تأثيرات الأزمة على الدول العربية
انعكست الأزمة المالية الأميركية على معظم اقتصادات دول العالم حتى إنها أصبحت تلقب بالأزمة المالية العالمية. وبما أن الدول العربية جزء من منظومة الاقتصاد العالمي فإنها سوف تتأثر سلبا بهذه الأزمة، بل في واقع الأمر قد تأثرت بالفعل . ومدى تأثر الدول العربية يعتمد على حجم العلاقات الاقتصادية المالية بين الدول العربية والعالم الخارجي . في هذا الإطار يمكننا تقسيم الدول العربية إلى ثلاث مجموعات من حيث مدى تأثرها بالأزمة، وهي:
المجموعة الأولى: هي الدول العربية ذات درجة الانفتاح الاقتصادي والمالي المرتفعة وتشمل دول مجلس التعاون الخليجي العربية.
المجموعة الثانية: وهي الدول العربية ذات درجة الانفتاح المتوسطة أو وفق المتوسطة ومنها مصر والأردن وتونس.
المجموعة الثالثة: وهي الدول العربية ذات درجة الانفتاح المنخفضة ومنها السودان وليبيا.
بالنسبة للمجموعة الأولى فإن صادراتها تمثل نسبة كبيرة من الناتج المحلي، ويعتبر النفط هو المصدر الرئيسي للدخل الوطني . وقد لوحظ جراء تداعيات الأزمة انخفاض أسعار النفط من حوالي 147 دولارا للبرميل في شهر يوليو/تموز الماضي إلى حوالي 77 دولارا للبرميل حاليا، أي بانخفاض بنسبة 50%. ومما لا شك فيه أن هذا الانخفاض الحاد سيؤثر على وضع الموازنات العامة القادمة وعلى معدلات النمو الاقتصادي، إذ إن معدلات النمو في النصف الثاني من العام 2008 والعام 2009 ستنخفض مقارنة بمعدلات عام 2007 والنصف الأول من العام 2008.
من ناحية أخرى ، يلاحظ أن النشاط المالي لدول الخليج في العالم الخارجي كبير، حيث تم استثمار جزء لا يستهان به من عوائد النفط ، وحيث يلاحظ أن دول الخليج أصبحت تمتلك صناديق ثروات سيادية تستثمر في الخارج خصوصا في الولايات المتحدة وأوروبا. تشير بعض التقديرات إلى أن خسائر صناديق الثروات السيادية في الدول الناشئة بما فيها دول الخليج كبيرة , وتقدر الاستثمارات العربية بالخارج بحوالي 2.4 تريليون دولار
ومما لا شك فيه أن هناك بعض الصناديق التي يمكن أن تكون لها استثمارات في بعض المؤسسات المالية المتعثرة.
وكما هو معلوم فإن هذه الاستثمارات مملوكة للحكومات والأفراد ولكن معظمها يعود لدول الخليج وسوف تتأثر تلك الاستثمارات بحسب الجهة التي يتم الاستثمار فيها. وكلما كانت تلك الجهة تتميز بدرجة عالية من المخاطر، فإن درجة التعرض إلى خسائر تكون أكبر، ومما لا شك فإن هناك بعض الخسائر ولكن غير معلن عنها.
أما بالنسبة للبورصات فإن حالة الخوف والفزع هي التي أصابت المستثمرين في العالم كله ابتداء من أميركا، حيث انهارت بورصة وول ستريت , مرورا بالبورصات في معظم دول العالم ومنها إلى البورصات العربية وخصوصا الخليجية والمصرية. - رئيس المركز العربي للدراسات والاستشارات المالية والمصرفية بالقاهرة .
وبالنسبة للأسواق و المؤسسات المالية العربية فليس من المرجح ان تواجه تغيرات جوهرية في أنظمتها ذلك أنها متحوطة أصلا بنسبة أكثر بكثير مما هو الحال عليه في الولايات المتحدة لكن يتوقع ان تحد من محافظها المالية المستثمرة في البورصات العالمية ، و ستعود الأسواق المالية تدريجيا لتعكس مستوى أداء مؤسساتها المسجلة لكن التغيرات السعرية فيها ستكون بسيطة جداً فعهد التغيرات السعرية الكبيرة الآن توقف مع توقع خروج الكثير من المضاربين في ضوء تدني أرباح المضاربة كنتيجة و اتجاههم لإشكالات أخرى من النشاطات الربحية.
إلى أي مدى بنوكنا خارج ألازمة ؟
ربما يجيبنا على ذلك اتجاه أسعار أسهم البنوك العربية كلها إلى التراجع ساحبة معها أسواقنا المالية كما أشارت CNN "تراجعت أسواق المال العربية إلى قيعان جديدة ، وخاصة في الخليج ، الذي شهدت مؤشراته سيطرة كاملة للون الأحمر، وسط خسائر قاسية سيطرت على قطاعي "العقارات" و"البنوك" في مختلف الأسواق، وذلك مع استمرار القلق حول مصير بعض النشاطات الاستثمارية التي تجمع هذين القطاعين في عدة دول بالمنطقة"، و يجيبنا عليه أيضا كنتاج للازمة سحب الكثير من الصناديق الاستثمارية الأجنبية أموالها من أسواقنا المالية أما لمواجهة الأزمة هناك أو تحسبنا لما هو أسوء ربما بدأ هذا السحب لكن لو توسع بتوسع الأزمة سيسبب كارثة لأسواقنا المالية ، إذن الاقتصاد العالمي يعمل وفق نظرية الأواني المستطرقة و لا يوجد اقتصاد خارج العالم.
لا احد يستطيع التكهن بحجم الخسائر الهائلة التي منيت بها الاستثمارات المالية في المحافظ و بشكل خاص المضاربة منها في الأسواق الثانوية و لكن المؤكد ان ترليونات الدولارات ضاعت!
تأثير الأزمة على دول الخليج
أصبحت الأزمة العالمية حديث الموظفين والشريحة المتوسطة الدخل في مدن الخليج؛ حيث يرحب أغلب هؤلاء بأي تغير في الوسط المالي الدولي أو المحلي من شأنه ان يؤثر في هبوط أسعار العقارات والإيجارات التي ضاقوا بها ذرعا. ولا حديث هذه الأيام في العديد من الدول الخليجية إلا عن الأزمة المالية العالمية، حيث ظهرت داخل الشارع الخليجي مجموعة من الأسئلة بعد وقوع هذه الأزمة ، بدءاً من تساءل كثير من المواطنين حول كيفية انعكاس هذه الأزمة عليهم من ناحية تكاليف السلع التي ارتفعت في الفترة الأخيرة بحجة ارتفاع أسعار النفط والتضخم وارتفاع الطلب، وهل سنشهد تراجعا في أسعار العقارات بعد القفزات اللا معقولة في أسعارها خلال السنة الماضية، وهل ستعود أسعار مواد البناء لما كانت عليه في السابق.
- ويتساءل فهد الشثري - ما أثر أزمة أسواق الائتمان في الولايات المتحدة في اقتصادات دول الخليج؟
سؤال يبحث عن إجابة لدى المواطن الخليجي , فضبابية الصورة ألقت بثقلها على الأسواق المالية الخليجية التي تأثرت بشكل أكبر مما تأثرت به الأسواق المالية العالمية الأخرى ولسبب وحيد فقط هو عدم توافر معلومات لدى المستثمر تتيح له تقييم آثار هذه الأزمة بشكل دقيق, وبالتالي شمل الهبوط جميع قطاعات الأسواق المالية الخليجية دون التفرقة بين المتأثر بشكل مباشر كالمصارف التجارية أو المتأثر بشكل غير مباشر كالشركات الصناعية.
والجواب الذي نسمعه كثيراً من صانعي القرار الاقتصادي الخليجي هو محدودية أثر الأزمة في اقتصادات دول الخليج, لكن المنطق يدلل على أن غير ذلك .
أما تداعيات الأزمة المالية على الأسواق المالية لدول الخليج يقول : حساني إن الدول الخليجية ومصر والتي تمتلك أسواقاً مالية أكثر انفتاحاً على الأسواق الدولية قد تتأثر بهذه الأزمة باعتبار أن عوائد النفط فيها يشكل المصدر الأساسي لها ومن المؤكد أن فوائضها المالية ستتراجع بما ينعكس على مشاريع التنمية فيها بحجم الاستثمارات العربية الكبيرة في الأسواق المالية الأمريكية.
هناك ثلاثة مصادر محتملة من مصادر تأثر الاقتصاد الخليجي.
الأول تأثر المؤسسات المالية التي تملك حيازات في سندات الرهن العقاري أو تستثمر في عقود التزامات الدين المهيكلCDO's المرتبط بتلك السندات أو في عقود مبادلة الديون CDS's.
والثاني هو الخسائر الناتجة عن إدارة الاستثمارات بواسطة البنوك الاستثمارية الأمريكية المتأثرة من الأزمة.
أما الثالث والأخير فعن طريق تأثر الوضع الائتماني في دول الخليج, الذي يتمثل في شح السيولة وارتفاع تكلفة الاقتراض.
ما يعني أن القول إن اقتصاد الخليج سيكون بمنأى عن التأثر بهذه الأزمة العالمية هو أمر غير منطقي.
فيما يتعلق بالأثر الأول وهو الخسائر الناتجة عن الحيازة المباشرة لسندات الرهن العقاري أو مشتقاتها فقد أعلن سابقاً أن البنكين المتأثرين جراء ذلك هما: بنك الخليج الدولي GIB الذي خسر ما يقارب 750 مليون دولار من استثماراته في سندات الرهن العقاري ما استدعى رفع رأسماله بتمويل من مؤسسة النقد السعودي، والمؤسسة العربية المصرفية ABC التي تجاوزت خسائرها 500 مليون دولار.
أما المصارف والبنوك الاستثمارية الأخرى فلم تعلن تعرضها لخسائر من جراء أزمة الائتمان العالمية أو على الأقل لم تفصح عن احتمالات تعرضها لخسائر. وارتباط البنوك والمصارف الخليجية بالمصارف العالمية, خصوصاً في الولايات المتحدة, يجعل من الصعب التسليم بأن هناك أثراً محدوداً على استثمارات البنوك الخليجية, التي تتركز بشكل كبير في الولايات المتحدة.
إذ ترتبط البنوك الخليجية عادة بالبنوك الاستثمارية الأمريكية باتفاقيات لاستثمار فوائضها المالية. ما يعني أن إفلاس بنك استثماري مثل ليمان برذرز سيترك لا محالة أثراً في البنوك الخليجية التي تتعامل معه.
لذلك فإن كان أثر الاستثمار المباشر في سندات الرهن العقاري أو في مشتقاته محدوداً بالنظر إلى الطبيعة المعقدة لتلك الأصول الاستثمارية , التي لم تشجع المصرفيين الخليجيين على اقتنائها، فإن ارتباط البنوك الخليجية باتفاقيات استثمارية مع صناديق الاستثمار الأمريكية سينتج عنه بلا شك خسائر لهذه البنوك. إذ إن طبيعة الاتفاقيات مع الصناديق الاستثمارية تحدد مستوى المخاطرة ولا تحدد عادة نوع الأصل المستثمر فيه.
وحيث إن مشتقات سندات الرهن العقاري كالـ CDO's و CDS's تتميز بتصنيف ائتماني عال بسبب الطريقة التي تتم هيكلة هذه الأصول بها، فهذا يجعلها استثماراً متاحاً ومقبولاً تبعاً لاتفاقيات تحديد مستوى المخاطر للأصول المستثمر فيها مع البنوك الخليجية.
لذا فليس مستغرباً أن يتفاجأ بعض البنوك الخليجية بتحقيقها خسائر جراء استثمارات في صناديق استثمارية أمريكية. فقد أعلن بنك أبوظبي التجاري في وقت سابق أنه باشر اتخاذ إجراءات قانونية في نيويورك، لاسترداد بعض خسائر استثماراته في الصناديق الاستثمارية في الولايات المتحدة، مدعيا أنه لم يتم الإفصاح حسب الأصول عن المخاطر المحيطة بالاستثمار، ما يعطي فكرة عن ضبابية الصورة المتعلقة بتلك الاستثمارات حتى لدى المختصين في هذه الصناعة.
وأخيراً وفيما يتعلق بالأثر الأخير المشار إليه ظهرت بوادر أزمة ائتمان خليجية بدأت في دبي . حيث أعلن البنك المركزي الإماراتي أنه نظراً لتراجع مستوى السيولة المتوافرة في السوق لتمويل المشاريع الإنشائية الجديدة في الدولة، فإنه قام بتوفير 50 مليار درهم إماراتي كوسيلة تمويل متاحة للبنوك الإماراتية للاستفادة منها.
*نقلا عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية.
وهناك من ناحية أخرى العامل النفسي ، فهناك خاصية يتميز بها القطاع المالي وهي أنه عند إفلاس أو انهيار مؤسسة مالية بسبب وضعها السيئ فإن الذعر يصيب المودعين في المؤسسات المالية الأخرى، التي يكون الوضع المالي لمعظمها جيدا، ومن ثم يلجؤون إلى سحب ودائعهم . وبالتالي فإن سحب الودائع بصورة مفاجئة يؤدي إلى انهيار تلك المؤسسات المالية حتى لو كان وضعها جيدا وسليما. ويمكن أن يكون هذا أكبر أثار الأزمة على دول الخليج .
قال الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي انه لا توجد منطقة في العالم لم تتأثر بمضاعفات أزمة الائتمان الأمريكية التي كان لها تأثير على النظام المالي الدولي ومن ثم تقويض الاقتصاد العالمي . وأضاف ان أكثر ما يخشاه هو قرب حدوث ركود عالمي إذا أدت هذه ألازمة إلى اتخاذ الدول المتقدمة إجراءات قد تحد من حرية التجارة الدولية وخفض تدفق الاستثمارات . ولكن لا توجد خطط لدى صناديق الخليج السيادية التي خسرت المليارات في أرصدة طارئة لجمع رأس مال لبنوك غربية هذا العام والعام الماضي للقيام بعمل مماثل بعد .
وقال المستشار الاقتصادي وخبير الاستثمارات الدكتور علي بن حبيب بوخمسين ، إن حقيقة هذه الأزمة هي من أكبر الأزمات المالية الحديثة وتتسم بتعقيدات اكتسبتها بسبب تعقيدات النظام الاقتصادي الحديث وتشابك العديد من العناصر الرئيسية المؤثرة عليه وارتباط كافة اقتصاديات الدول الصناعية الكبرى والنامية عبر شبكة علاقات تبادلية بشكل وثيق مما عزز من خطورتها أنها جاءت في مرحلة تفرد مطلق للاقتصاد الأمريكي في قيادة النظام الاقتصاد العالمي وفي ظل تفرد شبه تام لقيادة الولايات المتحدة الأمريكية السياسية ومن الاقتصاد الأمريكي انتقل فيروس العدوى القاتلة ليصيب كل من له علاقة به وهي في اقل التقديرات حسب رأي اكبر خبيرين اقتصاديين رئيس البنك الدولي ورئيس منظمة الصندوق الدولي بأنها ستترك آثاراً سلبية خطيرة ستمتد لعدة سنوات .
قلل بعض مسؤولون ماليون خليجيون من أثر الأزمة المالية التي تجتاح الولايات المتحدة على اقتصادات بلادهم. وقد صدرت تصريحات عدة بهذا الصدد على هامش اجتماع لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية بدول الخليج العربية الذي عقد في جدة بالسعودية. فمن جانبه استبعد محافظ مؤسسة النقد السعودي (البنك المركزي) تأثير الأزمة على وضع النظام المصرفي ببلاده ، مؤكدا أنه لا حاجة لضخ سيولة ؟؟
وأوضح حمد السياري في تصريحات له أن "وضع النظام المصرفي السعودي جيد جداً، وسينعكس ذلك على النتائج المالية للبنوك في الربعين الثالث والرابع من العام الجاري".
وذكر المحافظ السعودي أن البنوك في المملكة تخضع لنظام رقابة مما يقلص حجم تأثرها بمثل هذه الأزمات.
كما نفى أن تكون هنالك استثمارات حكومية بالشركات الأميركية التي تعرضت لأزمة الرهن العقاري، مضيفا أن هذه الاستثمارات يتم توزيعها مع الأخذ بعين الاعتبار المخاطر المتعلقة بها وبطريقة متحفظة.
من جانبه قال وزير المالية والاقتصاد القطري إنه يتعين على دول الخليج العربية الإسراع بإجراءات تدعيم أسواق المال وإقامة البنك المركزي "و إلا فستواجه اضطرابات أسوأ من جراء العواصف المالية مستقبلا".
وذكر يوسف كمال أن الأزمة المالية الأميركية أبرزت حاجة المنطقة إلى هياكل مشتركة. وحذر من أن دول المنطقة بدأت ترى أنه إذا لم تتفق على هذه المسائل فإن مواجهة العواصف المستقبلية قد تصبح أكثر صعوبة.
من جهته حذر المدير العام لصندوق النقد الدولي الذي يحضر الاجتماع الخليجي من أن أسوأ مراحل الأزمة المالية ربما لم يأت بعد وإن مزيدا من المؤسسات المالية قد تواجه متاعب في الشهور المقبلة.
وحاول رئيس اتحاد البنوك العربية التطمين بالزعم بأن الأزمة لن تؤثر على بنوكنا و ان معظم استثماراتها تتجه للداخل، لكنه لا يستطيع ان ينكر انه لا يكاد يوجد بنك واحد في عالمنا العربي لا يدير محفظة أوراق مالية في الأسواق الأمريكية أو ليس لديه ودائع في النظام المصرفي الأمريكي تقتضيها طبيعة النشاط المصرفي العالمي لتسيير معاملاته .
بالتأكيد تراجع العائدات النفطية لدول الخليج العربي سيؤثر سلباً على مدى توفر السيولة خليجياً إلا انه من غير المتوقع ان يؤدي هذا التراجع إلى التأثير الداخلي الحاد في الاقتصاد الخليجي فقد صاغت دول الخليج ميزانياتها على أساس سعر لبرميل النفط لازال بعيداً، كما أن أغلب هذه الفوائض الناتجة عن ارتفاع الأسعار لم تدخل في القطاعات الاقتصادية الخليجية المحلية بل تم استثمارها عالمياً و غالباً في أصول مالية دولية وهي ان كانت في مراحل سابقة حققت أرباحا ضخمة فقد تعرضت مؤخراً لخسائر ضخمة كذلك ، من المفروض ان يتوجه الخليج لاستثمارات أكثر حفظاً للقيمة و ثباتاً لموارده المالية ، لذا من المنطقي ان يترجم ذلك من خلال زيادة الاستثمار محلياً و عربياً في أصول اقتصادية عاملة و على الأغلب سيحصل القطاع العقاري على نصيب الأسد نظراً لما يتمتع به القطاع من قدرة عالية على حفظ و استقرار القيمة.
وتوقع بعض خبراء اقتصاد ومحللون ماليون خليجيون أن يكون للأزمة المالية العالمية أثر إيجابي على المستهلك الخليجي ، أبرزها خفض نسبة التضخم، وأسعار السلع وإيجارات العقارات.
وقال الخبراء إن غالبية سكان دول الخليج يشكون منذ 5 سنوات تقريبا من غلاء كبير، وارتفاع في أسعار العقارات، وربما تلجم هذه الأزمة التضخم، وتدفع الاقتصاد الخليجي للسير بثبات بدلا من القفزات الحالية.
وقال الخبير الاقتصادي المدير التنفيذي لمجموعة "شعاع" هيثم عرابي إن الأزمة المالية العالمية ليست كلها شر، وقد يكون لها تأثير إيجابي يتمثل في وضع الاقتصاد الخليجي على المسار الصحيح، بدلا من القفزات الكبيرة التي يعيشها منذ 5 سنوات تقريبا. وأكد أن دول الخليج قادرة على تجاوز الأزمة الحالية، بفضل الإيرادات النفطية، وفوائض الموازين الحكومية التي تجاوزت 700 مليار دولار خلال الأعوام الخمسة الماضية، معتبر أن الحكومات الخليجية متسلحة بهذا الفائض، وستدخل به إذا لزم الأمر، مثلما فعلت الإمارات التي أتاح مصرفها المركزي 50 مليار درهم للبنوك.
واعتبر الخبير الاقتصادي المستشار لبنك أبو ظبي زياد الدباس أن الأزمة المالية ستتسبب في خفض أسعار مواد البناء، ما يؤدي في النهاية لانخفاض أسعار العقارات التي تشهد تزايدا جنونيا في دول الخليج.
وأشار إلى أنه مع انخفاض سعر النفط تنخفض بالتبعية تكاليف النقل والبناء وأسعار السلع الاستهلاكية، وهو ما يصب في مصلحة المستهلك.
وتوقع الدباس أن تتسبب الأزمة الحالية في خفض معدلات التضخم في الإمارات من 14% إلى 9% ، ومن ثم يجد المستهلك انخفاضا في أسعار السلع.
ويرى المحلل الاقتصادي أحمد السامرائي مدير مجموعة صحاري ورئيس مجموعة صحاري الاستشارية بالإمارات أن الأزمة المالية الغربية سيكون لها تأثير إيجابي كبير على الاقتصاد الخليجي . وأضاف كان ممكنا أن تتعرض اقتصاديات الخليج لنفس الأزمة الأمريكية بعد سنوات قليلة ، لكن يجب أن تكون تجربة الولايات المتحدة درسا لجميع الأنظمة الاقتصادية في المنطقة العربية.
ورأى هيثم عرابي الخبير الاقتصادي والمدير التنفيذي لمجموعة شعاع لإدارة الأصول بالإمارات، أنه قد يكون هناك أثر إيجابي للأزمة المالية في وضع اقتصاد الخليج على المسار الصحيح كبديل عن القفزات الكبيرة التي يشهدها منذ خمس سنوات. وقال عرابي إن معدل نمو اقتصاد دول الخليج بين 12% و25% وقد يتغير ذلك في ضوء المتغيرات لجديدة في الأسواق ليسير بخطى ثابتة تحميه من الأزمات.
وأكد قدرة دول الخليج على مواجهة الأزمة المالية الحالية لما تحصل عليه من إيرادات نفطية كبيرة، وما تحققه من فوائض في ميزانياتها مما يجعلها قادرة على التحرك للتصدي لأي أزمة.
الدول الخليجية مثلها مثل الدول الأخرى المصدرة للنفط ، ستواجه انخفاضا في عائدات النفط ، لأنه من المؤكد ان أسعار النفط ستنخفض إلى مستويات اقل عما كانت عليه قبل الأزمة . إلا انه غالبية هذه الدول ستكون قادرة على إحداث توازن في ميزانياتها مع سعر للنفط في حدود 60 إلى 70 دولار للبرميل. وحتى إذا تدنت أسعار النفط عن ذلك فيمكن لهذه الدول ان توازن أمورها إذا أحكمت عمليات الإنفاق.
إلا ان هذه الحكومات لن تتمكن من التمتع بفائض العوائد من الآن فصاعدا. فقد هوت مؤشرات الأسواق الخليجية بنحو 40% في بعض الحالات، وهو ما أدى إلى تراجع مدخرات المدخرين . ويمكن للأغنياء ان يقاوموا هذه العاصفة المالية إلا ان كثير من عائلات الطبقة المتوسطة وضعت مدخراتها في سوق البورصة.
أما صناديق الاستثمار المستقلة فهي تستثمر أموالها في الخارج وقد تراجعت أصولها بشكل كبير نتيجة ألازمة.
ولم تعلن البنوك الخليجية إلى الآن عن تعرضها لخسائر بسبب القروض الثانوية والقروض العقارية إلا انه من المعروف ان بعضها قد تأثر بالفعل.
وقال كبير المحللين المختصين بالخليج في مؤسسة موديز للتصنيفات الائتمانية ان الدول العربية الخليجية من بين أفضل الدول مركزا في العالم من حيث القدرة على تحمل أثار الأزمة المالية العالمية وانه لا يوجد ضغط على تصنيفاتها الائتمانية السيادية.
قال مجلس التعاون الخليجي ان اقتصادات دول المجلس حققت فوائض كافية على مدى السنوات الخمس الأخيرة وان السيولة لدى بنوكها كافية لتحمل الاضطراب المالي العالمي.
وقال عبد الرحمن العطية الأمين العام للمجلس في تصريحات بثتها وكالة الإنباء السعودية (واس) ان بنوك المنطقة تتمتع بسيولة عالية وكافية ووضع مالي متميز فضلا عن خضوعها لرقابة مالية حصيفة.
وقال العطية ان هذا "يجعل دول مجلس التعاون في موقف قوي لمواجهة ألازمة المالية التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وحماية اقتصادياتها من أية أثار سلبية على الاقتصاد العالمي بسبب هذه الأزمة
وقال تريستان كوبر لرويترز "في الوقت الحالي لا يوجد ضغط نزولي على اي تصنيفات سيادية في الخليج." وأضاف "هذه الاقتصادات ما زالت تؤدي بقوة مع فوائض كبيرة ودعامات هائلة من الأصول المالية الأجنبية."
وقال "من بين دول العالم يجب اعتبار هذه الدول بين أصحاب أفضل المراكز للتعامل مع الفوضى المالية العالمية.. على الأقل من منظور كلي."
لقد حققت الحكومات الخليجية فوائض هائلة في الحساب الجاري في الأعوام القليلة الماضية بفضل الزيادة بمقدار خمسة أمثال في أسعار النفط منذ عام 2002 . واستثمر الكثير من الأموال في البنية التحتية والتنمية وأودع بعضها في صناديق ثروة سيادية مثل جهاز ابوظبي للاستثمار.
وقال كوبر "من الواضح انه حدثت أثار على السيولة في القطاع المصرفي في بعض دول الخليج مع تغير المعنويات.. وسحب المضاربون على العملات ودائع."
وأضاف "التمويل سيصبح.. أو أصبح بالفعل.. أصعب وأكثر تكلفة." واستدرك قائلا ان البنوك الخليجية تجنبت في الأغلب التعامل في أنواع الأصول التي اعترتها المشاكل أثناء الأزمة الائتمانية في الولايات المتحدة.
ويمكن في الواقع ان يكون تشديد شروط الائتمان مفيدا للخليج الذي عانى من تضخم قياسي بسبب ارتفاع تكاليف الواردات واختناقات في الامدادات لقطاع التشييد المزدهر في المنطقة.
وقال انه سيحدث "تباطؤ في النمو الائتماني لكن من مستويات عالية. قد يكون مفيدا ان يحدث تباطؤ بالنظر إلى الضغوط التضخمية المرتفعة."
لكن التوترات في القطاع المصرفي زادت في الأسابيع القليلة الماضية مع سحب المستثمرين ودائع سبق ان أودعوها أصلا على أمل ان تضطر دول الخليج لرفع قيمة عملاتها مقابل الدولار الأمريكي لمكافحة التضخم .
وقال كوبر "من الواضح انه حدثت آثار في السيولة في القطاع المصرفي في بعض دول الخليج مع تغير المعنويات . . وسحب المضاربون على العملات ودائع" .
وحول الآثار المرتقبة لهذه الأزمة المالية على القطاع العقاري حالياً قال بوخمسين: في السوق العقارية السعودية نحن كما أعتقد بمأمن إلى حد ما من آثار هذه الأزمة بشكل مباشر، ولكن لسنا بمأمن من آثارها غير المباشرة فمثلاً فيما لو حدث ان انكشف احد المستثمرين السعوديين الكبار في البورصة الأمريكية أو بسوق دبي أو غيرها وكانت له استثمارات عقارية بالسوق السعودي فهو سيبيعها وبأي ثمن ، ومن هنا تأتي الكارثة بأن يستشعر المتعاملون بالسوق بأن الأسعار بدأت تتهاوى فيقبلون على البيع وتتسارع العجلة . ولكن يجب الإشارة إلى انه من المتوقع ان تمر السوق العقارية في المرحلة الحالية بتصحيح سعري لسبب تداعيات هذه الأزمة على النمو الاقتصادي، وما يؤدي إلى انحسار الطلب بما يؤثر على أسعار التداولات العقارية كذلك بسبب انخفاض أسعار الحديد التي وصلت أسعارا قياسية في الفترة الماضية ولكنها الآن انخفضت . - الرياض الاقتصادي - .
وتقول صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية إن البنك الخليجي، المملوك لحكومات الدول الخليجية الست، يعد من ضمن البنوك الشرق الأوسطية التي تأثرت تأثيرا كبيرا من جراء أزمة الرهون العقارية (الأمريكية) على عكس معظم البنوك في المنطقة التي لم تتأثر بالأزمة أو تأثرت بشكل طفيف.
وحسب التقرير الصحفي ، كان يتعين على البنك الخليجي تدبير مخصصات (لمواجهة القروض والديون) بقيمة تصل نحو 1 بليون دولار خلال العام المالي 2007 بأكمله بسبب ارتباط أوعيته الاستثمارية بالأصول الأمريكية المرتبطة بدورها بالرهون العقارية المتعثرة وبالتالي كان لجوء البنك إلى المساهمين لتدبير مبلغ الـ1 بليون دولار لدعم الموازنة ماليا.
ومع ذلك أقر مسؤول البنك الخليجي أن البنك لا يختلف عن أي بنك أخر رغم أن لديه بعض الارتباط بما يسمى الديون المهيكلة (CDOs) سواء المتعلقة بـ"ليمان برزرز" (الأمريكي) المتعثر أو غيره معربا اعتقاده أن مساهمي البنك سيجد الدعم اللازم، خصوصا المملكة العربية السعودية، عند الحاجة.
وذكر محافظ مصرف قطر المركزي عبد الله بن سعود آل ثاني أن البنوك في بلاده ليست لها أموال لدى بنك الاستثمار الأميركي المنهار ليمان براذرز الذي أشهر إفلاسه أو بنك ميريل لينش، في إشارة إلى عدم تأثر بلاده بالأزمة المالية الأخيرة.
وفي الكويت شكك رئيس اتحاد المصارف في أن تتأثر بنوك بلاده بالأزمة، مرجحا أنه ليس لها أية أموال مستثمرة في بنك ليمان براذرز.
وعزا خبراء اقتصاد خليجيون تراجع الأسواق المالية في المنطقة إلى البلبلة التي تسببها ألازمة المالية العالمية حيث أثارت قلق متعاملين بشأن مصير الاستثمارات الخليجية في الخارج المقدرة بحوالى 2500 مليار دولار وأيضا إلى التراجع الكبير في أسعار النفط الذي يشكل المصدر الرئيسي لمداخل دول المنطقة النفطية.
منقول عن نايف الذوابه