إطلالة على كتاب: "الدر المصون في سيرة ابن غصون"
بقلم: علي بن عبدالله بن سليمان السلمان
الشيخ صالح بن غصون رحمه الله يُعد من العلماء المتميزين، وبخاصة في طرق تفهمه للنصوص الشرعية، وعمل في القضاء وفي التدريس، الأمر الذي أكسبه من الخبرات ما قد لا يتسنى لمَنْ لم يطرق هذه الميادين، أضف إلى ذلك أنه رحمه الله تنقل في عمله هذا في كثير مِن مدن المملكة العربية السعودية فأكسبه ذلك خبرة اجتماعية ليست لمَنْ لم يتسنَ له هذا التنقل، وهو ما أضاف إلى قدرته العلمية فهمًا أعان على توخي الصواب عند الإفتاء، وبخاصة في المسائل التي لم يشتهر نظير لها، وحتى في المسائل التي كثر فيها كلام العلماء غير أنه جدّ مِن الظروف ما تجب ملاحظته، كمثل الأمور المبيحة للجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وصلاتي المغرب والعشاء، وقضايا أخرى ليس هذا ميدان ذكر اجتهادات الشيخ صالح فيها.
ثم إنه مع علمه الوافر رجل متواضع، ويعرف كيف يقدر أقدار الرجال، ولا أريد أن يذهب بي الحديث عن الشيخ بعيدًا عن هذا الكتاب الذي ألفه في سيرة الشيخ صالح وما كُتب عنه الدكتور طارق بن محمد الخويطر ونشره في عام ألف وأربعمئة وأربعة وعشرين للهجرة في أربعمئة واثنتين وثلاثين صفحة من القطع المتوسط، وقدم له سماحة الشيخ- عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية بكلمة أثنى فيها على الشيخ صالح بن غصون رحمه الله ثم أشاد بعمل المؤلف ومؤلفه.
ثم أورد المؤلف جملة مِن التعازي لينتقل بعد ذلك إلى صلب الكتاب الذي بدأه بالمقدمة، وهي مقدمة كلها حديث عن العلم والعلماء، ونصيب موضوع الكتاب منها صفحتان وبعض من صفحة، على رغم من كون هذه المقدمة قد شغلت اثنتي عشرة صفحة، ويتكون هذا الكتاب بعد المقدمة من سبعة فصول سنمر بها مشيرين إلى أهم موضوعاتها، فمثلاً:
الفصل الأول: سيرة الشيخ رحمه الله، حيث قدم المؤلف في هذا الفصل معلومات جيدة عن سيرة الشيخ، فهو في هذا الفصل يجعل سيرة الشيخ صالح أشبه بالكتاب المفتوح، وقد يسر له ذلك تلك الصحبة الطويلة التي حظي بها المؤلف من الشيخ- صالح رحمه الله، وبخاصة أن كثيرًا مما أورده كان قد سمعه مباشرة من الشيخ نفسه، وأحسب أنه كان من الممكن أن ينقل عنه أكثر من ذلك، فلعله كان يستحي من الشيخ أن يكثر من توجيه الأسئلة إليه، ثم إنه لم يحاول فيما يبدو توجيه الأسئلة إلى محبي الشيخ مكتفيًا بما أورده عنهم في الفصول القادمة من الكتاب، وكان يمكنه أن يستثمر تلك المعلومات في الترجمة إضافة إلى إيرادها في مناسباتها من الكتاب، على أن ذلك لم يوجد فجوات تُذكر في الترجمة، اللهم إلا فيما يتصل بذكر تلامذته رحمه الله، حيث لم يذكر المؤلف منهم إلا الذين كانوا يترددون على الشيخ في مدينة الرياض، فأين ذكر تلامذته في الأماكن الأخرى؟!
أما الفصل الثاني: الشيخ رحمه الله بأقلام محبيه، فكل ما اشتمل عليه كلمات لعشرين ممن وصفهم المؤلف بمحبي الشيخ، وهي أحاديث في واقعها مشبهة للمراثي أو هي كذلك.
وفي الفصول الثالث والرابع والخامس، أورد المؤلف نماذج من مؤلفات الشيخ وأحاديثه وفتاويه، ليقف الفصل السادس على المراثي النثرية، وفيه أورد سبعاً وعشرين مرثية نثرية، ليقف الفصل السابع وهو الأخير على المراثي الشعرية، الفصيح منها والعامي، فأما الفصيح فعشر قصائد لعشرة من الشعراء، وأما العامي فثلاث عشرة قصيدة كلها لأخت الشيخ صالح- منيرة آل علي، وهي تدل على عمق الفجيعة التي تشعر بها هذه الأخت التي كانت موضع عناية الشيخ رحمه الله، وهي بهذه القصائد تعيدنا إلى ذكر الخنساء عندما رثت أخاها صخرًا، وقد أحسن المؤلف في إيراد هذه المجموعة من قصائد منيرة آل علي أخت الشيخ صالح رحمه الله غير أنه أورد سبعًا من قصائدها يبدو أنها نظمتها إبّان مرض الشيخ، فكان الأولى إيرادها في ترجمته لا في فصل الرثاء؛ لكونها ليست منه، أما باقي قصائد منيرة فليست كلها في رثاء الشيخ، والواقع أن قارئ هذه القصائد لمنيرة آل علي لا يملك النجاة من التفاعل العنيف معها، بل ربما شاركها الألم فبكى مثل بكائها. ومع إحسان المؤلف الفاضل في هذا السفر الذي وقفه على الحديث عن الشيخ صالح بن غصون رحمه الله إلا أنه أكثر من التكرار في الفصل الأول بخاصة، وكذلك نزوعه إلى الإنشائية في ذلك الفصل والمقدمة التي سبقته، على أن أحاديثه تدل على محبة عميقة للشيخ، وتأثر وانفعال غير محدودين، وأحسبه معذورًا في هذا؛ لطول مصاحبته للشيخ رحمه الله، ولقد كنت أحسبني مِن أكثر الناس استغراقًا في القراءة حتى قرأت سيرة الشيخ صالح بن غصون فعرفت أن هناك من هو مثلي وربما أكثر مني، رحم الله الشيخ صالح وأسكنه فسيح جناته.