نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
قلبى على بابك " عروس جديدُ يزف إلى مكتبة الشعر العربى وهو الديوان الأول لشاعره إبراهيم خليل إبراهيم ويقع هذا الإصدار فى 98 صفحة من القطع المتوسط ويضم اثنين وعشرون مقطوعة شعرية قصيرة من شعر العامية المصرى تميل فى معظمها إلى النموذج الغنائى .
وإذا كانت الرائحة الجميلة تجذب الأنوف إليها فهل هناك أزكى من رائحة الشعر التى تدل حتما على شاعرها حتى وإن كانت هذه الرائحة ما زالت فى طور الكمون أو ما زالت فى مراحلها الأولى كما فى ديوان " قلبى على بابك " الذى يمثل بصدق البداية الشعرية لإبراهيم خليل إبراهيم إلا أنه فى الحقيقة ينبئ عن شاعر قادم لا محالة .
ومن الجدير بالذكر أنه من الواجب على النقاد الذين يتناولون الأعمال الأولى للشعراء أن يبحثوا أولاً عن المناطق المضيئة وإن يفتشوا عن ماء الشعر فى زواياها المختلفة وأن يغضوا الطرف مؤقتاً عن ما هو دون ذلك .
فالمهمة الحقيقية للناقد هى الكشف عن رائحة للشعر الحقيقى من عدمه لأن المبدع فى هذه المرحلة من تجربته يحتاج إلا إلى دفعة معنوية تعينه على التشبث بموهبته وتقوى من إرادته الفنية حتى تنضج شيئا فشيئا فتؤتى ثمارها فى الوقت المناسب .
وهذا ما نفعله مع الفطرة الشعرية الكامنة لدى شاعرنا إبراهيم خليل إبراهيم التى تمثلت فى ديوانه الأول " قلبى على بابك " قرأنا وبحثنا فوجدنا الكثير مما يبشر بشاعر قادم .
وهذا ما قصدناه من الإهداء الذى صدّرنا به هذا الديوان فى ص 5 حيث كتبنا قائلين " إلى بستان الشعر نقدم نبتة شعرية واعدة فقد اطمئن القلب حين وجدنا بعضا من ماء الشعر يسرى فى عروق إبراهيم خليل إبراهيم لكن هذا الماء وبصدق شديد يحتاج إلى بعض الفلاتر لتنقيته ليصبح ماءا شعرياً صافياً يسعد القلوب وتهفوا له النفوس .
من أجل هذا تركنا هذا الديوان كما هو بين يدى القارئ بما له وما عليه كى يصبح الدفقة الشعورية أولاً ، والشعرية ثانياً لشاعره إبراهيم خليل إبراهيم ولكى نتأمله هكذا كما هو ثم نعالج فيه القضايا الشعرية على مهل حتى تكمل الفائدة وحتى تنضج التجربة الشعرية بكل مقوماتها لدى صاحبها بشكل علمى وعملى معاً .
وكما اتفقنا منذ سطورنا الأولى فى هذه الإطلالة النقدية أن نركز على المناطق المضيئة فى هذا الديوان ونبحث فى زواياها عن ماء الشعر مهما كان ضئيلاً .
فمثلا يقول شاعرنا فى ص 9 :

يا كلمة الحق / قولى للظلم لئةْ ... وألف لأْ
العدل خيله انطلق / ليل الضلام انشق
هدّى جدار المحن / يدخل جراده الشق
يا كلمة الحق
عدّى خيولك للسبق / قومى انصرى المظلوم
وامحى جدار الخوف / ولا يبقى فيه مهزوم
واللى طريقه الحق/ مهما انكسر حيقوم

ويعتبر هذا النص من أروع المناطق الشاعرة فى ديوان " قلبى على بابك" لأنه وباختصار شديد يعكس بداخل شاعره روح شعرية كامنة ونؤكد أن هذه الروح سوف تتوهج بالتدريج بمزيد من وقود التجربة وشرر الممارسة كما سيرفع من قدرها بعد ذلك التضفير الجيد لكل التقنيات الفنية الجديدة .
هذا النص أيضاً وإن كان يحتوى على بعض السبائك الشعرية المطروقة كثيراً إلا أنها تعكس قدرة شاعرنا على التقاط المتداول ومحاكاته بشكل مقبول فى هذه المرحلة المؤقتة التى يحاول فيها التعرف والوقوف على التقنيات الفنية للقصيدة كما يحاول التماس مع إشكاليات بناء الصورة الشعرية كما يعكس هذا النص أيضا قدراً من الثقافة الإيقاعية التى تأصلت فى أذن شاعرنا بشكل مناسب وإن كانت تحتاج إلى بعض من التركيز .
إذن نحن أمام شاعر يمتلك من الموهبة القدر المناسب ويحاول أن يبنى ذاته الشعرية بالتدريج وبثقة مطلوبة تحسب له فى هذه المرحلة ومن الواجب هنا أن نشير إلى أن شاعرنا يمتلك ناصية الكتابة البحثية والنقدية وله فى المكتبة العربية اثنى عشر كتاباً فى هذا المجال وهذا يعكس قدراً من الخبرات الكتابية الأخرى التى سوف تعينه بالتأكيد فى تعميق تجربته الشعرية وبالتالى علينا أن نصبر عليه ونعمل ما يدفعه إلى الأمام على طريق الشعر الحقيقى .
ولنتأمل نصاً آخر من النصوص المبشرة فى هذا الديوان حيث يقول فى ص 33 مخاطباً ومحتفياً بشاعرنا الكبير فؤاد حجاج :

طول ما انت ويانا / تروس الورشة عرقانة
فؤاد ... / سمّعنا أخبارك / سيور العزم ما تدورشى
غير لما تقول ف أشعارك
فؤاد حجــــــــاج / مهوش محتاج نقول عنه
فؤاد حجــــــــاج / كلام الحب من فنه
ومطرز حروف العزم قنديله / ومدور سواقى الزرع بمواويله
يا صوت المسرح الدافى / يا كتف .. حماسه .. متعافى
............إلخ

ونلمح فى هذا النص أيضاً إلى جانب ما قدمنا من قبل قدرة شاعرنا على الإحساس بالصورة الشعرية المركبة ومقوماتها المختلفة ..ونلمح من جديد الثقافة الإيقاعية المتأصلة فى أذنه كما نلمح قدرته على رسم الخريطة المكانية والإنسانية للشخصية التى يتحدث عنها فأشار فى شكل فنى جميل إلى أنه نبت بشكل أساسى من التربة العمالية المصرية الخصبة وأنه تأثر بها وأثّر فيها وأثراها وما زال يقدم مخزونه الفنى والثقافى من أجل النهوض بها فجاءت كلمات شاعرنا معبرة بصدق عما يجيش بنفسه حول هذا الرجل الجميل .
فيذكر مكونات هذا الجو النفسى مثل " تروس الورشة عرقانة ، يا كتف حماسة متعافى ، سيور العزم ما تدورشى ، ومدور سواقى الزرع ، ومطرز حروف العزم ، يا صوت المسرح الدافى ...إلخ
إذن فشاعرنا يؤكد أنه يمتلك بعض ثقافة رسم الصورة الشعرية وإعداد الجو النفسى للشخصية الدرامية .
ومن المقاطع الشعرية الهامة فى هذا الديوان مقطوعة قصيرة بعنوان " محمد الدرة " إشارة إلى الطفل الفلسطينى الشهيد محمد الدرة الذى قتله الصهاينة عمداً مع سبق الإصرار وهو فى حضن أبيه ولنتأمل ما يقوله تحت هذا العنوان فى ص 53 :

أنا كنت مرة مع أولادى / سألونى ...هو الدرة محمد مات ؟
نزلت دموعى تقول حكايات
وكان جوابى عليهم لأ ..... / الدرة ساكن فى النبضات
الدرة رمز لكل ثبات

مقطوعة قصيرة فى مبناها كبيرة فى معناها ومغزاها عبرت بصدق عن مدى اعتمال القضايا القومية والوطنية فى صدر شاعرنا كما عكست قدرته على الإيجاز الكافى والوافى لقضية هى محور قضايانا القومية منذ بداية القرن الماضى عكست أيضاً إصراره على نقل التجارب القومية والهموم الوطنية إلى أبناءه وإلى الأجيال القادمة عن طريق الحوار البسيط والمعبر .
وما أروع أن يقول فى ختام مقطوعته:
الدرة ساكن فى النبضات / الدرة رمز لكل ثبات
وكأنه يسقى أبنائه القضية الفلسطينية ممثلة فى قصة استشهاد الطفل محمد الدرة وكأنه يقول لهم أيضاً بأن الشهداء لا يموتون بل يقعون فى النبض الفلسطينى والعربى فهم المعنى والرمز وهم الوقود والشرارة فى آن واحد .
وامتدادا لقضايا الهم القومى المتأصلة فى وجدان إبراهيم خليل إبراهيم نجده يقول فى ص 59 تحت عنوان تعظيم سلام :

تعظيم سلام ..يا بلد / للى بيصون التراب
واللى قال كلمته / فى وش عشاق الخراب
واللى عاش محنته / رغم أنواع العذاب

وهنا ينتقل شاعرنا من قضية فلسطين إلى قضية أخرى من قضايا الهم القومى وهى قضية احتلال العراق فيقدم تحية خاصة إلى المقاومة العراقية الصامدة ضد المحتل الأمريكى .
ودفاعاً عن الطيبة الجميلة التى يتمتع بها الشراقوة بلدياته نجد شاعرنا يكتب مقطوعة قصيرة تحت عنوان " الشراقوة " مدافعاً عن أبناء وطنه الصغير " الشرقية " حيث يبرر طيبتهم الزائدة عن الحد حتى أنها موضع مداعبة خفيفة الظل من أبناء المحافظات الأخرى حيث أنهم متهمين بعزومة القطار الشهيرة ويؤكد فى هذه المقطوعة إن هذه العزومة لم تكن عن شئ مشين لا سمح الله وإنما كانت عن كرم نبيل وعن حب جميل يُحسب لهم لا عليهم .. فيقول فى ص 39 تحت عنوان " الشراقوة " :

الحقيقة وباختصار / هُما مش عزموا القطار
دا الشراقوة ... من كرمهم / قدموا أحسن فِطار
العمدة والأهالى / قدمولهم كل غالى
فى البلد صبحت حكاية / من حكايات الليالى

وأخيرا كانت هذه إضاءة سريعة حول الديوان الأول للشاعر إبراهيم خليل إبراهيم " قلبى على بابك " إضاءة يستحقها قدمناها فى هذه المرحلة مؤكدين عليه أن يستثمرها فى مزيد من الإجادة والاطلاع حتى تنطلق وتتألق شاعريته الكامنة .
مع خالص تقديرى ،،،

رفعت عبد الوهاب المرصفى
عضو اتحاد كتاب مصر