حوار
مع الدكتورة زينب عبد العزيز
حول ترجمتها
لمعاني القرآن
إلى اللغة الفرنسية
د. زينب عبد العزيز - صاحبة أحدث ترجمة بالفرنسية للقرآن:
ما ذكره جان بيرك الفرنسي في ترجمته مغرض ويؤكد جهله وتآمره.
ثمان سنوات و15 ساعة عمل يومياً لإنجاز الترجمة الموضوعية النزيهة.
الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر فطن إلى خطورة ترجمات المستشرقين وطالب بنقدها.
زوجي (رحمه الله) وراء تشجيعي على دراسة كل ما كتب عن الإسلام بالفرنسية.
خطأ على الأقل في كل صفحة من ترجمة بيرك تؤكد عدم نزاهة هدف هذه الترجمة.
من أهم الآثار الإيجابية التي خلفتها أحداث 11 من سبتمبر 2001 إقبال غير المسلمين في أوروبا وأمريكا المتزايد على معرفة طبيعة الإسلام, وفهم عقيدته, ومنهاجه في مواجهة المشكلات الإنسانية.
ومن بين أهم نوافذ هؤلاء لمعرفة الإسلام قراءة ترجمات معاني القرآن الكريم باللغة التي يجيدونها, بل إن دور هذه الترجمات امتد إلى أن أصبح الجسر الذي يربط المسلمين من غير ناطقي العربية أو مجيديها بالإسلام, وتفهم أوامره ونواهيه.
ونظراً لهذا الدور الكبير, والأثر الواضح لهذه الترجمات فقد استخدمها بعض المغرضين من المستشرقين في تشويه معاني القرآن الكريم.
في هذا الإطار كان اهتمام مركز الترجمة بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بتخريج ترجمات منقحة وخالية من الأخطاء قدر الإمكان.
وتأتي أحدث ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى الفرنسية لصاحبتها الدكتورة زينب عبد العزيز - أستاذة الأدب الفرنسي بالجامعات المصرية - لتكمل نقصاً واضحاً في المكتبة الإسلامية العامة, وإنارة جديدة للمسلمين من ناطقي الفرنسية, ونافذة واسعة لغير المسلمين لمعرفة جوهر وطبيعة القرآن دون أخطاء مغرضة.
حول هذه الترجمة وأهميتها, ومراحل تنفيذها, وحول الترجمات السابقة, وأهم ما يشوبها من أخطاء كان هذا الحوار مع الدكتورة زينب عبد العزيز:
كيف بدأ اهتمامك بترجمة معاني القرآن الكريم?!
البداية كانت عندما اشتركت في لجنة الترجمة للدراسة التي كتبها جاك بيرك - المستشرق الفرنسي - حول القرآن, والتي ألحق بها ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة الفرنسية.
وتشكلت هذه اللجنة بناء على طلب فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر السابق المرحوم الشيخ جاد الحق علي جاد الحق بعد ما أثير في عام 1993 من انتقادات حادة لهذه الدراسة, والترجمة المصاحبة لها, وطلب فضيلة شيخ الأزهر السابق من هذه اللجنة حصر الأخطاء التي جاءت في الترجمة, ووضع بيان بها مع التصويت.
وقد انتهت اللجنة إلى تصور عام, وهو أن بيرك" جاهل باللغة العربية ومغزاها, ويتعمد الإساءة إلى الإسلام والمسلمين, وأنه يفتقد إلى الأمانة العلمية, التي يجب أن يتحلى بها عند تناول نص القرآن الكريم بالبحث والدراسة, ومن هنا وجدت أن ترجمة القرآن الكريم ساحة واسعة لنيل المغرضين من الإسلام والمسلمين فتفرغت تماماً لهذا العمل.
بدايتك مع ترجمة معاني القرآن الكريم كانت بدراسة تاريخ هذه الترجمات فماذا وجدت في هذا التاريخ؟
ظهرت أول ترجمة بلغة أجنبية لمعاني القرآن الكريم في القرن الثاني عشر الميلادي، أي بعد خمسة قرون من ظهور الإسلام, بناء على مبادرة من القس "بطرس المبجل " رئيس دير كلوني, وذلك بمناسبة زيارة البابا آنذاك إلى أسبانيا.
وبعدها توالت الترجمات تصدر كلها من نفس المنطلق, وهو محو أي آثار ما زالت عالقة بذهن المسلمين الأسبان، الذين تم تنصيرهم، للقرآن وتعاليم الإسلام, لم تكن الترجمة أمينة بالمرة, كما أنها كانت غير كاملة حسب اعتراف المستشرق الفرنسي "رجيس بلاشر "عن هذا البابا المبجل.
وفي القرن السادس عشر بدأ ظهور الاستشراق والاهتمام بدراسة اللغة العربية بغية مزيد من الاقتحام والهدم.
وكيف استطاع المستشرقون في رأيك تطويع ترجمة معاني القرآن الكريم للنيل من الإسلام والمسلمين؟
المستشرقون هم الغربيون الذين يدعون فهم اللغة العربية, والإلمام بمعاني مفرداتها, وقد زعم بعضهم حسب مفهومه القاصر لطبيعة اللغة العربية أن القرآن الكريم عقبة في سبيل ارتقاء الأمم الإسلامية, لهذا كان مكمن الخطورة هنا هو تصدر أمثال هؤلاء لأعمال تستوجب دراسة مستفيضة, ومعرفة تامة بأصول اللغة العربية مثل ترجمة معاني القرآن الكريم, والمغرضون منهم وجدوا ضالتهم في نفث سمومهم عبر ما يقومون به، مستغلين غياب العارفين بأصول اللغتين المنقول عنها والمنقول إليها.
إلى أي حد يعتبر جاك بيرك صاحب الترجمة المغلوطة واحداً من هؤلاء؟!
جاك بيرك عده الكثيرون واحداً من عمالقة الفكر الفرنسي المعاصر, وأحد ألمع المستشرقين المولعين بالشرق, يدعي معرفته الكاملة باللغة العربية باعتباره عضو المجمع اللغوي المصري, وهو ينفي عن نفسه انتماءه إلى الاستشراق, ويتمسك بأنه دارس للتاريخ, ومؤرخ.
ولا شك أن ما قام به من ترجمة لمعاني القرآن الكريم يعد من الناحية الفنية جهداً كبيراً, استمر على مدى عشر سنوات, لكن يبقى في الواقع أنه لا يقل خداعاً عن بقية المستشرقين, ويفتقد الأمانة العلمية في ترجمته, وفي أسلوبه; لأنه لا تكاد تخلو صفحة واحدة من صفحاته الثمانمائة والثلاثين من أكثر من خطأ متفاوت الأهمية, والأخطاء في الأعمال العملاقة تكون عملاقة أيضاً.
ولا يخفى على أحد أن هذه الترجمة " لبيرك " موجهة أساساً إلى الستة ملايين مسلم الذين يقيمون في فرنسا, والمحكوم عليهم إما بالاستيعاب, أو الذوبان في المجتمع الفرنسي بهدف طمس هويتهم الإسلامية, أو بالطرد إذا تمسكوا بعقيدتهم الإسلامية.
وسبب انتشار هذه الترجمة مساندة إعلام غربي مغرض هدفه الاستماتة في النيل من الإسلام, وخطورتها أنها تأتي من عضو بالمجمع اللغوي المصري, ومن كونه شخصية تعرف عنها صداقتها للعرب والمسلمين.
وحتى لا نكون مدعين على" بيرك " فقد أوردت أخطاءه الفادحة في هذه الترجمة في كتيب لي.
وما أهم هذه الأخطاء؟
من بين الأخطاء الخطيرة التي تم اكتشافها ترجماته لمعاني آيات:
- {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [ البقرة: 158]. ترجم كلمة شعائر بمعنى وضع علامات أو إشارات Reperages ، رغم أنها تعني المناسك الدينية ولها ما يقابلها في الفرنسية Rites.
- {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي}[ الأعراف: 157]. وترجمها:
En Faveur De ceux qui suivent Le prophéte Maternel
وتعني "النبي الأمومي" (من الأمومة)
- {إن الله لا يخلف الميعاد} وترجمها بمعنى "إن الله لا يتخلف عن المواعيد التي ارتبط بها".
Dieu ne manque pas au Rendez-vous
وبالطبع فإن المقصود بالميعاد هو الوعد وليس الموعد.
- {خاتم النبيين} [ الأحزاب:40]. ترجمها بمعنى الختم الذي تختم به الأوامر!!
Le sceau Des prophetes
- {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} [ البقرة:37 ]. ترجمها: بمعنى أن الله هو الذي تاب وليس آدم, رغم أن المقصود: أن الله هو الذي يقبل التوبة.
والعديد من الأخطاء الأخرى التي أكدتها أيضاً اللجنة التي شكلها شيخ الأزهر السابق لإبداء الرأي في ترجمته, والتي كان نتيجتها صدور قرار بمنع دخول هذه الترجمة إلى مصر.
وماذا عن ترجمتك الخاصة لمعاني القرآن الكريم؟
بعد أن انتهت أعمال اللجنة الخاصة بدراسة ترجمة "جاك بيرك" ولإحساسي بمدى خطورة الترجمات المقدمة لمعاني القرآن من غير المسلمين قررت التفرغ لإعداد ترجمة إلى الفرنسية, ووفقني الله سبحانه وتعالى, وانتهيت منها منذ شهر تقريباً, واستغرقت مني ثماني سنوات بواقع خمس عشرة ساعة عمل يومياً.
واستعنت فيها بأستاذ أصول الفقه الإسلامي من جامعة الأزهر ليشرح لي كل أسبوع حوالي 5 صفحات, حتى تأتي ترجمتي لمعاني القرآن الكريم إلى الفرنسية على وجه الدقة والأمانة, ولتكون نقطة فارقة في تاريخ هذه التراجم, وتأتي سليمة لغوياً ونزيهة علمياً وموضوعية، تنقل المعنى الكريم في ثوبه الحقيقي, وحاولت في هذه الترجمة التعريف بالقرآن وبالإسلام لغير المسلمين, وأن تكون خطوة للتصدي لمحاولات تشويه الإسلام, وتصويب صورته لدى الغرب والدفاع عن نسيج الأمة الإسلامية.
وقد قامت "جمعية الدعوة الإسلامية العالمية" ومقرها طرابلس في ليبيا بطباعتها تحت عنوان (القرآن الكريم وترجمة معانيه إلى اللغة الفرنسية).
ما وصلت إليه هو رد آخر على ادعاءات المستشرقين بأن المرأة المسلمة لم تأخذ حقها في طلب العلم والتدرج في مناصبه.. فهلا حدثتنا عن نشأتك وأهم المناصب التي شغلتيها؟
ولدت في الإسكندرية, ودرست الفرنسية منذ طفولتي بعد أن حفظت القرآن الكريم, والتحقت بمدرسة سان جوزيف بالإسكندرية, وعمري ثلاث سنوات, ثم بمدرسة الليسيه الفرنسية في المرحلة الثانوية.
وكان والدي (رحمه الله) يؤمن بحق المرأة المسلمة في طلب العلم, وكان يتقن الفرنسية والإيطالية والإنجليزية, لذلك أخذت عنه حب تعلم اللغات, فالتحقت بكلية الآداب قسم اللغة الفرنسية, وتخرجت فيه, وعملت معيدة بكلية الدراسات الإسلامية بالأزهر.
ثم انتقلت معيدة بقسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب جامعة المنوفية, وتدرجت في المناصب الإدارية حتى وصلت رئيسة لهذا القسم, واخترت عضواً بمجمع البحوث الإسلامية, وتركت العمل الإداري منذ ثماني سنوات لأتفرغ لقضية ترجمة معاني القرآن الكريم.
وأين موقع الزوج في حياتك؟
زوجي (رحمه الله) هو لطفي الطنبولي, وكان أستاذاً للرسم, وعلى يديه تعلمت أن المسلم صاحب الروح الربانية الشفافة هو أولى الناس بالتعبير عما بداخله في أي لون فني بناء, وأذكر له (رحمه الله) أنه كان وراء تشجيعي لدراسة كل ما كتب عن الإسلام بالفرنسية.
وماذا عن دورك الأساسي كأم؟
لدي ابن واحد وهو مستقر في بولندا, ومتزوج من بولندية تعمل في تعليم المعاقين ولهما ولد وبنت.
تستقبل الدكتورة زينب عبد العزيز رسائلكم وتعليقاتكم على المقالة على الإيميل التالي:
dr.z.abdelaziz@gmail.com
تم نشر الحوار على موقع الشبكة الإسلامية القاهرة