الطيب صالح : نعيش زمن الرواية ومستقبلنا مفتوح على العالمية
القاهرة : 15\4\2005
هالة البدري


يتمتع الكاتب السوداني الطيب صالح بشعبية عربية جارفة، أحبه القراء منذ
كتب "موسم الهجرة إلى الشمال"، ورغم قلة أعماله الروائية ومنها "ضو
البيت"، و"عرس الزين" و"مريود" فإن القارئ يترقب أن يعود يوما إلى
الكتابة الروائية التي هجرها منذ ثلاثين عاما تقريبا، حتى إن كتابه
الأخير "منسي" اعتبر بشكل ما عملا يخلط بين الرواية والسيرة. والطيب صالح
لم يكف عن كتابة المقالات يوما وعمل في وظائف متعددة في اليونيسكو،
وهيئة الإذاعة البريطانية وأيضا كمستشار ثقافي لدولة قطر، وهو إذ يعيش
في لندن منذ كان في العشرينات من عمره، وينتقل الآن
بين كثير من البلاد مستمتعا بوقته بعد أن تقاعد من عمله، لا يبتعد كثيرا
عن الوطن العربي أو بلده السودان. حاز الطيب صالح أخيرا جائزة الملتقى
الثالث للرواية العربية الذي انعقد في مصر، وهو شخصية اشتهرت بخفة الدم
والبساطة والهدوء، وكنت قد همست في أذنه مباركة قبل أن يبدأ الحفل
بدقائق ظنا مني أنه يعرف فقال لي مبتسما إذا كان الأمر كذلك فهذا شيء
عظيم، ثم عرفت بعد الحفل أنه لم يكن يعرف نبأ فوزه إلا حين قال لي إن
مباركتي له أعطته فرصة لكي يفكر في كلمته التي سيلقيها إذا ما فاز. هنا
حوار مع الطيب صالح الزاهد في الحوارات الصحافية.

كيف تقضي وقتك؟
- أقرأ وأكتب، أسمع الموسيقا، وأشاهد التلفزيون، أذهب أحيانا إلى
المسرح وأحب المشي ولأنني اسكن في ضاحية "ويمبلدون" فالمجال متاح للمشي
اليومي وأذهب إلى وسط المدينة في بعض الأيام لأقابل الأصدقاء.
ماذا تكتب؟
- بعض المقالات والانطباعات وأفكر في الروايات.
لابد أن أسألك ما يسألك الناس دائما عنه لماذا توقفت عن إكمال الجزء
الثالث من "بندر شاه" ولماذا لم تكتب روايات أخرى؟
- كنت اكتب في صفحة أسبوعية في مجلة "المجلة"، والكتابة الروائية تحتاج
إلى مزاج خاص وإن شاء الله أعود إليها.
من أين يأتي التأكد من عودتك لها رغم مرور وقت طويل؟
- أنا اعمل بطريقة غير منظمة، اترك الأشياء تختمر في ذهني لمدة،
ومشروع "بندر شاه" مشروع مهم بالنسبة لي ولابد أن أكمله.
(باغته بالسؤال): من أنت؟
- أجاب: أنا إنسان عادي كما ترين من الشمال الأوسط في السودان، مررت
بالمراحل التعليمية التي مر بها جيلي، ثم ذهبت إلى لندن لأكمل الدراسة،
بالمصادفة، والتحقت بالعمل في ال "بي. بي. سي" لكي أعمل وأدرس وكما
يحدث في الحياة شيء يقود إلى شيء، وجدت نفسي أمشي في طرق لم يخطر ببالي
أن أمشي به من قبل.
ما الذي اختلف أو أضافته الحياة أثناء رحلتك حتى وصلت إلى هذه الفترة
من العمر؟
- معايشة الحياة في الغرب تجربة كبيرة لأنني ذهبت إلى لندن في أوائل
العشرينات من عمري، ووجدت حياة مختلفة عما تعودت عليه، وجدت نفسي أعيش
في غرفة من أربعة جدران بعد أن كنت أعيش في بيوت لها أحواش واسعة،
ووجدتني اعتمد على ذاتي وأنا قادم من بلد كله أهلي، آلاف البشر، والفضاء
في السودان واسع في حين أن الفضاء ضيق في الغرب، وقد وصفت البرد القاسي
في كتابتي لأنني قادم من بلد دافئ، وكان صعب عليّ التأقلم لكنني تأقلمت
لأن الكائن الحي يتأقلم، ولكن هذا كله لم يغير تكويني الداخلي، ظل في
أعماقي الإنسان السوداني كما هو، استفدت من التجارب وتعلمت الاعتماد على
نفسي وأن أعيش في مجتمع يعتمد على العزلة، لكنني لم أتغير إلى الدرجة
التي أحب فيها هذا النوع من الحياة، بل مازلت اعتقد أن طريقنا في العيش
لعلها أفضل مع بعض التعديلات، نأخذها من هذه المجتمعات المعقدة التي
تطورت من الناحية المادية - مجتمعات صناعية - وهذا بطبيعة الحال يغير
من أسلوب العيش.
لو استعدت بطل روايتك "موسم الهجرة إلى الشمال" الآن هل سيعيش ويفكر
بنفس الطريقة؟
- أظن أن الأشياء الأساسية مازالت كما هي، دارت هذه الرواية بين الحربين
العالميتين وكانت لندن وأوروبا عموما مختلفة عما هي الآن وكان الاستعمار
صريحا، كانت بريطانيا هي الدولة العظمى وليست أمريكا، والإنجليز مختلفون
الآن، إذا أردت أن اكتب هذا لابد أن أراعي هذه التغيرات وقد لا اختار لندن
للأحداث.
إذا كانت هناك في الماضي مواجهة - وليس صراعا - بين الحضارة الغربية
والحضارة العربية الآن أصبحت اكثر صراحة في الكلام عن الاسلام، من هذه
الناحية هي نفس القضايا وبعضها ازداد حدة، والاستعمار الذي تمثله أمريكا
بلغت به الجرأة إلى أن يدخل بلدا عربيا قائما، مهما كانت المبررات،
ويحطمه، في الفترة السابقة كانوا "يختشون" قليلا.
هل تتوقع دخولهم السودان؟
- ارجو ألا يدخلوا السودان، لكن كما نعلم من جرأة الولايات المتحدة وهي
القوى العظمى الوحيدة والتي تشعر بأنها تستطيع أن تتصرف كما تشاء اذا
أرادوا أن يدخلوا السودان فسيدخلونها وأنا لا افهم في الحقيقة كل
الهستيريا التي انتابت أمريكا فيما يتعلق بغرب السودان، صحيح هناك
مشكلات لكن المفروض أن يتركوا الناس تحل مشكلاتها، الهستيريا التي ظهرت
أيضا الآن في تعاملهم مع الوجود السوري في لبنان.
لماذا يفعلون ذلك في رأيك؟
- لست رجل سياسة ولكنني أجد أن هذه افعال محيرة ربما هذا يأتي من إحساس
الإنسان القوي بقوته، والآن، الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة بعد
انهيار الاتحاد السوفييتي ولديهم من القوة العسكرية التي تتيح تحويل
النزوات الفكرية إلى واقع، وأمريكا الآن في قبضة تيار يميني متطرف هو
تحالف بين تيار ديني أصولي وتيار صهيوني، كما يقول الأمريكيون المعارضون
أنفسهم، وهم يقولون إن سياستهم لها هدفان الأول هو ضمان تدفق البترول
والثاني ضمان أمن "إسرائيل"، ونحن غير مختلفين في المسألة الأولى لأننا
نريد تدفق البترول، فالعرب لن يشربوا البترول ولابد أن يبيعوه أما
أمن "إسرائيل" فنحن متفقون على أن تنسحب "إسرائيل" إلى حدود 1967 مقابل
السلام الكامل.
مر السودان بتجربة أول تخل من قيادة عسكرية عن الحكم لصالح الحكومة
المدنية واقصد تجربة سوار الذهب ماذا حدث بعد ذلك؟
- أنت تعلمين ماذا أدى اليه هذا لأن المشكلة كانت الصراع مع الجنوب وهذه
قضية واضحة منذ زمن، حصلت الآن اتفاقية، وتعهدت الحكومة الشمالية بتقاسم
السلطة والثروة مع الجنوبيين وقد شجع هذا بعض الأطراف في الغرب والشرق
أيضا - السودان بلد واسع - أن يقوموا بحركات مسلحة إذا كان الجنوبيون
استطاعوا أن يحرزوا ما أحرزوه بالصراع المسلح، فلماذا لا نفعل هذا فنحصل
على شيء.
لأنك أديب كبير نسألك في السياسة إلى أين يتجه الوطن العربي الآن؟
- حين يكون الإنسان في قلب الأحداث يكون من الصعب عليه أن يميز حقيقة
الأمور لكن أنا دائما أقول إن الإنسان العربي إنسان حي وذكي، مرت عليه
تجارب طويلة عبر القرون، وتغلب على صعاب كثيرة خذي مصر مثالا وما واجهته
من غزو من الشمال وغيره. الامور تتطور لأن المتعلمين زادوا والصعوبات
المعيشية والسياسية أصبحت واضحة، أتصور وأرجو أن يكون هناك إدراك من
الحكام فيما يجب عمله. في مصر سيكون هناك انتخاب للرئيس بشكل مباشر، في
السعودية الآن انتخابات بلدية، وهناك حوار مستمر بين اطراف مختلفة من
بينهم السيدات اللواتي يعبرن عن آرائهن بوضوح، وكل هذا أرجو أن يؤدي في
نهاية الأمر إلى ما نرنو إليه.
أعود بك إلى السودان والى الأدب ماذا عن ملامح هذا الأدب وعن كتاب السودان
الذين يحبهم.
- في السودان عدد جيد من الكتاب، تعجبني أعمال إبراهيم إسحاق وهو كاتب
من دارفور وربما هو غير معروف في القاهرة لكنه كاتب ممتاز جدا، وقد لا
تحضرني الأسماء تماما لكن نجد الشباب كتاب قصة ورواية، وفي السودان
شعراء، وهو دائما ما ينجب الشعراء من بينهم محمد المهدي المجذوب رحمه
الله، وقبله التيجاني يوسف بشير، إلياس فتح الرحمن محمد الملكي إبراهيم،
سعيد احمد الحرولو، والفيتوري طبعا، لكن الفيتوري نشترك فيه معكم ومع
ليبيا، ويحضرني من الكاتبات بثينة خضر مكي وغيرها.
ومن العالم العربي؟
- من التطورات المهمة في حقل الرواية، أنه لا يوجد بلد عربي لا يوجد فيه
روائيون جيدون في مصر عندكم جمال الغيطاني، صنع الله إبراهيم، ادوار
الخراط، محمد المخزنجي، البساطي وآخرون في لبنان هناك الياس الخوري،
وعبد الرحمن منيف رحمه الله من السعودية، وفي تونس البشير خريف الذي
كتب "الدجلة في عراجينها" في المغرب كذلك الساحة ملآنة، والذاكرة كما
تعلمين، قد تسقط مني أسماء أحبها.
هل بدأ تأثير عربي أدبي في الغرب؟
- بدأ التأثير يصل إلى أماكن معينة لا نستطيع أن نقول إنه تأثير شعبي
وان الكتب العربية المترجمة موجودة في كل المكتبات وان القارئ الفرنسي
أو الإنجليزي أصبح يشتريها كما يشتري الكتب الإنجليزية أو الفرنسية لكن
في الجامعات بدأ الناس يعرفونها، كما أن الترجمة ازدادت إلى الفرنسية،
والإنجليزية والإيطالية والألمانية اضافة إلى أن حصول كاتب عربي هو نجيب
محفوظ على جائزة نوبل لفت الأنظار إلى وجو أدب عربي محترم، واعتقد
تدريجيا أن الأدب العربي بدأ يشق طريقه إلى الناس في الغرب.
ما الذي يعيق انتشاره؟
- الناس يهتمون أولا بإنتاجهم المحلي فاذا أردت أن يهتموا بانتاج من
الخارج فلابد أن يكون متاحا أولا ثم يصاحب هذا جهد كبير جدا في الاعلام وفي
التلفزيون والاذاعات، وهكذا، ونحن لسوء الحظ لا نبذل جهدا كافيا، هناك
بعض الناشرين في الغرب تطوعوا من تلقاء ذاتهم لنشر كتب عربية لكن لا
يجدون دعما كافيا من المسؤولين العرب.
كيف يكون الدعم؟
- يكون هناك شيء منظم، لأننا في الغالب نقوم بفورة حماسية، ثم نتوقف لابد
من وجود مؤسسات تتولى هذا الجهد بشكل منظم ومستمر، وقد تكون عن طريق
العلاقات بين الناشرين العرب والاجانب لابد أن نلفت النظر إلى إنتاجنا. في
العام الماضي أقيم معرض فرانكفورت الذي كان العرب فيه ضيوف الشرف، ما
حدث أنه بدلا من انتهاز هذه الفرصة الكبيرة وهي فرصة كبيرة فعلا، سادت
الفوضى، ولم يكن التنظيم كافيا وهذا ما سمعته من الأصدقاء المشاركين
لأنني كنت في كندا ولم استطع المشاركة.
نريد أن نقترب من عالم الطيب صالح الشخصي من عاداته في الكتابة؟
- اكتب في الليل، وحين يكون الخيال منطلقا قد أكتب طوال الليل لكنني
على وجه العموم لا اقبل على الكتابة لأنها مملة، ولأن في الحياة أشياء
أخرى أجمل.
مثل ماذا؟
- (ضحك): مثل الحديث مع سيدة لطيفة.
لكن هذا لا يحدث كل يوم؟
- الناس يكتبون أشياء جميلة، القراءة، والسفر، ورؤية بلاد جديدة، افهم
أن بعض الناس يشعرون بأن قدرهم أن يكتبوا وهؤلاء يضحون بأي شيء في سبيل
الكتابة، أنا لا أريد أن أضحي وفي الكلمة القصيرة التي قلتها بمناسبة
الجائزة قلت إنني لا اكتب ليس لأنه لا يوجد لدى ما أود أن أقوله ولكن لأنني
لا أريد أن استسلم تماما لساحرات معبد الفن الشريرات، سواء كتابة أو
موسيقا أو تشكيلا، كل فن له حارسات شريرات فإذا وقع في براثنها يتعب جدا
ونحن نعرف من قصص حياة الشعراء والفنانين أنهم انتحروا أو أصبح بعضهم
سكيرا أو مدمنا، وأنا لا أريد أن اكون كذلك لهذا أراوغهن واقترب أحيانا
من هذا المعبد حتى لا ألاقي نفس المصير.
هل تكلمنا عن الحب؟
- لن ابوح لك أنا أحببت مثل أي رجل، لست عمر بن أبي ربيعة، أو اللورد
بايرون أو غيرهما لكنني أخذت نصيبي من الحب والحمد لله لكن لن أحكي لك.
ما صفات الحبيبة؟
- لا يوجد نموذج محدد.
ما الذي كان يوقعك في الحب؟
- (ضحك بشدة) الحب مشكلة كبيرة وأنت تعالجين هذا في رواياتك لكن أنا لم
اسر في الحياة باحثا عن نموذج لأحبه لكنني أصادق في الحياة ناسا في ظروف
معينة، أحببت إنجليزيات وعربيات، وبعض الحب كان ناجحا وبعضه كان فاشلا.
صف لي إحداهن دون أسماء؟
- هناك واحدة تزوجتها على أي حال، بنية اسكتلندية بدت لي بسيطة ولطيفة
وخفيفة الدم وصوتها جميل وأنا أحب الصوت الجميل ويؤثر على جدا وكذلك
الرقة لأنني لا أحب الشراسة والعنف.
أين قابلتها؟
- كانت تعمل في ال "بي بي سي".
كم كان عمرك؟
- في أوائل الثلاثينات وهي بالكاد بلغت العشرين لكن بالله اعفني من هذه
الأسئلة.
عندك أولاد منها؟
- ثلاث بنات أنهين دراساتهن العليا وسميتهن أسماء عربية: زينب، سارة
وسميرة، كنوع من التمسك بالجذور.
اقترابنا من عالمك الحميم هو اقتراب من عالمك الروائي أيضا ذلك أن أدبك
مليء بالإنسانية والرحمة على شخصياتك نعود إلى الأدب وأسألك عن التطور
الذي وصلت إليه الرواية؟
- الرواية العربية في ازدهار كبير، ووصلت إلى درجات من النضج بحيث لا
تقل عن الإنتاج العالمي، ولدى إحساس بأن المستقبل للرواية العربية كما
حدث مع اكتشاف أدب أمريكا اللاتينية وقد حدث هذا للرواية اللاتينية لأن
هناك أناسا آمنوا بها وقامروا عليها من نقاد ومترجمين وناشرين، ولو وجد
من يقامر على الرواية العربية فستلفت النظر وهذا واضح مما وجدته
الرواية العربية في الغرب، وأنا أقول رغم أن الإنجليز هم الذين ابتدعوا
الرواية لكنها أصبحت لديهم تعبر عن أشياء صغيرة وأصبحوا غير قادرين
عموما على أن يعبروا عن القضايا الكبيرة التي نهتم بها نحن، ولذلك
عندما ظهر لهم واحد مثل ماركيز واستورياسي وامادو وكاربونيير احضروا
لهم عالما أوسع، والواقع أن كبار كتاب أمريكا اللاتينية قد اخذوا من
عندنا، وماركيز يعترف بذلك، اخذوا القدرة عند الإنسان العربي وفي اللغة
العربية على القفزات في الخيال، وسعة التعبير وقدموه لهم على أنه جزء
من الأسرة الأوروبية أظن أن المستقبل كبير للرواية العربية.
لكن الرواية الإسبانية تكتب بلغة من اصل لاتيني؟
- صحيح، يوجد تشابه بينهم، هم في نهاية الأمر أوروبيون لكن الوجود
العربي في إسبانيا أثر، وقد أخذت اللغة الإسبانية من اللغة العربية وحين
تقرئين ماركيز تجدين تأثرا بالعرب في اللغة وفي الأحاسيس في العلاقات
العائلية.
بماذا تفسر أنك كتبت في "الواقعية السحرية" في وقت مبكر جدا وأن هذا
يتشابه مع ما قدمته رواية أمريكا اللاتينية؟
- يقول الناقد كمال أبو ديب أستاذ اللغة العربية في جامعة لندن في
مقاله إن "عرس الزين" قبل ماركيز هي في واقع الأمر بداية "الواقعية
السحرية"، لكننا مظلومون لأنهم يعرضون بضاعتهم والاعتراف يأتي بعد تعب.
بماذا تفسر حب الناس لك والمكانة الرفيعة التي وصل إليها أدبك، ما
الخصائص التي تملكها من وجهة نظرك؟
- يسعدني أن تقولي إن الناس يحبونني، لكن لا يوجد دليل على هذه المكانة
إلا بجائزة القاهرة فلست من الكتاب الحاصدين للجوائز في الوطن العربي
رغم أنني كرمت في المغرب وغيرها من الدول.
أول مقال لرجاء النقاش كان في القاهرة أيضا؟
- أول مقال لرجاء النقاش رحب فيه "بموسم الهجرة للشمال" وكان كرما
كبيرا ومغامرة من ناقد محترم أن يبشر بموهبة كنت ساعتها معروفا في بعض
البلدان العربية ولكن إضفاء ما وصفه عليّ كان كرما كبيرا ودائما أقول إن
النقد يبنى على الحب وأنا لا افهم النقد الذي يكره فيه الناقد العمل أو
الكاتب ولكن النقاد الحقيقيين هم الذين يبشرون بأعمال تثري الأدب في
النهاية وهذا موجود في أدبنا القديم، فالمعري هو الذي بشر بالمتنبي
ودافع عنه في كتابه "معجز احمد" في الغرب اذكر "إف ار ليدز" وكان استاذ
الادب في كامبردج وكان له تأثير كبير وامن ب "د. ه. لورانس" وهكذا في
الادب الفرنسي بروست دافع بشدة عن بودلير ذلك أن النقاد المحترمين مثل
سان بيف احتقروا شعر بودلير لابد أن يحس الناقد بالعمل ويؤمن به ويدافع
عنه وينوه به.
أريد أن تحدثنا عن الفنون التي تعشقها؟
- عندنا في السودان رسام عامي اسمه إبراهيم الصلحي وهو زميلي في
الدراسة وصديقي ونحن نؤثر على بعض، الناس يبحثون عن تأثير الأديب في
أدباء، والناس تظن أنني أتأثر بروائيين لكن أنا أتأثر بأعمال إبراهيم
الصلحي وهو يتأثر بكتاباتي، وأنا أقف في الفن العالمي عند التعبيريين
وليس التجريديين ولهذا أحب مونييه، ومانيه والأعمال العظيمة لهما، أحب
موسيقا الجاز، وأموت في صوت ساره فون، التي تغني وقت الصيف وهناك ماهيلا
جاكسون وغيرهما، وأحب الموسيقا الكلاسيكية، ولقد بذلت جهدا كبيرا لكي
استسيغ الموسيقا الكلاسيكية.
نعود إلى الشعر العربي؟
- أحب الشاعر الفلسطيني توفيق صايغ وهو الذي كان يحرر مجلة "حوار" أحب
أن أقول إن المثلث الذهبي للشعر العربي هم ثلاثة يبدأ بالمتنبي، أبو
نواس، ثم أبو العلاء المعري، وفي الشعر المعاصر أحب صلاح عبد الصبور،
حجازي، محمد إبراهيم ابو سنة، عفيفي مطر، وأحب الشعر العامي، فؤاد حداد
وصلاح جاهين وعبد الرحمن الابنودي، عامية هؤلاء الشعراء فصيحة وعندنا في
السودان شعراء كبار للعامية الحردلو، وهذا غير سيد احمد الحردلو، صلاح
احمد إبراهيم.
هل تتذوق قصيدة النثر؟
- لا اخفي عليك أنني ابذل جهدا لأفهمها لكن لا ازعم أنني أتذوقها بسهولة،
اعرف أن ادونيس شاعر مهم واقرأ شعره، لكن هواي مع الشعر الموزون المقفى
الذي يمتلك موسيقا واضحة.
إذا انتقلنا إلى النقد، يشتكي الكتاب من أن أعمالهم تسبق النقد ما رأيك؟

- لا أدري ذلك لأنني أعيش بعيدا عن هذا المناخ، وليس لدي أي شكوى من
النقد، لكن النقد كما أقول هو عمل إبداعي مواز لعمل التعبير الإبداعي،
أي أنه ليس ذيلا للإبداع، وأرى أنه توجد حتمية لما يكتبه الشاعر أو
الروائي بمعنى أنه لا يكتب وفقا لما يقوله النقاد، ولهذا فان النقد نشاط
آخر.
في كتابك الجديد "منسي" تعرضت لشخصية حقيقية وجاء الكتاب خليطا بين
الرواية والسيرة والمقال. والكتاب ممتع ماذا كان الدافع إليه؟
- هو قصة حياة صديق عرفته عن قرب اسمه منسي يوسف منقريوس، وهي شخصية
اغرب من الخيال وطريفة جدا لو حاولت أن ابتدع شخصية روائية فلن أجد
أطرف منه وقد بدأت الكتاب حين توفي صديقي فجأة وبدأت في كتابة مقال عنه
وظننت أن الأمر سينتهي عند مقالتين، لكن ما حدث أنني كتبت كتابا لأنه وصل
إلى لندن في نفس التوقيت الذي وصلت فيه وعمل في أشياء غريبة: حمال،
وكناس رغم أنه خريج قسم اللغة الإنجليزية في جامعة الإسكندرية وقد تعرفت
عليه في ال "بي بي سي" ثم اغتنى وأصبح مليونيرا وعنده رولزرويس وقصر في
الريف الإنجليزي.
ما الموضوع الذي يراودك للكتابة؟
- أحب قراءة التاريخ، ومشدود دائما لتاريخ الثورة الفرنسية واعتقد أنها
رواية مفتوحة أبطالها شخصيات من اغرب ما يمكن، من ضمنهم واحد اسمه
فوشيه كان قسيسا قبل الثورة، وتحول إلى يساري متطرف وقد تسبب هو
وتاليران (الذي أصبح وزيرا للخارجية) في سقوط روبسبير ثم تحولا إلى أن
أصبحا مع نابليون وتسببا في سقوطه والاثنان أصبحا "دوقين" ورجعا عندما
عادت الملكية وكان دائما فوشيه وزير المخابرات والبوليس، أتمنى أن اعود
إلى كتابة الرواية بالكتابة عنه.
أين ستكون هذه الكتابة ما هي الأماكن التي تحب الكتابة فيها؟
- اذهب مع عائلتي إلى سويسرا في قرية مورين في الجبل وهذا من تأثير عبد
الرحيم الرفاعي، والقرية لا يوجد فيها سيارات وبها شلالات وجبال، ولكن لا
أستطيع أن اخط فيها حرفا واحدا، بينما أجد نفسي في فندق في مكان ما
وتأتيني الرغبة في الكتابة وكذلك في الصحراء أو أي مكان.