كيف أثر انتشار الانترنت في تغيير دفة الثقافة العربية ؟
وكيف ساهم هذا الانتشار في ظهور ثقافة حاسوبية جديدة في المجتمع, تمثلت في مصطلحات ومعتقدات وسلوك جديد علينا ؟
هل الوجه الآخر للانترنت فعلا بهذا القبح ؟
ما هو دور الطبقة المثقفة من المجتمع في مواجهة هذا الطوفان ؟

"المجتمع ومشاكل الانترنت"
دراسة شاملة تبحث في المشاكل التي أحدثتها ثورة الانترنت في المجتمعات العربية



المجتمع والانترنت


1- مقدمه


الانترنت شيء أصبح أساسيا في حياتنا, أفرادا وجماعات, وأصبح من المألوف بل من المفروض أن نسير في هذا القطار التكنولوجي من أجل تطير كل مجالات الحياة التي نعمل بها..


ولكن تخطيء من ينظر إلى الانترنت على أنها تطور للتكنولوجيا الرقمية فقط.. بل هي تطور علمي وفكري واجتماعي, والمسئول الأول عن القفزة الهائلة في العلم والمعرفة, وفي العلاقات الاجتماعية.


لقد غيرت الانترنت مفاهيم اجتماعية كثيرة سواء بعلاقة الإنسان بالآلة, أو علاقته مع أمثاله من مستخدمي هذه الآلة, أو حتى علاقته مع أسرته ومجتمعه,, ولم يكن يخطر ببال أحد أن يتجاوز تأثير الانترنت ليصل إلى هذه الأبعاد الاجتماعية.


في هذه الدراسة سنحاول التركيز على تأثير الانترنت على حياة الفرد والمجتمع.




1-2 تأثيرات ومفاهيم اجتماعيه:


كما نعرف جميعا أن أحد أهم الأهداف التي دعت إلى إنشاء الشبكات كان تبادل الرسائل العلمية والأبحاث, ومع التطور المتلاحق وظهور الانترنت خاصة خلال العقد الأخير, انتشرت الانترنت في العالم كله لتتجاوز حدود المكان وتغوص في أعماق الدول النامية, وكالمعتاد دخلت الشركات التجارية هذا العالم الرقمي, وتحولت الشبكة من مجرد وسيلة لتبادل العلم إلى مجال خصب لكل ما هو ممكن لتحقيق الربح المادي والمعنوي..


ومع الزيادة المضطردة في أعداد المستخدمين بدأت تنشأ علاقات بين المستخدمين وبعضهم من خلال برمجيات ومواقع المحادثة (الدردشة), وبهذا تجاوزت قاعدة أصدقاء الفرد حدود المكان والزمان, وأصبحت صداقات الانترنت شيء مسلم به, دون التدقيق في ما يمكن أن تحمله هذه الصداقات من تغيير للفكر والمعتقدات, أو حتى للقيم الاجتماعية.


وحتى علاقة الفرد التجارية بالشركات التجارية أصبحت تحمل شيئا من الجمود مع انتشار مواقع التجارة الالكترونية, فالتجارة الالكترونية أزالت الكثير من العوائق من على كاهل المستخدم, كالخروج من المنزل للتسوق, أو أعباء السفر... الخ, وأصبح من السهل جدا شراء أمتعه وأجهزة بل وأثاث عبر الانترنت بمجرد مداعبة أصابعك للوحة المفاتيح وأنت تكتب أرقام بطاقة ائتمانك.


ويمتد التأثير الاجتماعي ليشمل انتشار عدد من اللغات بعينها (كاللغة الإنجليزية) التي أصبحت اللغة الأم على الشبكة, في ظل نمو بطيء للصفحات والمواقع التي تتخذ لغة أخرى سمة لها.. ومع انتشار هذه اللغة – أعني الإنجليزية- أصبح مألوفا لدينا أن نسمع مصطلحات وألفاظ (كانت منذ سنوات قليلة) غريبة عن مجتمعنا, ونشازا واضحا بين الأوساط الثقافية العربية.






2- استخدام الانترنت


2-1 سوء الاستخدام


لكل عملة وجهان, والوجه الآخر للانترنت شديد القبح, فعلى سبيل المثال انتشرت وبشكل مستفز الكثير من المواقع الإباحية التي تغري الكثير من المستخدمين للدخول والمشاهدة المجانية.. بل وقد يصل الحال بالبعض إلى شراء مواد سيئة من هذه المواقع.. وهذه المواقع عموما ذات تأثير نفسي سيء على المجتمعات وخاصة المجتمعات الإسلامية الشرقية المحافظة.


ومن الأنواع الأخرى للمواقع السوداء, مواقع نشر الفكر الخبيث بين فئة معينة من المجتمع كالشباب مثلا, ويختلف هذا الفكر من حيث نوعه, فتارة يكون فكر ديني خبيث لزعزعة المعتقدات الدينية, أو تأثير سياسي, أو حتى تأثير اجتماعي كالمواقع (العربية!) التي تطالب بتحرر المرأة العربية تماما.


في جميع الأحوال ومهما كانت نوعية هذه المواقع, فان سوء الاستخدام يتمثل في زيارة مثل تلك المواقع والتأثر بما تبثه من سموم.


وقد يصل الاستخدام السيئ للانترنت إلى درجات أعلى من ذلك, مع بدء المستخدم في انتهاج أساليب أخرى للاستخدام لتشمل الاختراق للمواقع وتشويه صفحات الانترنت والتجسس..... الخ وهذه الفئة من المستخدمين تعاني من مشاكل نفسية واجتماعيه, وتحاول إثبات الذات بطريقة مختلفة, وبعضهم يعاني من العدوانية الناتجة عن اضطهاد اجتماعي أو أسري, فيحاول الانتقام ممن حوله.


الفئة الثالثة من المستخدمين الذين يسيئون استخدام الانترنت هم الفئة التي تحاول بث السموم والأفكار الخبيثة والفساد والمجون بين أرجاء الشبكة..


وهؤلاء بالتحديد هم أخطر الفئات تأثيرا على المعتقدات والمباديء.




2-2 إدمان الانترنت


لاشك أن شبكة الانترنت مغرية... ونادرا ما تجد شخص يشعر بالملل عند تصفحه للشبكة, ولكن المشكلة أن بعض الأشخاص ينتهي بهم الحال إلى إدمان الانترنت.


وإدمان الانترنت كما عرفه الكثير من علماء النفس: رغبة ملحة في الاتصال بشبكة الانترنت دون هدف معين ولفترات طويلة.


ومصطلح إدمان الانترنت أصبح سلوكا إنسانيا معترف به في الأوساط النفسية والاجتماعية, وأصبح إيجاد حل علمي أو (دواء) لهذا السلوك هدفا ودراسة لكثير من علماء النفس.


ولو تعرضنا للسلوك العام للأشخاص المصابين بهذا المرض (التقني) سنجد أنهم بعيدون (بدرجات متفاوتة) عن الأسرة أو المجتمع المحيط بهم.. ويقل اهتمامهم بذويهم أو بمشاكلهم الاجتماعية الأخرى, ويصاحب هذا كثير من العصبية في المزاج, وعدم القدرة على التعامل مع المشاكل والمواقف الاجتماعية التي تواجههم. وفي بعض الحالات المتأخرة, يصاب مدمنو الانترنت بالصرع والأمراض العصبية.




2-3 التأثيرات النفسية والطبية:


كما سبق وأشرنا فان مدمنو الانترنت هم أكثر فئات المستخدمين للانترنت عرضة للإصابة بالأمراض النفسية والعصبية وأحيانا إصابتهم بأمراض ومشاكل نفسية هي التي تدفعهم إلى ترك الحياة الاجتماعية والانغماس في عالم آخر يكون بمثابة الهروب من مواجهات أسرية أو مشاكل اجتماعية.


ولكن وبصفة عامة فان الجلوس لساعات طويلة إلى جهاز الكمبيوتر يتسبب في آلام وأمراض عضوية, خاصة مع الجلوس غير الصحيح أو الوضعية الغير صحيحة لشاشة الكمبيوتر. ومن هذه الأعراض: آلام الرقبة والعمود الفقري وصداع, وضعف النظر, ومع مرور الوقت يتطور الأمر إلى دوالي القدمين وآلام في الأعضاء التناسلية للذكور.


ولهذا ينصح الأطباء مستخدمي الكمبيوتر (وخاصة من يتطلب عملهم الجلوس لساعات طويلة على الجهاز) بعدة نصائح طبية, أذكر لكم منها:


- أن تكون الشاشة في نفس مستوى العين.


- مراعاة العمل في إضاءة غرفة مناسبة.


- تحويل العين عن الشاشة كل فترة, ولمدة لا تقل عن خمس دقائق.


- محاولة القيام والمشي في الغرفة كل ساعة على الأقل لتنشيط الدورة الدموية.


- عمل بعض التمارين الخفيفة بعد الانتهاء من العمل.


- الجلوس الصحيح (لتجنب انحناء الظهر).




3- الانفتاح الإعلامي


3-1 الأخبار والصور متاحة للجميع


أصبحت شبكة الانترنت هي المصدر الأول للأخبار والأحداث. وعلى الرغم من انتشار القنوات الإخبارية الفضائية المتخصصة بأغلب إن لم يكن بكل لغات العالم, إلا أن صفحات ومواقع الانترنت أصبحت حقلا خصبا لتداول الأخبار بسرعة وبتفاصيل أكثر... وربما يكون عدم خضوع الكثير من هذه المواقع لأية ضغوط رقابية أو سياسية هي العامل الأول للانتشار... ولكن وعلى الرغم من أن هذه ميزة من أهم وأعظم مميزات الشبكة إلا أنها تحمل في طياتها عدد من الأضرار الاجتماعية من منظور البعض, وسنعرض هنا لبعض المحاذير والأضرار التي تؤثر على المجتمعات من جراء هذا الانفتاح:


3-1-1 التبعات والتأثيرات السياسية:


يؤدي انتشار بعض الأخبار والمعلومات (أو تسرب بعض المعلومات السياسية أو الاستخباراتية الحساسة) إلى إثارة بعض الفتن أو القلاقل أو التوترات أو ردود الأفعال لدى طائفة أو فئة معينة من المجتمع, مما يؤثر سلبا على استقرار حياة المجتمع سياسيا أو أمنيا, أو قد يسبب وضع الحكومات في وضعيات حرجة أما شعوبها.


3-1-2 التأثيرات الاجتماعية لبعض الشخصيات:


على نفس الوتيرة.. قد تتأثر شعبية أحد الشخصيات الأدبية أو الرياضية أو الفنية بالسلب أو الإيجاب نتيجة لنشر بعض الأخبار أو الصور أو الشائعات حوله في مواقع الانترنت.


3-1-3 التأثيرات النفسية السيئة نتيجة غياب الرقابة:


غياب الرقابة هي أحد أهم الأشياء التي تعاني منها مواقع الأخبار, فمثل تلك المواقع لا تتوانى أحيانا عن نشر بعض الصور ولقطات الفيديو لحوادث أو كوارث تتضمن أشلاء أو مناظر تثير الخوف والفزع لدى الأطفال والعجزة.. وليس أدل على ذلك من انتشار لقطات الفيديو الخاصة بمشاهد التعذيب والذبح على يد جماعات متطرفة في العراق. ومثل تلك المشاهد تكون دوما ممنوعة دوما عبر القنوات الفضائية لخضوعها للرقابة..


عموما مثل تلك المشاهد ذات تأثير شديد السلب على الأطفال ومرضى القلب...




4- الرقابة على المعلومات


قد ينظر دوما إلى الرقابة على المعلومات (الأمن والخصوصية) من منظور تقني بحت. ولكن, دوما هناك زاوية أخرى اجتماعية لهذا الموضوع, ولربما يكون العلاج الاجتماعي لها هو بداية الطريق نحو حل هذه المشكلة.




4-1 السرية في تبادل المعلومات.


بالطبع لكل منا ما يخفيه عن أعين الناس, بل ولكل مجموعة (سواء هيئة أو شركة أو جماعه أو حركة...الخ) ما تخفيه عن الأعين لأغراض أمنية أو سياسية أو اقتصادية.... وكما أن تسرب هذه المعلومات يسبب أضرارا (مادية) فهو بالطبع يسبب أضرار اجتماعيه ربما تكون أشد من الأضرار المادية, دعونا نلقي نظرة:


على مستوى الفرد يتسبب انفضاح أو انكشاف بعض المعلومات في عدد من المشاكل الاجتماعية سواء بالأسرة أو بالأصدقاء, خاصة مع كون هذه المعلومات أو الرسائل البريدية تفضح بعض الممارسات الممنوعة, أو المخالفة للتقاليد الاجتماعية أو الدينية... غالبا تكون النتيجة بتعرض الشخص لنوع من العقاب قد يصل لحد انفصاله عن أسرته, أو حتى وقوعه تحت طائلة القانون. وهذه الأخيرة قد تخرجنا عن صلب دراستنا, إذ من الواجب علينا أن ننبه إلى أن قوانين الأمن والسرية شبه انهارت بعد التطورات الأخيرة في العالم, حيث فرضت الولايات المتحدة الأمريكية قيودا على شركات تأمين وتشفير البيانات بعدم إتاحة بعض تكنولوجياتها المتطورة في التشفير لعامة الشعوب, كما أن هناك اتفاقيات أمنية دولية تسمح بالإطلاع على العديد من أسرارك (مثل رسائل البريد الالكتروني) في حال وقوعك في دائرة الشبهات!!


المهم, أعود وأقول إن السرية في تبادل المعلومات هي هدف مهم بالنسبة للفرد للحفاظ على استقراره اجتماعيا في أغلب الأحيان!


أما على مستوى الجماعات فقد يؤدي تسرب معلومات هامة عنهم إلى خسارتهم اقتصاديا أو وقوعهم تحت طائلة القانون... مما يسبب انهيار لشركة أو مؤسسة وما يتبعها من تشرد للعاملين بها أو معاناة أسرهم جراء توقف العائل عن العمل.




4-2 إحكام السيطرة على المواقع الإباحية


أصبح انتشار المواقع الإباحية هو الشغل الشاغل لكثير من المتعاملين مع شبكة الانترنت, سواء مطورو البرامج (برامج الحماية والفلترة) أو المستخدمين من الآباء.


ولقد سبق وتعرضنا لآثار هذه المواقع نفسيا على روادها, ولكني هنا سأتطرق إلى دور المجتمع بكل فئاته في مواجهة هذه الظاهرة السيئة.


تعددت الأدوار والجهود بدءا من الحكومات التي تمنع تصفح مثل هذه المواقع (أعني الحكومات العربية) في الأماكن العامه ومقاهي الانترنت. وفي مصر مثلا يقع تحت طائلة القانون كل من يعمل على إنشاء موقع (مخل بالآداب) وتختص بهذه المسألة هيئة الرقابة على المصنفات التابعة لوزارة الداخلية.


وبالطبع تواجد الحكومات بشكل قوي يشكل الرادع الأول لمروجي ومصممي ومتصفحي مثل هذه المواقع, ولكن... الحكومات وحدها لا تكفي.


يأتي في المرتبة الثانية مطوري البرامج الخاصة بفلترة المواقع التي تتعدد وظائفها... والحق يقال أن هذه البرامج قد شهدت تحسنا كبيرا في الآونة الأخيرة, مع إمكانية بحث هذه البرامج في محتوى ومضمون الصفحات عن الكلمات السيئة أو التي تخدش الحياء. ولكن, للأسف منعت هذه البرامج عرض بعض الصفحات (الطبية) المتخصصة.


أما الدور الأهم والذي أعتبره دوما هو الأساس في حل هذه المشكلة فهو دور المجتمع, متمثلا في الأسرة والمدرسة.. فالتربية الصالحة دوما هي التي تبذر في نفس النشء خوفا وخشية وتقوى, فيكون المانع دوما لاستعراض مثل تلك المواد نابعا من أعماق الفرد, وحتى وان خانته نفسه, فالشعور بالذنب سيمنعه من تكرار الفعل.


ومن الأدوار الأخرى التي تكون ذات جدوى, وتكون ناتجة عن مجهودات المجتمع عموما, التوعية عبر الانترنت أيضا بمضار مثل تلك المواد النفسية والاجتماعية ووقوع متصفحها في الذنب وإغضاب الله.


لأن الانترنت أصبحت كالبحر المتلاطم الأمواج, ومن دور المجتمع أن يوفر أطواق النجاة لكل من هو عل وشك الغرق.




4-3 حقوق النشر


على شبكة الانترنت كل شيء مباح.. ربما يعارض البعض مثل هذه العبارة, ولكن للأسف هذا هو الواقع.. في ظل اختفاء (بل عد وجود من الأساس) للرقابة, وعدم وجود قوانين عامة موحدة, فلقد أصبح من السهل أن تُسرَق, وخصوصا سرقة الأعمال الأدبية والعلمية.. وهذه النقطة بالذات تثير الكثير من الجدل في أغلب المواقع والمنتديات, ما بين مؤيد ومعارض.


دعونا نرى رأي كلا الجانبين:


الفريق المؤيد: يرى أن الانترنت هي البوابة نحو الحرية, بل والتحرر من كل القيود. وهذا يعني أن من حق كل شخص يصبو إلى المعرفة والعلم أن يقرأ ويطلع على المواد العلمية التي يمكن أن تفيده أو تقدم له يد العون, وأحيانا تكون حجتهم الأساسية هي أن السبب الحقيقي لبدء تطبيق الشبكات هو خدمة الباحثين وطلاب العلم. إضافة إلى تعلل طائفة منهم بأن الواجب على كل كاتب أو باحث أن يقدم كل مؤلفاته دون مقابل كنوع من احترام العلم.


أما الفريق المعارض: فيرى أن من حق كاتب أي مقال أو مصمم عمل أن يحصل على تأييد أو مكافأة, وقد تتمثل في (أقل صورها) بأن ينسب العمل لصاحبه, أو بمعنى أدق: (لا يُفصل العمل عن صاحبه).


ولو سألني قاريء عن رأيي الشخصي, فالحقيقة أنه وبعد العمل في مجال الكتابة والتحرير, رأيت كم يعاني كاتب المقال حتى يرى المقال النور, من كتابة مسودات وقراءة مراجع, وعرض المقال على خبراء لإبداء الرأي والتقييم, ثم في النهاية تأتي الطامة الكبرى حينما يرى الكاتب مقاله موضوعا بأحد المنتديات باسم شخص آخر أو مكتوب بنهايته كلمة (منقول)!! في كثير من الأحيان يصاب الكاتب بحسرة ويفقد الحماس لكتابة مقال آخر.


إذا دوما يأتي تأثير سرقة المقالات والأعمال الأدبية بالسلب على الكاتب, وبالتالي يؤثر كثيرا على تطور الأعمال الأدبية والعلمية للكتاب والمبدعين.


وتسعى شركات تطوير البرمجيات إلى حماية المنتجات الأدبية والفنية, فظهر أو ما ظهر الكتب الالكترونية بصيغة PDF لتمنع المستخدم من إجراء بعض العمليات على المستند كالطباعة مثلا. كما تلجأ شركات الصوتيات إلى حماية منتجاتها من خلال تخصيص برامج معينة لتشغيل ملفاتها من خلال التأكد من الكود الأمني للملف.


خطوات كثيرة ما بين راغبي فرض الحماية, والباحثين عن حرية النشر, فهي أشبه بشد وجذب ما بين الحماية ومحاولة كسرها.




4-4 البرمجيات والقرصنة


على نفس وتيرة المقالات والأبحاث العلمية, تسير عملية إنتاج البرمجيات وحمايتها من الاستخدام غير المشروع.


غير أنه في عالم البرمجيات تبدو الحرب شديدة الشراسة, في ظل انتشار واسع جدا لمواقع تنزيل (الكراكات) والأرقام التسلسلية للبرامج المحمية, وأكاد أن أجزم أن غالبية مستخدمي البرمجيات لا يمكنهم أبدا الاستغناء عن استخدام (الكراكات)!!


إذا وبصفة عامة فأنا أؤكد ما سبق وصرحت به كبرى شركة البرمجيات أكثر من مرة من أن إنتاج البرمجيات يتأثر جدا بخرق الحماية والقرصنة, (تماما مثل الأعمال الأدبية).


ولم لا وشركات البرمجيات تمتلك أسطولا من الخبراء والمبرمجين ممن يتقاضون الملايين, فهل تتوقع أن يظلوا في أماكنهم لتطوير مزيد من البرمجيات في ظل تراجع أرباح الشركات؟؟!!




5- الحروب الباردة


من منا لم يشعر ولو للحظة أن الانترنت أحيانا تبدو وكأنها ساحة قتال؟؟


هي بالفعل كذلك, وهو قتال من نوع جديد وفي ساحة جديدة كليا.




5-1 انتقال الحروب الباردة إلى الانترنت


كتطور طبيعي للمنظومة المعلوماتية التي يسير إليها العالم, أو كنمو متوقع لعملية هيكلة البيانات التي تنتهجها الحكومات والمنظمات بل والأفراد, أصبح من النادر أن تجد منظومة حكومية أو خاصة بدون أن يكون لها موقع على الانترنت.


بل وامتد الأمر إلى أن هذه الهيئات والمنظمات تعمل باستمرار على تحصين مواقعها تماما كتحصين مقراتها بحراس مدججين بالسلاح.


على سبيل المثال أذكر أيام حرب الولايات المتحدة الأمريكية على أفغانستان, اعتبرت المخابرات المركزية الأمريكية عملية مهاجمة موقع حركة طالبان على الانترنت ضربة تستحق الذكر في وسائل الإعلام.!! رغم أن الموقع لم يتم ضربه بالصواريخ!!


إذا هذا هو مربط الفرس.. موقعك على الانترنت أصبح جزء منك, وسقوطه أو تخريبه بيد أعداءك هو ضربة, وعليك أن ترد.


ولا يمكن أن نغفل أن الحروب السياسية والعسكرية أصبح لها رد فعل (واضح وعنيف) على شبكة الانترنت, خاصة حروب أمريكا في الشرق الأوسط, وتحول الوضع على الشبكة إلى وضع مأساوي, وكيف أن كثير من المواقع تتم مهاجمتها لمجرد احتوائها على مقالات إسلامية, بل امتد الأمر إلى إغلاق مزودات ويب كاملة!!


لقد أصبحت شبكة الانترنت ساحة من ساحات القتال المفتوح.. تكون العقول والمهارات هي السلاح الأقوى, وأكثر فتكا.


كم هي عجيبة هذه الشبكة, رغم أنها لا تعدو مجرد حروف وأرقام إلا أن وجودها المادي في حياتنا أصبح أقوى مما نتخيل.




6- الاستخدام الأمثل لانترنت


الحقيقة أن الغالبية العظمى من مستخدمي الإنترنت يقضون معظم أوقاتهم في الدردشة, وإرسال البريد الإلكتروني, وتصفح المواقع التافهة. ولكن هل استفاد هؤلاء المستخدمون حقا؟ الحقيقة أن حوالي 60% من مستخدمي الإنترنت لا يستفيدون منها كما يجب,(مقارنة بالوقت الذي يمضونه متصلين بالشبكة). وللعلم فإنه لا يوجد من يستفيد من وقت اتصاله بالشبكة بنسبة 100%, لأنه غالبا ما سيقرأ إعلانا أو يتتبع وصلة تخرجه من نطاق اهتمامه...وهكذا.


ولكن دعنا من هذا الكلام ولنرى كيف يمكن لنا نحن أن نستفيد من الإمكانيات القصوى للشبكة, أو حتى كيف نستخدمها بطريقة مثالية؟


قبل بداية اتصالك بالشبكة حدد الوقت الذي سوف تمضيه مبحرا في أعماقها. وعند بداية الاتصال اذهب إلى بريدك الإلكتروني لتقرأ الرسائل الجديدة, وترد على المهم منها. بعد ذلك تصفح مواقع الأخبار لتقرأ ولو رؤوس الأقلام للمواضيع التي تهمك. ثم اذهب إلى مواقع تنزيل البرمجيات لترى ما الجديد في عالم البرامج. لا تنسى أيضا أن تشاهد مواقع الملتيميديا لتشاهد وتستمع بالفيديو والصوت المتدفق. هناك أيضا مواقع المرح و المواقع الغريبة والساخرة, لا مانع من زيارة موقع أو اثنين كل يوم. يبدو أنك نسيت مواقع الشركات الكبرى! هل ألقيت عليها نظرة ولو سريعة؟ بقي الأهم وهو أن تقوم بتشغيل برامج التحديث والترقية لبرامجك (برامج مكافحة الفيروسات, الحوائط النارية....الخ) ومن الأفضل أن تجعل هذه البرامج تبدأ في العمل مع بداية اتصالك بالشبكة, حتى إذا ما انتهت جولتك تكون البرامج قد أنهت التحديث.


الآن أنت فحصت بريدك الإلكتروني, وعرفت أخبار العالم وكيف تسير الدنيا, وقمت بتنزيل برنامج جديد لم يكن عندك, وعرفت من موقع أحد الشركات الكبرى أن هناك فيروس خطير انتشر عبر الشبكة ومن الأفضل إغلاق الأجهزة في تاريخ معين. واستمعت للصوتيات التي تفضلها, وشاهدت عددا من تطبيقات فلاش المضحكة, وقمت بتحديث حائطك الناري. وكل هذا في جولة واحدة.


وقد يتصور البعض أن الجولة السابقة ستحتاج لساعات طويلة. ولكن هذه الجولة ستأخذ منك ما بين الساعة والساعة والنصف. وربما أقل! لأنه يا صديقي ليس من المهم (التأمل في جمال الموقع) الذي تزوره بقدر الاهتمام بمحتواه الذي سيعود علينا بالفائدة. وتعلم دوما أن تشغل أكثر من نافذة للمتصفح الذي تستخدمه بحيث تطالع أحد المواقع, بينما هناك موقع آخر لم يتم تحميله إلى جهازك بعد....وهكذا.




7- الخلاصة


دخلت الانترنت إلى المجتمع, وأصبحت واقعا ماديا ملموسا لا يمكن إغفاله. ومن واجبنا كأفراد ومجموعات مثقفة أن نستغل كل مواردها المفيدة لتقدمنا ورقينا.. وأن نحاول تسخير هذا المفيد للوقوف به كدرع يقي مجتمعنا من أمواج الظلام الكاسح لوجه الانترنت القبيح.


دور كل مثقف أن يكون ولو للحظة واحدة..


شمعه تحترق من أجل الآخرين.






هذا المقال من إعداد محمد كمال
kimo@arabsoftware.net