أنطولوجيات
أحمد علي هلال
تستحق الكثير من الظواهر- بقديمها وجديدها- في حياتنا الثقافية، الوقوف والتعليل، ولاسيما اذا انطوت على ابعاد معرفية، تمنح دارسها ممكنات التحليل لتتبع سيرورة ظاهرة معينة ومعاينة ذلك الثراء المعرفي والثقافي والانساني بعامة، بعلاماته ودلالاته وربما مضمراته ايضاً، وفي حيز منه على الأقل، مساءلة الخطاب الثقافي المنتج، او اللاحق.
وفي الوقت الذي تحمل فيه الظـواهر تلك، اشكالياتها المثيرة، ومغامراتها المحفوفة بالصخب والسجال، تمر بعد مضي الوقت كحدث عادي، او كواجب وكفى تقتضيه طبيعة العصر المتسارع بسمةٍ حداثيةٍ أي (عصر النص المترابط) نتاج النظريات الادبية الغربية في حمى صراعها مع نظريات اخرى» تختزل الظاهرة الادبية في بعد احادي يتعلق بالنص النموذج» حسب الترجمة العربية لباحثين ونقاد عرب من امثال عبده حقي المواكبة لما يظهر في الغرب وأوروبا على سبيل المثال :
وعلى الارجح أن ظاهرة كالأنطولوجيات وعلى امتداد رقعة ثقافية في اكثر من بلد وفضاء، مع ما يبررها تأريخياً، ستحظى بمقاربات يلتبس فيها الايجابي مع السلبي ، والهدف على الدوام من مختارات او موسوعات مختزلة، هو رصد ورسم صورة لحركة الأدب واتجاهاته وأعلامه وأجياله المختلفة، سواء كان الجهد فردياً ، او جماعياً، أو مؤسساتياً، إذ أصبح سؤالاً ضرورياً يثار عشية كل إصدار لأنطولوجيا عربية أو أجنبية، ترى هل ينطوي إعداد الأنطولوجيا على ترف أم ضرورة ؟!.
ومن ثم هل تفي بحاجة الذائقة وما مدى معياريتها كذلك... اسئلة تجول في اذهان القراء والمتابعين، والأهم النقاد، ليس لاستيفاء حاجات درسهم النقدي فحسب، وإنما لاستبطان محسوب لجغرافيا الثقافة والأدب والفكر، بل إن غايات الدرس النقدي ستقف عند انتقائية ما تحليلاً وبحثاً عن مضمرات ، فغياب اسماء لا يعني بالضرورة اختزال تجربتها ومشروعها، على ان يبرر ويعلل ذلك «الغياب» تعليلاً علمياً لا يخضع لسلطة المزاج الفردي، وعليه فإن الاختيار سيبقى محفوفاً بمخاطر ومفارقات لا تعكس في الأغلب الأعم مستوى الجهد المبذول، او صعوبة الانتقاء، وما أثير حول (أنطولوجيا الشعر السوري) مثلاً سيوقع القارىء في حيرة لا منجاة منها راهناً ، بغياب او عدم اهتمام النقد ومساءلته بمنهجية وحصافة، وأولى علامات تلك الحيرة وفرة التأويلات المصاحبة للأنطولوجيات او المختارات المغذية لاختلاف لايحسم الجدل بين ان تكون ترفاً او ضرورة، وذلك ما يعني على الأقل ، ان يقول النقد كلمته، ليقف حقاً على معيارية منشودة، لا أن يقصي بهواجسه حاجة معرفية يرى فيها نقصاً فحسب، من شأنه ان يتكامل بما يعد به معدو تلك الانطولوجيات، إن استكملوا تحقيب مساحة وافرة من الأجيال الابداعية، وانتقوا كذلك نصوصاً مختلفة دون الانحياز الى اسم بعينه او ثقل ذلك الاسم، ولعل سياقاً كهذا سيستعيد سجالاً لدى صدور «أنطولوجيا الشعر الفلسطيني»، وتباين الآراء حوله، بمعنى منهجيته القلقة، وتجاوزه لأسماء واتجاهات تشكل علامات فارقة في الشتات- المنفى- الأمر الذي لايذهب بنا الى خطأ ما بل لمساءلة تلك المختارات حول مبررات منطقية (للحذف او الاصطفاء)!.
دون ان نغفل عن حقائق يضيفها صدور أنطولوجيات عربية وسواها، في دقتها أو توقيتها، او شرطها المعرفي والادبي، حتى لا نذهب في تشاؤم مجاني يرى بأن «الأنطولوجيات تأكل بعضها بعضاً»، أو تفاؤل مجاني ايضاً يعول على ما يصدر من أنطولوجيات بأنه يعطي صورة دقيقة ومواكبة لكل ما ينتج في حقول الابداع جميعها.
إذن... ما بين الظاهرة والحقيقة ، هوة يجب الا تقودنا للفراغ، وان تردم بوعي اصيل لا وعي شقي كيلا تصبح «الأنطولوجيات» ترفاً فحسب ...