ســــمات الأســــلوب اللغــــوي في أعمــــال أديــــب النحــــويإن أعمال الأديب - أديب النحوي تنضوي تحت مسمى الكتابات التاريخية الاجتماعية، فهي تؤرخ لمراحل تاريخية حدثت عاشها أو سمع عنها، أو حدثت في أثناء حياته، هذه القصص والروايات تفاجئنا بأنها كثيرة وتسلط الضوء على أحداث وشخصيات في زمان ومكان محددين، مثل هذه الموضوعات تذكرنا بروايات جرجي زيدان الإحدى والعشرين، والتي روى فيها الأحداث البارزة في التاريخ العربي والإسلامي ومنها «غادة كربلاء - الحجاج - زنوبيا» كما يذكرنا بالمجموعة القصصية «التراب الحزين» للدكتور بديع حقي، التي سرد فيها ما سمعه من قصص ومشاهد ومواقف حدثت في فلسطين أثناء نكبة عام 1948، لكن ما المراحل التي تناولها النحوي؟ ما الأحداث التي تطرق إليها؟ والبيئات التي حدثت فيها؟ ما الزمن الذي تضمنته المجموعات القصصية والروايات الست؟ فلو تأملناها جميعها لألفيناها تتحدث عن الحقب التاريخية الآتية:
- المجموعة القصصية الأولى «كأس ومصباح» عنيت بقضايا اجتماعية وإنسانية عامة، كما تتطرق إلى حوادث العدوان الفرنسي في أيار عام 1945 في حلب، وفي قصة «عبيد» يبين لنا عمليات الثوار ضد المعسكرات الصهيونية أثناء الانتداب الانكليزي.
- المجموعة الثانية «من دم القلب» كرسها للنضال ضد الاحتلال الفرنسي لسورية ولنكبة فلسطين.
- مجموعة «حتى يبقى العشب أخضر» تحدث فيها عن مرحلة الانفصال عام 1961م وكذلك فعل في مجموعة «حكايا للحزن».
- مجموعة «قد يكون الحب» للقضية الفلسطينية.
- ومجموعتا «سلاح الأعزل» و«مقصد العاصي» تطرق فيهما إلى أكثر من حدث وطني وقومي.
- وفي مجموعته الأخيرة «كلمة ذوي الشهيد» تحدث فيها عن مشاهد في الانتفاضة الأولى عام 1987م.
أما الروايات فلم تخرج عن هذه الموضوعات، بل كانت متكاملة مع القصص كما كانت القصص متكاملة معها فنجد:
- رواية «متى يعود المطر» تتحدث عن بدايات الوحدة السورية المصرية أما رواية «جومبي» فتحدثت عن المرحلة نفسها.
- رواية «عرس فلسطيني» توثق للنصف الثاني من ستينيات القرن العشرين «انطلاقة الكفاح الفلسطيني والثورة الفلسطينية» ورواية «سلام على الغائبين» إلى هزيمة حزيران.
- رواية «تاج اللؤلؤ» تنقل لنا وقائع حرب تشرين.
- رواية «آخر من شبّه لهم» عنيت بالمقاومة الباسلة في جنوب لبنان مطلع الثمانينيات.
وقد هدف من كل ذلك إلى إظهار التجاذبات السياسية والعسكرية، التي أدت إلى حدوث ما حصل والأجواء المنعكسة، مع تصوير للحياة الاجتماعية من خلال الشخصيات الحقيقية التي كانت تقوم بتفعيل تلك الأحداث وتحريك البيئة الاجتماعية التي يعيشون فيها، وإظهار المغزى الذي يبتغيه من كل عمل أدبي كتبه، ففي قصته مثلاً «مقصد العاصي» نقل لنا من خلال الحوار بين الطالب «شفيق» وأستاذه في درس الجغرافيا عندما أخرجه إلى الخارطة لتحديد مصب نهر العاصي، ونقل لنا بطريقة غير مباشرة أن هذا الطالب جاء نازحاً من هناك « من لواء اسكندرون» إلى الحي الذي يسكن فيه الراوي، وربط الأحداث بشكل متواشج بتاريخ قريب لزمن كتابة هذه القصة، وكانت قد جرت هذه الأحداث في لواء اسكندرون الذي كان قد اغتصب قبل سنة واحدة من كتابة هذه القصة، ويتطرق إلى أبواب مدينة حلب وكيف أن أجدادنا ظلوا يقاتلون عندها موجات الروم والإفرنج والمغول... فحلب عنده ليست القلعة فحسب، بل هي الأبواب أيضاً، حيث بدأ ببوابة أنطاكية التي سلبت مع لواء اسكندرون، وفي هذا جانب تأريخي من جهة، وتسجيلي لبعض ما جرى من جهة أخرى.
والملاحظ على كتابات الأديب أنه تعمد ذكر أبطاله بالأسماء ليؤكد لنا أنها حقيقية وعاشت في فترة زمنية محددة، فـ «شفيق المصطفى» في مقصد العاصي نازح من لواء اسكندرون، و«خالد البشير» في سلاح الأعزل، وهنا لم يكتف بذكر اسم بطله الحقيقي بل تعمد تحديد الزمان «حرب الأيام الستة في 5 حزيران 67»، والمكان في الجولان ساحة الحرب عندما وقع مع أفراد الفصيلة وضباط صفها أسرى في يد العدو، وكذلك نقرأ اسم البطل «محمد حجاج» من رفح في إحياء الذكرى السنوية الأولى لاستشهاده، حيث استشهد في الانتفاضة الأولى، وأراد أبوه أن يلقي «كلمة ذوي الشهيد» بعملية جريئة ضد الصهاينة، وإلى جانب كل ذلك كان هناك اعتناء بالوصف، الذي كان يضع القارىء في الجو المكاني والزماني فكان هناك زمكانية من خلال تأطير زماني ومكاني للحدث مع إضفاء الجو النفسي للشخصيات، وانعكاس ذلك على المواقف لهذه الشخصية أو تلك والشيء ذاته نلاحظه في الروايات، حيث يصف لنا كل شيء، وبخاصة أن مساحة الرواية تسمح له بوصف الجزئيات للزمان والمكان والشخصيات ليرسم لنا صورة متكاملة، وليبلور فكرة محددة من خلال هذا الوصف وليضفي جواً سردياً شائقاً، فنراه مثلاً يرسم صورة «أبي فهد» من خلال الوصف ليحقق الكثير من الأهداف التي يبتغي هذا الوصف أن يوصلها، فيقول في «ص163 مجلد 2»: «أبو فهد قاعد في الساحة وقد التم الجميع حوله يبرّم شاربيه الأبيضين المفتولين شيخ الشباب في المخيم، أبو فهد معتدل القامة، لكن فهداً أطول منه بشبرين أو ثلاثة»، وكان من خلال هذا الوصف أيضاً ينقل لنا الكثير من العادات الاجتماعية السائدة في فترة زمنية معينة، وهذا جزء من وظيفة الأدب كما يقول: «ت.س .إليوت» حيث ينقل لنا حياة معينة في زمن معين إلى المتلقي والقارىء الذي يعيش في مكان غير معين وفي فترات زمنية غير محددة.
- الحكائية والسردية: إن لكل قصة أو رواية عنصراً بارزاً فيما يتميز عن غيره من بقية العناصر وفي مجموعات وروايات أديب النحوي نجد أن العنصر البارز فيها هو الأسلوب الذي ينقسم إلى الحكائية والسردية:
فالحكاية: تعني نقل الأحداث الواقعية أو المتخيلة «الموضوع» إلى القارىء.
أما السرد: فهو الأسلوب اللغوي الذي يتبعه الكاتب في بناء أود القصة أو الرواية للتعبير عن روحه وأفكاره ورؤيته للحياة، لقد اتسمت كتابات الأديب بسمة عامة هي الحكائية فقد نقلت أحداثاً جرت على أرض الواقع هنا وهناك، وكان الكاتب ناقلاً لها بكل دقائقها وتطوراتها وجزئياتها ومصوراً لشخوصها بكل صفاتهم النفسية والجسدية.
أما الأسلوب السردي واللغوي فما من شك أن اللغة تصنع كل عمل أدبي واللغة ليست شيئاً جاهزاً منتهياً بل إنها في تجدد وتطور مستمرين، ولكن ومع وجود بعض الترهل السردي والركاكة اللغوية إلا أنه استطاع أن ينسج ما يكتب بلغة كانت طابعة له ومميزة لأسلوبه، والمهم في النهاية أن تحوي العبارة الصدق والمصداقية وأن تكون ممتزجة بالرصيد الشعوري والفكري والفني، وفي الكتابات التي بين أيدينا نجد جوانب من هذه المزايا، كما نجد اقتران الحكائية بالسردية من خلال عرض الأحداث، التي تجري مع هذه الشخصية أو تلك ونقل الأحداث إلى القارىء ليطلع على ما كان يحدث في سورية وفلسطين ولبنان... في مراحل محددة أسقط عليها شعاع الأحداث والشخصيات... واتبع من خلال ذلك إيديولوجية لتقديم بناء قصّي وروائي يمكن أن يقنعنا كقراء من خلال اختيار الموضوعات وتعقد الأحداث التي تصنعها الشخصيات، إلا أنني وجدت في بعض الأحيان خروجاً عن إطار الرواية من حيث كونها سرداً وحكائية، فنراه في رواية «عرس فلسطيني» ينقل بعض العادات الاجتماعية بدقة سواء في الأتراح وزيارة القبور، وإشعال الشموع عليها، أم في الأفراح ومراحل العرس وليالي التعاليل السبع والحمام والتلبيسة والدعوة إليها، وكيف أنه لبسها منذ سنتين وهي ملابس الفدائيين، ودعوة جميع أهالي البصة إلى الغداء، ومجيء السيارات دفعة واحدة، وإطلاق الرصاص أيضاً الذي أعلن عن وصول موكب العريس حتى أنه استخدم ألفاظاً اجتماعية تستخدم في مواقف معينة، فعندما ركضت فاطمة لاستقبال عريسها فاتحة ذراعيها له قبل كل الناس، أخذ البعض يقول: «يا عيب الشوم»، وهذه مقولة تطلق على الفعل غير المستحب والخارج على المألوف، وأخيراً وجدنا أن جنازة الشهيد «العريس» فهد هي العرس الفلسطيني، وقد أنهى الكاتب روايته بهذه العبارة «ص246 مجلد 2»: «ليست جنازة ما ترى، وإنما هي عرس فلسطيني» وقد استشهد بعد أن أهدى عروسه بندقية لتكمل المشوار في مجال الثورة والمقاومة والسير قدماً لإعادة الأرض والحق.
ويتفرع الأسلوب السردي القصصي الروائي عنده إلى محاور عدة: المفاجأة - المصادفة - الكناية - الرمزية.
لقد اعتمد في سرده على المفاجأة وكسر التوقع، التي تحرك السرد من جهة وتحرك الحدث من جهة أخرى: كسماع الأستاذ في قصة «مقصد العاصي» صوت خشخشة في الصف من الخلف فظن أنها من الطلاب في المقاعد الخلفية، لكن هؤلاء الطلاب أبدوا دهشتهم من سماعهم للصوت، فاستدعى الآذن وأصغيا معاً فزاد الصوت، وبعد قليل صعد الآذن على السلم وسحب أنبوب المدفأة من الطاقة الصغيرة، فإذ بعصفور صغير يطير من هنا وهو ملوث باللون الأسود من ركام الدخان في الطاقة، وأخذ ينثره على الحاضرين عندما رفرف بجناحيه، وهو يطير فوق الرؤوس، واصطدم بالجدار ثم بالنافذة، وسكن هامداً فظنوه أنه قد مات، لكن الطالب «شفيق» النازح من لواء اسكندرون والذي كان خارجاً إلى السبورة ليحدد مكان مصب العاصي، حمل العصفور بكل لطف وحنان وفتح النافذة وقال له: طر يا عصفور وسلم لي على أبي في الضيعة، وسر مع العاصي، فطار العصفور وهو يغتسل بالشمس والمطر.. وفي قصة «كلمة ذوي الشهيد» تم كسر التوقع في أن الرجل الذي قام بعملية ضد الصهاينة في رفح في الانتفاضة الأولى واستشهد فيها هو «عمر الحجاج» في الوقت الذي كان ينادي مقدم الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لاستشهاد ابنه «محمد» أيضاً، فأراد أن يقول كلمة ذوي الشهيد في الاحتفال المقام من أجل ابنه بعملية فدائية ضد العدو الصهيوني، ففي كل هذا فائدتان: الأولى: أنها واقعية وتتسم بالمصداقية، والثانية أنه من خلال سرده لهذه الحوادث قام بتثبيتها في مواجهة العدو الصهيوني وتأريخها لنقلها إلى الأجيال القادمة، وهذه إحدى وظائف الأدب الخالد، بدليل أن الكاتب غادر هذه الحياة، لكن نصوصه مازالت تثبت وتؤرخ تلك الأحداث والبطولات والأجيال في عصرنا الحاضر يقرؤون تلك المشاهد والقصص، وكذلك نجد في الرواية مثل هذا العنصر «المفاجأة» التي كان لها وقع شديد في نفس القارىء، ومتابع الأحداث حيث كانت تشكل منعطفاً قوياً لتحويل مجرى الرواية، بالإضافة إلى تسخينها وجعلها في أعلى درجة من درجات غليانها بالإضافة إلى الوقع النفسي للحدث، الذي كان المفاجأة وأثره في النفوس الذي سيؤدي إلى تغيير كيان القارىء من شدة تأثره، ففي عرس فاطمة في رواية «عرس فلسطيني» عندما دخل العريس ركضت فاطمة فاتحة ذراعيها تجاهه ولم نعرف السبب، لكننا عندما عرفنا أوجدنا لها عذراً، فقد كان العريس الحلو الأسمر محمولاً في النعش على الأكتاف، فكان العرس عرس الشهادة، والمفاجأة أيضاً كانت في معرفة فاطمة «العروس» بأن عريسها جاء محمولاً في النعش، وهذا السؤال طرحه جميع الحاضرين في العرس، لكن قلبها دليلها عندما سمعت زخات الرصاص في أول المخيم أدركت أنه جاء شهيداً، فركضت بعد أن خلعت حذاءها وكان الناس يمسكون بها، لكنها لم تكترث وشقت طريقها بين الجموع.

د.ماجد أبو ماضي

http://www.albaath.news.sy/user/?id=582&a=53492