أسلمه الأدب




ليس في تاريخ اللإنسانية على مر العصور دعوة إلى الحق و الخير و العدل و المحبة و الجمال أعظم من الدعوة إلى توجــيه الأدب و الفكر باتجاه مغناطيسية الأسلمة بمفهومها الإنساني الحق ذلك أن هذه الكلمة بأبعادها الموشــورية تتمحور حول الرضا و القـــبول و الخضوع للمعاني الربانية التي أسست لمشروع إنسان يعمر هذا الكون بأفعالــــه الخيــــرة لا بالإســـمنت المســـلح و البارجـــات
فالله تعالى هو السلام و الجنة هي دار السلام و الوصول إليهما لا يكون إلا بحمل رسالة فكرية أدبية قوامها إفـــادة الإنســــان لأخيه الإنسان دون استلاب المتعة المشروعة لديه و الأدب كغيره من الوسائل إذا لم يكن بأحد أبعاده مفهوماً قيمياً فهو هذر كلام لا طائــلة تحته و ما يهمني من أدب يحمل في طياته بذور نخر الإنسانية ؟ و ما أروع أن تجد و أنت تقرأ شاعراً أمويا يحس بتحول الحياة إلى غابة و الإنسان إلى وحش معنى الأدب الهادف بكل أبعاده في زمن افتقد فيه الإنسان روحه 0
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى
و صوت إنسان فكدت أطير
لقد تحول الإنسان كما رآه الشاعر إلى وحش كاسر فأكب على وجهه و أخذ يسعى إلى تدمير الكون و أشــــــــاح بوجهه عن أخــــيه الإنسان بل رآه في مستنقع الموت و المرض و الجهل و التشرد دون أن تتحرك له مشاعر و هذا ما جعل الشاعر الأموي يهرب من الإنسان إلى الصحراء الموحشة ليعيد إلى داخله توازن الروح مع النفس و ليته نظر إلينا بعين زرقــــــاء اليمـــــامة ليرى ما قالــــه أبو ماضي حتى تستأنس نفسه و تركن إلى الأنس
يا أخي لا تشح بوجهك عني
ما أنا فحمة و لا أنت فرقد
وحقاً كما أشار هذا الشاعر البارع إلى أن الطين قد نسي أنه طين حقير فصال و عربد و انساق وراء نوازع النفس لا وراء معانـــي الروح و العقل 0
إن مفهوم الأسلمة الذي نطرحه هذه الأيام لا يتعدى فحواه الخيرية للناس جميعــــــا على وجه الكرة الأرضــــية و من المفترض في أصحابه أن يكونوا خيرين هدفهم الوصول بالمجتمعات الإنسانية إلى شاطئ الحب و الخير و الأمان و أن ينزعوا أنياب الوحـــــش النفسي الشهواني الذي يستبيح لذاته ما لا تتسعه قيمة الإنسان على هذه الأرض و حقاً كما قال تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر ) 0
لقد سفح الكثير من الأدباء و الشعراء و كتاب الروايات و القصص و المسرح الكثير من مداد أقلامهم على مر العصور في الحديث عن قضايا هامشية تتعلق بنزوات الإنسان و شهواته و تحدثوا عن سقوط الإنسان في مستنقعات الفساد و الإفساد و التدميــــرية على أنها براعة و حذاقة و نسوا أن ي أدب يخرج عن نطاق الأسلمة الإنسانية تسلية و خداع ووهم لهذه النفس و كم نحن في هذا العصر بحاجة إلى أدباء يسعون إلى غرس قيم الفضيلة و الخير في نفوس الأجيال حتى تتمكن من بناء حياة سليمة معافاة مــن المـــــرض و الظلم و الخداع و ما أحوجنا في هذا العصر إلى شعراء و أدباء يحملون على عاتقهم مهمة تقزيم الشر بكل أشـــــكاله و رفع راية الخير نتمثل نحن جمهور المتلقين ما يقولون و نقتدي بما يؤطرون لسان حالهم يقول
لساني لم ينطق حراما و لا هوى و شعري لم يضمـــم كلاماً مــفندا
ولـــم أتـــلون كالـــذين تلــــونوا و زاغـو و راغـوا خسة و تصيدا
و حسبي من السحر الحلال قصائد نطقت بها تبقى إذا لفنــي الهـــوى
إن أسلمة الأدب و دعوته إلى عالم غايته المحبة و السلام و الخير و العطف و محاربة الظلم و الاستغلال و التشرد و القهر عـــمود من أعمدة الحياة الراسخة التي لا تستمر الحياة إلا من خلاله و أدبنا الإسلامي على مر العصور أدب إنســــاني يرى فــي الإنســـان العنصر الأهم و الأبقى و الأقوى و هو أدب مستقل يتناول موضوعاته من صلب حياة الإنســان و معاناتــــه لا من وهمه و خيـــاله المريض لا يقلد غرباً و لا شرقاً و لا يأكل مما تطبخه مطابخ الغرب الجنسية و الفلسفية و الانحلالية و اللاخلــقية و هــو أدب يدعو
و هو أدب يدعو إلى احترام الإنسان كانسان دون غايات نفعية و يدعو إلى احترام المرأة دون النظر إليها على أنها سوقية شــهوانية نفعية و هو يقدم هذه المرأة بأبعادها الخيرية و الحضارية دون أن يبرز مفاتنها الجسدية على حساب قيمها المعنوية و الروحيـة أدب يعتمد على توثيق الصلة بين أفراد الأمة عقائدياً و سلوكيا و أخلاقيا ص و قيمياً ص على العكس مما يطـــرحه بعض ممن نكصــت أعماقه باتجاه السقوط القيمي و عدم النظر إلى الأخلاق على أنها مسألة ذات صلة بالأدب ( فصل الأدب عن الأخلاق ) و قد حاول البعض ممن تراجعت أعماقه باتجاه البحث الشهواني و النفعي عند الإنسان أن يزعم أن السر في انحطاط الشعر العربي هو اتصال الشاعر بأمته عقائدياً و سلوكياً و خلقياً 0
إننا في إطار العوة إلى أسلمة الأدب ندعو و بكل صراحة إلى أدب يتميز بما يلي :

1- النظر للإنسان على أنه مخلوق كرمه لله تعالى و نحن بحاجة إلى تكريمه من خلال دعوتـــه إلى انتظام بعقيدة توحيديــــة
2- المرأة أم و أخت و زوجة عنصر أساسي و مهم من عناصر التكوين الإنساني تحتاج إلى إبراز قيمها المعنوية و الروحية و الخلقية و نبذ ما يركز على الشهوات و الغرائز الساقطة و المدمرة 0
3- الطفولة كينونة مستقلة تحتاج إلى فتح أفاقها الإنسانية و رعايتها سلوكا و أفكاراً و معاني إنســــــانية بعيداً عن التســـــلية و الخداع و المراوغة
4- معالجة قضايا القهر و الظلم الإنساني و الاستعباد و استغلال الإنسان لخيرات الآخرين مع محارة الظلمة و لكشــــف عن مستنقع الاستغلال الذي يعيشه العالم هذه الأيام
5- الكشف عن الآء الله و استثمارها في صور خيرية مشرقة تدفع إلى عقد صفقة صداقة مع الطبيعة و مخلوقاتهـــــا و على رأسها الإنسان 0
6- التأكيد على الكلمة الطيبة الهادية التي تعالج مشكلات الإنسان من منظور فطري خيري
حسين الهنداوي