنها وجهه الآخر المهلهل المشتت الحائر المحيّر .

تبدأ الروائية وداد البرغوثي بالتعريف المباشر بشخصية عصمت الندّام ( هذا هو عصمت الندّام الذي ظل لغزا محيّرا لي منذ الأيام الأولى لتعارفي به ) ص5 وتنتهي الرواية في صفحة 175 ولغز موته أو انتحاره لم يحل بعد ، وإن أوحت الأحداث والشهادات والتحليلات بأنه انتحر ، لأنه في هذا الانتحار ينير دربا أومأت إليه الكاتبة في ثنايا الرواية .

سخّرت الكاتبة منجزات الرواية البوليسية الفنية في روايتها ، في سير أحداثها ، والكشف البطيء الملغز لشخصياتها والإثارة الفنية بهدف الشد والتشويق ، وليتيح لها إيصال ما أرادت إيصاله من أفكار ومقارنات وتوازيات مع أحداث أو أشخاص تذكّر بها المواقف والأحداث والجمل والكلمات ، لأن كل حدث ، وكل فكرة ، أو جملة ، عند الكاتبة ، لها ذاكرة . وكلما كانت تقترب من كشف الشخصية أو الحدث كانت تدخل القارىء في دوامة أخرى ، وكأنها دوائر الماء ؛ دائرة تعقب أخرى ، وتتشعب وتتوازى حتى تصل إلى المركز ؛ نقطة الانطلاق نحو الخارج اللامتناهي ، فتتضح الصورة وتتجلى بعد ربط الأجزاء معا .

في هذه الرواية لا يوجد فواصل رقمية ولا فصول ، وربما تعمدت الكاتبة هذا الشكل لتوحي بأن حياة شخصياتها هي هذا التداخل العجيب الغريب غير محدد الملامح ولا الأسباب .
استخدمت في سبيل ذلك تقنية التداعي والاستحضار ، فكل حدث أو مشهد أو جملة أو موقف ، حدث شيء مماثل له مع الراوية ، أو تقوم الروائية ( الكاتبة ) بالتعليق عليه وتثبته لتشكّل لوحة بنائها الروائي النهائية وكأنها خطوط تتوازى دائما وتتقاطع أحيانا .

كما استخدمت الكاتبة في أسلوبها تقنية الرسائل والوصية التي كتبها المنتحر عصمت إلى زوجته الروسية التي لا تعرف قراءة العربية ، ولكنه مع ذلك كتب تلك الوصية ( فهل أومأت الكاتبة هنا إلى أنها كتبت لمن لا يجيد قراءة ما كتبت ؟ مع العلم أنها كتبت لناسها هنا في الوطن الصغير والوطن الكبير على حد سواء !! ) وهي رسائل توضّح ما استتر من معاناة ومشاعر ، وما غمض من أحداث .

كما استخدمت في هذه الرواية أسلوب المونتاج والتداخل بين المواقف والتوازي بين الشخصيات داخل الرواية ، وبين الشخصية المفردة وذاتها لتكشف اللثام عن الوجوه الأخرى التي عنتها في العنوان ( الوجوه الأخرى ) .

ونظرا لتحمّس الكاتبة لإيصال رسالتها في سيرة هذه الوجوه قامت بالتعليق في عدة مواطن بلسان الراوية نفسها ، إذ جاءت التعليقات في الصفحات 49 و51 و69 و101 مقحمة من خارج السياق الفني الروائي . وربما نجد تفسيرا لذلك في حرص الكاتبة على مشروعها الذي يعتمد سيرتها الذاتية في بعدها الذاتي ذي الأبعاد الرمزية المطابقة الممتدة حتى اللحظة الراهنة ، أو أن ذلك عائد إلى طبيعة عملها الصحفي الذي يحلل ويعلّق ، وإلى عملها في التعليم الذي يحرص على إيصال الفكرة وضرب الأمثلة والتعليق .

لفت انتباهي في لغة الكاتبة إشارتها للصمت ووصفها له بما يوضّح الحالة النفسية المصوّرة . فهذا عصمت بعد طلبها منه زيارة أمه في القرية يقول : ( لا .. لا .. لا .. ) وتعلّق قائلة : ( تلت لاءاته الثلاث الحاسمة لحظة صمت دبق ) ص19 . وفي صفحة 38 تروي : ( ... توترت أم عصمت وأكلت بسرعة ... فيما ساد بيننا ذلك النوع من الصمت الكريه القلق ) . وفي صفحة 43 جاء : ( كنا ثلاثة ؛ أنا وعصمت والصمت كان ثقيلا ثقيلا ... ورأيت أن خير ما يقطع الصمت هو الأغنية ) .

صمت دبق ، وصمت كريه قلق ، وصمت يتشخّصن فيصير ثالث اثنين . وأم خالد صمتت عن حكاية أبي عصمت الندّام (ص52) بينما المجموعة التي اعتقلت بسبب خيانة أبي عصمت آثرت السكوت ، ولم تكشف المعلومات التي بين أيديها .
وكأنّي بالكاتبة تتخذ موقفا من الصمت الذي تميّزه عن السكوت . فالصمت موقف عاجز سلبي أخرس ، بينما السكوت يكون لمبرّر موضوعي إلى حين . وقد وصفت الكاتبة الصمت بصفات أخرجته إلى دائرة الحواس ؛ فهو دبق يحسّ ، وهو كريه قلق يشمّ ويشعر به ، وهو حيرة وسكون تكسره كلمات أغنية .

الصمت هنا إشارة وتذكير ؛ لم يعد الصمت يجدي .

وداد البرغوثي في رواية ( الوجوه الأخرى ) قدّمت رواية بتقنية حديثة ، وكشفت عن الجوانب الإنسانية المغيّبة في حمى الانشغال بالراهن الآني ، وكانت مشغولة بنقل الوجه الآخر لكل شيء . وهي تحقّق في روايتها هذه قفزة نوعية على صعيد لغة الروي والحدث والشخصية عن روايتها السابقة ( تل الحكايا ) التي غلبت عليها اللغة الصحفية التقريرية .
أمّا محمد موسى سويلم فقد قال:
الوجوه الأخرى رواية تعرّي الخيانة
تطلعلينا الرواية من اصدق الأماكن، الا وهى القرية بعبق طابونها وطهارة ارضها، وطيب معشر اهلها، من الجذور الضاربة في اعماق الارض، نسجت رواية انسانية واصحة المعالم، بسيطة بعيدة عن التعقيد والمداهنة، استعملت كل انواع الفن لتشكل لوحة فنية جميلة .
تحدثت عن عودة الدارسين في الخارج، وعن عدم ملائمة الوضع في البلد( الوطن) لهم بسبب اعتيادهم على حياة معينة في الغربة، فهذا الدكتور ص45 الذي يرغب بالهجرة الى امريكا بسبب هذا الشعب الذي لا يستحق الخدمة-حسب راى الطبيب-فتجيبه بانه يقدم خدمة لهذا الشعب بهجرته لأن البلد ليس بحاجة الى امثالة.
وهذا عصمت له اكثر من وجه،لا تعرف وجهه من قفاه، وكأن أباه أول واحد وآخر واحد في البشر الذين سقطوا، بس يا حسرتي عليه الصدمة كانت فوق طاقتة (الله يكون في عونه.)
رسمت الأديبة وداد البرغوثي آلاف الوجوه في لوحة فسيفسائية، لوجه واحد هو عصمت الندام(انا اعتقد ان الندام في هذه الرواية جاء من الندم) الذي لا ذنب له الا كونه ابنا لشخص مرّ في لحظة ضعف، ولم يحسبها جيدا، وظن ان الملل هو كل شيء في اعتقاد كثيرين من الناس المتناسين قول الله تعالى(اموالكم واولادكم عدو لكم) فهذا نابليون بونابرت حين اراد احتلال ايطاليا لم يستطع الوصول بسبب جبال الألب، فأرشده على ذلك احد ابناء المنطقة تصديقا للمثل(اهل مكة ادرى بشعابها) وحين احتل نابليون ايطاليا جاء هذا الشخص لمصافحة نابليون، فماذا فعل نابليون؟ اخرج من جيبة قطعة من الذهب ورماها على الارض، وضرب الرجل بقدمه وهو على صهوة فرسه وقال قوله المشهور: امثالك لا يصافحون العظماء، امثالك لهم الذهب الذي على الارض، وهكذا في كل دول العالم لا يحترمون الخونة، ولكن ما ذنب ابنائه؟ ألم يقل الله في كتابة العزيز(ولا تزروا وازرة وزرة اخرى) فخطأ الآباء يجب ان لا يدفعه الأبناء ليصدق المثل(الآباء يأكلون الحصرم والابناء يضرسون)وهذا ما عبر عنه عصمت في رسالة براءة من د . ن ص158(قتلت فينا ما هو جميل، وقتلت ذاك التناسق بين ذواكرنا وذواكر الناس الطيبن، ما أقسى هذا الشعور! يطول ليلك فتبحث عن النهار لتتخلص من قسوة الليل،وياتي نهارك فتبحث عن الليل لتتخلص من النظرات،في الليل تصبح لك حواس من الزئبق جاهزة حتى اعلى درجاتها ازاء أي نامة او نسمة،تتضخم الاصوات بفعل الخوف، فتتصورهم قادمين لقتلك، هل تعيش هذه المشاعر ام انك طلقت الاحاسيس بكل انواعها مذ ارتبطت بيعقوبك،وتركتها لنا لنعيشها نحن).
ان انتحار عصمت في ظروف نفسية صعبة وغامضة جعلتة يكتب على قبره ما كتبة ابو العلاء المعري :-
هذا ما جناه ابي عليّ*** وما جنيت على احد
لقد نقلت رسائل عصمت فلسفة في حياة الكثيرين من المغتربين في ارض المهجر اضافة الى فلسفة الذين ضاقوا ذرعا بهذا الوطن، بسبب او بدون سبب مقنع منهم، وعن ما آلت الية اوضاعة نتيجة سقوط والده في جحيم المخابرات، وكيف يفقد الانسان كرامته ونفسه وحتى اسرته.
رغم ان الكثير من الصفحات تمثل رسما ووصفا لعصمت، الا ان هناك وجوها اخرى رسمت في كثير من الزوايا، مع بعض التشابه في الألوان، ودقة التفاصيل وتباعد في الافكار بين هذه الوجوه،الا ان الرواية اعطت كل وجة حقه من الوصف،والتي عبرت بصدق عن مشاعر واحاسيس لهذه الوجوه..
رواية(وجوه أخرى) دقت كل الاوضاع الفلسفية والنفسية للبشر، رواية جادة تعبر عن الوضع الحقيقي لتلك الوجوه المرسومة بدقة متناهية في الرواية، اضافة للوصف الواضح الصريح المعبر.

جميل السلحوت