قراءة في رواية \" عاشق أخرس \" ورواية \" مطر الملح \" للأديب القاص والروائي السوري نبيه اسكندر الحسن
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيرواية (عاشق أخرس ) للأديب السوري نبيه إسكندر الحسن.
لم يكتف الكاتب نبيه إسكندرالحسن أن يتعاطى كتابة القصة و الرواية بل جاوز حد الكتابة و راح يبدع فعلا فنيا يمتزج بحس إنساني يحمل في كل كلمة رؤية امتدت على مساحات الهم الكبير هم العالم على امتداد الجغرافيا و التاريخ ممزوجا بفلسفة تتصف بالتماسك و التناظر مع الآخر بكل معطياته مستندا على بؤرة عميقة من الوعي و التطور ناشرا
نفسه غيمة من الثقافة و التثقف معتمدا على فنية العمل الأدبي الراقي ببنائه محمولا على أعمدة من الفكر المعرفي الناهض من بين هموم الواقع المتردي في عصر الديمقراطيات الواهية ، فالقص و الرواية بنظر الكاتب إنما هو دفق من الواقع مرسوم على صفحات من الفن الكتابي منقوش في ذاكرته كيوم ولادته فكان الفكر و انطلاق الكلمة مزيجا من الألم و النشوة بالقادم مهما اسودت الليالي و و تحولت الواحات إلى حريق لقد عرف الواقع بجدية متناغمة مع الموجود و صاغه بحلم وطني أزهر بورود ممتلئة بالأشواك فكتب حلمه الأول سورية الأم متصورا هذا البعد لكل ذرة تراب على أديم هذا الوطن مبينا تلك العلاقات المشبوهة بين العروبة و اللاإنتماء فالتآكل الأخلاقي و التمدد بين المد و الجزر لا مكانة له في سجل الأديب الحسن .
لقد أراد الكاتب نبيه الحسن أن يرسم صورة حقيقية لإناس ينتمون لحقيقة الوطن و يعتمرون في قلوبهم القدرة على التغيير و الاندفاع نحو الأمام و هذا ليس بعيدا عن متناول يد الأديب فقد كرس هذه المقولة في مجموعته الرائعة أحلام مشتتة حيث صوب سهامه على الفكر الانتهازي و سماسرة العصر و كشف تلك الرهانات البائسة و التي إن دلت في صورتها الراهنة لوضع خلقته الأيدي العابثة على كل مساحات العالم .
رواية (مطر الملح )عن دار إنانا للروائي والقاص نبيه إسكندر الحسن .
في روايته الرائدة (مطر الملح ) يتسلق الكاتب جبلا صعب تسلقه على الكثيرين ممن حاولوا الكتابة في هذا المضمار إنها الإمكانات التي تخلق الصورة الحلم و الرؤية التي ترى المستقبل و تجيد قراءته فهو يكشف سلطة التخلف و انتشار الخرافة و تمكن المستغل من القبض على رقاب الناس فاضحا كل تلك الأساليب دون مهادنة فهو يعرف أساليبهم ويخرق المهمات التي يرسمونها و يتجاوز أكاذيبهم فالمسألة الأكبر في رأيه أن تفضح تلك الأكاذيب معتمدا في ذلك على بيئته المفعمة بالحيوية و الطيبة فيصبح التحدي هو المحرك للفعل الروائي في بناء الكتابة و يقدم الأديب الحسن في كل كلمة يكتبها فعلا مقاوما يحلق فوق كل المقدمات فهو صاحب رؤية نافذة مكنته من التصور لما سيحدث .
و يتابع الكاتب الماهر نبيه الحسن مسيرته الروائية في خلق فكر متماسك ينتمص بشخوص أجاد انتقاءهم و عرف خباياهم النفسية و الخلقية فالمشعوذ و الدجال و العازف على وتر العرف و العادات يصطفون في خط واحد و الفاضحون لهذا الخط يجمعون أياديه لسد الطريق أمام هذا الزبد الهائج من التخلف و التقهقر حيث تظهر تلك الشخوص بكل ما تملك من حيل و انحطاط مسوقة كيانها على أنه السيد و المخلص لهؤلاء البسطاء و من خلال نظرة بسيطة لأسماء هؤلاء الرجال العلق نفهم ما هيتهم ( فالدحبيش ـ فدعان ـ الحنوف ـ الجغمير ) . و من يدخل في عمق العمل الفكري للكاتب نبيه الحسن يقف أمام رواية خلقت نوعا من التحدي و التجديد رواية بحيرة الملح التي جسدت العلاقة بين البيئة و الشخوص و عملت على دفع الواقع الميؤس إلى بوابة النور و الخلاص فالكتابة لم تترك هذا الركام يتدلى بخبثه و غبائه أن يحقق غروره بل وقفت له متصدية و كشفت كل تلك الأقنعة الممهورة بشرعية القوة التي تهدم الحقوق و تنهك الأخلاق .
لقد تجاوز الكاتب نبيه الحسن إطار المحيط الضيق منتقلا إلى مجريات حيكت في قطر قريب لبيئته مفككا تلك النفسية المريضة المتمثلة بفدعان القادر على تمثل كل العفن الذي كسبه من سيده الجغمير فالدعارة تحتاج لسلوك يسهل عليه الحطة بالخبث و الدنيئة فهو يخرس لسانه عندما يسمع حوار الموسمتين فهما تمنتا أن يلتقيا رجلا أخرس كي لا يكشف أمرهما فكان فدعان ذلك الرجل .
لقد دخل قلم الكاتب الحسن في ميدان القصة و الرواية بجدية تدل على القدرة و التماسك في بناء كل الأعمال التي نفذها الأديب و هذه الميزة لا تدل على غزارة في العمل و حسب بل هي قدرة على كتابة الحدث و تصوره فرواية مطر الملح نقش حقيقي لهم عارم امتص الألم المكشوف أمام الكاتب بكل جراحه و في رواية رياح العنف تتجسد العلاقات الاجتماعية البائسة حيث الاستغلال المهيمن لكل الرموز القيمة فلا مكانة للأخلاق اقبل التعسف و الانتقام يحول الأمور إلى مقدسات لا يجوز تخطيها و في ختام هذه العجالة لا بد أن نقول كلمة حق في كتابات الحسن التي حملت في نفسها نصاعة الحلم و صدق الكلمة و احتساب المهمة التي رسمها لنفسه فهو أراد أن يفتح نافذة مضيئة فأشعل لها شمعة عمره و زيت دمه .
بقلم محمد الحسن .
سوريا دمشق