إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديدلـ د. يوسف وغليسي
فعل المثاقفــة أم التأصيــل؟!
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


تُرى هل عكس انفتاح الخطاب النقدي العربي الجديد على المناهج النقدية الغربية، لا سيما على مصطلحاته أزمة.. وما مدى تجليات تلك الأزمة، وهل ثمة انفتاح واعٍ أم مفارق بالمعنى السلبي، لنقف على غرابة المصطلح ومفارقات تأويله، بل السعي النشيط لتأصيله وسط تواتر المستويات النظرية في كتابات النقاد العرب المعاصرين؟!.
وحقيقة الأمر سوف تتجلى في أشكال الممارسة النقدية متفاوتة الأداء، في محاولات توسيع حدود المصطلح ولا سيما «النظرية الأدبية»، أو الاعتراض عليها، إذ يمكن للنقاد أن يفسروا- مثلاً- غرابة المصطلح النقدي «بعدم تملك النظرية الأجنبية، كما اللغة العربية، بل انهم يقرّون بنزعة تلفيفية تشي بسلوك ناقد ما، بمعنى أنه يلملم المصطلحات التي يتلقى بها، كما لو كانت تلك المصطلحات في صنيعتها المعقدة تعبيراً عن جوهر هذه المعرفة».


في ظل التأثر الناجز بالاتجاهات «الألسنية والسيميولوجية والبنيوية والتفكيكية وسواها مما أنتجته الحداثة وما بعد الحداثة، وعلى الأرجح فإن ثمة مقاربات عديدة لإشكالية المصطلح النقدي، نستذكر منها على الأقل، ما قام به د. إحسان عباس ورؤيته بأنه ليس لدينا مصطلح نقدي يوازي ما جدَّ في مصطلحات النقد الغربي، فتأتي الترجمات العربية كلها اجتهادات، لأن المذاهب النقدية في الغرب ليست مجرد مصطلح، فالمصطلح لم ينبت إلا بعد قيام المدرسة الفلسفية التي يعتمد عليها الناقد، فضلاً عما أشار له الناقد كمال أبو ديب من أنه لا يستطيع استخدام المصطلحات التي ظل يستخدمها من جديد مثل الجماليات والبنيوية في كل السياقات، فيقوم بتغييرها أي يجعلها قادرة على استيعاب كل ما يريد التعبير عنه، دون إغفال السياق الدال لجهة تقعيد المصطلح، ومقاربته لدى النقاد العرب، من أمثال د. عبد السلام المسّدي، الذي يرى بأن «لا مخرج لنا من مشابك المعضلة الاصطلاحية في ارتباطها بالمسألة الفكرية وبالقضية الثقافية بالاستشراف الحضاري الفسيح إلا بتأسيس ثقافة معرفية بعلم المصطلح»، ويضيف: إن قضية المصطلحات تمثل فعلاً إحدى المعضلات القائمة في واقع الفكر العربي المعاصر، في هذا المجال تأتي الدراسة التكاملية: إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد والناقد الجزائري د. يوسف وغليسي لتلقي الضوء على تلك المعضلة، التي تثير بحسب الباحث، التوتر والجعجعة بين الباحثين والدارسين، بوصف المصطلحات «خلاصات العلوم، ورحيقها المختوم، وأبجدية التواصل المعرفي ومفاتيحه الأولى».
إذ يوائم بين النظرية والتطبيق في بحثه العلمي حقاً، الذي يعرّف بماهية المصطلح ضبطاً لدلالته في حقوله المعرفية والفلسفية، وصولاً لجدلية المنهج والمصطلح، وعبارة الخطاب النقدي العربي الجديد، بمعنى فقهه وصناعته، ليقول: إن إشكالية المصطلح النقدي أساس لكل ما نراه من خلل أو انحراف أو ضبط منهجي، فالمنهج والمصطلح وجهان لورقة نقدية واحدة، وهما رديفان متلازمان، وأن المصطلح في أدنى وظائفه النقدية، هو مفتاح منهجي، لأن المصطلحات المستخدمة في القراءة النقدية تحدس بالمنهج، الذي ينطوي تحت المصطلح، وأن استخدام مصطلحات بعينها يشكل علامة على المنهج المتبع، لكن الباحث يلفت إلى تطبيق منهج نقدي باستخدام مصطلحات غير المناهج، يحيل على قصور منهجي وفوضى نقدية، لينطلق من فرضيات تبيّن العلاقة بين المصطلح والمنهج، على مستوى التطبيق وممكنات قراءة الخطاب النقدي برمته من خلال تفكيك جهازه الاصطلاحي، ليأتي بحثه تأكيداً على فرضياته تلك، ليعرف الخطاب بأنه الاستخدام النوعي للغة في نطاق تواصلي معين، فالخطاب النقدي هو مجموعة وافرة من النصوص النقدية، تتقاطع خصائصها المشتركة في الاستعمال النوعي المتقارب لجملة من المناهج والآليات النقدية الحديثة، يعكسها النهل من قاموس اصطلاحي مشترك، يستمد وحداته من الدروس «اللسانية والسيميائية المعاصرة بدرجة خاصة».
ويذهب وغليسي إلى تبيئة المصطلح الأجنبي، وإدماجه في السياق الأسلوبي للغة العربية مستذكراً جهود نقاد كثيرين ومنهم عبد القادر القط وحسام الخطيب وغيرهم، مشيراً إلى آليات صياغة المصطلح «الاشتقاق، الاستعارة، المجاز، التعريب، النحت»، أو آليات أخرى مثل «الارتجال، الترجمة»، تقعيداً ومقارنة في المستويين التراثي والحداثي، ليقف على إشكالية الدلالة في الحقول المصطلحية: من الحقل البنيوي «الشكلانيون الروس، ومنها حلقة موسكو وجماعة الأوبوياز، وحلقة براغ وجماعة Tel Quet.. ليستخلص من عرضه الاصطلاحي ما واجهه النقد العربي الجديد من كمّ كبير من المقابلات الاصطلاحية «البنيوية، البنائية، الهيكلية، الوظيفية الخ.. ليقارب العدد تسعة عشر مصطلحاً وهي رقم يعكس حقيقة تلقي الخطاب النقدي العربي للمفاهيم الغربية الجديدة، بمعنى أنه تلق فردي تعوزه روح الانسجام والتناسق، ليصل الناقد وغليسي إلى دلالة حاسمة هي حاجة الناقد العربي الجديد إلى التنسيق الاصطلاحي مع ذاته قبل زملائه، ففي مواجهة «المحايثة والآنية» كمصطلحين أحدهما على الأقل، اكتسب دلالته في الفلسفة المثالية الحديثة، تكبدت الكتابات العربية اسهالاً اصطلاحياً حاداً في مقابل هذين المصطلحين، ولعل التضارب الحاد سيستمر لدى الناقد، وهو يلج في أعماق المنهج النقدي، في حقول أخرى كالحقل الأسلوبي- علم الأسلوب أو تطبيق المعرفة الألسنية في دراسة الأسلوب، ومنه مفهوم الانزياح مثلاًَ فهو العدول والخرق والتوتير والانحراف والتدمير، ومن ثم الحقل السيميائي، ومنه أن علماء العلامات كثيراً ما يرادفون بين السيميائية التي تحيل على مفاهيم فلسفية وعلامات غير لغوية، بينما السيميولوجيا هي أقرب إلى العلامات اللغوية والمجال الألسني، وهكذا فإن علماء العلامات حسب الناقد وغليسي كثيراً ما يرادفون بين المصطلحين ويتساهلون في استبدال أحدهما بالآخر، ليقابلهما ستة وثلاثون مصطلحاً عربياً، وكذلك الحال مع الشعريات والسرديات، وتفريعاتها، السرديات الشعرية، وشعرية اللغة السردية، شعرية الخطاب السردي، ولعل الحقل التفكيكي، ومنه «مصطلح التفكيكية»، الذي هاجر «حداً ومفهوماً» إلى الثقافة النقدية، يعكس أيضاً عدم الاستقرار على مقابل عربي موحد، فقد اضطرب لدى الباحثين في مستويات الترجمة «الفارق، المباينة، المغايرة، التأجيل، الارجاء...»، وهكذا مروراً بالتناص والتناصية، وبدلالة الأرقام أيضاً «عشرة مصطلحات» أي تعدد الترجمات لذلك الحد الاصطلاحي الأجنبي، ما يعني أن الخطاب النقدي العربي في حقوله المنهجية قد تعاطى كثيراً من الوحدات المصطلحية، على أنها لا منتمية إلى حقل منهجي محدد، وأن ذهاب الناقد والباحث وغليسي إلى المدى الإجرائي بمنهج مركب من جملة مناهج، لم يغفل تداخل الحقول المصطلحية في الخطاب النقدي العربي، ومعه تعرضت مصطلحات نقدية أجنبية إلى تغيرات دلالية في مُهاجرها العربي الجديد، حيث أسيء فهمها وأفزعت من محتواها، عن جهل بحقيقتها المعرفية أو عن قصد من باب «تجاهل العارف»، ليقف في رحلته المعرفية ليس على تضخم المصطلح العربي إزاء المصطلح أو المفهوم الغربي فحسب، بل على نتائج معرفية حصيفة، منها أن قاموسنا المصطلحي مازال في مرحلة التقبل والتفجير بحسب سلم التجريد الاصطلاحي، مع حضور للأنا الفردي أو القبيلة اللغوية، بمعنى التعصّب للدليل أو الهيكلية أو البنائية أو التشريحية.. أو حضور«للتصحيف والتحريف والاجتهاد الشخصي التركيبي للناقد العربي أضعاف ما فيها من الدلالات العمومية الأجنبية. وبطبيعة الحال لا يمكن التعويل على اكتفاء تلك النتائج على أهميتها البالغة، لا سيما في أبعادها التأصيلية والمقارنة، لأن إشكالية المصطلح هي إشكالية مفتوحة، تتطير ربما إلى تأسيس منهج نقدي في ضوء ما ينجزه النص الأدبي الجديد، بوصفه ظاهرة لغوية واجتماعية، فهل يصبح المصطلح النقدي العربي الجديد- في حال نهضت بمسؤولياتها مجامع اللغة العربية، والمؤسسات الجامعية، خارج الاقتصار على الدلالات المعجمية والاصطلاحية، مظهراً من مظاهر الوحدة الثقافية للأمة، فضلاً عن كونه قاسماً مشتركاً بين الثقافات الإنسانية؟!.. ثمة طموح نبيل في أن تتضافر مساهمات نقادنا، لنصل إلى كلمة سواء في إشكاليات مثيرة، وجدلية كالإبداع ذاته.

أحمد علي هلال

الكتاب: إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد.
الكاتب: د. يوسف وغليسي.
الطبعة الأولى: 2008.
منشورات الاختلاف- الجزائر- الدار العربية للعلوم ناشرون- بيروت- لبنان.


http://www.albaath.news.sy/user/?id=649&a=60217