بمناسبة صدور دفاترها السرية
أغاثا كريستي لم تكن تعرف مَن القاتل


GMT 22:30:00 2009 الثلائاء 29 سبتمبر



عبدالاله مجيد


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي إعداد عبدالاله مجيد: بعد الاطلاع على مسودات الكاتب ورؤوس الأقلام التي يسجلها بحصيلة دسمة عادة. فهو يعني الدخول في عقل الكاتب وتكوين فكرة عن العملية الابداعية وبالطبع، عن العمل نفسه من "شخابيط" الكاتب. وصدر مؤخرًا عن دار هاربر كولنز كتاب يضم بين دفتيه دفاتر ملكة الرواية البوليسية اغاثا كريستي، التي تركت 73 دفترًا سجلت فيها افكارها ومخططات قصصها ورواياتها ومسرحياتها. اختار جون كوران "دفاتر اغاثا كريستي السرية" عنوانًا لكتابه ولكن جون اوكونيل يشير في مراجعته الكتاب في صحيفة "الغارديان الى ان دفاتر اغاثا كريستي لم تكن سرًا بل معروفة على نطاق واسع منذ سنوات، استخدمها واقتبس منها كتاب سيرتها.
اعترفت اغاثا كريستي في مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" بأنها لا تتبع منهجًا محددًا في الكتابة واصفة ذلك بأنه "حقيقة مخيبة". واشارت الى انها تعيش حياة مزدحمة من الصعب عليها ان تجد فيها "اسبوعين دون مقاطعات".
كانت اغاثا كريستي غزيرة الانتاج حتى انها كانت في ذروة عطائها تنجز ثلاثة أو اربعة كتب في السنة. وكانت مجتهدة تعمل بمثابرة على حبكاتها الذكية، تحسب الاحتمالات في ما يعتبر نقاشات مع نفسها، تتساءل إن كانت هذه الشخصية تستحق الشفقة وتلك الشخصية جشعة تتصرف بدافع الطمع. وكانت هذه النقاشات تقترب احيانًا من الاستجواب، وكان عقلها يتوقف احيانًا عن العمل فتبقى تحدق في صفحة بيضاء.
تبدأ الملاحظات التي سجلتها اغاثا كريستي عن احدى روايتها بحشد من الأسئلة: "مَنْ؟ لماذا؟ متى؟ كيف؟ أين؟ ماذا؟" كما تحوي الدفاتر خرائط اماكن رسمت بتخطيطات تقريبية ومسودات حوارات وقوائم شخصيات واسماء، اضافة الى الكثير مما لا يمت بصلة الى الأدب والكتابة الابداعية بينها قوائم تبضع ومسودات رسائل الى الصحف.
يلاحظ اوكونيل في مراجعته للكتاب ان عشاق اغاثا كريستي سيصابون بخيبة أمل إذا كانوا يتوقعون ان يحتوي الكتاب على نسخ مصوَّرة من دفاترتها بل يتحدث المؤلف جون كوران باستفاضة عن الدفاتر التي يقسم محتوياتها حسب الموضوعات كأن تكون جرائم قتل على ايقاع الأغاني والأناشيد التي يتعلمها الأطفال في دور الحضانة والمدارس أو جرائم قتل تُرتكب في قطارات أو أخرى على متن طائرات، الخ. ويبدو ان هذه الاستراتيجية فُرضت على المؤلف لأن اغاثا كريستي كانت تستخدم دفاتر ملاحظاتها بصورة عشوائية وكثيرًا ما تكون الملاحظات المسجلة عن رواية واحدة مبعثرة بين عدة دفاتر. ويقول اوكونيل إن هذه الاستراتيجية ليست شافية لأنها تعني "اننا سرعان ما نفقد كل احساس بكونها مصنوعات عضوية". كما يلاحظ وجود ثغرة في التسلسل الزمني لأن القليل من مادة الدفاتر تحمل تاريخ كتابتها.
ما يخرج به القارئ من دفاتر اغاثا كريستي انها لم تكن بالضرورة تعرف مَنْ القاتل في رواياتها حتى انجاز شطر كبير من فصولها، وانها كانت تحب ان تضع لنفسها تحديات كي تتغلب عليها، وانها كانت تعيد تدوير حبكاتها وأجواء روايتها دون اكتراث وان بناء شخصيات رواياتها كان بدائيًا. ويرى اوكونيل ان بعض هذه الجوانب من حياة اغاثا كريستي الابداعية مثيرة ولكن الاكثار من سرده ليس مثيرًا.
وصف الصحافي فرانسيس ويندهام ذات مرة حبكات اغاثا كريستي بأنها "جبر حي" وبالتالي يجوز القول ان ملاحظاتها شبيهة بالمعادلات الرياضية الجافة، على حد تعبير اوكونيل. ولاستدراج مَنْ اعياهم متابعة هذه المعادلات يضيف المؤلف في نهاية الكتاب قصتين لم تنشرا من قبل بطلهما المحقق الشهير هيركيول بوارو. ولكن اوكونيل يتوقع ان يكون غالبية القراء قد غفوا قبل الوصول الى القصتين.