اليوم العالمي للمسرح..
قـراءة في المشـهد المسـرحـياحتفل مسرحيو العالم أول أمس باليوم العالمي للمسرح، وكما في كل عام فقد قامت مديرية المسارح هذا العام بإعداد برنامج مسرحي لايختلف كثيراً عن برنامج العام الماضي حيث تضمن برنامج هذا العام افتتاح مسرح في ريف دمشق، وتكريم بعض المسرحيين المخضرمين وندوة تناقش واقع الكتابة المسرحية في سورية وآفاقها، إضافة لتقديم عروض مسرحية، وقد شمل برنامج هذا العام الأطفال بعرضين مسرحيين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا جميعاً، هل الاحتفال بيوم المسرح من أجل برنامج كهذا فقط أم أنها مناسبة لالتقاء المسرحيين وتجديد أدواتهم وصقل معارفهم والالتقاء مع نظرائهم المسرحيين في البلدان الأخرى، ليؤكدوا استمرارهم بالعطاء والابداع، وبالوقت ذاته يعطي هذا اليوم للمسرح حالة من الديمومة حيث يربط هذا اليوم بين كل المسرحينن في العالم المؤمنين بهذا الفن الراقي، لأن المسرح فن قائم بالدرجة الأولى على العمق الفكري، الذي تجذره الرؤى المتبادلة بين عشاقه والمسكونين به على امتداد العالم.
وفي قراءة للواقع المسرحي السوري نرى أن الفجوة مابين الحلم المسرحي والواقع لازالت قائمة، فنحن لانفتقد للكادر الموهوب إذ يخرج المعهد العالي للفنون المسرحية الكثير من المواهب التي يعمل المعهد على صقلها وبلورتها، ويخرج هؤلاء الشباب إلى الحياة العملية محمّلين بالطموح والرغبة، لكنهم سرعان مايصدمون بواقع المسرح الذي يفقتد لآلية عمل تنظمه وترعاه،من خلال القوانين التي تحكم مديرية المسارح كمؤسسة، علماً أنه يتناوب على إدارتها مدراء يأتون إليها بأحلامهم وهواجسهم ويضعون الخطط والبرامج، لكنهم يصطدمون بهذه القوانين التي تتكسر أحلامهم على صخرتها، فالعمل المسرحي يحتاج لظرف صحي يعيش ضمنه، فالأزمة الحقيقية للمسرح هي في القانون الذي يحكم المسرح والعمل المسرحي، لأننا إذا أردنا أن نستشهد بمؤسسات تؤمن بالمسرح وأهميته فلنا بأمانة احتفالية دمشق خير مثال إذ قامت بانتاج العديد من الأعمال المسرحية وعملت جاهدة على تقديم الدعم والتسهيلات حتى ينجح العرض، ومن بين العروض الناجحة التي أعادت للمسرح جمهوره وطقوسه كان عرض المهاجران للدكتور سامر عمران بالتعاون مع مجموعة من الفنانين الموهوبين والمسكونين بهاجس المسرح، وهنا نتمنى على مديرية المسارح أن تقتدي برؤية الاحتفالية وإعادة النظر بآلية العمل المسرحي والتحرر من العقلية الوظيفية التي تحكم العاملين فيها.
إن المسرح من الأهمية بأنه يستحق التوقف عنده كحالة ثقافية هامة من الضروري العناية بها، خاصة وأن الثقافة المسرحية تكاد تكون معدومة لدى المتلقي الذي لازال ينظر للمسرح كحالة ترفيهية وليس كحاجة معرفية لها دورها في الحراك الثقافي، فكثيرا مانذهب لحضورعرض مسرحي فنفاجأ بازدحام يبهرنا للوهلة الأولى ونظن أن المسرح استعاد عافيته بعودة جمهوره إليه وتيبقى عبارة لم يبق محلات تداعب الروح برضى خفي يجعلنا نعود في يوم آخر لحضور العرض، لكن وللأسف عند المشاهدة نعرف أن سبب الازدحام مرده أن بطل العرض فنان معروف ومشهور وأن هذا الجمهور العتيد جاء ليشاهد الفنان وليس لرغبة برؤية مسرحية، وهذا الأسلوب أصبحنا نراه في كثير من الأعمال التي أصبحت تعتمد على الأسماء الفنية المعروفة لتسوق عروضها فنرى هناك استسهال في العمل المسرحي دون إدراك لتقنيات المسرح وحرفيته التي يختلف فيها عن باقي الفنون،لذلك من الضروري لفت النظر إلى تأهيل ذهنية تطرح على الجمهور رؤية ثقافية جمالية فكرية وأخلاقية، والعمل وفق خطط تدريبية لأن المسرح علم كما كل العلوم يحتاج لدراسة تقنياته وعناصره الأساسية، والالتزام بأسس وتقاليد العمل المسرحي، وضرورة تقديم الدعم للعمل الفني لأنه يمثل مرآة تعكس أفكارنا وثقافتنا للآخر.
وفي مقارنة مابين مسرح اليوم ومسرح الأمس نرى أنفسنا لازلنا نتحدث عن ألق مسرحي حقق شعبية استمرت من ستينيات القرن العشرين حتى تسعينياته، رغم الانتقادات التي كانت توجه لهذا المسرح باعتماده على النصوص المترجمة وابتعاده عن الهموم الحياتية للمواطن، لكن بالمقابل كان هذا المسرح كان يحمل رؤية فكرية وثقافية، عبر احتراف مسرحي وامتلاك أدوات تقنيات يحصد العمل النجاح من خلالها، وهنا نسأل مالذي اختلف مابين قبل والآن طالما أن المسرحيين لازالون يعيشون حلمهم المسرحي، قد يكون هناك رؤية ترى في الاتجاه نحو القطاع الخاص والمؤسسات الأهلية لتبني العمل المسرحي أسوة بالدراما التلفزيونية التي أنقذتها شركات الانتاج الخاصة، لأن هذه الشركات هي القادرة على النهوض بالمسرح وليس المؤسسات الحكومية، ولكن هل يمكن لهذه الفرق أن تغامر بأموالها في مشروع غير رابح كما الدراما التي تحصد منها أرباحاً من خلال تسويقها للمحطات الفضائية وهذا الشرط لاينطبق على المشروع المسرحي الذي نادراً مايعاد عرضه إلا بدعوة خاصة أو بمشاركته بالمهرجانات العربية، وربما الحل يكمن في التعاون بين هذه الفرق الأهلية والمؤسسات الحكومية، لأن المشهد الثقافي لايحتاج إلى عقلية مؤسساتية متطورة بل يحتاج لعقلية بشرية متطورة تعمل ضمن هذه المؤسسات، وأن ينظم النقد البناء هذا التعاون حتى تتكامل العملية الفنية الثقافية، إضافة إلى ضرورة توفر مساحة كافية من الحرية بوجود كاتب ومخرج جيدين ومجموعة فنية وصالات جيدة مهيأة للعمل الفني.
وفي عودة للاحتفال بيوم المسرح فإن هذا اليوم يبقى يعبر في مضمونه عن القيمة الانسانية والحضارية للفنان الذي أفنى حياته في خدمة فنه، وهو يوم يجتمع فيه الابداع ليوقد شموع الأمل التي تنير الطريق لعشاق هذا الفن العريق، وليكبر في عيون من سهروا الليالي من أجل إبقاء شعلته متقدة رغم كل الظروف التي تعرض لها، وليكون ملجأ لمتلقي انجازاته وعطاءاته الثرة.. يوم ترفع فيه أشرعة المحبة والوداد، وتتوهج قناديل الابداع والثلاقي الثقافي التي يرنو أصحابها لأفق مفتوح على المدى.. والاحتفال بالمسرح لا يقتصر على يوم وحيد ومحدد، فكل يوم يقدم فيه المسرحيون عطاء جديدا يعتبر يوما عالميا للمسرح، فشعلة المسرح متقدة دائما لتضيء في زاوية من زوايا العالم، وفي هذا اليوم نؤكد أنه لابد للفنان المسرحي الذي يعي ذاته وضميره أن يعي ضمير الشعب من خلال تلمس أحاسيسه وإدراكه بقدراته على متغيرات الواقع بكل جوانبه، في محاولة تفسير الظواهر وتغيرها حسب مواقفه الفكرية لما فيه ممن بؤس بالواقع اليةومي وتخلفه منطلقاً من أجل تجاوزها في المستقبل، فالفنان المسرحي مطالب اليوم أن يكون أكثر صدقاً مع نفسه ويحمل قيما إنسانية عالية تصل إلى حد التضحية متلمساً لدوره التاريخي والريادي في بناء وطنه لأن حضارة الأمم تقاس على أساس تطور مسارحها وتطور الحركة الثقافية فيها، وعلى عاتقه يقع تحديث وتطوير المجتمع، ونحن بالنهاية نجتاج للكثير من الوقت لانجاز مشاريعنا الثقافية التي تحتاج للكثير من العمل والمثابرة والصدق، فهل يتحقق الحلم.

سلوى عباس