ماذا تعني الموهبة؟

بقلم: محـــــمد جــــــــــــــــبريل
.........................................

يغيظني إصرار البعض علي أن يكون تعامله مع الآخرين بالأرقام والمسطرة والبرجل والتصورات المسبقة التي يشغله ألا تخرج عن أطر حددها.
جعلت المساء همها -منذ يومها الأول- أن ترعي المواهب الحقيقية. بصرف النظر عن الأيديولوجية. أو المجاملة أو الميل إلي التجريب من عدمه ما يستحق النشر فهو ينشر. وقدمت المساء إلي الحياة الثقافية عشرات الأسماء. هي الآن أهم رموزنا الإبداعية.
ثمة من تصور أنه يستطيع أن يصنع مجداً شخصياً بتقديم من يعانون نقص -أو غياب - ملكة الإبداع. يجعل منهم مريدين يدينون بالولاء للقطب. هذا هو التصور لم يخطر في بال صاحبه أن التطبيق قد لا يأتي في مدي تصوره. وهذا ما حدث بالفعل: اختلط الحابل بالنابل. والحقيقي بالزائف. وشحب الصوت الجاد في زعيق الأصوات المفتعلة. ونشطت نظرية قتل الأب كأقوي ما تكون. ومن كان يعجب بتحطيم اللغة -هذا هو التعبير الذي بصقه الكاتب ببساطة في برنامج التليفزيون- وبالتركيز علي الشاذ الذي لا يعدو هوامش معيبة في حياتنا. راعه تخلق فرص النشر والترجمة من قبل هيئات يشغلها الإساءة لهويتنا وثقافتنا المعاصرة. فهي ترصد الجوائز لمن يكتب وفق شروطها. بداية من رفض اليقين الديني وانتهاء بزنا المحارم. مروراً بالاقتصار علي تدني وضع المرأة والحساسيات الطائفية والعلاقات الجنسية الصريحة والتفكك الأسري وحياة المهمشين وساكني العشوائيات والقوادين والمومسات وغيرها من الظواهر التي لا تخلو منها المجتمعات المتقدمة قد تشكل جزءاً من الصورة. لكنها ليست كل الصورة فضلاً عن أن الفنان الذي يمتلك موهبة حقيقية يرفض التقريرية والمباشرة.
أذكر أن عدداً من أدباء الستينيات حاولوا محاكاة إبداعات الرائد محمد حافظ رجب -وهي محاولات جادة. وذات قيمة فنية عالية - فتصوروا أن الإبداع الذي يستحق القراءة. لابد أن يتسم بالغموض. وكما تري. فقد تلاشت كل تلك المحاولات المقلدة. وغاب أصحابها. ولم يعد إلا الفن الحقيقي.
الفن إضمار. لكنه الإضمار الذي يوميء بالدلالات والمعاني. وهو ما لم يفطن إليه الباحثون عن الطريق السهلة. أو فاقدو الموهبة وهو كذلك ما لم يضعه في اعتباره ذلك الذي شغله البحث عن القطبية. فلم يعن إن كان المريدون علي فهم وأصالة فنية. أم أنهم مجرد استكمال لصورة متخيلة؟!
لسنا -بالتأكيد- ضد حرية الفن. لكننا نرفض أن يتحول الفنان إلي "مقصدار" يكتب ما يمليه الزبون!
هامش:
يقول سارتر: ليس العمل الأدبي بجميل قط. ما لم يستعص علي نحو ما علي الفنان إذا أخذ العمل الأدبي صورته دون تعمد من مؤلفه. وإذا تخلصت الشخصيات من رقابة المؤلف. وتصرفت بحرية لم يتدبرها. ولا يتوقعها. وإذا جري القلم بكلمات هي بالنسبة للكاتب نفسه أقرب إلي المفاجأة. فإنه يكون -حينئذ- قد أنتج أفضل أعماله.
...........................................
*المساء ـ في 19/7/2008م.