ســورية تشــارك في
مهرجــان جلال الديـن الرومي
شاعر المحبة و التسـامـحفي وقت يتعرض فيه العرب والمسلمون لهجمات شرسة من التضليل والتزوير الثقافي وحتى الاتهام، لابد وان يكبر المرء المتابع لمرامي هذه الهجمات وتداعياتها الخطرة على مختلف شعوب العالم، احياء ذكرى من حملت أفكارهم واشعارهم قيم المحبة والتسامح المتدفقة معانيها ومضامينها من ينبوع الرسالة الاسلامية السمحاء، فتلك هي الطريقة الأنسب في الرد على ترهات المغرضين وتعرية مزاعمهم.
وان تشهد مهرجاناً احتفالياً بالذكرى المئوية الثامنة لميلاد واحد من أبرز هؤلاء، فلا بد ان يأخذك الإعجاب إلى مناحٍ عدة.

وأما ان يكلف السيد الرئيس بشار الأسد محافظ حلب د. م. تامر الحجة للمشاركة في مهرجان العلامة الشاعر جلال الدين الرومي في مدينة قونيا التركية فإن الإعجاب يقودك إلى حد الابهار، سيما وأنك تقارب الصدى الواسع رسمياً وشعبياًً في ولاية قونيا وبلدياتها لهذه البادرة بما تنطوي عليه من تقدير عالٍ من سورية وقائدها لقيم شاعر المحبة والإخاء، خاصة وان الرومي عاش في حلب ودمشق وتتلمذ على أيدي أشهر علمائهما ابن العديم وابن عربي، وهو يشكل قاسماً مشتركاً راسخاً ومتجذراً في عمق التاريخ لثمانية قرون، بل يجسد واحداً من مشتركات راسخات يستند اليها تلاحق خطوات تطور العلاقات السورية التركية على هذا النحو المجدي لبلدين جارين تجمعهما مصالح الاقتصاد والتنسيق السياسي والتعاون البناء في مواجهة التحديات، فضلاً عن حرصهما على نشر الاستقرار والسلام في المنطقة والعالم.
في لقاءات الحجّة مع والي قونيا/ عثمان إيدن/ ورئيس بلديتها /طاهر ايكورك/ ورئيس بلدية / جاتال هويوك/ ورئيس بلدية سلجوق /آدم أسن/ ومساعديهم وغيرهم من المسؤولين ، كان صدى بادرة الرئيس الأسد يتردد بالشكر والتقدير والتنويه بمستوى تطور العلاقات ودور تبادل الزيارات وتكريس المشتركات الثقافية والفكرية في تنامي هذه العلاقات وضمان جدواها واستمراريتها، حتى ان رئيس بلدية سلجوق وعرفاناً وتقديراً أهدى السيد الرئيس مجلدين لصور /700/ أثر، أُعِدَّ برعاية الرئيس عبد الله غول، وتلك المشتركات الثقافية كان محافظ حلب يركز عليها في المحادثات الرسمية كما في الحوارات على هامش فعاليات المهرجان وكذلك في التصريح الذي أدلى به لثلاث قنوات تلفزيونية محلية وفضائية تركية فضلاً عما أكده في كلمته خلال افتتاح المهرجان حيث نقل تحيات الرئيس الأسد لأبناء قونيا معرباً عن تقدير سورية لتركيا التي تربطنا بها أواصر الحضارة والقيم السمحةوالمصالح المتبادلة ومنوهاً بأن «مشاركة سورية في هذا المهرجان تؤكد المعاني السامية للبشرية جمعاء، والتي جعلت منظمة اليونسكو تختار الرومي ليكون رجل العام 2007 - وبأن الاحتفاء بالشاعر الرومي يكسب أهمية استثنائية لما يحمله من القيم الخالدة في محاربة الظلم ونشر المحبة، فنحن في سورية نعتز بأن الرومي تبادل المعرفة ونهل من معين علماء حلب ودمشق».
مشيراً الى احتفال حلب العام الماضي بقيم الرومي وآثار اشعاره في التراث الانساني عبر ندوة دولية ضمت اربع شخصيات عربية واجنبية.
وما يلفتك ويشدك الى المهرجان الاحترام الشعبي لصاحبه، فعلى وقع الموسيقا والطبول سارت جماهير غفيرة ولأكثر من ساعة مع فرقة /المهتران/ وهي ترنم اناشيدها وتزهو بثيابها الفلكلورية والزاهية بتعدد الوانها، بينما احتشدت الارصفة وابواب المحال والشرفات بمشاركين ومحبين لشعر الرومي وقيمه الانسانية، ولعل ذلك ما دفع الولاية والبلدية لإقامة هذا المهرجان السنوي.
من معالم التقدير للرومي ان المواطنين الاتراك يسمونه /مولانا/ واما مقامه، فروعةٌ في البناء والزخرفة، وكذلك جامع ومتحف شمع التبريزي حيث لهما مكانة واهتمام لأنه كان صديق الرومي.
في جامع علاء الدين وجامع /قرقاش/ تجسد الاهتمام بالتراث عبر ترميم لافت حافظ على الاصالة، وكذلك في حمام /حجر علي آغا/، في سلجوق الذي وضع بعد ترميمه بتصرف المواطنين كمعرض ثقافي ولبيع المنتجات المحلية، بينما متحف اينجا مينارة والعناية بالحفريات التي كشفت عن آثار الحياة الانسانية لما قبل /6/ آلاف سنة في /جاتال هويوك/ وصيانتها بأسقف بلاستيكية جميلة تنبىء عن مدى الاهتمام بالتاريخ واستحضاره للاجيال.
واما مركز /مولانا الرومي/ الثقافي فإنه يجسد صلة الوصل بين التراث معنوياً، والحداثة بناءً شامخاً وواسعاً ومتنوع المرافق للأنشطة الثقافية.
فالمسرح الدائري المتدرج الرائع اتسع لأكثر من /3/ آلاف مواطن جاؤوا ليكرموا شاعر الحب ويستمتعوا ببعض اشعاره مغناة من قبل اشهر المغنيين الاتراك وهو يرنمها مصاحباً بفرقة عزفت الحاناً تكاد تنطق بالقدود الحلبية /وهذا مشترك وجداني آخر/، واما رقصة السماح «المولوية» على طريقة الرومي فلا اروع، ولاسيما مبتغاها في تعليم الفرد على الصبر والاحترام والتعاون والتحابب.
اعترف اني كنت اجهل مكانة هذا الشاعر وقيمه، وان كنت قرأت بعض قصائده المدرسية، ولكن ما لمسته وشاهدته جعلني اقر بذنب القصير، وانا اتساءل: لماذا لا تركز دور النشر والمؤسسات الثقافية العربية على نشر نتاج امثال الرومي وابن عربي الذي قال «الحب دينه» فما احوج العرب والمسلمين الى ذلك وفي هذا الوقت بالذات.


سعد الله بركات

http://www.albaath.news.sy/user/?id=458&a=42208- قونيا - تركيا