منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1
    كاتب وناقد
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الدولة
    البُليْدة/ الجزائر
    المشاركات
    110

    Post حلم المنولة "نونة" (قصة قصيرة) بقلم حسين ليشوري.

    حلم النَّمُّولَة نُونَة !


    "نونة" نملة صغيرة، و على غير عادة النمل فهي نملة حالمة تائهة في الأماني، فلطالما وجدتها أخواتها من الذر بجنب حبة بر أو ذرة سكر أو أي شيء آخر مما يجمعه النمل مؤونة لموسم القر أو زادا لفصل الحر، و لذا كانت أخواتها من الذر ينادينها بـ "النمولة الكسولة" !!! و كثيرا ما مثلت أمام الملكة فتوبخها أو تهددها بعقاب قاس، إلا أنها لم تكن لتكترث لما يقال لها ما دامت لا تضر أحدا، و هل الاستراحة بعد التعب جرم يعاقب عليه ؟ !
    هكذا كانت توهم نفسها بمبررات لا مبرر فيها غير إقناع نفسها أنها نملة حرة تفعل ما تشاء كيف تشاء متى تشاء، و ليس لأحد عليها حسابا فكيف بالعقاب ؟ و نسيت أنها في مجتمع منظم لكل عضو فيه مهمة دقيقة و ضرورية لو ضيعها أو تهاون فيها لاختل النظام و لضاع الجميع !
    و مع أنها قريبة عهد بوظيفتها كعاملة إلا أنها رأت لما خرجت من المسكن سعة الدنيا و تنوع الأحياء و اختلاف الأشياء فبدأت تستنكر حياتها، و هي نملة سؤولة و لحوحة في السؤال حتى الإزعاج و لفت انتباهها، و هي النبيهة، حشرات كالنمل تطير و رأت الفراشات فأعجبتها ألوانها و أشكالها فسألت بعض أخواتها : ما هذه الأزهار الطائرة ؟
    فقيل لها: إنها الفراشات !
    فتمنت لو أنها فراشة لتغيرت حياتها و لطارت و تجولت في ربوع الأرض الفسيحة بدلا من هذه الرتابة المميتة التي تحياها و البرنامج نفسه الذي تتبعه دائما : الاستيقاظ باكرا و الخروج للبحث عن القوت و العودة بأحمال ثقيلة قد لا تأكل منها و ربما ماتت في الطرق ذهابا و إيابا قد تدهسها قدم غافلة أو تلتهمها حشرة أكبر منها أو دابة من آكلات النمل... فلو كانت فراشة لكانت حياتها غير هذه و لتمتعت بالحرية حقيقة.
    و هكذا راودها حلم كبير، و هي الصغيرة، و رأت نفسها فراشة جميلة خفيفة رشيقة، أجنحتها مزركشة بألوان ليست كالألوان تميزا عن باقي الفراشات، إنها الفراشة "فُرفر" بعدما كانت النملة "نونة" و هذا وحده يكفي لألا تكون كالفراشات !
    و طارت مبتهجة بحريتها مزهوة بألوانها الزهرية، دارت حول نفسها مرات و مرات متأملة حالها ثم توجهت مع النسيم تطير معه حيث يسير، ثم أغراها الفضاء برحابته فارتفعت أعلى و أعلى و بدت لها الأرض تحتها بساطا كبيرا أخضر تتخلله نقوش كثيرة بألوان زاهية لا تعد و لا تحصى في نسيج عجيب، و احتارت أين تتجه و رمت بنظرها إلى الأفق فاتسع حلمها باتساعه...
    و راحت تطير و تطير مبتعدة أقصى ما يمكنها الابتعاد عن مسكنها و أخواتها، ثم أعياها الطيران و أغرتها زهرة جميلة بالهبوط لعلها تستريح عليها أو ترتشف من رحيقها، غير أن "الزهرة" لم تكن زهرة بل فراشة أعياها تجوالها هي أيضا فحطت على الأرض ! و ما إن لمست "فرفر" الفراشةَ حتى انتفضت و طارت، و رغم التعب نادتها بطلتنا:
    - هلمي إلي و لا تذهبي، أنا متعبة جدا و ليس لي طاقة للحاق بك، تعالي أرجوك !
    عادت الفراشة المذعورة و حطّت بجنبها و سألتها:
    - من أنت، يا أختي ؟
    فأجابتها بصوت خافت و قد استرجعت بعض نَفَسها :
    - أنا الفراشة "فرفر" و قبلا كنت النملة "نونة"، لقد سئمت حياتي النملية فتمنيت أن أصير فراشة و ها أنا ذي هنا معك بعيدة عن أرضي و مسكني و إخواني، وحيدة غريبة، ليس لي أحد أستأنس به و قد ضللت الطريق و لست أدري ماذا أفعل، فهلا صاحبتني و أرشدتني ؟
    - ليتني أستطيع يا أخية ! ثم إنني لا أريد التغرير بك، لقد سئمت أنا كذلك حياتي الفراشية هذه و ليتني كنت نملة أو نحلة أعيش في جماعة تحميني و مسكن يؤويني، فما أجمل الحياة في مجتمع منظم يتآلف و يتعاون و يتآزر بدلا من حياة التشرد هذه التي أحياها اليوم و منذ ولدت ! كنت دودة تعيش بتوأدة، آكل من أوراق الشجر، حياتي هادئة، ثم تحولت إلى شرنقة ثم خرجت إلى الدنيا فراشة حرة كما ترين إلا أنني ضائعة ليس لي دار و لا لي جار، أطير يومي كله بلا وجهة و لا هدف، صحيحٌ أنا أحيا طليقة ليس لي رقيب و لا حسيب لكنني وحيدة شريدة طريدة و لست أدري كيف يكون مصيري و قد أعيتني حياتي هذه، ليتني كنت نملة في معسكر أو نحلة في قفير ! أحيا مع الجماعة أتقاسم مع أخواتي آمالها و أشاركها آلامها ! آآآآه ! ليتني كنت نملة أو نحلة !!!
    هزت "نونة" رأسها في تأمل عميق، رغم العياء، و ندمت إذ تمنت أن تكون غير ما خلقت له و غشيها الحنين إلى الديار و الشوق إلى الإخوان فبكت بمرارة !
    اقتربت الفراشة منها و ربتت بجناحها على جناحها و قالت :
    - هوني عن نفسك يا أُخية، فلعل في غدك ما يسرك !
    وما زالت معها تهدِّؤها و تسكن من روعها حتى نامت و لما فتحت عينيها بعد غفوة لم تدر كم دامت وجدت نفسها بجنب فُتاتة خبز بينما تواصل أخواتها من الذر أعمالها بحرص و بلا حس غير عابئة بها و لا بأحلامها !


    البُليدة يوم الثلاثاء 6 شعبان 1430هـ الموافق 28 جويلية2009 م.
    _______
    ملاحظة : كتبت هذه القصة في التاريخ المثبت أعلاه و أنا في حالة نفسية مزرية و لذا أرجو من كل الإخوة أن يدلوني على كل خطإ يلاحظونه و لهم مني جزيل الشكر سلفا.
    "للخيال على الكاتب سلطان لا يقاوم، فإن كنت كاتبا فلا تقاوم خيالك و لكن قومه"
    (حسين ليشوري)

  2. #2
    الاديب حسين ليشوري

    قصة رائعة وجميلة وذكية

    القصص تكتب للعبرة وللمتعة

    وأراك حققت الامرين

    حيث المتعة ..وحيث العبرة والفكرة الجميلة التي أوصلتها لنا

    وهي الرضا بالنفس والقناعة...

    تحيتي لك وألف سلامة عليك

    ورمضان كريم

    ظميان غدير

  3. #3
    السلام عليكم
    نص يملك من الحكمة والفنية العالية مايجعله ذو صلة بادب الاطفال بامتياز حبذا لو تسمح لي بنقله
    ثانيا لفت نظري ماكتبت:
    ملاحظة : كتبت هذه القصة في التاريخ المثبت أعلاه و أنا في حالة نفسية مزرية و لذا أرجو من كل الإخوة أن يدلوني على كل خطإ يلاحظونه و لهم مني جزيل الشكر سلفا.


    اجد هذا الامر قاسم مشترك بين الادباء يشعرون به بين الفينة والفينة لماذا؟( هل هو سر الابداع؟)
    لك ودي واحترامي
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #4
    كاتب وناقد
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الدولة
    البُليْدة/ الجزائر
    المشاركات
    110

    أخي الكريم ظميان غدير المحترم : تحية ود و ورد.
    أشكرك أخي على القراءة و التعليق.
    أحيانا يكتب الكاتب المبدع و هو في شبه غيبوبة و هذا ما حصل لي تقريبا و أنا أكتب قصتي المتواضعة "حلم النمولة نونة" و أنا أمر بظروف صعبة شغلتني حتى عن نفسي لكن هاجس الكتابة لم يتركني فكتبت ما كتبت !
    أشكرك مرة أخرى على التفاعل السريع.
    دمت على التواصل البناء الذي يغني و لا يلغي.
    تحيتي و مودتي و رمضان كريم.
    "للخيال على الكاتب سلطان لا يقاوم، فإن كنت كاتبا فلا تقاوم خيالك و لكن قومه"
    (حسين ليشوري)

  5. #5
    كاتب وناقد
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الدولة
    البُليْدة/ الجزائر
    المشاركات
    110
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم
    نص يملك من الحكمة والفنية العالية مايجعله ذا صلة بادب الاطفال بامتياز حبذا لو تسمح لي بنقله
    ثانيا لفت نظري ماكتبت:

    اجد هذا الامر قاسما مشتركا بين الادباء يشعرون به بين الفينة والفينة لماذا؟( هل هو سر الابداع؟)


    لك ودي واحترامي
    أختي الكريمة ريمة : تحية ود و ورد
    و عليك السلام و رحمة الله و بركاته.
    أشكرك على قراءتك و تفاعلك السريع مع قصتي المتواضعة و أنا سعيد إذ راقت لك و يمكنك نقلها حيث تشائين.
    أما فيما يخص حالتي النفسية فأنت تدرين أنني مشغول جدا بحالة ابني أسامة الصحية و هو يعاني منذ أشهر و لذا قلّتْ نشاطاتي كتابة و متابعة لما ينشر هنا و هناك.
    تحيتي و مودتي و رمضان كريم.
    "للخيال على الكاتب سلطان لا يقاوم، فإن كنت كاتبا فلا تقاوم خيالك و لكن قومه"
    (حسين ليشوري)

المواضيع المتشابهه

  1. جمعان جديدان:جمع المخنث السالم و جمع المسترجل السالم ! بقلم حسين ليشوري
    بواسطة محمد كشلو في المنتدى فرسان اللغة العربية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 02-04-2013, 05:23 PM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-13-2012, 08:03 AM
  3. رحلتي قصة بقلم سُكيْنة حسين ليشوري
    بواسطة حسين ليشوري في المنتدى - فرسان أدب الأطفال
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 01-10-2011, 10:57 AM
  4. "قراءة في تأويل المعنى" / قراءة في "أنين الوتر" للشاعر عبد اللطيف غسري بقلم باسمة صوا
    بواسطة عبد اللطيف غسري في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 09-06-2009, 01:22 PM
  5. العود الحقود ! (قُصيْصة شاعرة) بقلم حسين ليشوري
    بواسطة حسين ليشوري في المنتدى القصة الشاعرة
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 05-05-2009, 11:34 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •