من الظن إلى اليقين


إذا كانت الظنون والشكوك تملأ كيانك، فانتبه!

لأنها مثل الطفيليات، تمتص دمك وتتركك منهكاً تماماً، متعباً تشعر بالملل ليل نهار... تمتص كل الفرح من داخلك، وتتركك عظاماً بالية بلا حياة... ولهذا يبدو لنا الكثير من الناس في هذا العالم جدّيين جداً، وحزينين جداً.



الدنيا ليست مكاناً جدّياً، بل هي مكان للمتعة والفرح! انظر إلى الأشجار المتمايلة من حولك وراقبها، انظر إلى الطيور والحيوانات، إلى النجوم والأنهار...



الوجود بأكمله في احتفال دائم، باستثناء الإنسان... لأن الإنسان وحده فقط الذي يستطيع أن يحيا بقلبه أو أن يحيا برأسه.... وحده المختار والخيار مفتوح أمامه، وهو غير مسموح لأي كائن آخر... الإنسان فقط هو مَن يملك حرية الاختيار، وقد اخترنا الرأس أو الفكر لأن الفكر يساعدنا دوماً في الحصول على المزيد من المال في هذا العالم، وليس فقط المزيد من المال بل والمزيد من السلطة والشهوة والشهرة والبهرة، إنه يساعدك في تحقيق ما تدعوه: رغباتك وطموحاتك، لكنه يدمرك أنت.... يدمر كل شيء ذو قيمة تملكه في داخلك، يدمر روحك.



على قلبك أن يكون هو المختار وعليه فليقع الاختيار... فحالما تختار القلب ستجد أن الوفاء والثقة والحب ستبدأ بالتفتح كالأزهار، وعندها ستتساءل بدهشة كيف تلاشت كل تلك الشكوك بلمحة؟؟ وكأنك أدخلت سراجاً من النور إلى غرفة معتمة فاختفى الظلام منها، هذا تماماً ما يحدث مع القلب.



عندما تبدأ باختيار قلبك عوضاً عن عقلك، ستختفي كل الشكوك والظلمات، وفجأة ستمتلئ حياتك بالنور ستمتلئ بالحب، والحب هو فرحة وبهجة... الحب عيد، الحب لعبة تبدأ ولا تنتهي... وهذا النوع من الحب والثقة هو كل القداسة والألوهية التي تحتاجها.



ليس هناك سبيل لإثبات وجود الله ومعرفته طالما أن عقلك لا يزال هو الشاغل والمشغول، لا يمكن لأي مناقشة فكرية أن تخمد نار كل الشكوك اللامتناهية للعقل...

لكن القلب لا يشك أبداً... القلب ببساطة يعلم، لا يشك لأنه على يقين من حدسه ومعرفته.... إنه ليس بحاجة لأي إثبات أو برهان، لأن وجود الله في القلب إثبات على نفسه... ما وسعني أرض ولا سماء ولكن وسعني قلبُ عبدي المؤمن...



الله مرئي بالنسبة للقلب كما النور مرئي بالنسبة للعين، والأعمى فقط هو الذي يفكر بالنور والأعمى فقط هو الذي يفكر بالله ويضع الفلسفات والنظريات...

القلب لديه عينين ليرى بهما، ولديه طريقته الخاصة في الحياة... لديه صلة مباشرة مع الحقيقة... ما في قلبي غير الله...



كن حاضراً في قلبك، ولتحيا عبر قلبك... ادعم وغذّي كل الصفات الخاصة بالقلب... حتى وإنْ كان لديك الكثير لتخسره في هذا العالم الخارجي لا تقلق، لأنك إذا كسبتَ ذرةً في العالم الداخلي فاعلم أنك قد كسبت شيئاً خالداً للأبد...



كل شيء في عالمنا الخارجي مؤقت وسيفنى، قد تجده في لحظة وتفقده في لحظة أخرى... اليوم أنت تملك المال وربما لا تملكه غداً.... اليوم ربما أنت الرئيس الجبار لديك كل السلطة والقرار وغداً قد لا تمتلك أي سلطة ولا تبولة ولا خيار...



قبل قيام الثورة الشيوعية الكبيرة في روسيا، كان رئيس الوزراء الروسي رجلٌ يدعى "كيرينسكي"... لكن بعد الثورة نسي الجميع أمره واسمه، لقد هرب من روسيا، وبعدها لم يفكر أي أحد بما قد حدث له، وبعد مضي عدة سنوات توفي كيرينسكي في ولاية نيويورك، لقد كان يعمل كبائع خضار هناك! في كل تلك الخمسين سنة كان يعيش هناك، يملك فقط متجراً صغيراً ولم يلاحظ أحد أنه في يوم ٍما كان هذا الرجل من أكبر أصحاب النفوذ والسلطة في العالم.



لا شيء دائم في هذه الحياة... إنها مجرد ممر إلى دار المقر... كل شيء يأتي ويذهب بلحظة في عالمنا الخارجي، وشيء واحدٌ واحد فقط هو الشيء الثابت الأكيد: أن الموت سيأخذ منك كل شيء، والموت مكتوب على ابن آدم... لكن في العالم الداخلي، في عالم الروح، مهما كان الذي كسبته فستأخذه معك ولن يستطيع أي شيء أن يدمّره أو يأخذه منك حتى الموت....

سترحل من هنا وأنت تحمله برفقتك، كما سأل الناس أحد الأولياء الفقراء:

أين الفرش في البيت؟ فأجاب: لقد سبقني إلى العرش...



الجسد سيفنى بالموت...

والفكر سيفنى بالموت....

لكن محبتك وفرحتك... وأي حقيقة تكتشفها في ذاتك...

سترحل معك وتجمعك بالجامع الأكبر...

هذا هو الكنز الحقيقي لمَن اعتبر واختبر...