منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    الشخصية المضادة للمجتمع (السيكوباثية)..

    الشخصية المضادة للمجتمع (السيكوباثية)..
    الشخصية المضادة للمجتمع (السيكوباثية).. >>>>>>>>( العدوانية الفردية السيكوباثية)


    د. سعــد الإمــارة


    تمـــهيـــد:

    تعد المعايير الاخلاقية والاجتماعية والشخصية ركناً مهماً أساسياً في بناء المجتمعات الحديثة في زمن الحاجات واللهاث خلف أوهام تحقيق الذات ونسج الخيالات والتكوينات عليها بغية اظهارها بصورتها المتوافقة مع متطلبات المجتمع. هدفنا في هذا الموضوع إلقاء الضوء على نمط معين من الشخصيات الانسانية التي تعيش معنا في المجتمع ونتلمّس سلوكها من خلال ما توضحه من سمات، نحاول جاهدين قبولها بعد التشذيب والتحسين، ونلعن الشيطان أحياناً لما يصدر منها من سوء، أو قد نخطئ تفسير ما يصدر عنها أحياناً أخرى، ويبقى هذا تصوراً مبدئياً لطبيعة هذه الشخصية التي نشاهدها ونتعايش معها.

    إن النمط الذي نحن بصدد معرفته ليس مرضياً أو سوياً، بل إنه نمط منحرف من الشخصية حتى أطلق عليه (انحرافات الشخصية) وهو سلوك خطير لا يتسم بالمسؤولية، وتسبب هذه الشخصية من خلال انحرافها معاناة للبيئة التي تعيش فيها ولأسرها. وإذا استعرضنا لغرض المقارنة تعريفات أو آراء الصحة النفسية لدى الإنسان لوجدناها تبتعد ابتعاداً كبيراً عن كل المعايير الطبية والاحصائية والاجتماعية والقيمية، فهي شاذة في تصرفاتها وفي تكوينها، وفي تعاملها مع المحيط الاجتماعي الذي تعيش فيه حتى بات الناس يشكون منها ومما يصدر عنها؛ فالصحة النفسية تُعرّف على أنها حالة من الراحة التامة الجسدية والعقلية والاجتماعية وليست غياب المرض(1) وتعني أيضاً قدرة الشخص على الاستمتاع بالعمل المنتج والحب بشقيه الزواجي والحنون معاً، كذلك هي محاولة لمواجهة متطلبات الذات ومتطلبات البيئة(2).

    لقد كثرت الشكوى من هذه الشخصية حتى ضاق الناس من صعوبة التعامل معها وكيفية تجنبها بقدر الإمكان، ولم يسلم منها أحدٌ - صغيراً أو كبيراً امرأة أو رجلاً -إذ الجميع عانوا منها ولو بدرجات متفاوتة. يقول الإمام السيد الشيرازي: (إن سمعة الناس وأموالهم وأعراضهم وحقوقهم ومساكنهم، كلها محترمة، وكل تعد بغير حق على إحداها هو علامة على الحقد والجهل ونحوهما) (3).

    وهكذا سوف نستعرض هذه الشخصية بكل أبعادها وتكوينها ونشأتها، وجوانبها الايجابية إن وجدت، والسلبية إن استطعنا حصرها، ولقارئنا الكريم الحق في تطبيق هذا النموذج الانساني من البشر على الأشخاص الذين يتعامل معهم في بيئته الاجتماعية والمجتمع الأوسع، ولسوف يجد هذا النموذج المطروح مجسماً لدى أفراد بعينهم.. وأملنا أن يصلح الله سبحانه وتعالى كل منحرف أو أعوج في تصرفاته وسلوكه إزاء الآخرين ويعيده إلى الصراط المستقيم متأسياً بقول
    الإمام علي بن أبي طالب (ع): (إنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الفزع الأكبر)(4).


    الشخصية المضادة للمجتمع (السيكوباثية).. الأسباب والتكوين

    يتحدّد سلوك الإنسان وشخصيته بمجموعتين من العوامل وأحياناً بأكثر من مجموعتين، ولكن يتفق معظم المهتمين على هاتين المجموعتين: البيولوجية والثقافية الاجتماعية.

    أما الأولى فهي التي ترتبط بجسم الإنسان وتتضمن عوامل الوراثة أي ماورثه من والديه وأجداده.

    أما الثانية فهي الثقافية والتي تتعلق بعلاقة الفرد بالأفراد المحيطين به والوسط الاجتماعي الثقافي الذي ينتمي إليه ويعيش فيه، ويضيف البعض الآخر عامل الأسرة والتربية وما يتعلمه من المدرسة وما تتجه له من مواقف تعليمية مقصودة فضلاً عما يكتسبه من زملائه في المدرسة أو الشارع؛ لذا فإن دراسة سلوك الإنسان ودوافعه الشعورية واللاشعورية التي تكمن وراء هذا السلوك، هي دراسة تتميز بمعرفة الإنسان ككل دون اجتزاء، فالنظرة الكلية له تعني معرفة القدرات والمهارات والاستعدادات والميول لتحقيق هذه المعرفة وبالتالي اكتشاف جانب جديد في هذا الكيان الذي كلما اكتشف منه جزء ظلت الأجزاء الأخرى دون اكتشاف، وتستمر دورة الحياة معه ويستمر الاكتشاف لتحديد العوامل الأكثر تأثيراً؛ الوراثية - البيولوجية أو العوامل الأسرية (العائلية)، ويظل الإنسان اللغز الذي لا يتم اكتشافه كلياً؛ فالأسباب التي تشكل نمط الشخصية المضادة للمجتمع (السيكوباثية) يمكن إرجاعها لبعض عوامل التكوين المتاحة على الأقل، وإن ظلت غامضة وغير معروفة تماماً رغم البحوث والدراسات المستفيظة التي تناولتها بالبحث. وما سنعرض من أسباب أو عوامل في التكوين يكفي أحدها لإنتاج هذا النمط من الشخصية:

    1-
    العامل البيولوجي: وهو يتعلق بالتكوين العضوي للشخص، ومن المحتمل أن يكون موروثاً.

    2-
    العامل العائلي: ويتعلق بالتكوين الأسري وبفئة الأسرة عموماً وما يكتسب من عوامل سيكولوجية في الطفولة أو المراحل التالية.

    3-
    العامل الاجتماعي والاقتصادي: وهو يتعلق بالحالة البيئية - الاجتماعية أو بالمجتمع الذي نشأ فيه الشخص.

    1)
    العامل البيولوجي:

    ينشا هذا العامل لدى البعض أساساً من غلبة العوامل والأسباب الوراثية على تكوين نمط السلوك الشخصي للفرد المضاد للمجتمع والمعادي له من خلال ارتفاع معدل حدوثه في عائلات وأسر دون أخرى. وقد استنتج العاملون في مجال علم الوراثة ارتفاع معدل نشوء هذا النمط في الشخصيات في عائلات معينة تمت ملاحظتها على مدى ثلاثة أجيال، كما دعمت الاسنادات النظرية تأثير جانب البنية الجسمية للشخصية المضادة للمجتمع (السيكوباثي) من خلال غلبة البنية الرياضية العضلية عليها، مما يدلل على ارتباط الجانب الجسمي والامكانيات الجسمية مع الجانب السلوكي (المظاهر السلوكية) فضلا عن مايعتري هذا النمط من الشخصية اثناء فترة الطفولة والمراهقة من أعراض في الحركة الدماغية أو على صورة الإفراط أو الحركة الدماغية مما يعكس آثاراً بيولوجية في التكوين...

    إن الدراسات البيولوجية للمكونات الوراثية أعطت دوراً مهماً في تشكيل هذا النمط من الشخصية لدى الأشخاص الذين يتسمون بالسلوك السيكوباثي رغم توقع العلماء ظهور حقائق أخرى تؤيد أهمية هذا العامل ووضوحه في التكوين أو المسبب الأساس، هذا ولا يمكن حصر العامل البيولوجي المنقول بحكم الوراثة واغفال أهمية العوامل الأخرى المكتسبة أو المتعلَّمة تربوياً أو اجتماعياً؛ لذا ظلت العوامل الوراثية ناقصة في هذا المجال، رغم وجود اهتمام كبير بالآثار البيولوجية الناتجة عن التهابات عابرة خلال فترة من فترات الحمل أو الولادة خلفت آثاراً فعالة على الشخصية لاحقاً. ويرى الإمام السيد الشيرازي: (إن الإنسان يرث معظم الصفات، إلا أنها لا تظهر كلها، بل تبقى كامنة لضغط العوامل الأخرى على هذا العامل) (5).

    2)
    العامل العائلي:

    يقول
    الإمام علي (ع): (انظروا من يرضع أولادكم فإن الولد يشبّ عليه) (4)، ففي هذه الحالة يشبّ الطفل في الظروف الحياتية حيث يعيش الإنسان ضمن بيئته العائلية وتفاعلاتها (تفاعل الأفراد مع بعضهم البعض، وتفاعل الأسرة مع الأسر التي تصلهم بالقرابة، أو مع أفراد المجتمع)، وتنحصر أهمية الأسباب العائلية عندما ينشأ الطفل في أسرة بها أب يحمل سمات الشخصية المضادة للمجتمع (سيكوباثي) مع إدمان على الخمور أو تعاطي المخدرات، وفي مثل هذه الحالة يكون الاعداد البيئي قد أظهر مفعوله، وهو يؤشر حالة الإنذار التي تحيق بالأبناء، ويرى علماء النفس أن سلوك الإنسان يتكوّن من المعادلة التالية:

    سلوك الإنسان = الاستعداد × الإعداد × الدافعية

    (وراثي) (بيئي) (دافعية الفرد الخاصة)

    لذلك نرى أن البيئة التي تتوفر فيها سمات سلوكية تدل على هذا النمط من الشخصية مع الاستعداد الجزئي من الوراثة، فضلاً عن وجود الدوافع الكامنة (التهيؤ النفسي) لدى الطفل مع بيئة مهيأة لإعداد هذا النمط، فإنه سوف يشب على هذا التكوين لا محالة.

    إن التسيب وتفكك الأسرة أسبابٌ مضافة ومشجعة على نمو السلوك المضاد للمجتمع وقيام النوازع الذاتية لدى الفرد. ولعامل التعلم من الأسرة والمحيط العائلي دور كبير وفاعل في تكوين هذا السلوك لدى الإنسان، حيث قال الإمام الشيرازي: (إن الإنسان يأتسي في أعماله بمثال أو أمثلة، ويجعل ذلك منهجاً لعمله، لذا نجد الصالحين يتبعهم رعيل من الصالحين، وبالعكس.. ) (5)، لذا اعتبرت الأسرة التي تعيش حالة التفكك والانحلال وكثرة النزاعات بين أفرادها، والتحلل في العلاقات، هي احدى الأسباب القوية المؤدية إلى نشأة السلوك المضاد للمجتمع (السيكوباثي). ومن الأسباب التي يتوقع لها تأثير فعال أيضاً، هي ممارسة القسوة الجسدية أو النفسية على الأبناء، وإحساس الطفل بالخوف أو الرعب الزائد من قبل الأبوين أو القائمين على التربية، فتبقى الصورة التي ترتسم في مخيلة الطفل عن أسرته، هي القسوة، وينشأ عاجزاً عن الوصول إلى مستوى النضج السوي في الشخصية.

    إن معظم العائلات التي تميزت بوجود حالة اضطراب أو تدني عن متوسط حالة السواء في تعاملاتها مع أبنائها أو مع المحيطين من الأقرباء أو الآخرين في المجتمع، من المحتمل أن ينشأ لدى أبنائها حالة سيكوباثية (مضادة للمجتمع) واحدة على الأقل من بين أفراد العائلة.

    3)
    العامل الاجتماعي - الاقتصادي:

    ترى الدراسات المتخصصة بأن للمستوى الاقتصادي والاجتماعي دوراً مهماً في تكوين السلوك السيكوباثي (المضاد للمجتمع) لدى فئة من الناس وخاصة عند المستويات الهابطة وفي المدن والمناطق السكانية المزدحمة ولدى العائلات التي تتميز بكثرة عدد أفرادها مع انخفاض في مستوى المعيشة؛ فإذا ارتفعت المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، انخفضت الشخصيات المضادة للمجتمع، والعكس صحيح، ورغم أن هذا الرأي لم يجد دلالات احصائية أو علمية تدعمه، غير أن الكثيرين يوردون هذا الاستنتاج، ورغم أن انتشار ظاهرة النمط المضاد للمجتمع لدى الطبقة الوسطى هو بنفس الدرجة التي ينتشر بها بين أبناء الطبقة الفقيرة، إلا أن التخلف الاقتصادي والاجتماعي لا يعد بحد ذاته سبباً في ترجيح أثر العوامل الاجتماعية والاقتصادية في تكوين الشخصية المضادة للمجتمع (السيكوباثية)؛ ولقد قال
    الإمام علي (ع) بهذا الصدد: (النفس الكريمة لا تؤثر فيها النكبات) (6).

    سمات (السيكوباثية) المضادة للمجتمع أو المناهضة للمجتمع

    إذا كانت الشخصية هي الكيان الذي يضم صفات الفرد العقلية والانفعالية والخبرات الأخرى التي اكتسبها الفرد خلال تنشئته الاجتماعية، فإن الصلة بين الشخصية والثقافة تكون صلة وثيقة جداً، لأن الفرد يولد في مجتمع، والمجتمع له ثقافة حددت سلفاً قبل ميلاده –طبقاً لمعاييرها- اساليب السلوك المستحسنة وأساليب السلوك المستهجنة، وعلى الفرد لكي يتمتع بعضويته في المجتمع ويحظى بحمايته من خلال انتمائه له، أن يستدخل معايير الثقافة وأن تصبح جزءاً من تكوينه ومن شخصيته(7)؛ فالشخصية إذن نمط عند الإنسان يكونه من خلال معايشته مع الواقع، ويتخلق من خلال ذلك الواقع، فالعامل البيولوجي أو العامل الاجتماعي والاقتصادي أو العامل العائلي والتربوي، ماهي إلا مكونات افتراضية تتوقع تكوين نمط الشخصية فضلاً عن الثقافة التي يكتسبها الفرد باعتبارها جزءاً من الواقع المعاش، ونحن إزاء سلوك يختلف تماماً في مبناه التكويني ومعناه الافتراضي عن الشخصيات التي صنفت على أساس الصحة والمرض، فهذا النمط لا يصنف على هذين الأساسين، بل يصنف على أنه انحراف في الشخصية الإنسانية.. ويمكن استعراض صفاتها الأساسية كالتالي:

    - تتسم بالعنف غير الطبيعي، أو سلوك خطير لا يتسم بالمسؤولية.

    - تعاني من انحراف السلوك، وتسبب المعاناة لمن حولها في الأسرة والمجتمع.

    - سريع الاندفاع وعديم الشعور أو قليل الشعور بالندامة والإثم.

    - عاجز عن تكوين علاقة دائمة من المودة مع غيره من الناس.

    - أناني لا يعرف أحد سبب أنانيته.

    وتتوفر في السيكوباثي أربعة مظاهر:

    * عدم وجود مرض عقلي أو تخلف عقلي.

    * استمرار مدة المعاناة.

    * اتسام السلوك بالعنف والتعدي وعدم المسؤولية.

    * اضطرار المجتمع لاتخاذ إجراء ما لمواجهة هذه الحالة(8).

    ومن الصعب جداً حصر نمط الشخصية المناهضة للمجتمع (السيكوباثية) في صورة سلوكية واحدة أو تصور واحد معين بحد ذاته؛ فهي تتلون وتتغير تبعاً للموقف ولذا لا يمكن تأكيد صورة أو أخرى من الصور العديدة بشأنها، حتى أصبحت غامضة في أسبابها وحدودها، وأبلغ وصف لهذا النمط من الشخصية عندما شخصها
    الإمام علي (ع) تشخيصاً لا يقبل الغموض بقوله: (المنافق لسانه يسر وقلبه يضر)، وقوله أيضاَ: (الغشوش لسانه حلو وقلبه مرّ) (6)، وقد تعارف الناس عند وصف صاحب هذا النمط من الشخصية، في تعاملاته الاجتماعية بأنه حلو اللسان قليل الإحسان.

    أما السمات التي يتصف بها السيكوباثي (المضاد للمجتمع)، من خلال التشخيص الاكلينكي فقد اتضح ما يلي:

    عدم النضج الانفعالي، فقدان التبصر، العبثية، الأنانية، النشوز الاجتماعي.

    وهذه الصفات هي خروج عن القاعدة الاجتماعية في التعامل والترابط الاجتماعي، بالاضافة إلى وجود خصائص عامة يتميز بها وأهمها:

    - عدم مقدرته على التحكم بدوافع السلوك.

    - عدم توفر الوازع الضميري بما يكفي للشعور بالإثم والندم على تصرف مخلّ بالمثل الأخلاقية للمجتمع الذي ينتمي إليه.

    أما الصفات الفردية الخاصة فهي:

    - السطحية بالعلاقات العامة والعجز عن إقامة علاقة صحيحة وثيقة ودائمة حتى مع شخص واحد، والسعي إلى استغلال الآخرين إما بالتحايل أو بالابتزاز أو التطفل.

    - فقدان الخجل والشعور بالعيب.

    - انعدام التحسس بالنخوة والشرف وفقدان التعاطف مع الآخرين أو الشفقة عليهم.

    - ضعف في القدرة على التفكير المنطقي المتواصل، والتوصل إلى أسباب الأمور ونتائجها.

    - سريع التأثر والانفعال، والتصرف برعونة وغطرسة ولا يحظى بالتقدير والاحترام.

    - يندفع بدون ضوابط للتعدي على الغير أو الأشياء وبدون مبرر.

    وتكثر في هذه الشخصية أعراض هي:

    - عدم الاستقرار والالتزام بالشأن العائلي والحياة العامة.

    - فقدان الطاعة والانتظام العائلي.

    - المشاكسات والخروج على القانون في مجال الحياة العامة مما قد يقوده إلى القضاء.

    أما في مجال العمل:

    - التغيب والتمارض وتجنب المسؤولية ودفع الأعمال إلى الآخرين.

    - اضطراب العلاقة على مستوى أو أكثر من مستويات العمل والإدارة والعلاقات الشخصية.

    كما تبرز بعض المظاهر والحالات غير المرغوبة اجتماعياً وخلقياً مثل:

    - قصور في النمو العاطفي.

    - وجود انحراف وشذوذ في مجال الحياة الجنسية.

    - تعاطي المشروبات والمقامرة لحد الإدمان.

    - تعود على الأدوية والعقاقير المخدرة(8).

    وعلى ضوء ما عرضناه من مظاهر وصفات وأعراض وسمات الشخصية المناهضة للمجتمع (السيكوباثية) والتي تعد خروجاً واضحاً على الأعراف والقيم والتقاليد الاجتماعية، والسلوك الأخلاقي، وعلى أساس تسليمنا بأن المعايير هي قواعد غير مكتوبة تميز السلوك المقبول من غير المقبول في حالات محددة، وأن الاخلاق هي سلوكيات تنسجم مع العادات والتقاليد المتفق عليها في مجتمع ما، بحيث ينظر إلى سلوك الفرد على أنه أخلاقي إذا قام بعدد من السلوكيات المحددة كالنقد والأحكام المنطقية في التعامل مع موقف معين داخل المجتمع.

    على ضوء ذلك نستطيع القول بأن هذه الشخصية، مرضية في تصرفاتها، سوية كما تعتقد مع نفسها، منحرفة عن قيم ومعايير المجتمع وفق السياق العلمي للتشخيص.

    الشخصية السيكوباثية (المضادة للمجتمع)

    أو التضاد الاجتماعي واضطراب الشخصية

    في الأفراد غير الناضجين تؤثر الأنانية، والتعصب القومي، والتعصب الجغرافي، فالإنانية الفردية ستر يحجب بين الإنسان وبين مصالحه(5) ويتميز هذا النمط بتلك الصفات كالتعصب والأنانية الفردية، وهو تأويل في السلوك الظاهري، يتميز باضطراب الشخصية وعدم التكيف والمرونة في ما يتعلق بالإدراك والتفكير في الذات وفي البيئة الاجتماعية؛ لذا فإن الشخص الذي يتميز بهذا النمط (التضاد مع المجتمع) يفتقد إلى الإحساس بما هو صواب وما هو خطأ (الصح × الخطأ) مع البحث الدائم في تحقيق اللذة الفورية في اللحظة الراهنة دون أي تأجيل، علماً بأن أحد أركان الصحة النفسية لدى الإنسان السوي هو القدرة على تأجيل الرغبة إلى وقت آخر وارجاء تحقيقها آنياً، وهذا لا يتماشى مع سلوك السيكوباثي ويشابه هذا السلوك سلوك الأطفال في حاجاتهم ومتطلباتهم وتحقيق رغباتهم، فضلاً عن عدم الاحساس بالألم أو إخفاء المساوئ المتكررة أو الخجل منها أو الاستحياء عند تكرارها، ولايفكر بأية روادع شرعية أو دينية أو أخلاقية تحد من سلوكه، كذلك فإن العقاب لا يردع هذه الشخصية ولا يعلّمها لتزداد خبرة من كثرة التجارب.

    أما الصفات الأخرى التي تتمتع بها الشخصية المضادة للمجتمع فهي:

    إن السيكوباثي جذاب، ذكي، متكلم ومؤثر بالحديث، شخصية منبسطة، لا هدف له، غريزي حيواني، يقنع الآخر بأسلوبه الخلاب(2)، لذا صنفت هذه الشخصية على وفق المعايير الاجتماعية والطبية بأنها ليست مريضة نفسياً أو عقلياً بل إنها شخصية منحرفة عن قيم المجتمع، وهذا الانحراف يعد بحد ذاته خروجاً عن المألوف ومتضاداً معه حتى سميت بالشخصية المضادة للمجتمع أو المناهضة للمجتمع. وقد أجمل
    الإمام الشيرازي جملة من المفاهيم بقوله: (ما تقتضيه طبيعة الانسان بما هي طبيعة، فإن العقل بما هو مجرد عن الشوائب، وأن العاقل الذي يحتكم إلى عقله يرى حسن بعض الأشياء، والطبيعة بما هي طبيعة أعم من كل فطرة) (9).

    لذا فإن الشخصية المضادة للمجتمع لا تحتكم إلى العقل، وهي غير واقعية، ترى الأشياء من منظار الشك الموسوس، وهي ما ينطبق عليها التعبير القرآني (
    النفس الأمارة بالسوء) والنفس الشكاكة وهي النفس الشاذة، وقال عالم النفس (وليم جيمس) في ذلك: (من شذوذ النفس، أنها عندما تحس بالتأزم والمهانة، يصدر عنها الكبر والحسد والعجب والغرور، وما إلى ذلك من ضروب سوء الظن بالناس، والشعور بأنهم مكايدون، وأنهم أعداء له، ويتربصون به الدوائر، لهذا ففي الحالات الشاذة يفقد الإنسان قدرته على إدراك الواقع بصفاء رؤية وحسن روية، والسبب في ذلك أن العقل حينئذ يعجز عن تحديد رغبة الغريزة الجامحة) (10). وهذا ما تظهره الشخصية المنحرفة التي تتعايش مع البيئة الاجتماعية وتتفاعل معها تفاعلاً شاذاً، ويشكو الناس منها لكثرة أخطائها وما ينتج عنها من احتيال أو قذف اجتماعي (شتيمة) ونميمة وتناول أعراض الناس واختلاق الأسباب الواهية والصاقها بأناس لا يرتبطون معه بأية روابط أو علاقات، ويصل هذا الشك والنميمة إلى أقرب المقربين له، وهي الزوجة أو الأخوة أو أهل الزوجة، فتراه يكيل لهم التهم الكاذبة والتي يصدقها هو وحده، ويواجه بها بعد أن تمثلت في كيانه وشخصيته، وأصبحت جزءاً منه، حتى ليعتقد بأنها حقيقة لكثرة ما صاغه في مخيلته ونسجه مع أفكاره بحيث صار يعتنقها كأفعال صحيحة، ولكنها في الواقع لا صحة لها، وإنما هي نسجت في خياله، وآمن بها.. يقول الإمام جعفر الصادق (ع) بهذا الصدد: (لا مروءة لكذوب ولا راحة لحسود، ولا اخاء لملول، ولا خلة لمختال، ولا سؤدد لسيء الخلق) (11).

    أنماط الشخصية المضادة للمجتمع (السيكوباثية)

    إن السمة السائدة لهذه الشخصية هي عدم النضج العاطفي، وتركز الطفلية العاطفية، فضلاً عن ضعف التحكم في العقل، وعدم التعلم من تجارب الحياة وخبراتها، فنجده يندفع بدون تأني وردود أفعال غير متزنة، فتارة يكون في حالة حزن شديد وانعزال تام، وتارة أخرى فرح وسعيد ومبتهج، وهو السائد على سلوكه الظاهري، وعند الأخذ بأنماطها المتعددة نجد أنها تشمل:

    - اللااجتماعية أو المناهضة للمجتمع.

    - العنف والتعدي.

    - الاخلاقي.

    - المبدع - الخلاق.

    *
    النمط اللااجتماعي أو المضاد للمجتمع: وتسمى أيضاً الشخصية المناهضة للمجتمع، ويوصف هذا النمط بأنه يخرج عن النمط الاجتماعي المقبول والمعقول في سلوكه وترى (ميوراي وهيو لسكرتر) بأن القوانين والمعايير الاجتماعية والاخلاقية هي بمثابة بناء ديناميكي يتأثر بالزمن والثقافة السائدة في مجتمع ما، كما يتأثر بطبيعة الأفراد الذين يتعاملون مع هذه القضايا(9)، لذا فإن كل حالة تعد حالة منحرفة عن المتوسط الاجتماعي لسلوك الناس، وهي خارجة عن القيم والقواعد الاجتماعية؛ ويرجع هذا النمط من السلوك والتصرفات إلى فشل التواصل بين الذات والآخر، ويصدق هذا القول على السلوك العدواني، لا سيما أن القذف والشتم وتناول الناس بالسيئات إنما هو سلوك عدواني بأبسط صوره، وكذلك التعدي بالضرب يعد أعلى درجات السلوك المضاد للمجتمع، فضلاً عن أن لدى هذه الشخصية مبدأ اللذة هو السائد على مبدأ الألم، ويسعى إلى تحقيقه على حساب أي اعتبار آخر دون النظر إلى العواقب.

    *
    نمط العنف والتعدي: يعد هذا النوع من أخطر الأنواع؛ ففيه تتمثل المعاناة الكبيرة للعائلة والمجتمع، لما يصدر عنه من سلوك فعلي ازاء مواقف الحياة وتفاعلاتها ... ويطلق على هذا السلوك أو النمط بسلوك التعدي والعنف وايذاء الناس أو الأشياء أو كليهما؛ فهو يتسم بالقسوة وبدون ندم على مايفعله أو الشعور بالإثم أو أي مراعاة لقيم المجتمع وأعرافه. وعنف الفرد السيكوباثي وتعديه على أفراد المجتمع لا ينحصر فقط في الخشونة بالتعامل أو الكلام أو التهور في المعاملة، بل يتعداه إلى درجات متفاوتة من العنف والإيذاء الفعلي، وقد يشمل حتى الأطفال والنساء وأفراد العائلة، ويرى علي كمال أن معظم حالات العنف قد تأتي بدون تدبير مسبق، إلا أنها قد تأتي في بعض الحالات تحقيقاً لرغبة ملحة، كما أن العنف قد يأتي استجابة لانفعال آني يثار لسبب ما قد لا يكون عظيماً، غير أن رد الفعل يأتي بكامل قوته(8). لذا يعد سلوك العنف الصادر عن الشخصية السيكوباثية سلوكاً ضد المجتمع وضد الأشياء، وهو عنف مادي غير مقبول.

    *
    النمط اللاأخلاقي: يتصف الشخص السيكوباثي (المعادي للمجتمع) بسلوكه غير الأخلاقي في التعامل مع الناس من حيث الكذب والغش والتحايل والتطفل والابتزاز والتطاول على الآخرين، وينبع هذا السلوك أساساً من عدم تقدير الشخص لذاته أو لنفسه، فهو لا يجد التقدير والاحترام من نفسه، كما يشعر بالدونية تجاه نفسه، فيقوم بإسقاط هذه المشاعر (الدونية) وكل الصفات اللااخلاقية على الناس، وهذه المشاعر الدونية في التعاملات تنعكس على حالة الإحباط التي يعيشها ويشعر بها مما يؤدي إلى فشله في إقامة علاقات متوازنة قائمة على التقدير والاحترام مع الآخرين، لذا فهو لا يجد أية صعوبة في أن يعيش حياة اجتماعية متدنية في الأخلاق، فليس له علاقة مع الآخرين، ويعيش منعزلاً.

    *
    النمط الإبداعي- الخلاّق: يوصف السيكوباثي بأنه مبدع؛ ويتميز بدرجة عالية من الذكاء والتأثير في الآخرين المحيطين به، ويستطيع انتاج أفكار وإبداعات كبيرة وعظيمة خلال مسيرته العلمية أو الثقافية أو الفنية، وقد أثبتت بعض الدراسات وجود ارتباط بين شخصية بعض المبدعين والانحراف، على أن ذلك لا يعني بحال أن كل مبدع منحرف أو مضطرب أو مريض؛ فالعمل الإبداعي يصدر عن الفرد ويمثل انفعاله الكلي في عملية الخلق وطريقة إنجازه وزمن إنجازه وأسلوب حياته.

    الشخصية المضادة للمجتمع والنفس المسوِّلة

    قال الله سبحانه وتعالى: (وكذلك سوَّلت لي نفسي) (سورة طه:96). وقال أيضاً: (قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) (سورة يوسف: 18) وقال: (قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل) (سورة يوسف: 83).

    ويقسم القرآن الكريم النفس الانسانية إلى:

    - النفس المطمئنة.

    - النفس اللوّامة.

    - النفس الأمّارة.

    - النفس المسوّلة.

    فالنفس المطمئنة (
    سبب الهدايةوالنفس اللوّامة (نفس الهوىوالنفس الأمّارة (الشيطان)، والأخيرة النفس المسوّلة (ذات الشرير) ومصدر الكراهية والبغض وتفريق الناس.

    إن تعدد هذه التقسيمات للنفس بأفعالها وما يصدر عنها من تناقضات إنما يدل على أثر الصراع في استمرار الإنسان وغلبة الخير تارة والشر تارة أخرى، وهذا الصراع لا بد وأن يحسم في نهاية الأمر لصالح أحد الطرفين، وعليه فإن عوامل الوراثة والبيئة والنزوع كلها تتدخل في تكوين النفس الإنسانية ومسار فعلها ونواتج ما يصدر عنها مباشرة على الناس في التعاملات اليومية أو حركة العقل من خلال نسج الأفكار سواء أظلت في داخل الدماغ أو تحولت إلى أفعال للواقع؛ لذا فإن الضمير كعامل ردع كفيل بأن يوقف النفس السوالة عند حدودها ولكن شرط تضافر عوامل التكوين مجتمعة (الوراثة والبيئة، والتنشئة الأسرية والاجتماعية والقيم الدينية) فضلاً عن النزوع الذي يميز الإنسان، والقانون الأخلاقي (الأعراف) الذي يلزم النفس عند حدودها؛ ومن هنا تفاوتت النزعات وتباينت النزوات، واختلفت الرغائب، فالنفس المسوّلة حينما تنفلت من قيم الضمير، أي من ملزمات ضميرها، تستجلب في أعقاب سلوكها الآلام والآثام(11)، فالنفس المسوّلة تقود الإنسان في أغلب الأحيان نحو الشهوات وعمل الموبقات والدعوة إلى الانحلال الأخلاقي وانحراف السلوك، وارتكاب الفواحش بدافع هذه النفس؛ إن الضمير يعد القوة والمحرك الأساسي في ردع دوافع الإنسان عندما يسلك سلوكاً منحرفاً أو خارجاً عن قيم المجتمع وتقاليده، ويعد الخروج عليها خروجاً على المجتمع، فرغم الضمير وماله من سلطة، فإن صاحب الشخصية السيكوباثية (المضادة للمجتمع) لا يمكن ردّه عن غيّه أو السيطرة عليه، بل يمضي في تحجيم الضمير ونوازع الخير حتى يضمحل ويختزل دوره في حياته. وهذه الشخصية حتى وإن بدا للناس ما بها من شفقة ورحمة وإظهار الخير، فإن هذه الخصال قد تكون رد فعل لما تنطوي عليه النفس من القسوة!!.

    إن الإذعان لسلطان النفس المسوّلة يسير جنباً إلى جنب مع قوة الشر المتفاعلة بداخل صاحبها، وتنحسر قدرة الضمير ونوازع الخير إلى أقل ما يمكن في نفسه وتبقى ضعيفة واهنة لا قدرة لها على المجابهة مع تلك التيارات من الشر والعدوانية نحو الناس دون استثناء أو تمييز، حتى نجده لا يقيم اعتباراً لأحد ويذكرنا الله سبحانه وتعالى في
    القرآن الكريم بقوله: (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها) (النحل: 111).

    المـــصـــادر:

    (1) وجهات نظر اسلامية في الصحة العقلية ومعالجتها، محمد فاروق السنديوني، مجلة الثقافة النفسية، العدد الثاني، نيسان (1995).

    (2) مدخل علم النفس ليندا، ل، دافيدوف، ترجمة سيد الطواب وآخرون، ماكجر وهيل، القاهرة، مصر، (1983) ص616، ص689.

    (3) السبيل إلى إنهاض المسلمين، السيد محمد الحسيني الشيرازي، مؤسسة الفكر الإسلامي، بيروت، لبنان، (ب.ت) ص281.

    (4) نهج البلاغة، خطبة 284.

    (5) الاجتماع/ج1 السيد محمد الحسيني الشيرازي، مطبعة دار العلوم، بيروت، لبنان، (1992)، ص78، ص85.

    (6) مائة شاهد وشاهد، عبد الزهراء الحسيني الخطيب (1994) ص75.

    (7) الثقافة والمرض النفسي، علاء الدين كفافي، مجلة الثقافة النفسية، العدد (26)، نيسان(1996).

    (8) النفس، علي كمال، دار واسط، بغداد، العراق، (1988) ص364 ص271.

    (9) القانون، السيد محمد الحسيني الشيرازي، مركز الرسول الأعظم، بيروت، لبنان (1998)، ص114.

    (10) القرآن وعلم النفس، عبد العلي الجسماني، الدار العربية للعلوم، بيروت، لبنان (1997) ص250، ص162.

    (11) تحف العقول، أبو الحسن الحراني، مطبعة شريعت، طهران، إيران (1421هـ) ص230، ص276.

    __________________
    (اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْفِنا طُولَ الأَمَلِ، وَقَصِّرْهُ عَنَّا بِصِدْقِ العَمَلِ )
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2
    اضافة من ناقل الموضوع: محب اهل البيت:
    أراناالله سبحانه وتعالى دربي الخير والشر00 وأوكل لنا أمرالأختيارفيما بينهما..

    قال الله تعالى نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي( أن هديناه النجدين )) يعني الخير والشر..

    الشر لا يخلق مع الانسان بل يتولد في الدنيا حسب الظروف والدوافع..

    لا أعتقد أن الله سبحانه وتعالى قد زرع في الانسان الشر- حاشاه تبارك وتعالى- والا لما حاسبه على كل اخطائه قال الله تعالى ((ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير))30 الشورى.

    قال تعالى :{‏وما أصابكم من سيئة فمن نفسك‏}79النساء..

    قال تعالى :‏‏{‏أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم‏}165 آل عمران.

    عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى (و لمن خاف مقام ربه جنتان), ((من علم أن اللَّه يراه ويسمع ما يقول ويعلم ما يعمله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الذي خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوى)) . البحار


    فهناك في النفس نزعة الخير ونزعة الشر ويمكننا لو صح التشبيه أن نمثلهما ببذرة الخير وبذرة الشر في النفس البشرية.

    فالناس في هذا أحوال..

    هناك من ينمي بذرة الخير 00 وتطغي على بذرة الشر وتخنقها أو تضعف نموها...

    وهناك من يبادل بين البذرتين في العناية 00

    والنوع الثالث هو من يجعل جل اهتمامه ببذرة الشر ويقتل كل بوادر للخير بداخله وهذا 00مايعرفه علماء النفس البشرية بالشخصية السيكوباتية 00 أو الشخصية المضادة للمجتمع...

    هولاء السيكوباثيين تجدهم يحاولون إلحاق الأذى بمن حولهم .. حتى وإن كانوا أعز الناس إليهم 00

    ولا يشعرون بأي تأنيب ضمير بل يكررون أفعالهم مرار وتكرار ...

    فالامراض النفسية كثيرة فمنها ماهو فعلا خطير وعدائي ومنها ما يستحق الشفقة وفيه من الضعف ما يعجز الشخص المريض به ان يتحمل مسؤولية نفسه

    إذا ما الحل مع هؤلاء ؟؟؟؟؟

    طبعاً ليس وضعهم خلف القضبان ...وأنما ينبغي علاج النفس كما نعالج خلل الأبدان...

    إننا لو نظرنا إلى الأمراض الصحية التي يعانيها الإنسان لوجدناها غالباً ما تكون بسبب مخالفة الدساتير الصحية التي وضعها الأطباء وقاية وعلاجاً للأبدان .. فكذا الأمراض النفسية أيضا

    أعتفد أن الجانب الروحاني والدين له الأثر البالغ في معالجة النفس الأنسانية...

    قال الله تعالى نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)) (سورة يونس آية57)

    وصف الله القرآن بأنه شفاء لما في الصدور، وعندما يذكر الشفاء يتبادر إلى الذهن موضوع المرض لأن الشفاء إنما يعني تجاوز حالة المرض والألم، فعندما يقال شفي فلان من مرضه فهذا يعني أنه كان مريضاً.

    وإذا كان القرآن الكريم يعتبر نفسه شفاء، فهذا يعني أنه ينبئ عن افتراض إصابة نفوس أبناء البشر بالأمراض، كما الجسم يصاب بالمرض .

    إن مرض الجسم يعني وجود خلل في جهاز أو عضو من أعضائه فيمنع هذا العضو من أداء دوره بشكل طبيعي فينتج عن ذلك مضاعفات وآلام، وحينما يحصل المرض في جسم الإنسان فإنه يندفع لمعالجته، لأن بقاءه يسبب له مشاكل، كما أن إبقاءه دون علاج يرشح المرض للتطور والزيادة.

    ومثل هذا ما تصاب به النفس البشرية....

    فالنفس عبارةعن: مجموعة المشاعر والعواطف والغرائز الموجودة عند الإنسان وطريقة تعامله معها، وطريقة إشباعه لها، فلكل غريزة من غرائز الإنسان، وكل عاطفة من عواطفه، وكل جانب من جوانبه يؤدي دوره المهم في تكوين نفسيته وما انتظام حياة الإنسان إلا بانتظام هذه الغرائز، وأداء كل واحدة دورها الطبيعي الذي خلقت من أجله.

    والمشكلة في الجانب الروحي أن كثيراً من أعراضه يصعب استشعارها لدرجة أن الإنسان يمارس حياته وكأنه إنسان طبيعي سوي، وهو يحمل في طوايا تلك النفس أخبث الأمراض وأخطرها على نفسه وعلى الإنسانية أجمع .

    المرض النفسي ربما يبدأ بسيطاً لكنه يتضخم حتى يفقد الإنسان توازنه ويسبب له التعويق في تعامله مع ربه، ومع نفسه ومع الناس، وعلى هذا فينبغي علاج النفس كما نعالج خلل البدن لئلا يزداد ويستفحل، ومن ثم يعيق مسيرة حياة الإنسان السوي على هذه الأرض .

    وربما كان هذا الأمر بيناً واضحاً لدى بني البشر ولكن السؤال المحير: كيف نعالج هذه الأمراض النفسية ؟

    لقد قدم الإنسان كثيراً من الضحايا وكثيراً من التجارب حتى وصل إلى ماهو عليه الآن من تكنولوجيا الطب وتقنيته، وصار له في المجال الجسمي أطباؤه وصيادلته ومستشفياته ومصحاته .. وتمكن من معالجة الكثير من الأمراض التي كانت تخفى على الأطباء بالأمس.

    وكذلك الأمراض النفسية تحتاج للعلاج، ولكن لو ترك الإنسان وعقله وفطرته، فإنه قد يصل إلى الحل لكنه سيدفع من أجل ذلك الكثير الكثير من المعاناة و يلزم التخبط لزمن طويل.

    وما يزيد الأمر خطورة أن الأمراض الجسمية ليس هناك مراكز قوى ومصالح – في الغالب – تسعى للإطاحة بجسم الإنسان وتعويقه كما في مراكز القوى التي تكرس جهودها لتخديرالشعوب والعبث بنفوسهم وعقولهم، فاختصر الله الخالق سبحانه للإنسانية العلاج للخلاص من أمراضهم النفسية والروحية بهذا الهدي الإلهي الذي جاء في آخر صورة منه بعد سلسلة الأنبياء والمرسلين متمثلا في القرآن الكريم.

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)) (سورة يونس آية57)

    ولهذا جاء التعبير القرآني يَا أَيُّهَا النَّاسُ ليكون خطاباً لكل الناس لكل البشر الذين يتعرضون للمرض; قَدْ جَاءَتْكُمْ تقصدكم وتتعرض لكم أنتم .. ثم جاءت الآية الشريفة تحكي مراحل التربية والتزكية.

    المرحلة (1): مرحلة الموعظة الحسنة والنصيحة مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ

    المرحلة (2): تطهير الروح من الرذائل والنقائص وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ

    والمرحلة (3): الهداية إلى المعارف الحقة والأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة
    وَهُدىً

    المرحلة (4) والأخيرة: هي مرحلة الاستقرار في الرحمة والنعمة والسعادة
    وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ

    وفي الحديث عن النبي ص: « القرآن هو الدواء » دواء لأمراض النفس والمجتمعات وكل مشاكل
    الحياة.

    والإمام علي عليه السلام الذي يقول في وصف القرآن الكريم(( وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى أو نقصان من عمى، واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد بعد القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على لأوائكم، فإنه فيه شفاء من أكبر الداء ))...


    تحياتي

    محب أهل البيت
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    نعم قرات عنها اختي ريمه فعلا هي غير سويه بالمرة واظن ان امثالها منتشر كثيرا بات في مجتمعنا

المواضيع المتشابهه

  1. الشخصية السيكوباتية
    بواسطة راما في المنتدى فرسان الطب النفسي .
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-03-2014, 07:00 AM
  2. البناء المدني الجديد للمجتمع الفلسطيني
    بواسطة تحسين في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 06-27-2011, 02:27 AM
  3. اكتشاف سبب عدم فعالية العقاقير المضادة للاكتئاب ببعض المرضى
    بواسطة عبدالله أبوسارة في المنتدى فرسان الطبي العام .
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-03-2010, 12:23 PM
  4. العقاقير المضادة للاكتئاب قد تؤدي للإصابة بسكتات الدماغ
    بواسطة عبدالله أبوسارة في المنتدى فرسان الطبي العام .
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-27-2009, 01:32 PM
  5. العنوان: الشخصية المضادة للمجتمع (السيكوباثية)- الأسباب والتكوين
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان الطب النفسي .
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 06-02-2007, 12:54 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •