بوبوس لـ عادل إمام السقوط في إفلاس النص وخذلان الجمهور
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
"بوبوس" الفيلم الذي يحاول أن يقترب من الأزمة المالية العالمية وتداعياتها، فيقدم رجل الأعمال المصري محسن هنداوي "عادل إمام"، الذي لم يكن يعير هذه الأزمة أي اهتمام، فاجتماع رجال الأعمال الهاربين من مصر ولاجئين في لندن حضره بالجسد فقط، ولم يأبه لما يقولونه؛ بل إنه خطّأهم في أقوالهم ونيلهم من مصر، في حين في الليلة ذاتها أبدى اهتماماً شديداً براقصة في الملهى وقرر أن يصنع لها "شريطاً"، وحين يعود إلى مصر يجد أن الأزمة الاقتصادية طالته أيضاً، فهو مدين للبنوك بثمانمائة مليون دولار، فيُحجز على أمواله ولا تُجدي نصيحة محاميه له، إذ ينصحه بجمع أمواله من مدينيه، فهو حين ذهب لمطالبتهم بديونه انتحر أولهم، وجُنّ ثانيهم، وأصيب ثالثهم بالزهايمر، وضمن موقف "تراجيكوميدي" ـ أصبح شائعاً في السينما المصرية عامة وأفلام عادل إمام خاصة ـ تقوم علاقة بدايتها غير وديّة بينه وبين أرملة مدين له تدعى مهجة النشار "يسرا"، ولأن الجميع في حالة إفلاس فلم يجد المحامون إلا دمج الشركات كطريقة للخروج من أزمة الحجز واستلاف أموال من البنك على ضمان الشركات الجديدة، فيكون أولاً الدمج في الشركة "HMG" ويأخذ عليها مليار ومائتي مليون جنيه تذهب أدراج الرياح في سداد الأجور والمستحقات، ليكون ثانياً الدمج في شركة "HMAAG"، حيث سينضم إلى محسن هنداوي ومهجة النشار شركاء آخرون هم عبد الحميد الأنفوشي وأخته عطيات، والشريكان الجديدان لم تطالهما الأزمة الاقتصادية العالمية، بل ظل يدخلهما يومياً "خمسة مليون جنيه على الريق" وتظهر أسباب عدم تعثرهما فيما بعد فهما يعملان في تجارة المخدرات التي ظلت رائجة رغم الانهيارات الاقتصادية، ولم يجد محسن هنداوي بعد فقدان شريكيه طريقاً للخروج من تعثره فيدخل السجن ويقضي فترة ثم يخرج ليتابع نشاطاته، وليقول الفيلم مقولته وهي أن الدولة ستخسر كثيراً إذا ما استمرت الحال في هروب رجال الأعمال وسَجْنِ من بقي منهم في البلد، وعليها بدلاً من سجنهم وتشريدهم أن تضع يدها بيدهم لمواجهة الأزمة العالمية.
إن "بوبوس" الذي يمثل النظرية المصرية في جدولة الديون المتعثرة يعاني من ضعف شديد في السيناريو ويظهر ذلك من خلال اللقطات المتكررة والمتشابهة في أفلام عادل إمام، وقد يعود ذلك إلى أن مؤلف الفيلم "يوسف معاطي" هو ذاته مؤلف فيلمي "السفارة في العمارة" و "التجربة الدانماركية "، ولذلك جاءت قفشاته في المشاهد الجنسية واحدة، وربما يعود السبب إلى مركزية عادل إمام في أفلامه، تلك المركزية التي لم يستطع مخرج الفيلم "وائل إحسان" أن يغير منها شيئاً، فيمد شخصية عادل إمام بأي شيء من أسلوبه وهو الذي أثّر كثيراً على أداء محمد سعد في فيلم "اللمبي" وعلى أداء كريم عبد العزيز في "الباشا تلميذ" وتلك إحدى مشكلات السينما والمسلسلات المصرية في الصراع بين البطل والمخرج، وكذلك يظهر ضعف السيناريو من خلال مشاهد الصراع المضحكة المبتذلة بين عادل إمام ويسرا، وقد رآها الجمهور كثيراً بين عادل إمام وشيرين في "بخيت وعديلة" وغيرها، وكذلك محاولته المكشوفة في استدراج الرأي الجماهيري العام من خلال عرضه لمأساة رأفت "أشرف عبد الباقي" مع خطيبته واستحسانه لمشاهد قذف "جورج بوش" بالحذاء وتأكيده عليها، في فيلم "بوبوس" يجد الفقراء والمستضعفون الذين كان عادل إمام في كل أفلامه يحاول الالتفاف عليهم ويوهمهم بأنه يناصر قضاياهم ويعمل لأجل صالحهم وسلامهم ويحاول جذب ودّهم،سواء في أفلامه أو مسرحياته يجد أولئك الفقراء أن عادل إمام قد خذلهم في هذا الفيلم فهو لا يعيرهم أي اهتمام، بل يسخر من آلامهم وأوجاعهم ويعرض وصفة طبية على الدولة لمساعدة أولئك الرجال المتعثرين من أصحاب الملايين، فلماذا تلاحقهم الدولة وتسجنهم بدلاً من أن تزيدهم وتمدهم وتقيلهم من عثرتهم، ولتبقى تلك النماذج التي بثّها في فيلمه عن الفقراء الذين لا يستطيعون الزواج بعد تسع سنين من الخطوبة،والذين يهاجر أبناؤهم لكسب القوت، والذين يعانون من مشاكل عائلية بسبب فقرهم، لتبقى تلك النماذج في شقائها، بل لتزداد شقاء عندما يتعثر الأغنياء ويطردونهم من أعمالهم ويصبحون نهباً للفاقة والجوع.
إن ذلك الخذلان، الذي أُصيب به الجمهور المتابع لأعمال عادل لم يكن وليد لحظة، بل هو نتيجة لتطور منهج درامي أخذ عادل إمام شقّه لنفسه في السينما المصرية، فبعد أن كان يُجسّد أدواره بشخصيات بسيطة وفقيرة ومن عامة الشعب كما هي حاله في "شعبان تحت الصفر" و "الإرهاب والكباب" و "أمير الظلام"وغيرها من أفلام الثمانينيات والتسعينيات أخذ ينحو إلى تجسيد أدوار شخصيات خاصة وذات مكانة سيادية مثل دوره في "التجربة الدانماركية" و"السفارة في العمارة" وأخيراً "بوبوس"، وبذلك لم تعد تعنيه مشاكل الكفاح الاجتماعي، ولقمة العيش التي يجري وراءها الجائعون من أبناء الشعب، وكذلك لم يعد يعنيه نضالهم السياسي ضد قوى الظلم، وليست آراؤه المخيبة في المقاومة اللبنانية ضد الصهيونية إلا بعضاً من فيض الخذلان الذي غرق فيه .

بطاقة الفيلم:
تأليف: يوسف معاطي.
إخراج وائل إحسان.
تمثيل : عادل إمام – يسرا- حسن حسني – مي كساب – عزت أبو عوف – يوسف عوف- أشرف عبد الباقي- رجاء الجداوي.

صبا صيداوي
http://www.albaath.news.sy/user/?id=651&a=60377